نعود لنتذكر بورسعيد الباسلة مدينتي الحبيبة التي تغلبت على العدوان الثلاثي بإرادة أهلها وحبهم لبورسعيد بل حبهم لمصرنا الحبيبة أهل بورسعيد الذين ذاقوا وبال إغلاق القناة وتشتتوا سنوات التهجير لقد عانى أهل القناة معاناة لم يعانيها أحد خسروا كثيرا لكن بورسعيد حتى الآن لم تجد الاهتمام الكافي تحتاج لأن ننظر لها بعين أخرى فلقد تأثرت طوال العقود الماضية متى نراها تعود لجمالها وألقها.......؟ صورة علي الجدار قصةبقلم د.عطيات أبو العينين ***** ذاكرتي تعذبني تحفظ الذكريات المؤلمة والسعيدة على السواء، كم رجوتها أن تحذف اللحظات القاسية المريرة وترمي بها داخل الجراب وتنساها إلي الأبد، ولكنها تأبى أن تنسى، تفاجئني دائما بلحظات أتمنى لو ألقيت بها في أغوار البحر كي لا تعود، وتظهر ولكنها تقاوم الموج وتبحر لترسو علي مرفأعقلي وذاكرتي، فنحن نتذكر كليهما ونستعذب مرارة الألم بعد أن انقضى وولى ونشيد بأنفسنا على اقتحام الصعاب وقهرها، لحظاتنا السعيدة ربما لا تكون بالقدر الذي مرت علينا فيه لحظاتنا التعسة المريرة لكننا نستعذبها ونقول: هيييه .. أيام ولت .. وكما تختلط القسوة والسعادة في ذاكرتنا، تختلط النكسة بالنصر واللحظات الصعبة بتلك العذبة أتذكر قصف طائرات العدو لبيوتنا في مدن القناة، و طائرات العدو تملأ السماء كالطيور الجارحة، وأنا وأختي الصغيرة نقف لا نعبأ بالطائرات وتحاول كل منا أن تميز طائرات العدو من طائراتنا، وكل منا راحت تشير - هذه طائرتهم ولكني أعود فأهتف: - لا هذه طائرتنا إنها تدور حولها تحاول أن تقتنصها لتقضي عليها وكم كانت سعادتنا عندما نرديها قتيلة فتتهاوى طائراتهم كما يتهاوى الذباب.. عويل السيدات وصراخهن وخوفهن من نشوب النيران في مساكنهم، والصواريخ تتوالى واحدا تلو الآخر، والنساء يحملن أولادهن ويجرين لا يعرفن إلي أين المفر، سيدة تجري مولولة بعد أن اكتشفت أنها تحمل بين أحضانها وسادة بدلا من رضيعها الذي التهمته النيران، علا صوتها و تنفث لهيبها ونيران قلبها المستعرة، تمنت لو حرقت طائرات العدو الذي حرمها وليدها الوحيد الذي ظلت ترجوه من الدنيا تنهمر دموع والدي علي خده بغزارة، بعد معرفة خبر الهزيمة، كأنها سيول عارمة تغسل العار، وتقفز إلي مخيلتي فرحة أمي تلملم حاجياتنا للعودة إلي بلدنا الحبيب بعد أن عشنا سنوات صعبة عن مدينتنا وبيتنا وحديقتنا وجيراننا وشمسنا.. كل شيء يشير بأننا لن نعود بذاكرة ممسوحة ولكن تتشكل الذاكرة في سني الغربة وسنوات العشق والهوى وحنين الرجوع، لنعود ونتحسس كل شيء بأيدينا ونتذوق بأفواهنا مذاق ذكريات الطفولة العذبة وتلتهم عيوننا كل جمال في الماضي ربما لنرسم صورة المستقبل ونحن نتشبث بحنين إلي الماضي الجميل .. كم كنت أتوق للرجوع لمنزلنا القديم، لقد لعبنا بين جدرانه وكبرنا تضمنا حوائطه وشهدت أبوابه علينا في كل يوم نضع علامة كم بلغنا من طول وكبيرنا يتفاخر ببلوغه حدا كبيرا من الباب، والصغير يتمنى أن يصل لمبلغ الرجال ويطول سقف الباب وأين نحن من باب البيت المكين، أحيانا يهاجمني خاطر ماذا لو كسر باب المنزل ولم نستطع تركيب الباب ؟ ذلك الباب الذي يحمينا من غدر الوحوش الضارية خارجه، ويشعرنا بالأمان والسكينة في أحضان الآباء والأمهات وننام علي حكايا الجدات وعطف الأجداد، كم كنت أتوق للعودة لأبحث عن عروستي الصغيرة التي تركتها منذ أعوام كثيرة وكم ساءلت نفسي ترى هل كبرت كما كبرت؟ وكيف حالها بعد طول هذه السنوات وهى تعيش بلا طعام أو شراب. كيف تعيش دون أن تبدل ثيابها طوال هذه الأعوام، وبمجرد عودتي سررت لأني عرفت الطريق إلي منزلنا فشكله محفور في قلبي جريت نحو الحديقة لأجد حشائشها أكثر مني طولا لقد اختفيت وتلاشيت وسط الحشائش والنباتات، صعدت أدراج السلم مسرعة لأبحث عن عروستي التي وقعت مني يوم أن تركنا المنزل تحت قصف طائرات العدو وجدتها ملقاة في نفس الركن البعيد الذي كنت ألعب فيه ولكنها مشوهة بنيران طائرات العدو لقد وجدت فمها مفتوحا وكأنها تتأوه وتصرخ لأنقذها، أما الصورة التي أحبتها أمي وتعلقت بها والتي كانت لإحدى الفتيات الجميلات وجدتها معلقة على الجدار كما هى ولكنها باهتة شاحبة زال جمالها وفترت ضحكتها عانت طوال هذه السنوات من الألم والوحدة ، ولكني أراها بعيني القديمة فها هي تضحك ضحكتها المشرقة التي تفتر عن أسنان براقة وثغر بسام وبريق عيونها يبعث الأمل في قلب تهدم وشعر بالكهولة والشيب ولكنها اليوم تشيب تشيخ كما شاخت عروستي وتلك الصورة علي الجدار..