حسابات المكسب والخسارة في مهمة رايس بالمنطقة مكرم محمد أحمد أنهت كوندوليزا رايس الجولة الأولي من مهمتها في المنطقة دون أن يظهر علي السطح ما يؤكد نجاح وزيرة الخارجية الأمريكية في تقليل مساحات الخلاف بين وجهتي النظر الفلسطينية والإسرائيلية حول وثيقة المبادئ, التي تحدد خطوط الأساس لتسوية المشكلات الست التي تواجه مرحلة الحل النهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني, وهل تكون وثيقة محكمة ومفصلة كما يريد الفلسطينيون, أم تكون مجرد وثيقة عامة وغامضة كما يريد الإسرائيليون؟ ودون أي إشارة تؤكد قدرة حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت علي الصمود اذا تعرض مؤتمر نوفمبر لمناقشة قضايا الحل النهائي, التي تتعلق بالقدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والأمن والمياه, في ظل المعارضة الشرسة التي أظهرها ايلي بشاي رئيس حركة شاس التي تشكل جزءا من التحالف الحاكم في لقائه مع وزيرة الخارجية الأمريكية, عندما أكد أن قضية القدس تشكل خطا أحمر, وأن شاس تصر علي أن ترفع المدينة من جدول أعمال التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, وأن مجرد الحديث عن المدينة يعني فض الائتلاف الحاكم وانسحاب شاس من حكومة أولمرت! وبرغم إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية عزمها علي أن تكرس كل أوقية من جهدها لإنجاح المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية, التي يقودها رئيس الوزراء الفلسطيني السابق أحمد قريع ووزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني, إلا أن فرص النجاح لايزال يحوطها الكثير من الغموض, كما أن الطريق الي عقد مؤتمر أنابوليس لايزال مليئا بالعثرات والمشكلات التي ربما تفرض علي كل الأطراف تأجيل انعقاد مؤتمر نوفمبر, لأن فشل المؤتمر في تحقيق أهدافه يرتب أخطارا ضخمة علي المنطقة من بينها توقع زيادة أعمال العنف, كما يرتب نتائج خطيرة علي الجانب الفلسطيني, يمكن أن تؤدي الي إضعاف مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ربما يري نفسه مضطرا للاستقالة, كما تؤدي الي المزيد من تفكك جماعته فتح لحساب حماس, التي سوف تظهر علي الساحة باعتبارها طرفا رشيدا حذر أكثر من مرة من خطورة انعقاد المؤتمر, برغم أن حكومة حماس تعاني وضعا صعبا في قطاع غزة, لأنها لا تسدد الرواتب ولا تستطيع استيراد متطلبات الغذاء ولا تستطيع تسيير المعابر, فضلا عن آثار أخري يصعب حسابها.. والواضح من التقويم الأمريكي لمجمل الجهد الذي بذلته كوندوليزا رايس في رحلاتها المكوكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين, أن حسابات الخسائر لاتزال تفوق حسابات الأرباح! وقد يدخل ضمن حسابات الأرباح, نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ومحمود عباس في حد أدني من الثقة المتبادلة, تنفي مقولة الإسرائيليين القديمة عن غياب شريك فلسطيني يتحمل مسئوليات السلام, وهي المقولة التي درج شارون علي استخدامها طوال سنوات حكمه, وإن كان رئيس الوزراء أولمرت يتحدث كثيرا عن فجوة واسعة بين نيات محمود عباس الطيبة وقدراته المحدودة علي تغيير الواقع الفلسطيني الراهن, لكن أولمرت يعتقد بالفعل أن محمود عباس يمثل الفرصة الأخيرة لحوار إسرائيلي فلسطيني رشيد يمكن أن يؤدي الي قيام دولة فلسطينية الي جوار إسرائيل, لأنه بعد غياب محمود عباس لن يكون هناك سوي حماس, كما يدخل في حسابات الأرباح ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت, ربما للمرة الأولي, بأن إسرائيل لا تري ضرورة لاستمرار سيطرتها علي المناطق الفلسطينية في القدسالشرقية, برغم أن هذا التصريح المقتضب لا يسمح بأية استدلالات تؤكد أن الفجوة الواسعة بين الرؤية الإسرائيلية والرؤية الفلسطينية حول مصير القدسالشرقية قد ضاقت. وقد يدخل في حسابات الأرباح, حاجة الإدارة الأمريكية الملحة الي تحقيق نجاح ملموس في تسوية القضية الفلسطينية, جعل قضية سلام الشرق الأوسط علي رأس أولوياتها الراهنة, وحفز كوندوليزا رايس علي أن تؤكد استعدادها لتكريس جهودها حتي اللحظة الأخيرة من عمر ادارة بوش لإنجاح مشروع التسوية, علي أمل أن تسحب هذه الادارة البساط من تحت أقدام الرئيس السابق بيل كلينتون, الذي يعود الي البيت الأبيض متخفيا في رداء قرينته هيلاري, التي تتصدر السباق في ماراثون انتخابات الرئاسة الأمريكية عام2008 أي بعد15 شهرا, خصوصا أن كلينتون كان علي وشك تحقيق نجاح ضخم في المباحثات التي جرت قبل نهاية ولايته الثانية في كامب ديفيد, وشارك فيها كل من الرئيس عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي يومها ايهود باراك, لولا خوف باراك من أن يلقي المصير نفسه الذي لقيه اسحاق رابين وتراجعه في اللحظة الأخيرة. غير أن حسابات الخسارة الواضحة حتي الآن لا تقل شأنا وربما يكون أولها حقيقة مؤكدة, مفادها أن نجاح أي مشروع لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يستوجب بالضرورة تغييرا مهما في التحالف الإسرائيلي الحاكم يستبعد أقصي اليمين المتطرف متمثلا في وزير الاستراتيجية الإسرائيلية افيجدور ليبرمان, بالإضافة الي حزب شاس الذي يريد رفع قضايا القدس والمستوطنات والحدود واللاجئين من جدول أعمال مؤتمر أنابوليس, ويفضل أن يكرس المؤتمر جهده لقضية واحدة تتعلق بالدعم الاقتصادي للشعب الفلسطيني, الذي يحتاج الي العون الغذائي بأكثر من حاجته الي الدولة الفلسطينية, علي حد التعبير المستفز لإيلي بشاي رئيس شاس في لقائه مع وزيرة الخارجية الأمريكية. ويدخل ضمن حسابات الخسارة أيضا, فكرة الفصل بين الوصول الي التسوية وتنفيذ بنودها علي أرض الواقع, لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت لايزال يرفض تنفيذ أي من بنود المعاهدة الفلسطينية الإسرائيلية التي يمكن أن تتوصل لها مفاوضات الجانبين ما لم ينجح أبومازن في اجتثاث تنظيمات الارهاب وعلي رأسها حماس والجهاد, اللتان تتحصنان داخل حدود غزة تنفيذا لاتفاقية خريطة الطريق, بما يعني العودة مرة أخري الي متاهة الحلقة المفرغة, التي استمرت أكثر من6 سنوات دون أن تفتح أي طريق واضح للتسوية, وفي المقابل يطالب الفلسطينيون بوقف عمليات الاستيلاء علي مساحات الأرض في المنطقة أ الواقعة بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدسالشرقية, ووقف عمليات الحفائر التي تجري في جبل الهيكل أسفل المسجد الأقصي عند باب المغاربة. وقد يكون ضمن حسابات الخسائر أيضا, اصرار اسرائيل علي رفض الالتزام بأي جدول زمني يرتب مواعيد محددة لإنهاء مفاوضات الجانبين التي سوف يطلقها مؤتمر نوفمبر وصولا الي اتفاقية سلام في غضون ستة أشهر, تكون بداية لعودة الحياة الي مسيرة التسوية علي المسارين السوري واللبناني, لأن رفض الجدول الزمني يترك لإسرائيل الحبل علي الغارب كي تماطل كما تريد, وتؤخر قيام الدولة الفلسطينية التي كان من المفترض أن تقوم عام1999 وفقا لأوسلو, أو عام2005 وفقا لخريطة الطريق. لكن كل هذه العقبات تهون أمام قضية القدس التي كانت سببا لفشل اتفاق الجانبين في مباحثات كامب ديفيد علي عهد الرئيس الأمريكي السابق كلينتون, والتي لاتزال تشكل أهم العقبات أمام مشروع التسوية المطروح علي مؤتمر نوفمبر.. ولا أظن أنه سوف يكون في وسع الفلسطينيين أن يذهبوا الي مؤتمر السلام في أنابوليس دون أن يكون هناك إعلان مبادئ يقر بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين في اطار اتفاق فلسطيني اسرائيلي ينظم حق التعويض أو العودة. صحيح أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كانا قد اقتربا من تسوية هذه المشكلة في مباحثات طابا, التي أعقبت مؤتمر كامب ديفيد الذي عقده الرئيس السابق كلينتون قبل نهاية مدة ولايته الثانية, لكن المشكلة مع الإسرائيليين في التفاوض أنهم يحبون اللف والدوران في دائرة مغلقة بهدف المماطلة وكسب الوقت وانتزاع آخر قطرة من عرق المفاوض الفلسطيني, وكذلك الأمر مع القدس التي لاتزال تشكل العقبة الكئود أمام أي اتفاق محتمل بين الطرفين, لأنها أكثر المشكلات حساسية وصعوبة لارتباطها العاطفي والديني بعقائد الجانبين. وعندما اقترح نائب أولمرت حاييم رامون قبل أقل من أسبوعين, لأول مرة, نقل الأحياء المتطرفة من القدس التي يسكنها مئات الآلاف من الفلسطينيين الي الدولة الفلسطينية, قامت قيامة الإسرائيليين, الذين يجمعون علي بقاء القدس مدينة موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل.. وكما يعرف رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت أن معظم الاسرائيليين يعيشون مع افتراض لا يقبل الشك بأن القدس سوف تظل عاصمة لإسرائيل ولن تقسم مرة أخري, يعرف الرئيس الفلسطيني أن أي اتفاق مع الاسرائيليين لا يتضمن عودة القدسالشرقية سوف يصبح اتفاقا باطلا فلسطينيا وعربيا واسلاميا... ومع ذلك فثمة قبول فلسطيني عربي واسع بأن يبقي حائط المبكي والحي اليهودي تحت السيطرة اليهودية مقابل أن يعود الحي الفلسطيني والمسيحي والمسجد الأقصي الي سيطرة الدولة الفلسطينية, لكن مشكلة الاسرائيليين أنهم يختلفون حول تفاصيل عديدة تتعلق بالقدس, فرئيس الوزراء الأسبق باراك شريك أولمرت في التحالف الحاكم يصر علي أن يبقي الأمن في القدسالشرقية مسئولية مشتركة, وأن تستمر السيطرة الإسرائيلية علي جبل الهيكل, في حين يطالب حاييم رامون نائب رئيس الوزراء أولمرت بنظام خاص في القدسالشرقية, دون إعلان سيادة أو رفع الأعلام, بينما يرفض افيجدور ليبرمان وزير الاستراتيجية الاسرائيلية وأكثر المسئولين الاسرائيليين عنصرية وتشددا أي حل وسط, ويؤكد ضرورة استمرار السيادة الإسرائيلية علي القدس بشقيها, والمؤسف أن غالبية الجمهور الاسرائيلي(63 بالمائة) التي ترفض أي حل وسط حول القدس, كما ترفض نقل الأحياء العربية الي سلطة الدولة الفلسطينية, وتصر علي أن تكون اسرائيل وحدها هي صاحبة السيادة علي الأماكن المقدسة بما في ذلك الحرم وحائط المبكي. وما يزيد المشكلة تعقيدا, اصرار اسرائيل علي أن تفسد أية تسوية مستقبلية تساعد علي توسيع القدسالشرقية وتؤهلها لإمكان أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية بخرقها المتعمد لقرارات الأممالمتحدة التي تمنع اسرائيل من البناء في المنطقة أ التي تفصل بين مستوطنة معالية ادوميم ومدينة القدسالشرقية, وبنائها قاعدة كبيرة المساحة في المكان ذاته للشرطة الاسرائيلية في اطار مخطط عمراني معلن يستهدف بناء3500 وحدة سكنية في المنطقة, اضافة الي مصادرتها الأخيرة لمساحة1100 دونم تم اقتطاعها من قري أبوديس والسواحرة وانتهي موسي وطلحان الحمار بحجة اقامة طريق يربط بين بيت لحم ورام الله, لكن الهدف الحقيقي من المصادرة هو الالتفاف علي قرارات الأممالمتحدة واعادة البناء في المنطقة أ كي لا يتم الحاقها علي القدسالشرقية. وبرغم أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس دعت الطرف الاسرائيلي الي التوقف عن أية أعمال يمكن أن تؤدي الي فشل مؤتمر نوفمبر, إلا أن الاسرائيليين لم يلزموا أنفسهم بأي قرار يلغي المصادرة العسكرية التي تمت لأراضي الإهلين واراضي الدولة في المنطقة, وقد تمثل تصريحات أولمرت حول امكان نقل الأحياء الفلسطينية في القدسالشرقية الي سلطة الدولة الفلسطينية خطوة الي الأمام علي الطريق الصحيح, إلا أن ثمة مخاوف حقيقية من أن يحدث لأولمرت ما حدث سابقا لايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق عندما سلم في مؤتمر كامب ديفيد تحت رعاية الرئيس الأمريكي السابق كلينتون بإمكانية تقسيم الحكم في القدس بين الفلسطينيين والاسرائيليين, لكن الجبن أصابه في اللحظة الأخيرة, ورفض اعطاء عرفات حق السيادة الفلسطينية علي منطقة الحرم. عن صحيفة الاهرام المصرية 20/10/2007