مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر «أنابوليس« للسلام الذي دعت إليه الولاياتالمتحدة في أعقاب استيلاء «حماس« على قطاع غزة في يونيو الماضي (2007) وقرار الرئيس الأمريكي «بوش« ورئيس الوزراء الإسرائيلي «إيهود أولمرت« مساعدة الرئيس الفلسطيني «محمود عباس« في الضفة الغربية، واعتبار القطاع «كيانًا معاديًا« - يثار العديد من التساؤلات حول الهدف من ورائه والقضايا المطروحة على جدول أعماله والأطراف المشاركة فيه، ومواقفها تجاه تلك القضايا، وما يمكن أن يخلص إليه من نتائج. وعلى الرغم من البداية القوية التي صاحبت الدعوة إلى عقد المؤتمر، والتي اتضحت في اللهجة الحماسية التي استخدمتها وزيرة الخارجية الأمريكية «كونداليزا رايس« حينما أطلقت عليه في البداية «مؤتمر السلام«، وما صاحب ذلك من تفاؤل وتأكيدات أمريكية لأهميته في تحقيق السلام، فإنه سرعان ما تبددت الأحلام، وتراجعت الأمنيات، وتقلصت الأماني حول ما يمكن أن يخرج به. وقد برز هذا التراجع واضحًا أيضًا في النبرة التي بدأ استخدامها من جانب «رايس«؛ حيث خبت شيئا فشيئا حتى أطلق على المؤتمر «اجتماع السلام«؛ أي يدخل في نطاق اللقاءات والاجتماعات، ولا يصل إلى مستوى المؤتمرات. وقبل التحدّث عن مؤشرات نجاح المؤتمر أو فشله، سنسلط الضوء على سؤال محوري يتعلق بالهدف من ورائه ودلالة توقيته؟ بداية، يمكننا القول: إن الرئيس الفلسطيني «محمود عباس« حدد هدف المؤتمر بقوله: «انه مجرد لقاء ليوم واحد هدفه إطلاق مفاوضات التسوية الدائمة وإعطاء غطاء دولي للمسار التفاوضي بين إسرائيل والسلطة التنفيذية«. وإذا كان هذا هو الهدف المعلن، فإن الأمر لا يقتصر على هذا فحسب، فلا شك أن هناك أهدافًا أخرى خافية تتعلق بكل طرف من الأطراف الثلاثة (الأمريكي- الإسرائيلي- الفلسطيني) يسعى إلى تحقيقه.. وهذه الأهداف هي التي تفسر لنا إصرارهم على عقد المؤتمر في هذا التوقيت، بل الإصرار على عقده رغم ما يثار حول إخفاقاته والتوقعات بفشله من مختلف الأطراف، وتتمثل هذه الأهداف فيما يلي: - الطرف الأمريكي: يسعى إلى تحقيق أي نجاح على صعيد القضية الفلسطينية يعوض مأزقه في العراق وأفغانستان، وذلك إدراكًا منه أن الضرر الذي يمكن أن يصيب سياسته في المنطقة بسبب عدم عقده أكبر من الضرر الذي يمكن أن يصيبه بسبب فشله. من جانب آخر يأتي انعقاد المؤتمر ليمثل جانبًا مهمًا في استراتيجية «رايس« للشرق الأوسط الكبير، التي تقوم على تقوية المعتدلين من القادة أمثال «محمود عباس« في مقابل إضعاف العناصر المتشددة كحماس وحزب الله تمهيدًا لإيجاد معالجة جذرية لبرنامج إيران النووي. وقد حددت «رايس« هذا الهدف بوضوح في كلمتها أمام الاجتماع السنوي العام لاتحاد الجمعيات اليهودية، الذي يعتبر المظلة الرئيسية التي تمثل يهود أمريكا، بقولها: - «إن مستقبل الشرق الأوسط يقع على المحك، وإن الولاياتالمتحدة ستخوض المعركة بين المعتدلين والمتطرفين من أجل مستقبل المنطقة، وإن الحكومة الأمريكية ترى في دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقائم بأعمال رئيس وزرائه (سلام فياض) ركيزة أساسية في محاولاتها لتشكيل جبهة من المعتدلين في الشرق الأوسط لمواجهة التهديدات الإرهابية وإيران«. - الطرف الإسرائيلي: يبغي استثمار الفرصة الذهبية المتاحة حاليًا في ظل وجود إدارة «بوش« التي تعتبر أفضل إدارة في دعمها لإسرائيل؛ حيث يريد «أولمرت« الاستفادة من ورقة الضمانات الأمريكية التي منحتها تلك الإدارة لإسرائيل عام 2004، والتي شملت موافقة أمريكية على عدم العودة إلى خطوط 1967، وعلى ضم الكتل الاستيطانية، وعلى عدم حل قضية اللاجئين على حساب إسرائيل من خلال عودتهم - ولو بأي عدد - إلى ديارهم وممتلكاتهم كما ينص القرار رقم 194 ومبادئ القانون الدولي. كما يتمنى «أولمرت« أيضًا أن يستفيد من «خريطة الطريق« التي تعطي الأولوية للأمن الإسرائيلي قبل التفاوض على القضايا الجوهرية، حتى قبل إقامة الدولة الفلسطينية نفسها، وخصوصًا أن إدارة «بوش« في فترة ولايتها الأولى، تعهدت علنًا وفي بيان مشترك نادر وقعه كل من «باول« و«رايس«، أنها ستأخذ الملاحظات الإسرائيلية على خريطة الطريق في الحسبان عند تطبيقها، وهذا ما حدث فعلاً، أي إن تل أبيب تدرك أن تسوية قضية اللاجئين والقدس وحدود الدولة الفلسطينية مستحيلة أو شبه مستحيلة، ولذا فهي تسعى في «أنابوليس« إلى قلب هرم الأولويات، بدلاً من حل القضية الفلسطينية كمدخل لتسوية الصراع العربي- الإسرائيلي، يجري فرض السلام على العرب كمدخل لحل القضية الفلسطينية. - الطرف الفلسطيني: يسعى الرئيس الفلسطيني إلى استغلال أي مناسبة دولية لإضفاء الشرعية على سلطته السياسية والدستورية المتقلصة من ناحية، وإضعاف الوجود الحماسي في الشارع الفلسطيني من خلال التوصل إلى أي اتفاقيات تحفظ ماء الوجه من ناحية أخرى. أولاً - أسباب الفشل: على الرغم من الاجتماعات واللقاءات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من ناحية، والمسعى الأمريكي - الأوروبي من ناحية أخرى من خلال الزيارات المكوكية للمنطقة للوصول إلى وثيقة تفاهم مشتركة تكون محور المؤتمر، بل على الرغم من التوصل إلى تلك الوثيقة، التي مثلت قاعدة انطلاق للمفاوضات المزمع البدء بها، وذلك استنادًا إلى المرحلة الأولى من خريطة الطريق، فإن المؤشرات المستقبلية تؤكد أن مؤتمر الخريف (انابوليس) تساقطت أوراقه قبل انعقاده، وذلك للأسباب التالية: 1- التغير المستمر في مواقف الأطراف الرئيسية الثلاثة في المؤتمر (الأمريكي - الإسرائيلي - الفلسطيني)، وما ترتب على ذلك من تقليص لمصداقية الرؤساء الثلاثة، ففي البداية كان الرئيس «عباس« يتحدث عن مفاوضات تجرى، عبر لقاءاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «إيهود أولمرت«، للتوصل إلى «اتفاق مبادئ«، ثم أصبح الحديث عن «إطار لاتفاق مبادئ« يتضمن «قضايا جوهرية«، ثم تحددت هذه القضايا الجوهرية في أنها «قضايا الحل النهائي« و«اللاجئون« و«الحدود والقدس«.. بعد ذلك تحول الحديث فأصبح عن «بيان مشترك« ثم «بيان عام«، وأخيرًا تركز حديث الطرف الفلسطيني في «جدول زمني« للمفاوضات، ثم اختفت كل تلك الأحاديث وطفا على سطح الأنباء التي تنقلها التقارير الصحفية موضوعان: - «تبادل الأراضي« و«تبادل السكان«. أما الطرف «الإسرائيلي«، فقد رفض «أولمرت« ووزيرة خارجيته كل ما قاله الرئيس «عباس« وفريقه، سواء حول (اتفاق المبادئ) أو (قضايا الحل النهائي) أو (الجدول الزمني) للمفاوضات، بل بطريقة عجيبة أعادا الحديث إلى (خريطة الطريق) التي قتلها «الإسرائيليون« أنفسهم، وأكدا أن المقصود بهذه العودة هو البند الأول منها الخاص بما يسمى (محاربة الإرهاب الفلسطيني)؛ أي القضاء على منظمات المقاومة الفلسطينية قبل أي خطوة يخطوها الجانب «الإسرائيلي«.. وكانت «ليفني«، ولاتزال، ترى لقاء «أنابوليس« فرصة فقط للتطبيع مع الدول العربية، وجاء تعيينها رئيسة للفريق «الإسرائيلي« المفاوض ليعبر عن موقف «أولمرت« ونظرته هو الآخر للقاء. أما بالنسبة الى مواقف الطرف الأمريكي، فقد انساقت تراجعات «رايس« لتتماهى تمامًا مع المواقف «الإسرائيلية« في كل النقاط المطروحة، ولكن الخداع الأمريكي كان يتطلب إضافة (تشويشات) على الموقف الأمريكي الواضح والمنحاز للموقف «الإسرائيلي«، ومن أجل هذا (التشويش) تناقلت الأنباء كلامًا عن (تفكيك) بعض المستوطنات العشوائية مقابل تنازل الطرف الفلسطيني عن كل مطالبه وشروطه لحضور لقاء «أنابوليس« . 2- الغموض في الموقف الإسرائيلي؛ أي عدم ظهور «أولمرت« وحكومته برؤية واضحة موحدة ومحددة الأهداف من لقاء «أنابوليس«، ويعود ذلك لخشية أولمرت على حكومته في ظل صيغة وطبيعة الائتلاف الذي يتزعمه، وهو بذلك إنما ينأى بنفسه عن مجابهة أعضاء حكومته وقوى تيار المعارضة، مما يشكك في مدى جدية الطرف الإسرائيلي؛ حيث هناك معارضة من حزب «إسرائيل بيتنا« ورئيسه «أفيغدور ليبرمان« الذي يسعى من جانبه لإجهاض مؤتمر «أنابوليس«، ويحاول التنسيق في ذلك مع حزب يميني آخر في الحكومة، وهو حزب اليهود الشرقيين المتدينين «شاس« ومع عدد من نواب الحزب الحاكم «كاديما«، بالإضافة إلى معارضة جنرالات الجيش، الذين صعدوا بدورهم من تصريحاتهم التشاؤمية وتشكيكهم في هذا المسار، وقد أعرب ضباط كبار في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش عن تصورهم بأن المؤتمر سيفشل، وأن احتمالات نجاحه تقارب الصفر، مرجعين ذلك إلى عدم قدرة السلطة الفلسطينية -حسب رأيهم - على فرض سيطرتها على الشارع الفلسطيني، ولا حتى على أنصارها من حركة «فتح«. إلى ذلك، أظهر «مؤشر السلام« الشهري الذي تنشر نتائجه صحيفة «هاآرتس« أن 51% من الإسرائيليين (اليهود) يرون أن اجتماع «أنابوليس« لن يكون قادرًا على مناقشة قضايا الصراع الجوهرية أو تعزيز احتمالات التوصل إلى اتفاق، في مقابل 40% يعتقدون عكس ذلك. وقال 65%: إن معظم الفلسطينيين لم يسلّموا بوجود إسرائيل، ويرغبون في القضاء عليها لو كانوا قادرين على ذلك، وأيد 71% الإجراءات العقابية التي أقرتها الحكومة بقطع إمدادات الوقود والكهرباء عن قطاع غزة وعارضها 12% فقط. 3- تباعد الأجندة الخاصة بالمفاوضات لدى الطرفين المعنيين، فلكل طرف حساباته وأولوياته ومطالبه؛ ففي الوقت الذي يرى فيه الجانب الفلسطيني أن الوضع يتطلب تدخلاً حازمًا من قبل الإدارة الأمريكية لحضّ إسرائيل وتشجيعها على تقديم استحقاقات مهمة في مفاوضات «أنابوليس«، من ضمنها: * عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في مناطق السلطة قبل الانتفاضة. * فتح المؤسسات الفلسطينية في القدسالشرقية. * الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين في السجون الإسرائيلية. * وقف عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي وتفكيك المستوطنات العشوائية. * رفع الحواجز وتسهيل حركة الفلسطينيين. * الاتفاق على جدول زمني بشأن إنهاء عملية المفاوضات حول قضايا الحل النهائي. * قيام دولة فلسطينية في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام .1967 * التوافق على صيغة معقولة ومقبولة في شأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار رقم .194 * اعتبار القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، مع العودة لصيغة «كلينتون« في شأن اعتبار الأحياء الفلسطينية ضمن القدسالشرقية، وضم الأحياء اليهودية للقدس الغربية. على الجانب الآخر، وفي مقابل ذلك، تضمنت الأجندة الإسرائيلية التي عرضها «أولمرت« عددًا من المسائل، تمثلت فيما يلي: * طرح فكرة الاعتراف بطابع إسرائيل كدولة يهودية، كشرط مسبق للاعتراف بالدولة الفلسطينية. * انتزاع اعتراف عربي وفلسطيني خصوصًا في شأن اعتبار قيام دولة فلسطينية هو بمثابة نهاية للصراع ونهاية للمطالب الفلسطينية. * عدم الاستعداد للالتزام بجدول زمني لإنهاء المفاوضات. * تفسير حق العودة للاجئين بعودة هؤلاء للدولة الفلسطينية. * فتح مجال التطبيع مع الدول العربية بالتزامن مع الخطوات المتحققة وليس بعدها. * ربط تقديم أي استحقاقات في شأن عملية التسوية بضمان أمن إسرائيل، وهذا هو المقصد من طرح «خريطة الطريق«، في مرحلتها الأولى، التي تفترض قيام السلطة بمكافحة الإرهاب، مقابل تنفيذ إسرائيل ما هو مطلوب منها في تلك المرحلة (وقف الاستيطان ورفع الحواجز الأمنية وفتح المؤسسات في القدس). 4- التصعيد الإسرائيلي المستمر وانتهاج السياسات القمعية؛ فبعد إعلان قطاع غزة «كيانًا معاديًا« لجأت القيادة الإسرائيلية إلى تصعيد الأعمال العسكرية بدءًا من غارات الطيران، مرورًا بالاجتياحات البرية، وانتهاء بالاعتقالات والاغتيالات، هذا إلى جانب قيام الحكومة بتصعيد العقوبات الجماعية الاقتصادية من خلال قرارها وقف التعامل المالي مع قطاع «غزة« وقطع إمدادات الكهرباء والنفط والغاز، ليتحول القطاع إلى «كارثة إنسانية« على حد وصف مقرر «اللجنة الدولية لحق الإنسان في الغذاء« في مقابلة مع صحيفة «الأخبار اللبنانية« في 29/10/2007 بقوله: «الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة مأساوي والأرقام تتحدث عن نفسها«. ولم يقتصر الأمر على القطاع فحسب، فلم يكن حال الضفة الغربية بأفضل منه، على الرغم من أنها ليست كيانًا معاديًا، بل يضاف إلى ذلك ما يجرى فيها من توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي، إلى جانب زيادة الحواجز على الطرق لتصل إلى 757 حاجزًا داخلها. 5- ان الطرفين المعنيين (الفلسطيني والإسرائيلي) يمران بأوضاع داخلية صعبة وغاية في الحساسية، وكل منهما ينتظر من المفاوضات أن تعزز موقعه الداخلي، خاصة في ظل المعارضة الداخلية التي تواجه كلا منهما، وتنظر إلى هذا المؤتمر برؤية سلبية. 6- موعد المؤتمر طبقا لما هو معلن إما شهر نوفمبر الحالي وإما ديسمبر المقبل، وخلال أقل من عام تكون معركة انتخابات الرئاسة في الولاياتالمتحدة قد بدأت، بما يعني أن إدارة «بوش« لن تكون قادرة على متابعة المفاوضات. وعلى الرغم مما سبق، فإننا نرى أنه يمكن أن يكون لعقد هذا المؤتمر والمشاركة فيه بعض المنافع أو الفوائد، نذكر منها: 1- من شأن المشاركة فيه، تحميل إسرائيل والولاياتالمتحدة وزر الفشل المؤكد له؛ فالمؤتمر سيكون تجمعًا يضم - حسبما نُشر- حوالي أربعين دولة ومنظمة، ولن يكون بإمكان واشنطن وتل أبيب تزوير الحقائق كما كانت الحال في «كامب ديفيد« عام .2000 2- يتيح المؤتمر فرصة للفلسطينيين ليوضحوا أمام العالم أجمع عمق وخطورة الخروق الإسرائيلية للقوانين الدولية والإنسانية، وخاصة اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وبروتوكولاتها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يكشف مدى التواطؤ الأمريكي في الجرائم التي تقترف في الأراضي الفلسطينية. ثانيًا - الموقف العربي: في الوقت الذي ينخرط فيه الطرفان: الفلسطيني والإسرائيلي في محادثات تمهيدية مكثفة من أجل التوصل إلى توافقات مشتركة، ومع انهماك الدبلوماسية الأمريكية الشديد في دفع جانبي النزاع المباشر نحو صياغة وثيقة ذات مضمون تخص مختلف جوانب النزاع التاريخي المديد، تبدو المواقف العربية الرسمية في حالة ترقب وانتظار لما قد تسفر عنه المساعي والاتصالات والمحادثات الثنائية والثلاثية من نتائج تتيح للمجموعة العربية اتخاذ موقف واضح إزاء هذا المؤتمر. وفي هذا الصدد، يمكننا تقسيم الموقف العربي إلى اتجاهات ثلاثة، ربما تكون متداخلة بعض الشيء، وذلك على النحو التالي: الاتجاه الأول - موقف يعلن استعداده لحضور المؤتمر عند تلقيه دعوة رسمية للمشاركة، ويتبنى هذا الموقف معظم دول مجموعة الاتصال العربية. الثاني - موقف يربط حضوره المؤتمر بتحقيق بعض الشروط الخاصة به، وهو ما ينطبق على سوريا، التي رأت أنه قد لا تتم تلبية الدعوة الأمريكية إلى المشاركة إذا لم يتم إدراج هضبة الجولان المحتلة على جدول أعمال المؤتمر، وذلك من دون أن تلزم نفسها بموقف قطعي حاسم، درءًا لمزيد من العزلة التي قد تتعرض لها ولاسيما فيما يتعلق بخطوط اتصالاتها الدبلوماسية مع الأوروبيين والأمريكيين على وجه التحديد. الاتجاه الثالث - موقف يرهن مسألة حضوره لهذا المؤتمر بتوصل الفلسطينيين إلى وثيقة مرضية لهم، تتيح للداعين والمدعوّين تحقيق اختراق جوهري، يتجاوز حد الحضور البروتوكولي والتقاط الصور التذكارية. ولعل الموقف السعودي هو الأبرز على هذا الصعيد، إن لم يكن هو الموقف الأشد أهمية بالنسبة إلى سائر المدعوّين على الإطلاق، بما في ذلك الجانب الإسرائيلي الذي يراهن على تحقيق التطبيع من دون أن يدفع أيًا من الاستحقاقات. وقد تغيب عن هذا التصنيف دولتان عربيتان مهمتان، إن لم نقل الدولتين المخاطبتين بالمؤتمر ونتائجه على نحو مباشر، وهما: - الأردن، الذي يرى أن انعقاد المؤتمر إحدى ثمرات دبلوماسيته وحراكه ومساعيه المكثفة مع الولاياتالمتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية. ومصر، التي تشارك الأردن والسعودية موقفيهما الداعيين إلى ضرورة إنجاح المؤتمر بتحقيق النتائج التي طال انتظارها على صعيد النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وذلك من دون أن تلزم نفسها بمسألة الحضور من عدمه، انتظارًا وترقبًا لما قد تسفر عنه المحادثات الفلسطينية - الإسرائيلية الجارية، وهو ما قد يجنبها تبعات موقف مسبق قد لا يكون له مبرر، إذا ما فشل الطرفان المتفاوضان في التوصل إلى الوثيقة المطلوبة. وبالمحصلة، فإنه يمكن اعتبار المواقف العربية - على تباينها الضئيل من مسألة تلبية الدعوة لحضور المؤتمر - أنها تتسم بالموضوعية والتحفظ، فضلاً عن تأجيل الإعلان المسبق عن أي التزام يخص مشاركتها، طالما أن انعقاد المؤتمر ذاته يتوقف أساسًا على نتائج محادثات ثنائية متواصلة بين طرفي النزاع المباشرين. غير أننا ونحن نصف الموقف العربي العام إزاء مؤتمر السلام المقبل، بالموضوعية والاعتدال والتوازن، فإن ذلك لا يعني أن هذا الموقف على ما يرام، أو أنه في أفضل حالاته، بل هناك العديد من الملاحظات السلبية على هذا الصعيد، وأهمها:- غياب أي درجة من التنسيق والتشاور المسبقين بين الدول العربية المرشحة لتلقي الدعوة، وبالتالي الافتقار إلى ذلك النوع من اللقاءات الوزارية المشتركة، التي كانت تحدث في السابق عشية اقتراب أي استحقاق، تلك الاجتماعات التي كانت في العادة تخرج ببيانات عامة تساعد على إبداء قدر من التماسك العربي إزاء مختلف المتغيرات. ثالثًا - متطلبات النجاح: إذا كان المؤتمر يمثل فرصة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للدخول في الحوار وإجراءات بناء الثقة لوضع الأساس لتسوية أكثر عدلاً وشمولاً، فيجب أن يكون للمؤتمر دور محوري في مواجهة الموجة المتصاعدة من عدم الاستقرار والعنف، لأن فشله من المنتظر أن يؤدي إلى تداعيات خطرة ومدمرة في المنطقة في ظل الأزمات التي تعيشها، وهو ما يستوجب العمل بجدية من أجل التزام جديد نحو عملية سلام محددة بأهداف واضحة، الأمر الذي يتطلب توافر مجموعة من الشروط والضوابط تعد بمثابة متطلبات نجاحه، تتمثل فيما يلي: * إذا كان من الصعوبة بمكان التوصل إلى اتفاق سلام تفصيلي شامل في هذا التوقيت، فإنه من المهم أن يركز المؤتمر في صورة الحل النهائي، وفي إقرار آليات تساعد على تحقيق سلام دائم. * أن يتضمن الاتفاق المزمع التوصل إليه في هذا المؤتمر حسم بعض القضايا، من قبيل تأكيد وجود دولتين، وحل مشكلة اللاجئين. * ضرورة أن يخرج المؤتمر بنتائج تمس الحياة اليومية للمواطنين من الجانبين؛ أي يجب أن يخرج باتفاق على خطوات واضحة تهدف إلى تحسين ظروف المعيشة والأمن للجميع. خلاصة القول: إن فشل هذا المؤتمر في التوصل إلى حلول أو الخروج بنتائج ملموسة، من شأنه أن يُضعف موقف الرئيس الفلسطيني «محمود عباس« أمام الرأي العام الفلسطيني، بل قد يصل به الأمر - كما يرى بعض المحللين- إلى تقديم استقالته، بما يعني مزيدًا من الفشل للسياسات الأمريكية في المنطقة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يكشف الفشل كذلك عن الرغبة الكاذبة لدى الولاياتالمتحدة وإسرائيل تجاه السلام، وأن كل ما أطلقتاه في هذا الشأن مجرد أوهام لا علاقة لها بالأوضاع على أرض الواقع؛ حيث يأتي هذا المؤتمر كفرصة أخيرة أمام إسرائيل لإظهار التزامها بتحقيق السلام، وكذلك أمام واشنطن لتظهر أنها وسيط نزيه راغب في تحقيق السلام في المنطقة كمحاولة لتحسين صورتها أمام الرأي العام سواء الأمريكي أو العربي، ومن ثم يأتي حرصها على أهمية الخروج بأي نتائج ملموسة للحفاظ على الأقل على ماء الوجه. ولا يبقى لنا في النهاية إلا أن نتساءل: ما الذي حلّ أو قد يحل بالقضية الفلسطينية بعد المؤتمرات واللقاءات بدءًا بمدريد، مرورًا بأوسلو وواي ريفر وكامب ديفيد الثاني وخريطة الطريق ومؤتمرات شرم الشيخ والعقبة، وانتهاء بمؤتمر الخريف القادم؟ وهو ما يدفعنا إلى القول: إن الدعوة الأمريكية لعقد هذا المؤتمر هي - في أحسن تعبيراتها - اختزال لضمان الأمن الأبدي لإسرائيل.