◄نحن مصريون ولسنا عربا، فالعرب لم يكونوا مبدعين على الإطلاق.. هم ظاهرة صوتية كلامية لا يجيدون شيئا إلا الكلام دون الفعل ◄صلاح جاهين قال لى وهو يبكى: عبدالناصر رمى أحلامنا فى الزبالة.. والأبنودى وسيد حجاب وفؤاد نجم وإبراهيم رضوان قتلوه بالتلقيح عليه فى أشعارهم ياريتك كنت معايا، فما رأيته كثير، وما سمعته أكثر، ولا أشك مطلقا إذا قلت إنى شعرت أثناء مقابلة الفنان المصرى محمد نوح بأننى قابلت «مصر» بسماحتها وبشاشتها وكرمها وحبها الغريزى للحياة وللفن وللحب، دخلت عليه فى مكتبه بمصر الجديدة فوجدته كما رأيته آخر مرة فى التليفزيون جالسا بجوار الأورج وحواليه أجهزة الصوت والكمبيوترات، فلاح أصيل لم يتخل عن أرض الموسيقى طوال حياته، يزرع غرفته أنغاما، إن لم يشبع بها غيره، كفته فرحة زراعتها والاستئناس بها. بابتسامته الفياضة استقبلنى وأجلسنى إلى جواره وبدأ يسألنى عن حال البلد والناس والجيل الذى يشفق عليه من الأيام القادمة، ذكًّرته بأنه من المفروض أن أسأله أنا، فابتسم وقال «هاقول إيه يعنى.. أنا ماعنديش حاجة أقولها» ولولا أن رأيت ابتسامة الحياء فى عينيه، لظننت أنه لا يريد التحدث إلىّ، لكن بعد أن شربنا القهوة وتناقشنا قليلا بدأ يتنازل عن صمته وتكتمه، نظرت إلى ملامحه المصرية وهو يسترسل فى الحديث فتخيلت أننى أقف أمام أبوالهول وهو ينزع عنه قناع الصمت. تحدث عن ذكرياته مع عمالقة الفن المصرى، تألم حينما تذكر بليغ حمدى، وبكى حينما تحدث عن صلاح جاهين، وابتسم حينما تحدث عن يوسف شاهين ومحمد منير، وانفعل غاضبا وهو يتذكر الحلم الناصرى، وشعر بخيبة الأمل وهو يتحدث عن الوفد، وتهكم حينما تكلم عن المتظاهرين بالدين والوهابيين، وقال أنا عمرى دلوقتى 72 سنة لكنى حاسس أن عمرى الحقيقى 7000 سنة.. أنا شوفت كتير أوى وماكنتش بحب أتكلم فى الحاجات دى، بس مش عارف أنا اتكلمت ليه معاك.. الله يخرب بيتك. سألته: ماذا كنت تريد حينما غنيت «مد مد» فى أعقاب هزيمة 67 فقال: كنت عايز أنادى على مصر، مصر كانت وحشة أوى أيامها وكنت خايف عليها لتتوه فى الزحمة، فناديت عليها وعلى ولادها عشان ياخدوا بإيدها، وكمان غنيت وقلت «الله حى بكره جى» وفعلا أتى بكره الذى كنت أريده، لكنه لم يكتمل وخسرنا كل ما كسبناه فى تاريخنا الطويل، أصبح التعصب هو كل شىء فى حياتنا.. يسألنى «ليه مصر بقت كده؟» لماذا أصبح المسيحيون منغلقين على أنفسهم إلى هذا الحد؟ ولماذا أصبح المسلمون المصريون سعوديين فى المظهر والجوهر؟ طول عمر مصر هى مصر لم يستطع أحد أن يؤثر عليها وعلى تاريخها الطويل ولا شعبها الأصيل إلا فى الأيام الزفت دى، تصور.. ذات يوم كنت أشاهد إحدى القنوات الدينية فوجدت آنسة تسأل «الشيخة» وتقول لها إن أخيها يعريها فى الليل ويمارس العادة السرية وهو يتفرج على جسدها، فقالت لها «الشيخة» اغلقى باب غرفتك لكى لا يدخل، فجاوبتها البنت «ما انا عملت كده لقيته بيعمل مع ماما نفس اللى كان بيعمله معايا» شوف وصلنا لأى درجة انحطاط، لما تبقى القنوات دى هى المتحكمة فى حياة المصريين، هى والقنوات اللى بترفع شعار فرجينى لحمك ولا تسمعينى لحنك. «أنا بقيت خايف من كل حاجة بتحصل» قالها حينما تحدث معى عن الإخوان وانتشار المد السلفى فى المجتمع المصرى وغياب أصول الدولة المدنية وقال: زمان كنت بزعل من عبدالوهاب حينما قال: خايف أقول اللى فى قلبى، وكنت بقول يخاف ليه، وعشان كده غنيت وقلت «خوفنا كتير وموتنا كتير م الخوف.. لكنا بننطق ولا بنسمع ولا حتى بنشوف يا بكره يا اللى جاى تعالى بكره أمان تعالى ودق ع البيبان، وصحينى يا عزيز عينى يا عزيز عينى» لكنى بقيت دلوقتى خايف، ولما حاولت أقاوم خوفى بتحقيق حلم عمرى بعمل مسرح خدوه منى وخلونى أخسر ملايين، وحتى لما جيت أعمل فرقة أغنى فيها للأسرة المصرية اتريقوا علىّ، وعرفت أن الناس لا بقى يهمها أسرة ولا بقى يهمها مصر، فسكت. سألنى: عارف ليه إحنا وصلنا إلى هذا الوضع البائس؟ وأجاب: لأننا تركنا أنفسنا للسعوديين ليتحكموا فينا، طول عمر الخضرة ضد الصحرا، ومصر بلد زراعى، عقول أبنائه متفتحة ومزدهرة، وأمر شىء تصحر العقل الذى يميز العرب بأسوأ الميزات، أنا نفسى فاروق حسنى يروح لليونسكو، أهو على الأقل مصرى، ولما يبقى مدير اليونسكو مصرى أحسن ما يبقى سعودى، سألته: هل أنت مع فاروق حسنى فى معركة اليونسكو أم توافقه فى سياساته بالوزارة؟ فقال: فاروق حسنى وزير كويس ومستنير لكن هيعمل إيه وسط كل الظلام ده، ومع ذلك كنت أتمنى أن يتلافى سلبياته الكثيرة قبل أن يعد العدة لحرب اليونسكو، فسألته: ماذا كنت تريد منه؟ فقال كنت أتمنى أن يحافظ على آثارنا من الاندثار والغرق والسرقة اللى بالجملة. نحن مصريون ولسنا عربا، فالعرب لم يكونوا مبدعين على الإطلاق، هم ظاهرة صوتية كلامية، لا يجيدون شيئا إلا الكلام دون الفعل، هذا ما قاله «نوح» حينما قلت له: لماذا تهاجم فكرة العروبة دوما؟ ثم قلت له: هل توافق مع ما كان ابن خلدون يقوله بشأن العرب: إن بلاد العرب فقيرة، وإنهم كانوا يعيشون على النهب والسلب؟ فقال: نعم هذا صحيح ومن الممكن أن نقول إنهم حاولوا أن يسرقوا الموسيقى ويطلقوا عليها اسم الموسيقى العربية، لكن هذا غير صحيح، بدليل أن أسماء المقامات الموسيقية إما تركية أو فارسية، وأنا أتحسر على حالنا كلما شاهدت التليفزيون، انظر إلى القنوات الفضائية لتدرك أن حكام السعودية أصبحوا يمتلكون ذهب المعز وسيفه وبيته، حينما مات الملك فهد كانت كل القنوات بما فيها الفضائية المصرية معلنة الحداد الرسمى، مصر التى كانت أهم دولة فى المنطقة أصبحت تابعة إعلاميا للبدو، ولا وجود لقناة مصرية حقيقية إلا «أو تى فى» التى أتمنى أن تمارس دورها فى التنوير وتعيد إلينا ما فقدناه. من الصعب أن أطلق على مكتب «نوح» أو بيته اسم مكتب أو بيت، فكليهما تحول إلى مخزن كبير، لفت نظرى أنه كلما تكلم معى فى أى موضوع ينادى على ابنته المطيعة «كوثر» ويطلب منها أن تشغل لنا الأغنية، أو أن تحضر لنا الورق الأصفر الباهت الذى يحتفظ به وبعشرات غيره: ويقول: قول انت عايز إيه وأنا أجيبهولك، مصر كلها هنا عندى، سيد درويش، أسمى الكمسارية، لبيبة المحلاوية، كل الأفلام القديمة، تاريخ الإذاعة المصرية، خطب الملك فاروق، الصور القديمة، أرشيف كامل للحياة فى مصر، كل المجلات القديمة، المصور منذ إنشائها، اللطائف المصورة، العروة الوثقى، المقتطف، جميع المخترعات المصرية بداية من الساقية، وحتى أدق تفاصيل التاريخ، تذكرت أن لكل منا نصيبا من اسمه، حينما اصطحبنى ليفرجنى على ما يقتنيه من شرائط وكتب ومجلات يحتفظ بها لعلنا نريد فى يوم من الأيام أن نسترجع مصر الجميلة، فنجد أصولها فى بيت «نوح»، أو فى مكتب «نوح» أو بالأصح فى «سفينة نوح». التى جمع فيها أسباب الحياة فى مصر وجمع فيها من كل زوج بهيج. لا تنفصل حياة نوح الشخصية عن حياته الفنية أو السياسية، يقول: عمرى ما كنت شيوعى ولا إخوانى، أنا مصرى، وعشت بمصر طول عمرى، هى حبيبتى وبيتى وبنتى وأمى وأختى ووطنى، أتولدت فيه وهموت فيه، باختصار «أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء» زى ما كان جاهين بيقول، سألته: لماذا كنت تحب جاهين إلى هذا الحد وقد كان ناصريا خالصا بينما أنت ضد كل المشاريع الناصرية؟ فقال: أنا كمان كنت ناصريا خالصا، لكنى اكتشفت بعد عشر سنوات من إيمانى بالثورة أنى أنا الذى كنت ناصريا بينما عبدالناصر نفسه لم يكن ناصريا، فقلت له: كيف هذا؟ فقال: أنا نشأت فى عائلة وفدية، واشتركت فى انتخابات 1951 ببلدى «دمنهور» التى فاز بها النحاس باشا، وحينما جاءت الثورة آمنت بها وتحمست لها، لكن كذب الثورة تكاثر واكتشفت أن أموال دافعى الضرائب يتم صرفها على المطربين الذين يحولون الخطب السياسية إلى أغان مثل «وطنى حبيبى، شوفت اجتماع سياسى مليان نغم حماسى، وع الدوار ع الدوار وراديو بلدنا فيه أخبار» للأسف عبدالناصر خذلنى وخذل كل جيلى وما نعانيه الآن من جراء ما فعله ناصر، ناصر كسر العمود الفقرى لمصر بقضائه على الديمقراطية، ودمر نخاعها الشوكى بقضائه على الدولة المدنية. سؤال كان لابد أن أسأله لنوح، وهو كيف تقول إنك كنت ناصريا وفى نفس الوقت تقول على «ناصر» هذا الكلام، فقال: هذه حكاية طويلة يطول شرحها فقلت له اشرح فشرح قائلا: قبل الثورة كانت هناك رغبة عارمة للتغيير وللأسف خدعت بها مثلما خدع مصطفى النحاس نفسه بها، واشتركت فى كتائب شباب الفدائيين الذى تحول اسمها إلى منظمات الشباب، والتى أنشاها عبدالناصر بقيادة الصاغ وحيد رمضان، وكنت من أشد المتحمسين للثورة لدرجة أنى عاديت الوفد ووقفت ضده وكتبت على الحيطان «لا جمعية تأسيسية إلا بعد الجلاء» حينما نادى النحاس باشا بهذه الجمعية لوضع الدستور، وفى حماسى للثورة اشتركت فى قوات الفدائيين التى تحول اسمها إلى الحرس الوطنى، واستولينا على نادى الإخوان المسلمين بدمنهور، وحولناه إلى «نادى ناصر لشباب الحرس الوطنى» وحينما جاء العدوان الثلاثى اشتركت فيه وأصبت بشظية فى قدمى اليمنى، ووقتها كانوا يعطون لنا الأسلحة التشيكية أثناء القتال، وبعد الحرب كان هناك ما يقرب من نصف مليون فرد يملكون أسلحة تشيكية، ولذلك أخذوها منا وأعطوا كل واحد سبعة جنيهات وريالا. تنهد ثم قال: كنت أحب عبدالناصر أكثر من نفسى لكنى اكتشفت الفساد ورأيته بعينى ينخر فى جسد مصر ورأيت تآمر وجيه أباظة الذى كان محافظ البحيرة على أموال الشعب، وتحويله مشروعات الخطة الخمسية لحسابه، وحينما أبلغت عنه العقيد محمود سلامة مدير المباحث العامة بدمنهور، تحمس وأعطى مستندات إدانة أباظة لعلى صبرى الذى حولها بدوره إلى وجيه أباظة ليكون خصما وحكما فى نفس الوقت، فنقل أباظة سلامة للإسكندرية، فانتحر «سلامة» اعتراضا على هذا الفساد أثناء زيارة عبدالناصر لجامعة الإسكندرية، وحينما كان عبدالناصر فى زيارة لدمنهور اعتقلونى أنا وصديقى عاطف خليل، لأنهم عرفوا أنى كنت سأقابله وأبلغه بالمهازل التى تحدث، كنا مجانين بحب عبدالناصر، وكنا نحاول أن نحارب الفساد بكل ما أوتينا من قوة، ولم نكن نعرف أن الفساد أكبر منا وأن له جذوره القوية المتينة. قلت له: وبعدين؟ فقال: فصلونى من عملى ككاتب بأرشيف محافظة البحيرة، وكنت الموظف الوحيد الذى يخصم منه 89 يوما دفعة واحدة، وفى هذا الوقت تم توحيد مصر وسوريا وبقيت جمهورى عربى متحد، ومابقتش مصرى، وده يعز علىّ أوى، لقيت مصر هاتروح منى، فصعبت علىّ، فكرهت عبدالناصر نتيجة كل هذه الأشياء، وشعرت أنى اتخدعت واتخانت، وحسيت أن عبدالناصر بيبيع ولاده، وفى الثمانينيات كنت هاهاجر من مصر إلى الأبد لولا ظهور حزب الوفد الجديد، الذى فرحت به كثيرا، فخدعنى هو الآخر، وتنازل عن ليبراليته، وتحالف مع الإخوان والشيوخ الذين يتاجرون بالدين وبأحلام البسطاء، وحينما أسس أيمن نور حزبه انضممت له، والآن أنا متفرج فقط، سألته: هل فقدت إيمانك بنور؟ فقال: لا أيمن شاب كويس، لكن الصحة خلاص مابقتش تستحمل معافرة. واقعة لا ينساها محمد نوح جمعت بينه وصلاح جاهين، استرجعها قائلا: كنت قاعد أنا وصلاح جاهين نتفرج على مسرحية «الشخص» للرحبانية فقال لى صلاح: إيه رأيك فى المسرحية فقلت: عظيمة طبعا، فقال: إحنا ليه مانعملش مسرحيات زى كده؟ هو إحنا ناقصين إيد ولا ناقصين مخ؟! فقلت له: علشان نعمل مسرحية زى دى لازم نتفرغ تماما لها، فقال دامعاً: أنا مش رايح المجلة من بكره ويللا نتفرغ، وذهبنا إلى أمريكا سويا نتفسح ونذهب إلى المسارح ونعزف ونؤلف الموسيقى، وفى يوم كنا نتفرج مسرحية عرايس «مابت شو» زى الأطفال وكان شكل العرائس جميل وألوانها مبهجة، وفى اليوم التالى استيقظت لأتدرب على البيانو وفوجئت بجاهين وهو يدخل علىّ متجهم الوجه وعينه حمرا زى الدم، وصدر جلبابه مبتل بالمياه، فبادرنى قائلا: عندك قهوة؟ فصببت له كوبا وسألته: مالك يا صلاح؟ فقال: مافيش، فقلت له أمال ليه صدرك مبلول؟ فقال: عرق.. أصلى كنت نايم على بطنى، وحينما ألححت عليه فى السؤال قال دامعاً: احنا فضلنا نربى أحلامنا ونلونها ونشقى عشان نحافظ عليها لحد ما عملناها فرافير وعصافير وعرايس ولوناها بالألون المبهجة، وبقينا نجرى من الفرح ونقول هييييه أحلامنا أهه.. هيه أحلامنا أهه، فجه الراجل اللى اسمه عبدالناصر ده وحط المدفع الرشاش فى ضهرنا وقالنا: هاتوا أحلامكو دى، فاديناله أحلامنا، أخد أحلامنا منا وجرى، جرينا وراه وقولناله هات أحلامنا يا ناصر هات أحلامنا يا زعيم لكنه فضل يجرى واحنا نجرى وراه وورا أحلامنا، هو يبعد وأحلامنا تبعد فنجرى وراه أكتر وفضلنا نجرى نجرى نجرى لحد لما لقينا عبدالناصر بيرمى أحلامنا فى الزبالة، خدته فى حضنى فبكى وبكى وظل يقول.. عبدالناصر رمى أحلامنا فى الزبالة، عبدالناصر رمى أحلامنا فى الزبالة. الدموع تملأ عين «نوح» فيترحم على «جاهين» ويقول: الله يرحمك يا عزيز عينى يا صلاح.. يا عزيز عينى يا صلاح، ويكمل: فضلنا نألف موسيقى وأشعارا إلى أن انتهينا من مسرحية انقلاب التى عرضناها على مسرح جلال الشرقاوى، وفى هذه المسرحية يدين جاهين نفسه وجيله وكل من آمن بحلم استغلته السلطة ثم غررت بصاحبه، وكان ناقصنى كوبليه النهاية فاتصلت لأطلب الكوبليه، فقال اكتب يا نوح وأنا هامليك وملاّنى «يا الله يا الله أدركنا يا الله أغثنا يا الله» وكانت هذه آخر أشعاره، بعدها كلمت صلاح فى البيت لكى أخبره بأنى انتهيت من التلحين فلم يرد أحد، وظللت أكلمه على أمل أن يرد، حتى وجدت فى الأهرام نبأ وفاته، قبل وفاة صلاح كان يتصل بى ويشكو مما يتعرض له من حملات تشويه، كان وقتها ضد حرق كتاب ألف ليلة وليلة، فتظاهر ضده شيوخ الحسبة وبعض الفنانين، مثل حمدى غيث، ورفعوا عليه أكتر من خمسين قضية لتكفيره، كل هذا لأنه رسم كاريكاتيرا يظهر فيه مسرور السياف وهو يذبح ألف ليلة وليلة، صلاح جاهين مات على إثر ما قاله الأبنودى وما أشار له فى أشعاره عندما اتهمه بأنه هو الذى باع الشعب المصرى لعبد الناصر، كلهم كتبوا فى أشعارهم كده وكانوا بيلقحوا عليه، الأبنودى وسيد حجاب وفؤاد نجم وإبراهيم رضوان، وكان صلاح بيتأثر جدا بالكلام ده، ولا أبالغ إذا قلت إن هذا الكلام هو الذى قتله. يوسف شاهين كان زى الأطفال أنانى أنانية طاغية، لكنه كان ابن بلد حقيقى، وكان بيحب فنه إلى أقصى الحدود، يسترجع محمد نوح ذكرياته مع يوسف شاهين والفخر يملؤه قائلا: أنا عملت ليوسف شاهين كل أعماله الكبيرة ابتداء باسكندرية كمان وكمان والمهاجر والمصير وأجمل ما عملته مع «جو» كانت مسرحية كاليجولا التى نفذناها فى الكوميدى فرنسيس بباريس، وقتها كان «جو» مريضا بالقلب وكان لازم يعمل عملية لكنه من حبه لفنه كان بيهمل نفسه، وفضل سنة لحد ما المسرحية خلصت وبعدين عمل العملية، كل الفنانين العظماء كانوا بيحبوا فنهم أكتر من أى شىء تانى، سيد درويش كان كده ونجيب سرور كان كده وبيرم التونسى كان كده ومحمد فوزى كان كده، والوحيد اللى بشم فيه ريحة مصر دلوقتى هو محمد منير، لكنى كنت بضحك عليه لما يغنى أنا قلبى مساكن شعبية، وبرقص من الفرح لما اسمعه بيغنى نعناع الجنينة. فى الموسيقى كان الله يرحمه موتسارت العرب، وكان من أجمل البنى آدمين اللى ممكن تقابلهم فى حياتك، هكذا وصف «نوح» بليغ حمدى، مسترجعا صورته وصوته وألحانه، سألته: ماذا شكل بليغ حمدى فى حياتك؟ فقال: بليغ حمدى كان حياتى كلها، هو الوحيد اللى كنت بخليه يلحن لى، عرفته شخصيا فى الستينيات، وعمل لى أغنية فى مسلسل إذاعى اسمه «بعودة الأيام» ومن وقتها حتى وفاته لم نفترق، كان شايل مصر فى قلبه لكن للأسف مصر خذلته ولم تدافع عنه فى قضية ملفقة على إثرها سافر واتشحطت فى الغربة، قابلته صدفه فى مطار هيثرو بلندن، وكان المفروض أستنى ساعة واحدة وأركب طيارتى، فلما شوفته لاحظت أنه مكتئب فجلست بجواره ولم أركب الطيارة، وظل بليغ يبكى طوال اليوم وهو يقول بحرقة «مصر خانتنى يا نوح.. مصر ظلمتنى يا نوح» وحينما حضنته خوفت عليه من حضنى لأنه فى الوقت ده كان بقى نحيف جدا، قاطعته: ألم تشك للحظة أن يكون بليغ حمدى متورطا بالفعل فى هذه القضية التى اتهم بها؟ فقال منفعلا: أصدق إن أى حد يعمل كده إلا بليغ، اسأل نفسك كده ليه بليغ يتورط فى قضية مخلة بالشرف ويتهم فيها بالقوادة، عشان الفلوس؟ بليغ طول عمره ما بيحبش الفلوس، كان اللى فى إيده مش ليه، مرة كان عندى فى الاستديو بيسجل أغنية، فلاحظ أن فيه بنت من الكورال بتبكى فأوقف التسجيل وذهب إليها ووقف معاها خمس دقايق، وبعدين مشّاها خلاها تروح، وأكملنا التسجيل، وبعد ما انتهينا قال لى شوف لى معاك خمسة جنيه عشان نجيب شوية جبنة وعيش نتعشا بيهم، فقلت له: إيه يا بليغ أنت مامعكش فلوس خالص كده، فقال: كان معايا فلوس كتير لكن أديتها للبنت اللى كانت بتعيط عشان ظروفها وحشة، فإزاى أصدق إنه متورط فى قضية زى دى، أنا متأكد إنه مظلوم، ومتأكد إن مصر خانته وخذلته وباعته وسابته وماوقفتش جنبه فى جريمة مارتكبهاش، ووقفت جنب تامر حسنى فى قضية ارتكبها، شوفت الكارثة!! مصر تتخلى عن بليغ حمدى وتقف مع تامر حسنى! يتنهد طويلا ثم يضرب بكفه على قدمه ويقول: يا قليلة البخت فى ولادك يا مصر.. هى دى الكلمة الوحيدة.. اللى عايز أقولها يا قليلة البخت فى ولادك يا مصر. لمعلوماتك... ◄ولد عام 1937 بمدينة دمنهور اشترك فى انتخابات 1951 التى فاز بها النحاس انضم إلى فدائيى الثورة فور قيامها حارب وأصيب فى العدوان الثلاثى عمل كاتبا بأرشيف محافظة البحيرة ثم موظف بمسرح التليفزيون فى الستينيات بدأ تألقه الفنى وعمل مع كبار الملحنين والشعراء احترف التلحين والتوزيع الموسيقى ولحن الموسيقى التصويرية لأغلب أفلام يوسف شاهين انضم إلى حزب الوفد الجديد عام 1986 كان عضوا مؤسسا لحزب الغد واعتزل الحياة السياسية تماما بعد سجن أيمن نور.