ما يجعل نتائج هذا الاستفتاء مهمة وذات دلالة مقارنة بغيرها، أنها تعبر عن رأي أكثر من 31 ألف زائر علي موقع «الدستور» الإلكتروني، وأن تصويتهم تم دون أي عناصر ضاغطة، وإنما فقط بدافع استمتاعهم وتواصلهم مع المسلسلات التي اختاروها الأفضل في رمضان. ورغم أنه من الصعب تحديد الشريحة العمرية والاجتماعية والمستوي الثقافي والاقتصادي للمشاركين في هذا الاستفتاء الرمضاني، إلا أن الأكيد أنه يمكن الاستناد إليه في معرفة مزاج جمهور رمضان فيما يتعلق بالدراما التي تم عرضها طوال الشهر الكريم، خاصة مع توافر قدر كبير من الحيادية والعدالة في نتائجه، إذ إن القارئ الذي يقوم بالتصويت لصالح مسلسل ما، لا يمكن له أن يصوت مرة أخري لصالح نفس المسلسل إلا عن طريق استخدام جهاز كمبيوتر آخر،وهو أمر يعطي صدقية كبيرة لنتائج التصويت الرمضاني لمسلسلات رمضان الذي تم علي مدار ما يقرب من ثلاثة أسابيع طوال الشهر الكريم علي موقع جريدة «الدستور» - الذي يزوره يوميا ما يقرب من 100 ألف زائر ويعد واحدا من أكثر أربعة مواقع للصحف المصرية انتشارا-، وهي فترة زمنية كافية لأن يتغير فيها رأي المشاهد لو كان يتابع مسلسلا ما منذ البداية استنادا لانطباعات مسبقة أو تحت ضغط حملات دعائية مكثفة أو إعجابا وافتنانا بنجمه المفضل ثم اتضح له أن هذا المسلسل أو ذاك لا يستحق لقب الأفضل في رمضان. اللافت أن نتائج التصويت حفلت بالكثير من المفاجآت، ليس في العمل الفائز بأفضل مسلسل في رمضان، وإنما في باقي ترتيب المسلسلات الذي يشير إلي تغير في خريطة النجوم الرمضانية، ويكشف أن هناك فنانين مشاهير صار التواصل بينهم وبين المشاهد مفقودا لأسباب عدة، والمفاجأة الأخري أن الفارق بين المسلسل الأول والثاني في اختيارات قراء «الدستور» لا يزيد علي 9% فقط، بما يقرب من 3 آلاف صوت، وهي نسبة ليست كبيرة جدا وليست قريبة جدا في ذات الوقت، لكن المثير أن مسلسلاً واحدًا فقط ضمن 12 مسلسلا شملتها قائمة الاختيار هو الذي تجاوز نسبة ال25%- أي ربع عدد المصوتين- فيما كانت المسلسلات الأربعة التالية تشغل المسافة بين نسبتي ال10% وال20%، وهو ما يشير إلي أن تعدد الاختيارات والمسلسلات أمام القارئ فتت الأصوات بالفعل، فلم يستطع أي مسلسل علي الإطلاق الاستحواذ مثلا علي نصف عدد أصوات القراء والمشاهدين، كما أن ارتفاع المستوي الفني للعديد من المسلسلات خاصة تلك التي حصلت علي المراكز المتقدمة كان عنصرا إضافيا في تفتيت الكتل التصويتية التي تعبر عن ذوق الجماهير الذي ليس من الضروري أن يستند إلي قواعد فنية وأسس درامية بقدر استناده إلي التواصل والتفاعل مع المسلسل وأبطاله. تبقي الإشارة إلي أن قراء «الدستور» كانوا يختارون مسلسلا واحدا من ضمن 12 مسلسلا اختارتها «الدستور» للتصويت عليها، استنادا إلي أن هذه المسلسلات- تبعا لقواعد النجومية والدعاية والخبرات المسبقة- ستكون هي الأكثر مشاهدة، لكن هذا لا يمنع القول بأن هناك مسلسلات خرجت من قائمة التصويت مثل «سقوط الخلافة» و«ماما في القسم» وكان يجب أن تكون فيها. شيخ العرب همام 26% ربما يكون فوز هذا المسلسل بلقب أفضل مسلسل في رمضان بحسب قراء موقع «الدستور» ليس مفاجأة لكثيرين، ذلك أن شيخ العرب همام توافرت له كل العوامل المساعدة علي ذلك حتي أنه لو لم يفعلها لكانت هذه المفاجأة وليس العكس. فالمسلسل صاحبته منذ بداية تصويره حملة دعائية ضخمة صنعت حالة كبيرة من الشغف لدي المشاهدين لمتابعته، كما أن بطله النجم يحيي الفخراني أصبح الآن هو نجم الدراما التليفزيونية الأول في مصر بلا منازع،ومعه صحبة من الممثلين المقتدرين ليس أولهم عبد العزيز مخيون وليس آخرهم صابرين، وإذا أضفنا إلي ذلك جو الصعيد المحبب الذي يتابعه الجمهور باستمتاع، والجدل الذي أثاره أحفاد شيخ العرب همام بسبب أحداث المسلسل، والجو الأسطوري والملحمي الذي يغلف الحلقات التي كتبها باقتدار وتمكن ووعي عبد الرحيم كمال، كل هذه كانت عوامل تساعد بلا شك علي أن يصبح شيخ العرب الهمام هو الأفضل في دراما رمضان في استفتاء «الدستور». الجماعة 17 % حسنا هذه نتيجة منطقية أخري.لو تم عرض الجماعة في موسم آخر لا يناطحها فيه «شيخ العرب همام» لربما ظفر المسلسل بلقب أفضل عمل درامي في رمضان.رغم بدايات الأحداث التي صدمت البعض بعد إظهارها لضباط جهاز أمن الدولة ملائكة تطير بأجنحتها فوق الرؤوس. ورغم اختلاف البعض مع الطرح السياسي لأحداث المسلسل المعاصرة، فإن نفس الكاتب الكبير وحيد حامد المعتق، ظهر بوضوح كلما تعمقت الأحداث وتشعبت خاصة في جذور نشأة جماعة الإخوان ونشاط مؤسسها الفذ «حسن البنا".هكذا تحولت مشاهدة الجماعة تدريجيا لدي كثيرين من تربص وتحفز إلي استمتاع ومتابعة بتركيز، خاصة مع ذلك التوثيق البصري لأحداث مؤثرة في مسيرة الإخوان ومصر بعضها شائك وبعضها غامض بالأساس.لدينا بكل تأكيد إلي جانب ذلك الإخراج ذي الطعم السينمائي لمحمد ياسين وباقي فريق الإخراج، والأداء المبهر لغالبية طاقم التمثيل وعلي رأسهم «إياد نصار» الذي - أغلب الظن - أغلق الباب علي من سيأتي بعده مجسدا شخصية البنا مثلما حدث مع أحمد مظهر وصلاح الدين الأيوبي وأنطوني كوين وعمر المختار. الكبير أوي 13% بكل تأكيد هذه هي المفاجأة «الكبيرة أوي». عمر «أحمد مكي» الفني لا يزيد علي مسلسل سيت كوم ناجح «تامر وشوقية» - ولم يكن فيه بطلا رئيسيا - وثلاثة أفلام سينمائية تصدر فيها اسمه الأفيش. حتي أن بطولته الدرامية الأولي في «الكبير أوي» أخذت شكلا جديدا مغايرا علي الدراما التقليدية، إذ كانت الأحداث وطريقة العرض في منطقة وسط بين «السيت كوم» و«المسلسل الدرامي الطويل». وعليه لم يكن «الكبير أوي» يحتوي علي نفس درامي ممتد، وإنما يعتمد بالأساس علي مفارقة طريفة - التوأم الأمريكي والصعيدي- تفجر المواقف الكوميدية، ويبدو أن هذا منهج يعجب الجمهور كثيرا، لكن من الصعب الحكم علي هذا «الاستايل» بدون أن يكون أحمد مكي معبرا عنه.وهو ما يعكس أن شعبية «مكي» في تصاعد حقيقي وأنها لا تستند إلي أرضية سينمائية فحسب غالبية جمهورها من الشباب، وإنما بدأت في الاستحواذ علي مساحات من جمهور البيوت المتنوع.تبقي ملاحظة أن الكبير أوي احتفظ بالمركز الثالث كأفضل مسلسل درامي وجمع 4 آلاف صوت من أصل 31 ألفًا، رغم أنه عرض لمدة 15 يوما فقط في رمضان، متفوقا علي مسلسلات أخري استمرت 30 يوماً. أهل كايرو 10 % مفاجأة أخري. في مصر، عادة لا تحقق إعادة إنتاج الأفكار التي تم تقديمها من قبل في عمل سينمائي النجاح المتوقع.حتي إن ذلك أمر لا يحدث إلا نادرا سواء في السينما- تقديم الفيلم ذاته أكثر من مرة بأبطال مختلفين- أو في التليفزيون. لكن العار خالف التوقعات وفعلها وحقق نجاحا ربما لم ينتظره صناعه أنفسهم. لكن هناك أسرار بكل تأكيد وراء هذه الشعبية التي حققها مسلسل «قادم من الخلف» كما يقولون في كرة القدم علي اللاعب الذي يأتي من نهاية الملعب ليحرز هدفا مفاجئا. لعل شعبية فيلم «العار» الممتدة منذ إنتاجه عام 1982 وحتي يومنا هذا هي أحد هذه الأسرار، ولعل ذكاء المؤلف أحمد أبوزيد في صياغة سيناريو مواز لسيناريو والده في الفيلم ومستندا للفكرة الأساسية اللامعة، قد فوت علي المشاهد «الخبرة» فكرة «حرق» الأحداث ومتابعتها بنصف عين، بل علي العكس جعلته بعين «مفنجلة» وذهن حاضر يعقد المقارنة بين مصائر الأبطال في الفيلم ومصائرهم المختلفة نسبيا في المسلسل، ومع هذا وذاك يأتي الأداء المفاجأة لأبطال المسلسل الذين وقفوا في مواجهة نجوم عتاولة من عينة نور الشريف ومحمود عبد العزيز وحسين فهمي، حتي أن كثيرين يعتبرون مسلسل العار هو شهادة الميلاد الفنية ل«مصطفي شعبان» رغم أنه موجود علي الساحة الفنية منذ أكثر من 10 سنوات. إذا كان العار فاجأ الجميع بنظرية - القادمين من الخلف - الكروية -، فإن «أهل كايرو» فعلها أيضا علي الطريقة الكروية، ولكن هذه المرة علي طريقة منتخبات إيطاليا وألمانيا في مباريات كأس العالم، إذ يزداد عدد مشجعيهم ومتابعيهم والمعجبين بمستواهم الفني تدريجيا كلما تقدموا في البطولة وصعدوا لأدوار تالية، ولعل هذا ما يضع «أهل كايرو» في مرتبة متقدمة عن المنطقة الدافئة التي احتلها في دراما رمضان، إذ أنه بدأ عرضه في توقيتات غير جيدة علي مختلف القنوات، ثم أن الدعاية المصاحبة لتصويره لم تكن بالكثافة التي تستطيع أن تصمد أمام الدعاية التي صاحبت شيخ العرب همام والجماعة مثلا، ثم أنه أشبه ببطولة جماعية في ظل اعتياد من الجمهور علي نظرية البطل الأوحد في الدراما التليفزيونية، لكن تكنيك كتابة السيناريو المغاير الذي اتبعه بلال فضل، والإخراج السينمائي المبتكر من «محمد علي» والحضور الطاغي لخالد الصاوي وباقي طاقم العمل، والشخصية الحية الحاضرة في المجتمع المصري التي تكاد تصرخ «أنا فلان الفلاني» علي الشاشة، جذب الجمهور تدريجيًا لملاحقة العمل وليس لمجرد مشاهدته. عايزة أتجوز 8 % أن يحتل هذا المسلسل المركز السادس رغم أنه التجربة الأولي لمؤلفته القادمة من عالم المدونات ومتفوقًا علي مسلسلات كتبها مخضرمون وتصدر تترها أسماء نجوم أجورهم بالملايين، فهذا نجاح كبير للمسلسل مهما كانت تحفظات البعض عليه. من المهم التأكيد علي أن «عايزة أتجوز» هو مسلسل المرة الأولي، فالمؤلفة غادة عبد العال تكتب سيناريو للمرة الأولي، وهند صبري تنفرد ببطولة تليفزيوينة «وكوميدية أيضًا» للمرة الأولي، ورامي إمام يخرج للتليفزيون للمرة الأولي، ورغم كل هذه «الأولات» حقق المسلسل شعبية جيدة، وجمع أكثر من 2600 صوتًا من أصل 31 ألفاً. ومن الواضح أن استناد المسلسل إلي مدونة حققت نجاحًا كبيرًا بين أقرانها، ونقلا عن كتاب وزع ما يزيد علي 15 ألف نسخة، كان من العناصر الجاذبة لمشاهدته، والتفاعل مع أحداثه، والتجاوز عن هناته ومبالغاته، خاصة وأن القضية التي يناقشها «تأخر الزواج لدي الفتيات وصعوبة اختيار الشخص المناسب من بين مجموعة غير مناسبة» تمس الملايين من بنات مصر، اللائي كانت لديهن رغبة في أن يشاهدن ويسخرن من ظروفهن وطبيعة المجتمع الذي يعيشن فيه. الحارة 5 % ذلك ترتيب لا يستحقه هذا المسلسل «العلامة» بكل تأكيد.هناك مجهود يمكن وصفه بكل ضمير مستريح ب«الرهيب»، قام به المؤلف أحمد عبد الله والمخرج سامح عبد العزيز في تقديم الحارة بهذه الصورة الحقيقية الموجعة غير المثيرة للنفور عن الواقع المصري بألوانه الصادقة. لكن اقتصار عرض المسلسل علي عدد محدود من القنوات، إضافة إلي عرضه في شهر رمضان وهو الشهر المحتشد بعشرات من المسلسلات والنجوم، ضيق ربما من نطاق مشاهدته، لاسيما وأنه بطولة جماعية قد تشتت المشاهد المعتاد علي متابعة نجمه المفضل وهو ينتصر علي الأشرار. وهذه نقطة أخري أن درجة مصداقية الحارة جعلت أبطاله لحقيقيين بدورهم يختلط فيهم الخير بالشر، وهي طبيعة ربما بدورها تكون بعيدة عن ذائقة جمهور الدراما في البيوت. في كل الأحوال فإن عرض المسلسل «علي رواقة» فيما بعد «معمعة» رمضان سيضعه في الترتيب الذي يستحقه، رغم أن وجوده في هذا المركز السابع وهو الخالي من النجوم اللامعة إلا قليلاً، جعله يتفوق علي نجوم لها باع طويل مثل ليلي علوي ويسرا، وهذا إنجاز في حد ذاته. زهرة وأزوجها الخمسة 3 % الدفع بغادة عبد الرازق في بطولة تليفزيونية منفردة هي مغامرة بكل المقاييس، فما بالك إذا كان هذا الدفع مستندًا إلي قصة سبق تقديم «نموذجها الرجالي» من قبل في «عائلة الحاج متولي»؟ وسط مستوي مرتفع فنيا نسبيًا في مسلسلات رمضان هذا العام، كان من الصعب أن يستحوذ «زهرة وأزواجها الخمسة» علي نسبة مشاهدة وتفضيل أكثر من هذا، في ظل أداء فني ينتمي إلي مرحلة التسعينيات، وفكرة لا تستهوي سوي شريحة من جمهور ربات البيوت لدرجة يمكن القول معها بأن تفوق زهرة وأزواجها الخمسة علي مسلسلات أخري مثل حكايات وبنعيشها أو حتي بالشمع الأحمر مثير للدهشة. برة الدنيا 3 % يتساوي مع سابقه في النسبة المئوية لكنه جمع أصواتًَا أقل «ما يزيد علي 800 صوت فقط»، لابد أن هذا ترتيب لا يرضي ممثلاً بطموحات وموهبة شريف منير، وقد قدم من قبل دراما مبشرة في «قلب ميت» منذ عامين، لكنه هنا لم يصنع التطوير المنتظر منه، ولم يفاجئ جمهوره مثلما فعل في تجربته التليفزيونية الأولي كبطل أول، وتاه وسط أحداث غير منطقية، فكان أن أصبح «بره الدنيا» بره اهتمامات المشاهدين في ذات الوقت. كليوباترا 2 % تراجع نسبة مشاهدة وتفضيل هذا المسلسل بهذا الشكل تثير التساؤلات حول «المزاج التاريخي» لمشاهدي الدراما التليفزيونية، فمسلسل «أسمهان» الذي سبق وقدمته نفس الممثلة «سلاف فواخرجي» التي جسدت شخصية «كليوباترا» حقق شعبية لافتة، وكان مضبوطًا فنيًا بدرجة تثير الحسد، ورغم محاولات تحقيق ذلك في «كليوباترا» إلا أن كيمياء الأحداث التاريخية الفرعونية لا تزال بعيدة عن خيال المشاهد المصري - وربما العربي - الذي يبدو أنه أكثر شغفًا بمتابعة دراما تاريخه المعاصر. حكايات وبنعشها 1 % هل يعني هذا الترتيب أن الجمهور لا يستوعب دراما ال15 الحلقة التي أعادتها ليلي علوي من جديد في رمضان الماضي؟ الأكيد لا وإلا لما نجح مسلسل مثل «الكبير أوي»، الذي يبدو واضحًا هنا أن جمهور البيت ينحاز إلي التقليدية في غالبية الوقت، حتي لو أعجب لفترة بطفرة درامية مرة أو أكثر، ثم إن ذوقه لم يعد يحدده اسم البطل فيما يبدو، بقدر ما يحدده الموضوع وحجم الدعاية المسبقة.والأكيد أيضا أن علي ليلي علوي أن تذاكر جيدًا ما فعلته لتكتشف أين الخطأ. بالشمع الأحمر 0 % لا أحد يعرف شعور الفنانة يسرا عندما تعرف أن مسلسلها الذي تكلف الملايين لم يحظ علي إعجاب وأفضلية سوي 139 شخصًا فقط من أصل أكثر من 31 ألفا صوتوا علي دراما رمضان في موقع الدستور؟ لكن الأكيد أنه لن يكون شعورا طيبا،وعليها أن تراجع جيدا ما قدمته في السنوات الماضية لتكتشف أن رأي الجمهور ليس دائما علي خطأ، لأن هناك نمطية شديدة في الشخصية التي تجسدها في دراما رمضان منذ ما يقرب من خمس أو ست سنوات .