"فى مصر حتى النيل يبتسم !" خلال رحلتك فى مصر، لابد وأن تشعر بشىء يشبه السعادة، ذلك أنه يمزج بين الشعور بالدهشة والفرح فى آن واحد، الدهشة من الطيبة والبساطة والرضا الذى تجدها فى وجوه المصريين بدءًا من السائق الذى يصطحبك من المطار إلى الفندق وحتى آخر مصرى تقابله فى رحلتك هذه ! ، ترى الابتسامة لا تفارق وجوههم رغم ثقل الهموم. فتجد بائع الذرة البسيط على (الكورنيش) يكلمك بلباقة وتهذيب!، وفى مطعم شعبى صغير تجد بائع (الكشرى) يملئ لك الطبق بوجه بشوش ويزيد عليه من (الرز المفلفل) بنفس طيبة، ومن ثم يصلك الطبق على يد نادل يقدمه لك باحترام ولطف ويسمعك -نكتة ظريفة- فتشعر بلذة الطعام وجمال المكان وربما تشعر بسعادة أكبر من تلك التى تشعر بها لو جلست فى مطعم فاخر فى أى بلد آخر!. وأذا أردت أن تسمع خبرًا أو تتعرف أكثر على هذا الشعب ، أجلس فى مقهى مصرى، وأطلب (شاى بنعناع)، وحَى الجالسين سيأتيك الرد بتحية أحسن منها وكأنهم يعرفوك منذ زمن!، ولن تحتاج أكثر من ساعة لتعرف كل ماتود معرفته : سعر (اللحمة) صار بكم ؟، من فشل ومن نجح من السياسيين فى إدارة البلاد؟، ماذا تغير فى البلد منذ الثورة وحتى الآن؟، رواتب المتقاعدين عن العمل و....، ناهيك عن اإتشاعات وآخر ما حدث فى الحارة ومن تزوج ومن طلق ومن أخذ (البكالوريوس) ، ومن استشهد فى آخر تفجيرات ؟....، ولكن وأنت تنظر إلى وجه ذلك الشاب الذى يجلس وحيدا يشرب (الشيشة) ويدندن مع أغنية (عبد الحليم) القادمة من المذياع، لا تغرنك ابتسامته وركز فى كل تلك التجاعيد فى وجهه وخمن كيف كانت قسوة تلك السنوات حتى حفرتها على وجهه الأسمر بذلك الشكل؟، وبماذا يفكر بينما يشرد فى خياله بين الحين والآخر ؟، ربما يتساءل من أين سيأتى بالمال لتجهيز بناته للزواج؟، أو فى ولده الذى مازال يصر على الهجرة، وربما كيف سيدخل اليوم إلى المنزل خالى اليدين حيث إن الشهر أوشك على الانتهاء وقد نفد المرتب!. وفى الشوارع ترى زحاماً ربما يضايق سكان البلاد لكنك ستحبه ، حيث إنك ستنسى شعورك بالوحدة ولن تفكر بالغربة !، وأن كنت بلا وطن –مثلى- ستحتضنك هذه الأرض قليلا وتمنحك الأمان الذى فقدته منذ أن فقدت وطنك !. يقال إن : " مصر أم الدنيا" !، ونحن أردناها فقط أن تكون أما لكل عربى لنلجأ إلى حضنها الدافئ يوم تلفظنا أوطاننا أو حين تغروا بلادنا الجرذان . وقبل أن ترحل ، أجلس أمام النيل طويلا ، وأستمع لصوت(أم كلثوم) يأتيك مع نسيم النيل العليل ، وغنى كثيرا ؛ فإن مصر تحب أن تغنى بها ولها.