عقب تصديق الرئيس، نص قانون مجلس الشيوخ وتوزيع المقاعد والمرشحين والشروط    سعر الذهب اليوم الأحد 8 يونيو 2025.. وعيار 21 الآن في إجازة الصاغة    تواصل حملات التعدي على أراضي أملاك الدولة في مطروح خلال العيد    في ثالث أيام العيد.. مدير معهد بحوث أمراض النباتات يتفقد محطة سدس    ليست «خناقة» شخصية.. بل إلى أين تتجه أمريكا!!    حكومة غزة: ارتفاع ضحايا فخاخ المساعدات ل125 شهيدا و736 مصابا    المجلس الوطني الفلسطيني: العدوان تسبب في شطب أكثر من 5200 عائلة من السجل المدني    انطلاق مباراة إنبي والبنك الأهلي بكأس عاصمة مصر    رونالدو يكشف: عملت مترجمًا ل ميسي!    ترقب خلال 72 ساعة.. ليفربول يقترب من صفقة فيرتز    رئيس مياه الشرب بالغربية: الدفع ب11 سيارة لإخماد حريق الكتان بزفتى    هند عبد الحليم تحتفل مع درة بعيد الأضحى | صور    عمر بطيشة يكشف سبب رفض وردة الجزائرية أغنية كبريائي    التعليم العالي تقدم 8 نصائح لتناول اللحوم بطريقة صحية    الوطني للأرصاد: منى ومكة المكرمة ومزدلفة تسجل 45 درجة    براتب 10 آلاف جنيه.. الإعلان عن 90 وظيفة في مجال الوجبات السريعة    الخليفي: ديمبيلي يحافظ على الصلاة.. والتسجيل في إسبانيا أسهل من فرنسا    إلهام شاهين من الساحل الشمالي.. «الله على جمالك يا مصر» | صور    غارة إسرائيلية على الشهابية جنوب لبنان دون إعلان رسمي عن المستهدف    لدغة عقرب تُنهي حياة "سيف"| المئات يشيعون جثمانه.. والصحة ترد ببيان رسمي    فرحة العيد جوه النيل.. إقبال على الرحلات النيلية بكفر الشيخ ثالث أيام العيد    لماذا تتجدد الشكاوى من أسئلة امتحانات الثانوية العامة كل عام؟.. خبير يُجيب    عمال الشيوخ: خروج مصر من قائمة ملاحظات العمل الدولية للعام الرابع "مؤشر ممتاز"    هدف الزمالك.. خطوة واحدة تفصل زين الدين بلعيد عن الوكرة القطري    «الحج دون تصريح».. ترحيل ومنع «المخالفين» من دخول السعودية لمدة 10 سنوات    الدفاع المدني فى غزة: الاحتلال يمنع إنقاذ الأحياء فى القطاع    مى عز الدين تتألق في جلسة تصوير جديدة وتعلن عودتها للتفاعل مع جمهورها    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    عقرهما كلب شرس.. تفاصيل إصابة طالبين داخل "سايبر" بالعجوزة    طريقة عمل كفتة الحاتى بتتبيلة مميزة    استقبال 1500 مريض وإجراء 60 عملية جراحية خلال أيام عيد الأضحى بمستشفى جامعة بنى سويف    الداخلية تواصل تطوير شرطة النجدة لتحقيق الإنتقال الفورى وسرعة الإستجابة لبلاغات المواطنين وفحصها    بقرار من رئيس جهاز المدينة ..إطلاق اسم سائق السيارة شهيد الشهامة على أحد شوارع العاشر من رمضان    196 ناديًا ومركز شباب تستقبل 454 ألف متردد خلال احتفالات عيد الأضحى بالمنيا    تجهيز 100 وحدة رعاية أساسية في الدقهلية للاعتماد ضمن مؤشرات البنك الدولي    اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك الملقب ب"نبي الغضب" يحذر من وصول إسرائيل إلى نقطة اللاعودة وخسارة حروب المستقبل!.. كيف ولماذا؟    متحف شرم الشيخ يطلق فعاليات نشاط المدرسة الصيفية ويستقبل السائحين في ثالث أيام عيد الأضحى    لا يُعاني من إصابة عضلية.. أحمد حسن يكشف سبب غياب ياسر إبراهيم عن مران الأهلي    هل تشتهي تناول لحمة الرأس؟.. إليك الفوائد والأضرار    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    4 أبراج جريئة في التعاملات المالية.. عقلانيون يحبون المغامرة وخطواتهم مدروسة    ضبط شخصين لاتهامهما بغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    موعد عودة الوزارات للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025. .. اعرف التفاصيل    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    العثور على جثة رضيعة داخل كيس أسود في قنا    أمين المجلس الأعلى للآثار يتفقد أعمال الحفائر بالأقصر    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    كامل الوزير يتابع حركة نقل ركاب القطارات ثالث أيام العيد، وهذا متوسط التأخيرات    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر زعلانة منك
نشر في شباب مصر يوم 30 - 11 - 2015

هذا رجل يدّعي، كذبًا، أن مُضطهدٌ في بلاده اضطهادًا دينيًّا أو فكريًّا أو سياسيًّا أو عِرقيًّا أو اجتماعيًّا ليحصل على ڤيزا لجوء ديني أو سياسي إلى دولة أوروبية، ويسافر بتذكرة ذهاب بغير عودة، وهو فرحٌ مسرورٌ حتى ولو عمل هناك عاملا بسيطًا في محطة بنزين، بعدما كان محاميًّا هنا، أو كاشير في محل هبمرجر، بعدما كان طبيبًا هنا، أو حتى عامل نظافة في المراحيض العامة، بعدما كان هنا يتعالى على عمال النظافة وينظر إليهم من “طرطوفة مناخيره”. يكمل العامين دون أن يجرؤ على مجرد التفكير في زيارة أهله وعشيرته وأصدقائه وحبيبته ربما، في مصر، إلى أن يكرمه اللهُ، والسلطاتُ الأوروبية فيحصل على الأوراق التي تمكّنه من الاستمتاع بمزايا الغرب من تأمين صحي ومعاش وحقوق آدمية وغيرها، ويا سلام لو التزم شويتين وحصل على الجنسية، إذن سيضمن أن يكمل حياته في الغربة هانئًا قرير العين ويتزوج وينجب صبيان وبنات يكبرون ولا يعرفون بلد أبيهم ولا لسان أبيهم ولا تاريخ أبيهم. ومع الوقت ينسى هو ذاته تاريخ التعس وطنه المتعوس وأيام وطنه الهباب ولسان حاله يقول كلما مرّت بخاطره: "الله لا يرجعها أيام!"
وهذا رجلٌ آخر يحصل على ڤيزا شنجن سياحة ثلاثة أشهر، يقضيها في أوروبا، منبهرًا مشدوهًا أول الأمر، ثم مسرورًا مستمتعًا، ثم فقيرًا مستدينًا، ثم بائسًا متسوّلا في نهاية المطاف، لكنه أبدًا لا يفكر في العودة لبلده، بل يكسر الڤيزا، ويكمل شهره الرابع ثم الخامس، متخفيًّا من سيارات الشرطة ومن عيون رقابة أحوال المغتربين، حتى يتمكن من تسوية أموره بشكل أو بآخر. وحين تسأله عن وطنه الأم يقول لك: “يا عم افتكرلنا سيرة عدلة!
تتعدد الأسباب التي ينجح بها مصريون في "الفرار" من بلادهم إلى بلاد أجمل وأرقى وأنظف وأسعد حظًّا، حتى ولو كان السبيل أن يُلقي المرءُ بنفسه في مياه البحر سعيًا في هجرة غير شرعية حتى تتلقفه شواطئ الغربة ركضًا وراء حلم الفرار من الجحيم إلى الفردوس. جميع تلك الحالات تقول: (أنا زعلان من مصر، ونفسي أهرب منها النهارده قبل بكرا)
تعال نسأله: “طيب ليه زعلان من مصر يا عم الحج؟"
تأتيك الإجابة كرصاص من مدفع رشاش لا يتوقف: “ظلم وفساد وفقر وبطالة وفهلوة وعدم احترام قانون ومرور خربان وجبال قمامة وطرق مهشمة وأرصفة أكلتها الإشغالات ودواء فاسد وهواء ملوث ومياه شرب ومزروعات مسرطنة بالمبيدات وسحب سوداء وكوارث وضحايا بشرية بسبب شوية مطر وعدم احترام للطفل ولا لكبار السن ولا للمعوقين ولا للمرأة وتحرش بالإناث واضطهاد للأقليات الدينية والعرقية وفن هابط وركاكة سمعية وبصرية أينما ولّيت شطرك وتزوير في الانتخابات وشراء ذمم ورشاوى في كل درج مكتب وفقر فاضح في مقابل ثراء فاضح وبلطجة في الطريق وأطفال شوارع يتناسلون تحت الكباري فيُنتجون أطفال شوارع جددًا وفتيات يقتتن من بيع أجسادهن وتسرّب من التعليم، وانهيار في منظومة التعليم التي يُتسَّرب منها، وانحطاط في المحليات والمجالس المدنية والعيشة واللي عايشينها...... زعلان قوي من مصر.
ولكنه ينسى دائمًا أن يحدد لنا إن كان زعله من الحكّام، أم الحكومات، أم المحافظين، أم رؤساء الأحياء، أم المواطنين العشوائيين، أم الشوارع المهشمة أم الجو الحر والممطر والهواء الملوث بعوادم السيارات والمصانع والماء المليء بالشوائب، أم العنصرية والتطرف أم أصحاب الذمم الخربة أم أم أم ….
ثم أنه ينسى أيضًا أنه هو من أتى بهذا الحاكم أو ذاك، وأنه يشبه هذا المحافظ أو ذاك، وأن رئيس الحي المرتشي من نفس طينته وقد يفعل مثله لو واتته الفرصة، وأنه هو وآباؤه وأولاده من هشّموا الشوارع وخربوا الأبنية ولوثوا الهواء بعوادم مصانعهم وسياراتهم، وأنه هو وأقرباؤه من وفوضوا المرور ولم يحترموا القانون وتحرشوا بالبنات ومارسوا العنصرية والتطرف مع جيرانهم وزملاء عملهم وووو.
أين "مصر" من كل ما سبق؟ مصر تراقبنا وتصبر علينا صبر الأم على ابنها العاق الجاحد. مصرُ ليست هي الحاكم المستبد، ولا الحكومات المترهلة الكسول، ولا هي المحافظين الفاسدين ورؤساء المحليات المرتشين. مصر لم تدمّر تعليمها وتتدنى بفنونها ولم تلوّث ماءها وتسمم هواءها وتسرطن أرضها، ولم تتحرش ببناتها ولم ترتكب إثم العنصرية ضد أحد من أبنائها.
مصر هي التي يجب أن تزعل منا لأننا فعلنا بها الأفاعيل
-------------------------------
الحقُّ أن مصر هي التي يجب أن تزعل منا لأننا فعلنا بها الأفاعيل تلك دون أن
يطرف لنا جفنُ ندم أو تختلج فينا خلجةُ حياء. نحن الفاسدون المرتشون الغوغائيون الأميون الفوضويون، لا مصر. نحن أكثر شعوب الأرض غناءً لوطننا، وأقل شعوب الأرض حبًّا لهذا الوطن. لم أسمع عن أغنية وطنية ألمانية غنّاها الألمانُ لألمانيا، لكنهم يحبون وطنهم. ولم أسجل عن اليابانيين أغنية تشيد بأمجاد اليابان، لكنهم يحبون بلادهم. نحن الذين استلمنا مصرَ متحضرة راقية من أجدادنا، فلم نقدر، وربما لم نُرد، أن نحافظ عليها كما تسلّمناها، بل مرمطنا رأسها في التراب حتى علقت بذيل قائمة العالم في التحضر والجمال والنظافة واحترام الآخر. نحن الذين لن ينسى لنا التاريخُ ما فعلناه بهذه الأرض الطيبة. والتاريخ، لمن لا يعرف، عادلٌ وقاس، لا يعرف الرحمة، ولا يعترف بثقافة درجات الرأفة.
مصر زعلانة منك ومني ومن تلك القطفة المعطوبة من شعبها منذ الثمانينات الماضية وحتى أجل لا يعلمه إلا الله. فليتحسسْ كلٌّ منّا رأسه.
------------------
بقلم فاطمة ناعوت
كاتبة وباحثة مصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.