■ كتب: محمد ياسين حديث الذكريات عن حرب أكتوبر لا ينقطع فهو ذكرى غالية على قلوب كل المصريين فقد تحولت الهزيمة والانكسار إلى نصر مستحق على عدو متغطرس كان الجيش المصرى له بالمرصاد، فكسر شوكته وحطم يده العليا، ذكريات الحرب كثيرة ولا تنضب خاصة إذا كانت ذكريات أحد من كانوا فى مركز العمليات، حيث عاش الحرب على الخرائط والإحداثيات فكان اللقاء مع المفكر العسكرى اللواء سمير فرج ليحكى ذكرياته من داخل مركز العمليات. يتذكر اللواء سمير فرج تفاصيل يوم العبور جيداً، وكأنه بالأمس القريب، كنت أصغر ضباط غرفة عمليات القوات المسلحة، سناً، وأحدثهم رتبة، حيث كنت رائداً، لم يمر أكثر من أسبوعين على تخرجى فى كلية الأركان حرب. حيث كان ترتيبى الأول، بتقدير امتياز، على دفعة قوامها 153 ضابطاً، من أكفأ الضباط، فقد تم توزيعى على هيئة عمليات القوات المسلحة لحرب أكتوبر، التى بدأنا التحرك منها لفتح مركز العمليات، الذى أديرت منه الحرب المجيدة. وفى الأيام الأولى لفتح هذا المركز، كنا ننفذ مشروعاً استراتيجياً تدريبياً، لاختبار عمل المركز، خاصة فيما يرتبط بشبكة الاتصالات مع الجيوش البدائية، والقوات الجوية، والبحرية، والدفاع الجوي، وحتى القيادة السورية فى دمشق، وباقى عناصر القوات المسلحة. ويضيف فرج: جاء يوم السادس من أكتوبر، وفى تمام العاشرة صباحاً، رفعنا خرائط المشروع التدريبي، ووضعنا خرائط "الخطة جرانيت"، المعدلة، وهى الخطة المعدة لاقتحام قناة السويس، وخط بارليف الإسرائيلي، وتكوين رأس كوبرى على الضفة الشرقية لقناة السويس. والله مازلت أذكر شعور الرهبة الممزوج بالعزة والفخر، بينما نفتح سجلات الحرب لهذه العملية الهجومية، ونتلقى إشارات توزيع ساعة الهجوم على القادة، كل حسب مهمته ومكانه. كما بدأنا نتلقى استعداد القوات فى أماكنها الجديدة لبدء الهجوم، والتى كان منها وصول مجموعة القوات البحرية المصرية، لمنطقة باب المندب، فى البحر الأحمر، لتنفيذ أوامر القيادة العامة للقوات المسلحة، بإغلاق المضيق أمام الملاحة الإسرائيلية. ◄ اقرأ أيضًا | الحارس الأمين| «الشرطة».. الجبهة التي منعت انهيار الداخل في حرب أكتوبر 1973 ويتذكر فرج أنه فى حوالى الساعة الثانية عشرة ظهراً وصل الرئيس الراحل أنور السادات، مرتدياً زيه العسكري، يخلفه عدد من الجنود، يحملون صوانى رصت عليها الشطائر والعصائر. ولأن اليوم تزامن مع العاشر من رمضان، فلقد أمسك الرئيس بالميكروفون، قائلاً، "إحنا فى رمضان، وقد أفاد المفتى أننا فى جهاد لتحرير الأرض المغتصبة، وعليه فقد أجاز الإفطار فى نهار رمضان" ووجه بإبلاغ كل قواتنا، وأولادنا، على جبهة القتال فى سيناء، بتلك الفتوى، بينما الجنود يمرون لتوزيع الشطائر، التى وضعناها، جميعاً، فى الأدراج، ويشهد الله، أننا لم نتناول إلا الماء، عندما حان موعد أذان المغرب، وهو ما فعله الجميع على جبهة القتال. ولا أخفيكم سراً، أننى وغيري، لم نتوقع بدء الهجوم؛ فهل سنشهد ذلك اليوم، فعلاً، بعد ست سنوات من حرب الاستنزاف؟ هل سيتحقق الأمل، ونهزم العدو الإسرائيلى المتغطرس؟! ولم نتأكد، إلا فى الساعة الثانية ظهراً، عندما تابعنا، على شاشات الرادار، عبور 220 طائرة مصرية، لقناة السويس، وتنفيذ الضربة الجوية ضد الأهداف الإسرائيلية فى سيناء. بعدها بدأ العبور. ومع غروب شمس يوم السادس من أكتوبر، اندفعت العربات تحمل براطيم الكباري، وتنزل مياه القناة، ورغم ظلام الليل، نجحت القوات فى إنشاء خمسة كبارى على طول القناة. وعلى ضوء القمر، وفقاً لحسابات خطة الهجوم، بدأت الدبابات والمدفعية تعبر إلى الضفة الشرقية للقناة، على الكبارى المقامة، وفشلت كافة محاولات الطائرات الإسرائيلية فى الاقتراب من قواتنا التى أنشأت الكباري، أو التى عبرت القناة، بفضل حائط الصواريخ المصري، الذى منع القوات الجوية الإسرائيلية من الاقتراب من قناة السويس، وصار، من يومها، أحد أهم أشكال الدفاع، فى النظم العسكرية العالمية. لقد وضعت قواتنا المسلحة المصرية، خطة عظيمة، اعتمدت فيها على عنصرى الخداع الاستراتيجى والمفاجأة، وعلى كفاءة وإصرار وبسالة أبنائها الأوفياء، فهزمت العدو الإسرائيلي، وحققت نصراً مبيناً يوم السادس من أكتوبر، الذى صار رمزاً لعظمة جيش مصر وشعبها العظيم.