أمين عام حزب الجبهة الوطنية: نُراهن على كفاءات حقيقية ومشاركة شعبية واسعة لضمان مجلس شيوخ مشرّف في 2025    السكة الحديد تعلن عدم انتظام منظومة حجز التذاكر بسبب حريق سنترال رمسيس    رئيس البحوث الزراعية ومدير اليونسكو بالقاهرة يبحثان سبل التعاون في حفظ الأصول الوراثية النباتية    ترامب يفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على اليابان وكوريا الجنوبية    خطوة وحيدة تفصل انتقال شيكو بانزا إلى الزمالك    أولى صفقات الأهلي.. فاركو يوجه الشكر لنجمه ياسين مرعي    إسبانيا تكتسح بلجيكا بسداسية في يورو 2025 للسيدات    تصاعد الأدخنة داخل محطات المترو القريبة من حريق سنترال رمسيس.. والركاب يغادرون    إصابة 14 مواطنا في حريق سنترال رمسيس.. وانعقاد غرفة الأزمات بوزارة الصحة    غدًا.. ختام مهرجان الأراجوز المصري الرابع في مكتبة الإسكندرية    بيحبوا من جوة ..تعرف على أكثر الأبراج رومانسية ولكن مدارية    نجوم ريكوردز تحتفل بنجاح ألبوم رامي جمال محسبتهاش (صور)    أطعمة قدميها لأسرتك لحمايتهم من الجفاف في الصيف    حريق سنترال رمسيس.. الصحة تخصص أرقاما بديلة للرعاية العاجلة والإسعاف بالمحافظات    الأهلي يكشف قراره بشأن رحيل إمام عاشور    مسؤول ب«الأمومة والطفولة»: نزع الطفل من أسرته لحمايته والردع مستمر فى مواجهة العنف الأسر    إعلام عبري: عسكريون من الاحتياط يطعنون بقانونية عربات جدعون بغزة    الأرصاد تفسر ظاهرة أمطار الصيف وتنبه لاحتمالية تكرارها    ماركا تحسم الجدل: ميسي لا يخطط للرحيل عن إنتر ميامي هذا الصيف    مدارس البترول 2025.. الشروط والأوراق المطلوبة للتقديم    مدير تعليم القاهرة تتفقد مدارس إدارة المرج    شكلها اتجوزت طارق.. دنيا جمعة تتصدر تريند التواصل الاجتماعي    عطل يضرب ماكينات الصراف الآلي ATM وPOS    رسميًا.. برشلونة يجدد عقد تشيزني لمدة موسمين    أول سيدة تتقدم للترشح على مقعد الشيوخ بالفيوم في ثالث أيام فتح باب التقديم    لماذا نحتفل باليوم العالمي للشوكولاتة في 7 يوليو؟    وزير الصناعة يستعرض مع مُصنعي السيارات تعديلات واشتراطات برنامج الحوافز الجديدة    فتح باب التقديم غدًا.. شروط المدارس الثانوية الفنية للتمريض بعد الإعدادية 2025- 2026    تعليم الوادي الجديد تعتمد جدول امتحانات الدور الثاني للصف السادس الابتدائي    رئيس الوزراء يلقي كلمة نيابة عن الرئيس السيسي أمام مجموعة البريكس    ألمانيا: مرسيدس بنز تعلن انخفاض مبيعاتها مجددا في الربع الثاني    برلمانى: توجه مصر نحو «بريكس» يعكس رؤيتها لمستقبل عالمي    إعلامية شهيرة توجه رسالة ل أحمد السقا: «راجل جدع ومحبوب ومحترم»    الزمالك يرسل عقود شيكو بانزا لنادي استريا أمادورا البرتغالي للتوقيع النهائي    إلغاء رحلات جوية في بالي بسبب ثوران بركان لووتوبي لاكي-لاكي    الثانية منذ توليه منصبه.. أحمد الشرع يزور الإمارات    سوريا تواصل مكافحة حريق ريف اللاذقية الشمالي    دنيا ماهر: أجمل مرحلة في حياتي هي بعد ما وصلت لسن الأربعين    وفقا للحسابات الفلكية.. تعرف على موعد المولد النبوي الشريف    7 ميداليات.. حصيلة الفراعنة ببطولة إفريقيا للريشة الطائرة في غانا    "جبالي": الحكومة تسحب مشروع قانون تنظيم المراكز الطبية المتخصصة    مصرع شخصين دهسًا أسفل عجلات قطار في أسيوط    نجاح إجراء جراحة معقدة لإصلاح تشوه نادر بالعمود الفقري لطفلة 12عاما بزايد التخصصي    5 أطعمة تقلل نسبة الأملاح في الجسم.. احرص على تناولها    كشف ملابسات واقعة إجبار أحد الأشخاص على توقيع (10) أيصالات أمانة بالوايلي    صرف 100 ألف جنيه لكل متوفي بحادث الطريق الإقليمي    تنسيق الجامعات 2025.. أماكن اختبارات القدرات للالتحاق بكليات التربية الفنية    من 3 إلى 13 يوليو 2025 |مصر ضيف شرف معرض فنزويلا للكتاب    المبعوث الأمريكي توماس باراك: ترامب التزم باحترام لبنان وتعهد بالوقوف خلفه    البنك المركزى يوجه البنوك بدعم العملاء المصدرين والتوافق بيئيا مع المعايير الدولية    «فيفا» يعلن حكم مباراة ريال مدريد وباريس سان جيرمان في نصف نهائي مونديال الأندية    السكة الحديد: تشغيل حركة القطارات اتجاه القاهرة- الإسكندرية في الاتجاهين    فيلم أحمد وأحمد يحصد 2 مليون و700 ألف جنيه في شباك تذاكر أمس الأحد    ضبط 3 أشخاص بالقاهرة لقيامهم بأعمال الحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسماء المكروهة ! قصة قصيرة
نشر في شباب مصر يوم 17 - 10 - 2011

لا أحد يعلم التاريخ الأكيد الذي نزلت به أسرة كوكز ضفاف الهور ، وسكنت في عشيرة من عشائره يقطن الكثير من أفراها في مدينة النجف التي تبعد عن ضفاف ذلك الهور مئات الكيلومترات ، ويبدو أن أحدا ما قد أشار على تلك الأسرة أن تتخذ لها بيتا من القصب بين بيوت تلك العشيرة قبل مجيئها للعيش على تلك الضفاف التي فتح هو عينيه فيها على الدنيا.
لم يهتم أحد باسمه الغريب ، فالأسماء الغريبة يحملها أهل تلك العشائر ، وهي ترد الى مفردات عربية ، وليس الى مفردات لغة أخرى كما كان يظن البعض ، إلا إن اسم كوكز شذ عن هذه القاعدة ، فهو لم يمت بصلة الى المفردة العربية ، مثلما لا يمت الى مفردات لغات قديمة سادت في مناطق الأهوار التي استوطنها السومريون ، ومرّ بها الاسكندر المقدوني وهو عائد من الهند في طريقه الى مدينة بابل التي مات فيها ، بعد أن قتلته بعوضة من بعوض تلك الأهوار ، وهو الرجل الذي أخاف الشجعان من الرجال ، وتهاوت أمامه أسوار المدن الحصينة الواحدة تلو الأخرى.
كانت صورة كوكز تبدو وكأنها نتاج أعراق مختلفة اتحدت في العراق ، فالمعروف أن العراقيين كثير ما غزوا بلدانا أخرى ، وعادوا بالسبي الكثير من النساء التي تزوجوا منها فيما بعد ، أو كثير ما استوطنت معهم أقوام أخرى حين تحولت دولتهم الى إمبراطوريات عظيمة تمتد من مشارق الأرض الى مغاربها ، أو حين سقطت دولتهم كذلك أكثر من مرة بيد فاتحين قساة تزاوجوا معهم كرها أو طوعا. ولهذا شبّ في مدن العراق أطفال هم ثمرة إتحاد الأعراق ذاك الذي يبدو بشكل جلي في مدن معينة مثل كربلاء والنجف وبغداد وسامراء ، تلك المدن التي اتحد فيها العرق العربي بالتركي و بالفارسي كذلك .
ولد الطفل كوكز ملون العينين بلون يميل الى الخضرة ، أحمر الوجه ، ذا شعر يخالطه شيء من الشقرة ، وحين شبّ عرفته عشيرته رجلا انطوت نفسه على طيبة جمة ، مثلما نمّت عن دعابة تثير ضحك الناس ، وتسهم في حل مشاكله هو ، وتخلصه من مواقف تكاد تقوده الى السجن أحيانا ، وقد ظل هو على هذه السجية حتى في الظروف الصعبة التي تطبق على العراق ، وتنزل ويلاتها في كل شارع وبيت منه .
في انقلاب 8 شباط الأسود هبّ الحرس القومي ، الذي تشكل في كل مدن العراق على إثر ذاك الانقلاب ، لاعتقال كل من كان يُعتقد أنه شيوعي ، أو أنه على علاقة بالشيوعيين ، الذين زج بالعشرات منهم في سجن المنطقة تقع على مقربة منها بيوت عشيرة كوكز ، وبستان نخيل له.
جلس آمر الحرس القومي في اجتماع ضم أفرادا من تشكيل الحرس ذاك ، ودار في مقره الواقع على شاطئ نهر صغير ينحدر بمائه نحو الجنوب ومن ثم يصب في الهور . وفي شاطئ هذا النهر ، وعلى بعد مسافة خمسة كيلومترات منه يقع بستان نخيل كوكز الذي اعتاد العمل فيه صبيحة بعض الأيام ، تاركا نعاجا قليلة له لترعى بعضا من نباتات ذاك الشاطئ التي تنمو بشكل طبيعي.
- هل هناك أحد من الشيوعيين لم نلق ِعليه القبض بعد ؟ سأل آمر الحرس بصوت مسموع ، ثم أضاف : تذكروا ذلك جيدا !
ظل أفراد الحرس يلتفت بعضهم لبعض ، أو يحدق بعضهم بوجه الآخر ، وكل واحد منهم يحاول أن يبحث في عقله عن صورة رجل شيوعي من أهل المنطقة لم يدخل السجن بعد .
لم يمر وقت طويل حتى جاء صوت من آخر قاعة الاجتماع يقول : كوكز ! نعم كوكز !
التفت الجميع نحو صاحب الصوت ، أثنى البعض عليه ، مثلما أيد البعض الآخر ذلك بحرارة يضاف الى ذلك أن صاحب الصوت ، ولكي يقنع الجميع بشيوعية كوكز سرد لهم قصته معها قائلا :
- بعد أن قامت ثورة 14 تموز ، وتشكلت منظمة الشبيبة الديمقراطية في المنطقة ، وفي مدن العراق الأخرى ، جاء كوكز في يوم من الأيام الى مقر تلك المنظمة شاكيا لها سرقة نعجة من نعاجه من قبل اللصوص اعتادوا على سرقة الأغنام من بعض القرويين .
قدر كوكز أن تقديم الشكوى الى مركز شرطة المدينة لا ينفعه في شيء ، فسلطة الشرطة ضعفت بعد قيام تلك الثورة ، وصارت الناس تتجه في شكاواهم لمنظمة الشبيبة الديمقراطية التي اتخذت من إحدى مقاهي سوق صغير مقرا لها ، ولهذا حمل أعضاؤها علامات تميزهم عن الآخرين ، وذلك بوضع رباط من القماش الأبيض على الزند الأيسر من يد كل واحد منهم ، مكتوب عليه حرفان هما : ق . و ، وهذا الحرفان يرمزان الى كلمتين هما : قوة وطنية .!
صدر بيان على عجل من قيادة تلك المنظمة ، تدعو فيه جميع أعضائها الى التجمع أمام مقرها حالا . ولم تمرّ دقائق قليلة حتى تجمع عدد كبير من الأعضاء ، مثلما تجمع معهم الكثير من الناس . ومنهم ومن غيرهم انطلقت مظاهرة كبيرة طافت شوارع المدينة ، وهي تندد بتلك السرقة المخزية ، ثم اتجهت صوب عشيرة كوكز لإعلان التضامن معه ، وتطالب باسترداد نعجته التي سرقت منه في وضح النهار .
صدق جميع الحاضرين رواية صاحب الصوت التي كانت دليلا بينا على شيوعية كوكز ، وعلل بعضهم ذلك بالإجراء المهم الذي اتخذته تلك المنظمة ، فلو لم يكن كوكز عضوا مهما في الحزب الشيوعي لما قامت تلك المظاهرة من أجله . وعلى إثر هذا الاستنتاج شكل آمر الحرس على الفور مفرزة من اثني عشر مقاتلا ، وأعطى قيادتها لنائبه الذي علم عن طريق بعض المخبرين أن كوكز يعمل في بستانه على عادته ، ولهذا قرر النائب مباغتته عن طريق توجه المفرزة التي يقودها عبر النهر الذي يقع عليه ذلك البستان ، ولهذه الغاية أحضرت المفرزة تلك زورقا متوسط الحجم ولكنه يسع للجميع الذين ركبوه ، وهم مدججين بالسلاح ، ثم ساروا على عجل نحوه .
كان آمر المفرزة متشككا بكل ما قيل عن كوكز داخل الاجتماع ، ولكنه كان مضطرا لتنفيذ إلقاء القبض عليه ، ولهذا كان أول الناهضين من عناصر المفرزة حينما اقتربوا من البستان ، ولم يدر في خلده أن كوكز سيقوم بتلك المسرحية الهزلية على عادته ، وفي أي ظرف كان هو ، فحين رأى كوكز الزورق وركابه من بعيد ، وشعر أنهم قادمون لاعتقاله ، امتطى هو سور بستانه من الجهة المطلة على ذلك النهر بعد أن صنع له سماعة تلفون من الطين ، وضع طرفها عند أذنه ، بينما وضع الطرف الثاني أمام فمه ، وراح يهتف :
- هلو خروشوف !.. هلو خروشوف !... تسمعني ... إليك .
انفجر قائد المفرزة بالضحك ، وتبعه الآخرون ، وبعد فترة من الضحك المتواصل صاح بهم آمرهم : عودوا من حيث أتيتم !
كان خروشوف وقتها هو رئيس وزراء الإتحاد السوفيتي ، وسكرتير الحزب الشيوعي فيه ، ولهذا أراد كوكز أن يثبت للحرس القومي هزأ أنه ليس شيوعيا فقط وإنما هو على صلة وثيقة برأس الشيوعية في الإتحاد السوفيتي ، خروشوف ! وهذه النكتة هي التي فجرت ضحك المفرزة وقائدها ، وهي التي أبطلت خطتهم في اعتقاله.
رغم اتهام كوكز بالشيوعية ، ذاك الاتهام الذي ظل يطارده لسنوات عدة ، حتى أن واحدا من شرطة المدنية يدعى موسى كان ينادي عليه في كل مرة يراه فيها في أحد شارعي ذلك السوق : أحمر ! أحمر ! إشارة للون الأحمر الذي يتخذه شيوعيو العالم شعارا لهم .
ظل كوكز رغم تهمة الشيوعية التي التصقت به يحمل مع ذلك اسم القائد العسكري الانجليزي ، بيرسي كوكس (Percy Cox‏) ، إبان الحرب العالمية الثانية ، والذي شغل مناصب سياسيه مهمة في الخليج العربي وفي إيران ، وصار مندوبا ساميا في العراق فيما بعد ، هو الذي شكل أول حكومة عراقية فيه بالتعاون مع الجنرال مود قائد القوات البريطانية التي زحفت على بغداد من مدينة الكوت ، ولكن الشعب العراقي كان يكره الإنجليز ، وينظر لهم على أنهم مستعمرون لبلدهم ، وهذا الكره قد استولى على نفوس الرجال والنساء في العراق على حد سواء ، ولما كانت النسوة على إيمان راسخ يقول : إن المرأة إذا أرادت أن تبقي وليدها حيا على قيد الحياة فلتمنحه اسما مكروها ، كأن يكون اسم حيوان قبيح مثلا ، لكن أمه أصرت للكره ذاك أن يحمل وليدها اسم المندوب السامي البريطاني ، كوكز ، كرها للإنجليز ، ولذات العلة هذه حمل غير كوكز من العراقيين نساء ورجالا اسم دكسن ، قائد القوات البريطانية في مدينة الكوت التي اندحرت عند مدينة الكوت أمام القوات العثمانية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.