السادس من أكتوبر.. يوم لا ينسي كتبه التاريخ بأحرف من النور سطرها أبطال جيش مصر العظيم بأرواحهم ودمائهم الذكية علي رمال أرض الفيروز لاستردادها واسترداد الكرامة المصرية والعربية. اليوم تحتفل مصر جيشاً وشعباً بأعظم انتصاراتنا العسكرية نقف جميعاً إجلالاً وتقديراً في يوم النصر لأرواح شهدائنا الطاهرة ولتضحياتهم العظيمة ونقدم 90 مليون وردة لكل قائد وضابط وصف وجندي موجود في الخدمة وعلي جميع المواقع المصرية تقديراً لهم علي ما قدموه من أجل مصر وما تحملوه منذ ثورة 25 يناير وحمايتهم للشعب والأمن القومي حماهم الله وأيدهم بنصره في كل وقت. ستظل حرب أكتوبر 1973 ودروسها المستفادة نبراساً لمجالات البحث والدراسة في كل الأكاديميات العسكرية والعالمية حرب تحدث عنها بإعجاب وإجلال الأعداء قبل الأصدقاء فاليوم نحتفل بمرور 39 عاماً علي أعظم انتصارات الشعب المصري لجيش الصمود والتحدي والنصر أو الشهادة.. حرب خطط لها المخطط العسكري بإجادة تامة لتحقيق المفاجأة وتحقيق ضربات غير متوقعة للعدو أدت لذهوله وفقدان صوابه وشل أدائه وتفكيره أنها حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر "بدر 73" هذا البدر الذي فتح المجال للتنمية وانطلاق الحياة. قبل كل شيء فإن حرب أكتوبر أو "بدر 73" لم تأت مطلقاً من فراغ ولكنها كانت نتيجة للإيمان والعقيدة القتالية المصرية والتدريب الجاد والشاق والإصرار علي استرداد الأرض والتي بدأت منذ يوليو 1967 أي بعد عشرة أيام من الحرب للرد علي الأكاذيب بأنه لن تقم قائمة للجيش المصري بل وقال موشي ديان نحن ننتظر مصر عندما توقع علي وثيقة الاستسلام هكذا صور لهم خيالهم وأحلامهم. لقد كانت حرب الاستنزاف هي مفتاح النصر في "بدر 73" ولقد حدث تحول أشعله استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض في 9 مارس عام 1969 في موقع نمرة 6 والذي ردت عليه قواتنا في أجرأ عملية قتالية حيث قام رجال الصاعقة البواسل والمشاه بقيادة الشهيد إبراهيم الرفاعي بالآخذ بالثأر وتم تدمير الموقع والنقطة كلها. أيضا معركة حائط الصواريخ حيث كانت طائرات إسرائيل تضرب العمق المصري والمدنيين في الزيتية وبحر البقر وأبوزعيل.. إلخ لقد كانت معركة الصواريخ من أصعب المعارك حيث حاولت إسرائيل بكل الوسائل وقف بناء هذا الحائط الذي قطع الذراع الطولي لإسرائيل حيث حاولت تدميره الطائرات الإسرائيلية دون جدوي. وبعد تنفيذ الحائط بدأت كتائب صواريخ الدفاع الجوي سام "3" علي بعد 30 كيلو متاً من القناة وتمركزت قواعد أخري علي بعد 10 كيلو مترات من القناة وفي يوم 17 سبتمبر 1970 أسقطت قوات الدفاع الجوي أول طائرة استطلاع إلكتروني للعدو خسر فيها 12 خبيراً. كان حرب الاستنزاف هي مشروعات ومناورات تدريبية للقوات المسلحة المصرية والتي كانت هي مفتاح النصر ومعرفة حقيقة الجيش الذي لا يقهر فقهره أبناء النيل في 6 ساعات. لقد نفذ رجال الجيش المصري بكل أفرعه وتخصصاته ملحمة بكل المقاييس حيث قدم رجال المخابرات الحربية والصاعقة خلف خطوط العدو بالتعاون مع مجاهدي سيناء عيوناً رصدت ونقلت كل تحركات العدو بل وأنفاسه وقدمت صورة كاملة عن كل المواقع الإسرائيلية والمطارات ومخازن أسلحته واحتياطية في سيناء.. ليتخذ المخطط العسكري والقيادة العسكرية علي ضوئها القرارات القتالية والتي وقعت كالصاعقة علي قادة وجيش إسرائيل ليتجرع آلام الهزيمة والإنكسار. لقد كانت ملحمة العبور سيمفونية مصرية أذهلت العالم وغيرت من الاستراتيجيات العسكرية وحطمت أحلام إسرائيل علي أيدي رجال القوات المسلحة البواسل.. فإن ما تكبدته إسرائيل خلال حرب الاستنزاف أو حرب الألف يوم يعادل ثلاثة أمثال ما لحق بجيش إسرائيل من خسائر بشرية ومعدات وهذا ما أكدته الدراسات التي قام بها القادة العسكريين ونشرتها الصحف والمجلات الإسرائيلية لتتحطم أحلام جنرالات إسرائيل علي أيدي أبناء الفراعين المصريين. عندما دقت عقارب الساعة تشير إلي الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 عبرت طائرات سوريا ومصر خطوط المواجهة مع إسرائيل لتتجه نحو أهدافها المحددة في الخطة المشتركة ثم هدبت مدافع العرب علي طول الجبهتين الجنوبية بمصر والشمالية بسوريا في أقوي تمهيد نيراني شهدته منطقة الشرق الأوسط. حيث قام نسور القوات الجوية من خلال 250 طائرة بالوصول إلي عمق سيناء وحطموا ثلاثة مطارات وقواعد جوية وعشرة مواقع جوية وعشرة مواقع صواريخ هوك وثلاثة مراكز قيادة وسيطرة وإعاقة إلكترونية ومحطات الرادار وموقعي مدفعية بعيدة المدي وثلاث مناطق شئون إدارية وحصون العدو شرقي بورفؤاد. وفي تزامن واحد مع نسور قواتنا الجوية هدنت نيران أكثر من ألفي مدفع علي طول الجبهة بين مدفعية ميدان ومدفعية متوسطة وثقيلة ومدفعيات وهاونت تشكيلات ووحدات المشاة والمدرعات ولواء صواريخ تكتيكية متوسطة المدي أرض/أرض. استمرت المدفعية علي مدي 53 دقيقة كاملة في اطلاق نيرانيها بالتنشين المباشر المحكم التصويب علي دشم العدو وأهدافه المنظورة التي نجح المراقبون في كشف ضحاياها رغم ما بذله العدو من جهد ورمال لاخفائها وتمويهها عن المراقبة الأرضية والجوية. وتحت ستر نيران المدفعية القاتلة والتي وصل إجمالي طلقاتها إلي ثلاثة آلاف طن علي امتداد فترة التمهيد النيراني للعبور لتبدأ جماعات من الصاعقة ومفارز اقتناص الدبابات تعبر قناة السويس لبث الألعام والشراك في مصاطب دبابات العدو وتقيم الكمائن علي طرق اقتراب المدرعات إلي القناة لتشل حركاتها وتمنعها من التدخل في عملية الاقتحام والوشيكة. لينطلق جنودنا في القوارب المطاطية والمدرعات البرمائية في العبور وتجهيز الكبار ليبدأ المشهد العظيم للعبور لتستمر حرب أكتوبر 73 ثلاثة وعشرين يوماً بالقتال الضاري العنيف لتحطم أساطير وزيف المزاعم الإسرائيلية وتهاوت نظرياتهم. لقد خرج يوم 24 أكتوبر رئيس دولة إسرائيل "ابراهام كاترين" يكشف لشعبه جزءا من الحقائق الأليمة قال "لقد كنا نعيش فيما بين عام 1967. 1973 في نشوة لم تكن الظروف تبررها بل كنا نعيش في عالم من الخيال لا صلة له بالواقع وهذه الحالة النفسية هي المسئولة عن الأخطاء التي حدثت قبل حرب أكتوبر وفي الأيام الأولي للحرب لأنها قد تفشت في كل المجالات العسكرية والسياسية والاجتماعية. وأحدثت فيها مواطن ضعف خطيرة يجب علي الإسرائيليين جميعاً أن يتحملوا مسئوليتها وعلينا أن نتعلم بعد هذه الحرب الفظيعة أن يكون أكثر تواضعاً وأقل نزوعاً إلي المادية كما يتحتم علينا أن نبذل كل طاقاتنا لإزالة الفجوة الاجتماعية والتغلب علي المادية التي أحدقت بنا" هذا ما قاله رئيس دولة إسرائيل الاستعمارية بعد الأيام الأولي من حرب .73 وتحت ستر قوات المشاه ونيران المدفعية تقدمت وحدات المهندسين العسكريين وقامت بفتح الممرات اللازمة في الساتر الترابي مع قيام المهندسين العسكريين بإنشاء المعديات والكباري سواء الكباري الثقيلة والتي وصل إلي 10 كباري للمعدات الثقيلة و10 كباري أخري للمشاه كما استطاعت عناصر قواتنا من الدفاع الجوي من إسقاط سبع طائرات من الفانتوم وسكاي هوك. وبعد صمت طويل للإذاعة الإسرائيلية في نهاية يوم 6 أكتوبر أصدرت نداء لقواتها الاحتياطية للتوجه فوراً إلي مراكز التعبئة والحشد كما شعرت القيادة الجوية الإسرائيلية في أم مرجم بأن قصف الطائرات والصواريخ المصرية للمنطقة قد أخل بالسيطرة من مركز القيادة في هذه المنطقة فقررت نقل السيطرة علي القوات الجوية إلي العريش. لكن رجال الصاعقة والمخابرات الحربية كانوا لها بالمرصاد فرصدوا كل تحركات العدو وتم إرسالها للقيادة بالقاهرة. في الشمال وعلي ساحل البحر الأبيض المتوسط قام جزء من قوات قطاع بورسعيد بهجوم مخادع علي قلعة العدو الحصينة الموجودة شرق بورفؤاد من أجل ضرب اهتمام العدو عن قواتنا التي تقتحم القناة في أصعب أماكنها بالمواجهة.. كان الطريق الساحلي يؤدي مباشرة إلي مركز قيادة العدو الموجود في منطقة رمانة. كان متوقعاً أن يوجه العدو جزءاً محسوباً من احتياطياته المدرعة لايقاف هجوم أي قوات مصرية علي هذا الطريق الساحلي مع توجيه جزء كبير من مجهودنا الجوي هناك. هنا صدقت توقعات القيادة المصرية حيث دفع العدو باحتياطياته المدرعة الموجودة في رمانة لنجدة تلك القلعة الحصينة ووجه مجهودنا الجوي إليها من هذا نجد كيف تمكن هذا الهجوم المخادع لقواتنا من تحقيق أهدافه. وظلت القوات المكلفة بقطع الطريق الساحلي شرق القلعة الحصينة متمسكة بمواقعها لتمنع اقتراب أي قوات للعدو وذلك لمدة يومين بالرغم من صغر حجم القوات والتي لم تزد قوتها عن فصيلة ثم عادت بمعدلها لتنضم إلي قوات قطاع بورسعيد. واستمرت قوات دفاعنا الجوي في تحطيم طائرات العدو وبلغت الحصيلة في ساعات قليلة 130 طائرة مما أزعج قائد القوات الجوية الجنرال بنيامين بيليد الذي أصدر أوامره للطيارين بتحاشي الاقتراب من القناة. اعترف طبيب حصن "مفنساح" الملازم "دان بيليج" أن صواريخ اصطياد طائرات إسرائيل كان من أشق الأمور فالطائرات تتحطم في السماء نتيجة إصابتها بالصواريخ المصرية. أضاف كانت "سكاي هوك" هي أشد الطائرات عرضة للإصابة وكم أحزننا أن نراها تنطلق عزلاً في جماعات لتعود بعدئذ فرادي أو لا تعود أبداً. لقد كان ذلك شديد التأثير علي معنوياتنا التي زادها كمدا تلك السيمفونية التي راح الدفاع الجوي المصري يعزفها بكل اقتدار والتي تعجز الكلمات عن وصفها. قال الطبيب الإسرائيلي في حديثه لجريدة معاريف في نوفمبر 74 عن جنودنا قائلاً: "أما عن جنود العدو فبمجرد أن طبقوا علي مواقعنا حدث لنا جميعاً نوع من اليقظة إذ أدركنا لحظتها صورة جديدة للمقاتل المصري الذي يستحيل صده والذي لا يتوقف أمام أي عائق. ومع استمرار القتال في آخر ضوء يوم 6 أكتوبر ذهبت طائرات الهليكوبتر المصرية تعبر القناة وتحمل مجموعات من قوات الصاعقة علي أعماق مختلفة وصلت إلي 30 40 كيلو مترا لابرار القوات وتنفذ مهامها لتنزل بالعدو خسائر جسيمة وحرمت مدرعاته من حرية الحرك. لقد نجحت القوات المسلحة المصرية وفي أقل من ست ساعات حيث أتمت الفرق الخمس المشاة وقوات قطاع بورسعيد واقتحام قناة السويس علي مواجهة 17 كيلو مترا بقوة أكثر من 80 ألف جندي بواسطة القوارب المطاطية ووسائل العبور والاقتحام الأخري وفي موجات متتالية كانت قد أتمت الاستيلاء علي 15 نقطة قوية للعدو وقامت بحصار لباقي النقاط القوية وتمكنت قواتنا من الاستيلاء علي رءوس الكباري بعمق 3 و4 كيلو مترات. لقد تميزت حرب أكتوبر بأنها كانت مثالاً رائعاً ونموذجاً ناجحاً لمعركة الأسلحة المشتركة الحديثة اشتركت فيها القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوي في ملحمة رائعة شهدت علي بطولة الجندي المصري.