تحويل العمل السينمائى إلى مسلسل تليفزيونى قرار صعب ومغامرة كبرى، لأنه ربما لا يجذب المشاهد الصورة الجديدة للعمل، خاصة إذا ارتبط بأبطال وقصة وحوار وإيقاع الفيلم السينمائى.. وربما تعجبه الرؤية الدرامية الجديدة، ويتحمس لها باعتبارها تضم خيوطا وأحداثا وحكايات جديدة تجيب عن تساؤلات وتكشف أبعادا مختلفة لبعض الشخصيات. ويأتى «الباطنية» كنموذج جرئ لهذه الحالة، فقبل 29 عاما قدم السيناريست مصطفى محرم فيلم «الباطنية»، وحقق نجاحا جماهيريا كبيرا، واليوم يقدم نفس العمل فى مسلسل تليفزيونى، ولا أعرف لماذا يعاد طرحه فى هذا التوقيت، وإذا كنت قد ارتبطت كثيرا بالفيلم، الذى مثّل تيارا مختلفا لدى عرضه وصدمة إيجابية لدى الجماهير، ومثّل أيضا قفزة كبرى لأبطاله.. فإننى لا أنكر أن العمل الدرامى الجديد له رونقه بما يملكه من عنصر تشويقى يتصاعد على «نار هادئة»، ويتحمل الفنان صلاح السعدنى «المعلم العقاد» عبئا كبيرا لأن خيوط اللعبة كلها تنبع من عالمه الغامض والملئ بالمغامرات، لم يكن السعدنى مجرد تاجر المخدرات الكبير الذكى بل إنه أيضا الإنسان الذى يحنو على عائلته ويحيط على أفرادها بمشاعر فياضة، وكما كان تلقائيا فى تقمصه لشخصية تاجر المخدرات، التى قدمها بلغة أداء تخص السعدنى وحده، قدم أيضا الوجه الآخر للشخصية.. الحاج الذى لا تفارق المسبحة يده، العطوف فى تعامله مع نسائه وأولاده. وبين الشخصيتين، وما فيهما من دهاء عقل ومشاعر قلب، خيط رفيع أمسك به السعدنى حتى الآن، وإن كانت كل الخيوط لم تظهر بعد.. فالمخرج محمد النقلى يترك للطبيعة نفسها تحريك الأحداث وطرح المفاجآت على المشاهد، وإن كان الإيقاع بطيئا بعض الشىء.. وربما يكون هذا مقصودا.. فأنت تحول فيلما مدته ساعتين إلى أكثر من 14 ساعة، ولكن هل يخفى مصطفى محرم والنقلى والسعدنى مفاجآت أكثر تشويقا وشخصيات أكثر عمقا وخصوصية فى الأحداث القادمة وإذا كان ذلك فنحن نتمناها، إلا أن لم تكن تفوق ما رسخ فى أذهاننا من جماليات الفيلم، فتكون على نفس القدرة من الإلهام والتميز.