رياض عبدالله الزهراني الأمة العربية أمة مٌضحكة مبكية , تقودها العواطف ويٌسّكن غضبها الخٌطب والشعارات غضبها مؤقت وسكونها غيبوبة , تتحدث كثيراً وتعمل قليلاً , تسير عكس اتجاه عقارب الساعة وتتفاخر بتاريخ لم يكن لها نصيبٌ في تدوينه أو المساهمة في أحداثة , تحلم بالأفضل دون أن تدفع ثمناً لأن تصل إلى الأفضل , تتمنى مجتمعاتها الكثير والكثير ولعل أهم أمنية تٌرددها هي العودة للقرون الماضية وكأنها تٌريد الهرب من واقعها إلى واقع مجهول لا تعرف عنه شيئاً سوى بعض القصص والحكايا المتناثرة هنا وهناك والتي قد يكتنفها الصدق أو الكذب !. الأمة العربية أمة متعددة متنوعة في كل شيء أعراق وأجناس وديانات ومذاهب وأفكار وأراء , لوحة فنية رائعة لكنها لم تحسن المحافظة عليها فضلاً عن استخدام ذلك التنوع في البناء والتعمير كعامل هام وأساسي لقيام الحضارات وصمودها بوجه محاولات الهدم والتفتيت , الأمة العربية لم تحسن التعامل مع ذاتها فكيف تحسن التعامل مع الغير , تعيش على تراكمات الماضي على الرغم من مرور مئات السنين على تلك التراكمات بل تنقلها للأجيال وكأنها مٌقدسة لا يحق لأحدٍ تجاوزها أو نقدها على أقل تقدير . أمة العرب التي طالما تغنى الشعراء بأمجادها الماضية ماهي الا أمة تعيش على أكتاف الآخرين , تواجه قضاياها بالهروب ودفن الرؤوس بالرمال , تعيش في جهل مركب , تواجه الفقر بإجراءات تشرعنه وتزيد من نسبة وتواجه الجهل بوسائل تعليم عقيمة جدلية لا تجعل من العقل معياراً للتميز وتواجه التطرف بتطرف مضاد وتهرب من الاستبداد إلى إستبداد أشد منه قسوة ودموية وكأنها أمة بلا عقل , تؤيد مجتمعاتها جيوب التطرف بشرط أن ترفع تلك الجيوب شعارات دينية تدغدغ بها المشاعر وتقدم لها مشاهد دموية ترضي السيادية الدموية بالنفس العربية , تشجع الغرب في كل شيء وتنغلق على نفسها ولا تحاول نقل التجارب أو على الأقل التمعن فيها , تقلق من أي صوت فكري حضاري إنساني يسعى إلى الأفضل , وتفرح بأصوات التخلف والرجعية والتعصب , كل تلك المخجلات سببها الجهل وغياب العقل حتى وإن كان هناك ما يٌسمى بالنٌخب والتي لا تخرج عن نطاق الشللية والمصالح الضيقة !.. إعصار مٌدمر ضرب الأمة العربية سٌمي مجازاً بالربيع العربي خمس سنوات وذلك الإعصار يفتك بالشعوب والمجتمعات إنقسامات وصراعات وغياب للرؤى وضبابية رمادية , تطرف فكري وإرهاب باسم الدين , واصطفاف طائفي ومذهبي وتدمير للمجتمعات فكل ذلك نتيجة نهائية للتهميش والجهل والفقر والاستبداد وتغذية العقول بتراكمات الماضي وصراعاته ربيع عربي أنفجر بوجه المجتمعات في ليلةٍ ظلماء لم يكن يتوقعها أحد !. لكن كل تلك الأحداث والضبابية والدموية ماهي الإ إرهاصات ومقدمة لواقع سيولد من رحم الدمار والخراب , فالتاريخ القديم والحديث يضع بين أيدينا شواهد وحقائق وآمل فليس من المعقول بقاء الوضع على ماهو عليه من تدمير وإهلاك للحرث والنسل بل ستخرج أجيالاً تصنع الفرق وتحقق المعجزة مثلما خرجت أجيال أوروبا من رحم عصور الظلام التي امتدت مئات السنين !.. النٌخب الفكرية والدينية والاجتماعية تترقب تارة وتنخرط في الصراعات تارة أخرى ,ولو أنها تعي وتدرك معنى كلمة نٌخبة لعملت على تخليص المجتمعات من واقعها الأليم فلا تقف مع طرف ضد أخر ولا تصطف في جهة دون أخرى , بل تقف بالمنتصف تقدم الحلول وتنزع الغطاء عمن يقتات على حراك الشعوب وقضاياها المختلفة , النٌخب العربية وطوال ستين عام تنظر وتمارس التنظير والتحليل صباح مساء ومع أول اختبار حقيقي انهارت وأصبحت هشيماً تذروه الرياح وكأنها ليست بنخب فكرية واجتماعية ودينية بل مجموعة من المشردين والمرتزقة وأظنهم كذلك ؟؟..!.!. كثرة الضغط تولد الانفجار وكثرة الغيوم السوداء نذير شؤم هكذا تعلمنا وعلمتنا الطبيعة , لكن ومع ذلك هناك نور بأخر النفق ذلك النور يحمله من لا هم له سوى نشر الطمأنينة وتحقيق التعايش والتعددية والبناء على أرض الواقع , يحمله من يفهم الأقوال ويتمعن في الأفعال يقدم الحلول العلمية والعملية لا يستخدم قضايا المجتمعات وأديانها في الصراعات يٌحيد كل شيء مقدس عن الصراعات السياسية , يفكر ويتمعن يستخرج من كل حدث عبرة يستفيد منها في المستقبل تلك القلة الحاملة لشعلة النور تصارع وتقاتل على عدة جبهات ولعل أهم جبهة تواجهها حالياً هي جبهة التطرف بإسم الإسلام , جبهة شائكة معقدة أنخرط فيها تنفيذاً وتأييداً كل جاهل ومحبط وناقم وحاقد وعاطفي صغير السن والعقل , تلك الجبهة المعقدة ستنهار في يوم من الأيام وبثمنِ باهظ , لكن سيظهر من بعدهم من يٌعيد التطرف بإسم الإسلام إلى الواجهة بإسم وشكل جديد فالتاريخ لا ينسى تلك الحقيقة والسبب ركون المجتمعات بعدما تتخلص من المٌهلكات إلى الراحة وترك قيمها وثوابتها ومقدساتها ألعوبة في أيدي الجٌهال والحمقى والمغفلين وأصحاب الأهواء وتلك هي الحقيقة التي لا يعترف بها أحد ؟؟!.... رغم سوداوية كل شيء , ورغم إقحام الدين في الصراعات السياسية وانتشار جيوب التطرف والدموية داخل المجتمعات تقتل الناس وتفتك بالبشرية باسم الله الإ أن الآمل ما يزال طاغياً بالنفس العربية الشابة التي تسعى جاهدة لأن تطوي صفحة الماضي بكافة تفاصيلة وتبدأ صفحة تاريخية مشرقة شعارها نحن هنا وليس أبائنا الأوائل وتلك مرحلة شروطها محددة تبدأ بالمواطنة للجميع وتنهي بالتعددية والتعايش وإطلاق عجلة المراجعات الفكرية والفقهية والدينية الشاملة !..