رياض عبدالله الزهراني حماية الكائن البشري عملية مقدسة في البلدان المتقدمة والمؤمنة بالإنسان , فالإنسان هناك أياً كان جنسة ودينة وعرقة ولونة يعيش داخل بيئة صالحة للعيش فالقانون سائد والعدالة قائمة والحريات محترمة ومحفوظة بسلطة القانون والحقوق لا مختزلة أو غائبة فكل مايهم الفرد من حق مصان ومحفوظ وبالتالي فالواجبات تؤدى دون كلل أو ملل أو تٌذمر , جٌبلت النفس البشرية على أشياء كثيرة ومنها التذمر فغياب الحق لا يحفز الفرد على أداء الواجب فالحقوق مقدمة على الواجبات فلا واجبات من دون حقوق وهذا ما تفتقده مجتمعات العالم الثالث من محيطها لخليجها ومن شرقها لغربها ! المواطن العربي والمستوطن بالعالم الثالث لم يسمع مفردة حقوق وإن سمعها فهي لا تعدو عن كونها كلمة مطاطية تلوكها الالسن حسب الرغبات والهوى , فمفردة حقوق تعني أشياء وأشياء والعقل العربي ليس جاهلاً لدرجة الغباء لكنه عاطفي لدرجة السذاجه ووقوعه في هوى تجزئة الحقوق عملية طبيعية خاصة إذا تمت دغدغة عواطفة بشعارات وخطب دينية أوبمقولات إجتماعية شعبية كمقولة حنا أحسن من غيرنا وغيرها فتجزئة الحقوق وتأطيرها ومنعها في بعض الأحيان بحجج واهية عملية إستبدادية منسجمة مع رغبات المجتمع العاطفية وليس العقلية ! يعمل المستبد وفق رغباتة ونزواته مراعياً سذاجة المجتمعات وعواطفها فالجهل صنيعة إستبدادية الهدف منها تغييب العقل , والجهل هنا لا يعني عدم وجود العلم ومؤسساته الراعية بل يعني في معناه الشامل تغييب العقل تغييباً كاملاً وأدلجته ووضعه تحت الوصاية الدينية أو القومية أو الشعاراتية الحماسية فالجهل عملية معقدة تزداد تعقيداً في ظل وجود مؤسسات تعليمية ومعرفية تعيد إنتاجه وتغذيته, الحقوق كمفردة جميلة لكنها كواقع قبيحة فكل الحقوق بالعالم الثالث بلا إستثناء لمجتمع أو بلد عبارة عن مكرمات ومنح وزكوات من السلطة ومن يدور في فلكها من مؤسسات , فحرية الرأي مسلوبة بسلطة القانون ومؤطرة تأطيراً يٌخل بالحقيقة والكلمة وحرية الفكر محصورة ضمن نطاقات معينة والمشاركة الشعبية وأدواتها المختلفة عبارة عن ممارسات وإجراءات شكلية الهدف من وجودها دغدغة المشاعر وتحسين الصورة لدى مجتمعات العالم المتقدم وإلهاء الناس بإختلاق صراعات فالمشاركة كحق إنساني لا يمكنها تقديم نخب المجتمع لدور ريادي أو إيصال الأكفاء في ظل بيئة قائمة على الإنقسام والتقسيم وإختلاق الصراعات المختلفة شكلاً ومضموناً , والمواطنة موزعة مقسمة لفئات دماء زرقاء وأخرى حمراء وهناك الدماء النتنة القذرة ! . قد يكون الجهل العامل الأول في تردي أوضاع العالم الثالث لكن الجهل ليس الوحيد بل هناك التدين كسلوك مختبيء خلف شعارات وأدبيات معينة وهناك أيضاً شعارات وعبارات مخدرة كنظرية المؤامرة والمستقبل الغامض ونحن أفضل الخ وهناك أيضاً مختلقي الصراعات ممن يلعن السلطة ليلاً ويحتضنها نهاراً لتقمع خصومه في الفكر سواءً أكانوا من تيار ديني أو غير ديني " فكري" فالجميع يمارس الإستبداد وفق معاييره وبما يضمن مؤطأ قدمه , لا يمكن للعالم الثالث أن يتحرر من كل القيود ويتجاوز العقبات ويحلق بسماء التنمية والمعرفة والتعددية والتعايش دون أن يحرر عقله ويطلق العنان للتفكير , فالمجتمعات متعددة متنوعة فمن حق أي فئة التعبير عن أرائها والعمل على إنتقالها من جيل إلى جيل ومن حق أفراد المجتمع الإنخراط في مؤسسات المجتمع المدني القائمة على أسس مدنية لا فئوية أو حركية فالتنوع يٌصان بقوانين واضحة والمشاركة تصان وتٌحمى بقوانين ورقابة شعبية وبوعي مجتمعي قائم على أسس وطنية مدنية لا تقصي أحد ولا تمنع أحد من ممارسة حقوقة المختلفة ضمن نطاق القانون المجمع والمتفق عليه ! الحقوق ممارسة والوجبات ممارسة أيضاً فلا واجبات من دون حقوق يعيش العالم زمن المتغيرات المفاجئة والعالم الثالث يعيش أسوأ حقبة تاريخية عشاها فالربيع العربي الذي هب على بلدان لم تتفتح أزهاره حتى الأن لعوامل عدة أهمها أدلجة الصراع السياسي وتحويلة لصراعات طائفية ومذهبية دموية والسبب الجهل وتراكمات الماضي وإختطاف حراك الشعوب وأدلجة المجتمعات سنين طوال , سيزهر الربيع لكن بثمن باهظ وكبير وأول خطوات الإزهار التخلص من تراكمات الماضي فالبداية تكون بالعقل لا بالقلب ! تطمح المجتمعات لممارسة الحقوق ممارسة كاملة بلا تضييق أو تجزئة أو تغييب , طموح وحق إنساني ولممارسة الحقوق لابد من القضاء على الجهل المفضي للتعصب والسذاجة والعاطفة الغير منضبطة والأدلجة والدموية فالجهل أساس البلاء بالعالم الثالث والقضاء عليه عملية ليست بالمعقدة فنشر الوعي مهمة المفكرين والأدباء وأهل الرأي وإطلاق مساحات ومنتديات شعبية تعمل على نشر الوعي والمعرفة بأوساط المجتمع فالجهل ينتج الكوارث الإجتماعية والفكرية والإقتصادية والسياسية حتى ولا مناص من التضحية فالمجتمعات والسلطة لن تقبل في البداية وستبدأ عملية الكر والفر ودفع الثمن , لكن في نهاية المطاف سيستجيب القدر حقيقة لا خيال ! على المؤسسات بالعالم الثالث قبل المناداة بمفردة حقوق أو الدعوة للقيام بالواجبات تشخيص حالة المجتمعات وسلوكها ومن ثم البدء وفق برامج واضحة تحقق القدر الاكبر من الرضى المجتمعي هدفها نشر الوعي داخل المجتمعات , الحقوق تعني المواطنة ومن هنا تبدأ المؤسسات فالمواطنة تعني كامل الأهلية وممارسة الحقوق بشكل كامل وفي جو حٌر وآمن لكن مواطنة العالم الثالث تعني المساكنة وهنا الفرق الكبير والشاسع الذي أنتج إحتقان وصراعات وقضى على الطاقات البشرية والإقتصادية .. مفردة المواطنة مفردة مطاطية على الهوى والرغبة تٌنتزع وتوهب وكأن الأرض ملك لفئة أو حق لمجموعة دون أخرى , بالعالم المتقدم المواطنة حق للجميع بلا إستثناء أو تمييز وبالتاريخ دولة الرسول عليه الصلاة والسلام كذلك فالمواطنة للجميع لا إستثناء وضمن إطار معاهدات ووثائق " وثيقة المدينة , العهد مع نصارى نجران الخ " لكن بالعالم الثالث المواطنة حبر على ورق وممارسات مخجلة ضد فئات معينة والسبب الجهل والإستبداد وغياب القانون الواضح المتفق والمجمع عليه " الدستور " فكل الدساتير بالعالم الثالث عبارة عن دساتير لا تساوي قيمة الحبر الذي كٌتبت به فالعبرة بالتطبيق وبنتائج التطبيق على الأرض وهنا الخلل الكبير ؟ إرتفاع مؤشر الوعي تدريجياً عامل محفز وإيجابي للقضاء على معضلات تعيشها بلدان العالم الثالث على الرغم من وجود محاولات تدغدغ العواطف ولا تخاطب صوت العقل , فالوعي أساس هام وحيوي في أي عملية بناء للإنسان أو المكان . على مؤسسات العالم الثالث المدنية " مؤسسات المجتمع المدني " أو الحكومية العمل على التخلص من تراكمات الماضي وإدراك أن المجتمعات بدأت تعي معنى كلمة حقوق جيداً فالمجتمعات قد تصمت لكنها لا تصمت طويلاً والربيع العربي في بداياته شاهد تاريخي واضح ومعايش , البدايات تكون بخطوة وأول الخطوات القضاء على الجهل ومسبباته ومحاضنة والعمل على تحقيق المواطنة الصحيحة وإقرار دساتير وطنية مدنية تحمي مكونات المجتمع وتصون المواطنة الصادقة والحقيقية للجميع بلا إستنثاء على أسس عرقية أو مذهبية أو فكرية أو دينية وتحفظ الحقوق وتصون الواجبات فالحقوق ممارسات ضمن أٌطر معينة لا ضمن رغبات أو هبات أو عطايا وزكوات وإنتزاع الحقوق بالقوة يعني بداية مرحلة القوي ينال من الضعيف وسياسة الغاب التي لا يينجو منها أحد فهل ستتحرك مؤسسات العالم الثالث وتستفيد من دورس الأمم الماضية واللاحقة وتستفيد من شواهد الحاضر ؟؟