انطلاقا من إيمانا بضرورة أن يعبر الإعلام عن نبض الشعب ويكون لسان حاله للإفصاح عن مطالبه والوقوف بجواره إلى أن تتحقق.. قرر (shootha.com) النزول إلى الشارع والاختلاط بجموع الجماهير الغفيرة المعتصمة في ميدن الشهداء حاليا التحرير سابقا، ورصد الأراء المختلفة عن الثورة ومطالبها.. وعلاقة الرياضيين بها. الرحلة بدأت من الطريق المؤدي إلى الميدان من ناحية كوبري قصر النيل حيث كان المنظر رائعاً.. آلاف الثوار يسيرون بهمة ونشاط تجاه الميدان لمشاركة زملائهم في الاعتصام حتى تتحقق المطالب.. وما أن بدأنا التحرك مع سير الراجلين حتى جاءت بشارة السماء بسيل غزير من الأمطار يصاحبها بعض أضواء البرق وأصوات الرعد التي أخذت تهز كوبري قصر النيل هزا عنيفا.. وحينها توقفت الجموع السائرة وأخذت الأصوات تعلو وقبلها الأيادي "الله أكبر الله أكبر.. علامة اقتراب النصر" جملة أخذ يرددها كل الناس حولنا.. وهنا تدخل صوت أحد المارين ليحدثنا بلهجة اطمئنان: "اطمنوا اطمنوا ربنا بيقول لنا إنه معانا". وبعد توقف قصير بسبب الأمطار استمر ركب السائرين في سبيله نحو الميدان واصطف الجميع في موكب واحد ثابت منظم الخطوات.. وعند نهاية الكوبري قابلتنا صفوف رجال القوات المسلحة الذين تعالت أصواتهم مطالبين السادة الثوار بإظهار بطاقات هويتهم، وعقب المرور أوقفتنا لجنة شعبية للنظام من أجل التفتيش، وبادر أحدهم بفتح حقيبتي فوجد بها كرة قدم وبعض الأوراق فنظر إلي مبتسما "كورة في الميدان.. تصدق فكرة حلوة". وما أن خطت أقدامنا الميدان حتى وجدنا مجموعة من الشباب يقفون على جانبي الطريق ويبادرون بهتافات مرحبة بالمتظاهرين... أهلا أهلا بالأحرار الميدان محتاج ثوار. واستمر تقدمنا نحو عمق الميدان وعلى يمين الطريق وعلى أسوار قصر الضيافة لاحظنا شابا جلس مستغرقا في رسم لوحته وعندما اقتربنا منه أكثر وجدناه يرسم الرئيس مبارك مكبلا بثلاثة قيود الأول صوره بأمريكا والثاني إسرائيل والثالث الأكبر تمثل في انتفاضة الشعب المصري.. والتفتنا لنجد شابا يرتدي "باروكة" ضخمة وحمل لافتة مكتوب عليها "ارحل بقى عايز أحلق" وفي لقطة طريفة أخذ يردد مين عايز يتصور مع القرد؟!. وسرنا بضعة خطوات لتفاجئنا جموع مهرولة تجاهنا وبعد لحظات اكتشفنا أنها لا تطادرنا بل تطارد الاستاذ "مصطفى الفقي" القيادي السابق بالحزب الوطني والذي عمل مع النظام لسنوات طويلة من قبل.. وأخذت الجموع الغاضبة تطارده وتردد "أطلع بره.. أطلع بره". وبعدها وجدنا طابورا من بعض الأطباء والصيادلة الشباب يسيرون وهم يرتدون بلاطيهم البيضاء في تظاهرة غضب خاصة بهم حاولنا التقرب من أحدهم للتحدث معه وعندما علم أننا من موقع (shootha.com) الرياضي بادر بتقديم شكواه لنا وكيف أن النظام لم يهتم بتحقيق العدالة الاجتماعية وتساءل كيف يتقاضى اللاعبون الملايين من الجنيهات في حين يقتصر مرتب الطبيب على 300 جنيه.. تساؤل يحتاج للإجابة. وبدأنا في التوغل أكثر تجاه مركز الميدان وظهر أمامنا بعض الممثلين متوسطي الشهرة وظهر معهم الفنان "عادل شعبان" صاحب الدور المستفز -من وجهة نظر المسئولين في اتحاد الكرة- الذي ظهر فيه كرئيس للجنة الحكام في الدوري الأصلي -إحدى الحملات الإعلانية- والذي أثار غضب الحكام المصريين بعدما قدم صورة حكم يتقاضى الرشاوي، وتبادلنا الدعابات معه حول هذه الواقعة وكيف أنه أشعل الغضب في نفوس الحكام المصريين وهنا رد علينا "والله ماكناش نقصد الإساءة خالص للتحكيم.. والفكرة كلها تتمثل في روح الدعابة.. والأمر يعود إلى فريق الدعاية الذي ابتكر هذا الشكل من الإعلان". وعندما اقتربنا أكثر من منتصف الميدان بدأت تظهر اللافتات وصور ضحايا وشهداء الثورة.. صورهم في كل مكان ومكتوب عليها الكثير من العبارات التي أكدت أنهم سيظلوا باقين في ذهن الجميع وأن دماءهم لن تذهب هباء.. واستمررنا في طريقنا وسط هتافات غاضبة تنادي بتنحي الرئيس ورحيله، كما عكفت كافة الإذاعات الداخلية على ترديد الأغاني الوطنية التي تشعل حماس المتظاهرين وتذكرهم بدماء الشهداء.. واستمرت الرحلة حتى دخلنا في ممر الشهداء الذي يحمل كل صور الضحايا بشكل متتابع وتستطيع أن تجد في هذا المكان الكثير من المواطنين الذين أخذوا يطيلون التأمل في وجوه "زهر الجناين" ومن ثم الشروع في قراءة الفاتحة على أرواحهم وليس هناك ما يمنع أن تجد أحدهم يبكي على خيرة شباب مصر الذين قتلوا برصاص الغدر. وفي جولة سريعة قررنا مشاهدة كل ملامح الميدان.. فوجدنا الشعب المصري يبدع في التعبير عن أرائه بطرق مبتكرة.. ففي أحد الجوانب وجدنا نصبا تذكاريا قد صنعه المتظاهرون كذكرى للشهداء وأغرقوه بالورود تعبيرا عن تقديرهم لما قدموه من خدمات للثورة.. وفي ركن آخر وجدنا لوحة جميلة قد صنعها أحد الشباب تعبر عن مدى حب هذا الشعب لوطنه مصر. وخطر على بالنا أن ندخل لزيارة المستشفى الميداني المقام في أحد الشوارع الجانبية للميدان تجاه شارع باب اللوق وهممنا بفعل ذلك وعند بداية الشارع قابلنا شابا تحمل ملامحه الكثير علامات من الارتياح قام بتفتيشنا قبل الدخول ومن ثم أصبحنا أحرارا نتجول داخل حرم المستشفى وأول ما صادفناه جبل من الأدوية تم تجميعه في أحد الأركان ووقف شاب عليه حارسا أو بمعنى أدق منظما.. فاقتربنا منه أكثر لمعرفة حقيقة الأمر فأجاب: "هذه أدوية وتبرعات أحضرها الأهالي إلى هنا لمساعدة المستشفى"، وأضاف: "الحمد لله لدينا اكتفاء ذاتي من الأدوية.. كما أن هناك بعض المواطنين غير القادرين على شراء الأدوية لأنفسهم من الصيدليات فأتوا إلى هنا ليحصلوا على العلاج بالمجان.. المستشفى تقدم خدمات حتى لغير المعتصمين أو المصابين".. ثم أشار إلى سيدة ذكر أنها لا تستطيع أن تعالج نفسها خارج الميدان فقررت الإتيان هنا إلى المستشفى الميداني حتى تنال العلاج.. حاولنا التحدث مع هذه السيدة لكنها كانت في سبات عميق ففضلنا عدم إقلاقها. واستمرت جولتنا في المستشفى ووجدنا كما غير عادي من الإعلاميين والفنانين جاءوا للاطمئنان على أحوال المصابين وأحوال المستشفى.. وتوقفنا أمام أحد المصابين ليروي لنا عن إصابته التي تمثلت في خلع بالكتف الأيسر عندما كان يحاول إنقاذ المغني تامر حسني من أيدي المتظاهرين الغاضبين، وأردف قائلا: "مجية تامر حسني ماجتش علينا غير بالخسارة".. واستطعنا الوصول إلى الدكتور طارق المسئول عن المستشفى وتبادلنا معه بعض الكلمات نظرا لانشغاله بالكثير من الأمور ولكنه أكد لنا أن الأحوال مستقرة داخل المستشفى وأن أعداد المصابين أصبحت قليلة جدا في ظل هدوء الأحداث... وفجأة سمعنا صرخات وأفراد يركضون في كل اتجاه معلنين أن الرئيس مبارك قد أعلن تنحيه ووقتها تعالت الصيحات وأخذ الجميع يتبادلون الأحضان والقبلات، وبدورنا خرجنا إلى الميدان مرة أخرى للتأكد من صحة الخبر. وعندما عدنا إلى وسط الميدان وجدنا الجموع أخذت تطرب فرحا بالخبر الذي سمعوه وتعالت أصوات الحمد والغناء في سعادة إلى أن جاءت الأنباء لتؤكد أن الرئيس لم يتنحِ وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصبح في حالة انعقاد دائم لبحث الأزمة، ومعها تحولت الوجوه الفرحة إلى علامات وجوم وترقب لما ستسفر عنه الأحداث. وبعد عودتنا لمركز الميدان شاهدنا لاعب النادي الأهلي والزمالك السابق "نادر السيد" قد تحول إلى قائد للثورة وحمل على الأكتاف ليردد ومن ورائه الجماهير "الشعب يريد إسقاط النظام"، وعلى بعد خطوات شاهدنا "إسلام الشاطر" لاعب فريق حرس الحدود الذي حرص على التواجد داخل الميدان ليعلن مؤازرته للجماهير على عكس ما فعله الكثير من نجوم الكرة الذين اكتفوا بالصمت أو التضمان ببضع كلمات. وكرد فعل من إحدى الشابات على ما تردد حول وجود جهة خارجية تمول المتظاهرين وتقدم لهم وجبات الكنتاكي والدولارات، قامت هذه الشابة برسم شعار وصورة صانع الدواجن الشهير على الأرض في صورة فنية رائعة خطفت أنظار كل المتواجدين.. بعدها مررنا على وفد جاء ليمثل شعب السويس في الثورة وقد شكل صورة فنية على الأرض بالحجارة والرمل من كلمتين "شهداء السويس". وبدأنا نفكر في طريق الخروج من الميدان؛ حيث بدأ الليل في الدخول ولكن سمعنا أن الرئيس سيلقي خطابا بعد قليل فقررنا البقاء حتى نستمع لكلماته ونحن وسط الجماهير.. وعلى الفور خططنا للذهاب من أجل شراء الطعام وما أن شرعنا في التحرك حتى دخل علينا شاب وهو يردد "اتفضل يا بيه وجبة كنتاكي" وبالطبع لم تكن كذلك كان مجرد سندويتش مع قطعة خيار، وقبل أن ينصرف أكد لنا الشاب مبتسما أنه سيمر علينا بعد قليل لإعطائنا 50 دولاراً.. وما أن أكمل الجملة حتى رد عليه شاب آخر بجوارنا: "أنا بقى عايز يورو أغلى وأحسن من الدولار". واستمر الجميع في ترقبه لخطاب الرئيس متمنين أن تكون هذه هي نهاية المشهد بإعلانه التنحي واستمر انتظارنا طويلا حتى جاء الخطاب المنشود مخيبا للأمال ومحبطا للعزائم.. لكن رغم ذلك أقسم الثوار على المضي قدما نحو تحقيق مطالبهم كاملة.