ونحن نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ أود أن أبدأ أولى صفحات الكشكول بإهدائه لأستاذي العزيز الذي فارق عالمنا منذ وقت قريب بشكل مفاجيء, صانع الأحلام "علي شعث".. كشكول الغرام هامش من هوامش تفاصيلنا التي تخص اليوميات البسيطة .. عن حواديت الغرام جميعها عن كل أيام الرحيل والغياب والأمل في اللقاء واليأس الذي لا يلد إلا ثورات .. منذ عدة أيام عرضت قناة ال mbc فيلم "the children of men " "أبناء الالهه أو الرجال" تعددت الترجمات الحرفية لإسم الفيلم, فهو يأخذنا لرحلة مستقبلية في عام 2027 حيث تتعرض البشرية لحالة ضخمة من الحروب والانقسامات والأمراض التى أدت إلى عدم ولادة أطفال في العالم منذ 18 عاما كاملة، مما يهدد البشرية كلها بالفناء. تتبقى أمرأة واحدة نظل تائهين معها وسط خراب المدينة والبشر الكبار القتلى في رحلة النجاة حتى نهاية الفيلم, وقفت عند المشهد التي كانت تحاول فيه الهروب من مبنى تعتدي عليه قوات الجيش وتبيد البشر بداخله, صراخ الطفل فقط جعل الجميع يخضعون لها في تعجب ويصمتون حتى تمر وفي عيونهم خوف ورهبة وما أن عبرت حتى عادوا مرة آخرى لدبح وقتل بعضهم البعض كما كانوا. وينتهي الفيلم بإنتظارها للسفينة tomorrow" " "الغد" في عرض البحر حتى ترحل معها لمكان أفضل بالطفل الوحيد الباقي من هذا العالم الشرير. هكذا تنبأ الكاتب بمستقبل صراعات البشر .. قتل ودم ولا أطفال يسكنون المنازل والمدن. هناك صراعات عديدة تدعو أقلام المؤلفين لمثل هذة النبوءات, فالأمر لم يعد كما كان في سابق العهد القديم, قوات تتآمر ضد قوات, أو مركز قوى واحد يحرك العالم, الأمر تفشى بالبعد الخاص بألم البشرية ككل تحت منظومة عالمية لا تهتم بالإنسان كما تدعي وتسوق عن نفسها من خلال مراكز حقوق الإنسان والهيئات العالمية للدفاع عن حقوقه التي تؤسسها وهي تقتل بشر آخرين في بلدان آخرى بحجة الأرهاب أو الدفاع عن حقوق بشر في مكان ما. توقفت أمام نفسي الأسبوع الماضي وأنا أكتب رغبة طفولية شديدة العفوية .. كتبت : طلب بسيط .. ممكن العيد ده محدش يتقتل من أهلي أو صحابي .. ممكن ؟ .." قام عدد من الأصدقاء على الفيسبوك بالمشاركة في نشر رغبتي البسيطة تلك معلقيين عليها تعليقات مثل : البنت بتحلم زيادة عن اللزوم!! أو هل هذا حلم مستحيل ؟ أو بقينا نحلم أننا منتقتلش في العيد؟ .. ثم جاءني تعليق من صديق يقول لي "يعني انتي مش هتزعلي لو اتقتلوا في غير العيد .. كله قتل يا إيزيس", كل ما كنت أود توضيحه لهذا الصديق أن للقتل في العيد وقع آخر على النفوس, فالقتل في العيد كالندبة في الوجه التي لا يصلح فيها عمليات تجميل ولا مكياج لا شيء يمحوها حتى الزمن, فالعيد يتكرر كل عدة اشهر من كل عام من المفترض أن تكون ذكراه دافئة وجميلة غير مقترنة بأوجاع تخص فعل قتل جماعي, القتل في العيد يا صديقي يترك ندبة جماعية في وجه الجميع يحزنون لها جميعاً وتخيف الكل في كل عام يرتدون فيه ملابس جديدة للاحتفال سيقترن الاحتفال بذكر من قتلوا هنا يوماً ما وأرتسمت ملامح الأرض بأشلائهم .. فعلى الهامش أنا فتاة ولدت وتربيت في أسرة مسيحية, عشت داخل العالم الكنسي أعوام طويلة من عمري, اعتدت الشعور بالغربة داخل ما يطلقون عليه الوطن وهنا لا توجد أي صيغة للمبالغة فيما أحكي, فالأعياد في الكنيسة تخص الكنيسة, الاحتفال داخل الأسوار اما خارجها لاشيء! فبمجرد الخروج منها لا تجد أي شيء يخصك في الخارج, كان هناك تساؤلات مثلا كتلك من نوعية لماذا يحتفل أصدقائي بأعيادهم في الشوارع وأنا داخل الكنيسة وفي البيت فقط؟؟ حتى كبرت وفي سن الشبيبة بدأت أحضر مؤتمرات وطنية تحكي عن مفهوم المواطنة وأشاهد الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية تتعامل مع المسيحيين ك أقلية!! والشعارات المستفزة مثل الهلال والصليب وهتافات مسلم مسيحي أيد واحدة .. كنت ازداد حزناً كلما كبرت وتعاملت مع الدولة التي تود أن تؤسس فينا مفهوم المواطنة والانتماء بشكل مفتعل والتعامل بألفاظ كالأقلية وغيرها حتى تستخدمها في الوقت المناسب كما يحلو لها بمنطق فرق تسُد كما تعلمون. كم تمنيت أن تلغى خانة الديانة من البطاقة وينتهي الحديث عن الدين وقوانين بناء دور العبادة وغيرها من التفاصيل غير المجدية وتزداد الأحزان من فرط الأزمات والصراعات الطائفية بالتبعية مع الوقت, وكلما شعر النظام الفاسد بالتهديد استخدم مجموعات منحرفة كالشطرنج لتفجير هنا أو هناك أو لإطلاق الرصاص في ليلة عيد على شباب لم يتمنوا من الحياة إلا حياة كالحياة .. كالحياة ... تتعبأ النفوس .. ويتراجع الأقباط داخل الأسوار .. وتزداد المناقشات حول المشاركة والمواطنة فنبتعد أكثر عن بعضنا ونصبح كالأغراب, نتمنى الهجرة والرحيل والبعد, مع الوقت فقدت اهتمامي بالأديان وظلت مأساة الاغتراب الطائفي تشغلني بشدة خصوصاً بعد مناقشة دارت بيني وبين أصدقائي يوماً ما حول ما يتربون عليه في المدارس الإسلامية عن أهوال الوهم في حياة المسيحيين مثل : المسيحيين يمارسون الجنس في الكنيسة ويشربون الخمر وبول القسيس !! حدث أول أمس أن ابن أختي الأصغر ذو العشر سنوات جاء ليسألني "عرفتي موضوع التهديدات اللي جاية للكنيسة العيد ده ؟" لم أجاوبه وذهبت ل أمي: "بلاش حد يروح السنة دي لو التهديدات زادت.. " وتركتها وخرجت, لم أكن أتوقع أبداً أن يكون هذا رد فعلي يوما , جلست أردد بعدها " إيه اللي حصلي بس .. أنا أتجننت؟؟". فمثل هذة الأقوال يرددها من أسميهم الموتى الخائفون .. نعم هم موتى, كل من يخاف هو ميت بالفعل. الانسحاب من الحياة داخل الأسوار موت وطاعة السلطة موت, في النهضة حياة والثورة للغد رجاء وليست أمل, فالثورة تنبع من فرط الخوف الجريء وليس اليأس المتراجع المتخاذل. أتذكر اليوم الذي تعرضت فيه للتحرش في الشارع وبعد أن تحرش بي أحدهم قام صديقه بشد شعري بعنف وجرى, وعندما شتمته عاد ليجري بجانبي ويقول لي يلا يا مسيحية ياللي القسيس .. " قال لفظ يعني أن القسيس يضاجعكم بالكنائس .. وعندما حكيت لصديق كان له تعليق لا أنساه : يا بنتي انتي تربة خصبة للممارسة العنصرية ضدك انتي بنت ومسيحية ومتحررة يعني المجتمع ده هيطلع دينك " .... وفي مدح الخلاصة .. السلطة يحلو لها الضرب ونحن جميعاً يحلو لنا الموت, أعتدنا الجنائز وطريق المقابر وحديث الوداع والكتابة عنه. خلال الثلاث سنوات الماضية عرفنا كثيراً عن الموت وتفاصيله وأوجاعه. كل الفصائل بكل مستوياتها الطائفية والسياسية دفعت ثمن تحركاتها أرواح لشباب وفتايات لم يحلموا بأكثر من حياة كالحياة, وكإننا جميعاً نتبادل أدوار الموت كانوا ثوار يقتلون كانوا أرهابيون يقتلون كانوا مسيحيون يقتلون كانوا طلبة يقتلون ... فماذا الآن هل سيأتي علينا عام 2027 كما كتب المؤلف في نبوته عن عالم قاتل وشرير تسيطر عليه الأنظمة السادية ولا يسكنه الأطفال؟ من حين لآخر أدعو الجميع للمراجعات الفكرية فالحياة تستحق أكثر من ذلك, فنحن نثور وننتفض كي نعيش, لا نتتفض من أجل الموت بل للحياة ننتفض .. للحياة نثور .. فماذا يعرف قادة جميع الحركات بكل طوائفها السياسية عن أحلام شبابهم هؤلاء الشباب الذين يظنون في قادتهم المسيح المخلص.. هل يعرفون عن أحلامهم الصغيرة ؟ عن حبيباتهم؟ عن رغباتهم في شراء ملابس جديدة أو الخروج مع الأصدقاء لنزهه بسيطة !! الجميع يحلم والجميع يموت .. كشاكيل الغرام ممتلئة بقصص عنا جميعاً بلا جدوى .. هذة ليست دعوة للسلام .. فأنا لا أحب الحديث عن مبادرات السلام فجميعها شريرة مدعية .. هذة قد تكون دعوة للمراجعات الفكرية ومواجهة الحقيقة التي ندفع ثمنها جميعاً .. خلف القضبان شباب لازالوا يحلمون وأطفالهم في الانتظار, وأشلاء مريم وأختها وأمها لم تفارق أشجار كنيسة القديسين بعد .. ونحن مازلنا هنا نتعارك مع قوى ظلام خفية لا نعرف قائدها ولا قوادها, للسلطة تار أبدي بيننا لن ينهيه قصاص, فلا قصاص عادل في بلد تدفن شبابها كل صباح, كل مساء هناك شاب لا يرجع لأحضان أمه ... ولكن الحقيقة تقول أننا جميعاً أرض خصبة لنمو العنصرية والطائفية والطبقية وتربية وحوش السلطة وتغذيتهم على غبائنا كما يحلو لهم, فالمتراجع الخائف يشارك والذي يهجم يشارك والواعي الذي ينتقد اللاواعي مشارك .. جميعنا مجرمون في حق أنفسنا, للأسف نحن نتاج تربية سلطوية عنصرية تكتفي بالهروب أو ممارسة العنف .. أعرف أن رأس السنة قد وصمت بندبة قتل 24 شهيد في كنيسة القديسيين وتطاير أشلائهم فوق الأشجار بدلا عن الزينة, لكني ببساطة مازلت أحلم أن يعبر بسلام .. مازلت أكتب الخطابات لأصدقائي ومن كانوا أصدقائي لأتمنى لهم عاماً جديداً قد يحمل شيئاً من بوادر الحياة ويأخذهم اليأس لحرب وانتفاضة حقيقية ضد كل الظلم وبحار الخوف التي تحيط بنا جميعاً ... فنحن نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ .. يتبع ..