الإسلام عقيدة وشريعةً محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وسواء كان الحديث عن عقيدة الإسلام نفسها أو في تشريعاته وآدابه، فقد ثبت أن المشركين قالوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ } وَالصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يلِدْ وَلَمْ يولَدْ لَأَنَّهُ لَيسَ شَيءٌ يولَدُ إِلَّا سَيمُوتُ وَلَا شَيءٌ يمُوتُ إِلَّا سَيورَثُ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يمُوتُ وَلَا يورَثُ { وَلَمْ يكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } قَالَ لَمْ يكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عِدْلٌ وَلَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ (رواه الترمذي) وجاء من يسأله عن الأمر (( قَالَ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يكُنْ شَيءٌ غَيرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَنَادَي مُنَادٍ ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يا ابْنَ الْحُصَينِ فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِي يقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا)) (رواه البخاري) وسئل النبي - صلي الله عليه وسلم - عن الإيمان فقال: ((قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ)) (متفق عليه) وسئل عن الملائكة فأجاب : خلقوا من نور وسئل عن الشيطان فقال خلق من نار وسئل عن إبراهيم وموسي وعيسي فأجاب وسئل عن أسماء الله وصفاته فأجاب وسئل عن الوحي فأجاب وسئل عن ملك الموت وملك الصور وسئل عن أحوال البرزخ فأجاب ثم سئل عن المحيض فأجاب وسئل عن ماء الرجل فأجاب وسئل عن ماء المرأة فأجاب وسألته المرأة عن احتلام المرأة فأجاب وسئل عن البول والغائط (البراز) فأجاب فما من شاردة أو واردة يحتاجها الإنسان في حياته الدينية والدنيوية والأخروية إلا وجوابه موجود في الوحيين القرآن والسنَّة، بل ذكر لنا الرسول - صلي الله عليه وسلم - أحوال أهل الجنة وأهوال أهل الجحيم فقد ذكر لنا حال آخر أهل الجنة دخولا فقال: ((وَيبْقَي رَجُلٌ بَينَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيقُولُ يا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَيقُولُ هَلْ عَسَيتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيرَ ذَلِكَ فَيقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ فَيعْطِي اللَّهَ مَا يشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَي الْجَنَّةِ رَأَي بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يسْكُتَ ثُمَّ قَالَ يا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فَيقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَيسَ قَدْ أَعْطَيتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ فَيقُولُ يا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَي خَلْقِكَ فَيقُولُ فَمَا عَسَيتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيرَهُ فَيقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُ غَيرَ ذَلِكَ فَيعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيقَدِّمُهُ إِلَي بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَي زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يسْكُتَ فَيقُولُ يا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيقُولُ اللَّهُ وَيحَكَ يا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ أَلَيسَ قَدْ أَعْطَيتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيرَ الَّذِي أُعْطِيتَ فَيقُولُ يا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَي خَلْقِكَ فَيضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيقُولُ تَمَنَّ فَيتَمَنَّي حَتَّي إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَقْبَلَ يذَكِّرُهُ رَبُّهُ حَتَّي إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَي لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ)) (رواه البخاري) خلاصة القول الإسلام ليس فيه خطوط يحذر البحث فيها مع أي إنسان كان لونه أو موطنه أو لسانه أو ملته طالما أن الباحث أو السائل يريد البحث عن الحق أو الصواب سالكاً في ذلك سبيل قواعد العلم وأصوله. فالقرآن كلام الله المنزل الذي نزل به الروح الأمين علي قلب الصادق الأمين بلسان عربي مبين ليكون رحمة للعالمين، هذا القرآن المعجز الذي عجزت الإنس والجن أن يأتوا بمثله وهذه هي معجزة القرآن ومع هذا الوضوح ذهب بعض المفكرين من المسلمين إلي أن إعجازه في بلاغته وآخرون قالوا: إعجازه في تشريعاته وقال غيرهم في إعجازه العلمي وتفسيره لبعض الاكتشافات الحديثة ثم جاء المسكين سيد قطب وزعم أن إعجاز القرآن في تصويره الفني وزعم جهلاً حينما سأله نجيب محفوظ قديماً عن نوع الكلام في القرآن فقال المسكين سيد قطب القرآن نثر رفيع المستوي هذا الرأي من هذا المسكين رغم أنه أديب وشاعر وناقد فقال ما قال، كيف يكون القرآن نثراً رفيع المستوي ومن المعلوم أن أعلي دواوين العرب هو الشعر ولقد نفي الله عن القرآن الشعر فقال تعالي: ((وما هو بقول شاعر)) إذن احتار كثير من المسلمين أنفسهم في اكتشاف سرّ هذا الإعجاز رغم أنه ليس بسر بل هو واضح وقريب قرب المرء من شحمة أذنه وهو أن القرآن كلام الله والكلام صفة من صفاته جلّ وعلا ومن هنا كان معجزاً تحدي به الثقلين الجن والإنس علي أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله ((قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَي أَن يأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا)) (الإسراء آية: (88))، فكما أن ذات الله لا تماثلُ ولا تشبهُ ذوات المخلوقين لأنها متفردة خالقة مهيمنة تحتار في شأنه القلوب والعقول في إدراك كونها أو كيفيتها ولن تدرك العقول كنه هذه الذات لأن العقول لم تُعط وسائل إدراك كيفية الذات والكلام عن ذات الرحمن هو نفس الكلام عن صفات الجبارلا تدرك العقول كيفية هذه الصفات فكلها صفات كمال مطلق وتنزيه مطلق قال تعالي: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيجْزَوْنَ مَا كَانُوا يعْمَلُونَ)) (الأعراف آية: (180))، وقال تعالي : ((...لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (الشوري آية: (11))، فالقرآن كلام الله لفظاً ومعني وهو صفة الرحمن، والله جل وعلا يتكلم متي شاء وكيف شاء مع من شاء ليس كما يتكلم المخلوق وإنما يتكلم بما يليق به جل وعلا فهو الخالق والمهيمن والمقدر والمستعلي علي عباده عُلُوَّ قدرٍ وعُلُوَّ شأنٍ وعُلُوَّ ذات، وعلمه في كل مكان وهو بذاته علي عرشه، وعرشه أعلي المخلوقات، والله فوق عرشه، وهو مستغن عن عرشه وعن حملته وعن خلقه، وهم جميعاً فقراء إليه، لا تدركه الأبصارُ وهو يدرك الأبصارَ، لا يسأل عما يفعل، فعّال لما يريد، فإذا أراد شيئاً قال كن فيكون، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، رفعت الأقلام وجفت الصحف. فمن بعد ذلك يقدر علي هذا التحدي؟ فإن زعم مخلوق قدرته علي ذلك فليجمع ناديه من الجن والإنس ولْْيأتِ بمثل القرآن أو بمثل سورة واحدة منه، ولقد مرّ علي نزول القرآن أكثر من أربعة عشر قرناً وما زال التحدي قائماً وإلي قيام الساعة ورغم مرور هذه القرون فلم يأت مخلوق فرداً كان أم جماعة جماعة كانت أم شعوباً بمثل هذا القرآن ولقد قال قديماً رجل عربي فصيح جاهلي لا يؤمن بالله الواحد الأحد " والله إن لقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلي، وإنه ليحطم ما تحته" (السيرة لابن كثير) وختاماً: فهذه دعوة إلي العالمين أنسهم وجنهم أصفرهم وأحمرهم، أبيضهم وأسودهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فإن لم تأتوا بالبرهان ولن تأتوا فأنتم الكاذبون. ((قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَي أَن يأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا)) (الإسراء آية: (88). * ليسانس شريعة دبلوم فى الدعوة