اصطحب رجل أشيب الفودين ، رفيع ، طفلا فى العاشرة من عمره فى أحد المطاعم ، اختار الطفل منضدة بجانب النافذة ، وافق الأب وجلس معه ، بعد قليل جاء النادل ليرى ماذا يطلبان ، وبعد أن أخبر كل منهما ما يريد انصرف النادل على الفور .. بدأ الأب يجاذب الابن أطراف الحديث . وخلال حديث الذي دار بين الأب والابن بعد أن جاء النادل بالطلبات ، لفت انتباهمها صوت مرتفع بالقرب منهما ، نظرا إلى مصدر الصوت ، فشاهدا رجل يجلس على منضدة مجاورة يتحدث فى الهاتف الجوال بصوت مرتفع ، ظهر على ملامحمها الاستياء والامتعاض . أنصتا إلى توبيخ الشخص الوافد للنادل ، فقد تأخر النادل فى تقديم الطلب إلى الزبون ، يتأسف النادل فى أدب ويعلن عن وجود ازدحام فى المطعم وأنه وحده اليوم الذي يخدم لان زملائه يضربون عن العمل بسبب ضعف المرتبات وتأخيرها ، يلوح له الرجل بإشارة من يده بأن ينصت قائلا .. خلاص خلاص .. أنت هتحكيلي قصة حياتك .. ثم يأمره أن يحضر الطلب فى أسرع وقت ممكن بأسلوب يغلب عليه الحدة والاستعلاء . راقبا الأب والابن باهتمام هذا الشخص وهو ينهض ، ويحاسب النادل بعد أن تناول طلبه ، ثم يعطي للنادل بقشيش كبير وينصرف ، يظهر على وجه النادل المرارة وهو يتناول البقشيش ثم يذهب إلى خدمة منضدة آخرى .. وبعد قليل ظهر رجل فى الخمسين من العمر، يبدو عليه الوقار والاحترام والهيبة ، يدخل المطعم ، يختار منضدة بالقرب من منضدة الاب والابن ، يلفت نظرهما هذا الرجل وينظرا إليه ، يأتي النادل ليعرف طلبه ، يقول الرجل ما يريد ، ينصرف النادل . يتأخر .. يأتي النادل وهو يحمل الطلب ثم يعتذر للرجل عن تأخيره ، يبتسم الرجل فى سماحة قائلا له ولا يهمك . أنهى الرجل تناول طلبه ، حاسب النادل بعد أن أعطى له بقشيشا ، يبتسم النادل للرجل فى أدب ووجهه يعلوه الرضا والسرور ثم ينصرف الرجل وعين كل من النادل والأب والابن تتابعان ما يجري فى اهتمام . يتحاور الابن والأب .. يتساءل الابن لماذا قبل النادل البقشيش من الرجل الأول فى مرارة وحزن بينما قبل البقشيش من الثاني فى سرور ورضا على الرغم من أن البقشيش فى الحالة الأولى كان أفضل . ربت الأب على كتفي الابن فى حنان قائلا بصوت عميق وحكيم .. يا بني إن كرامة الآخرين لا تساوي كنوز العالم ، ثم ذكر الأب الآية الكريمة « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ » .