ان من محاسن الثورة المصرية أن جعلت من السياسة مادة حوار بين النخب والعامة وبين العامة بعضهم البعض مما أثرى الحوار المجتمعى من بعد افتقاراليه دام لعقود طويلة .. ولكن ان كان الحوارفى ذاته أمراً جيداً الا أنه يكون ثريّا لو توافرت له أدواته وأولى هذه الأدوات ممارسة المُحاور لثقافة الحوار من صمت واجب حتى يستكمل مُحاوره فكرته ليأتى دوره فى التعقيب وابداء رؤيته هو الأخر فى صمت وانصات من الأول دون مقاطعة ولاصخب تضيع من ورائهما الفكرة وغاية الحوار ويصير الحوار بيزنطياً لافائدة منه ويستجلب الخلاف والصراع والتفرق .. وثانى هذه الأدوات أن يلتزم المحاوران بأداب الحوار من أدب القول وصياغة الفكرة اذ افتقار أسلوب صياغة الفكرة الى أدب القول يأخذ بالحوار لمنحى أخر هو المشاتمة والسباب لينتصر المُحاور فى النهاية لرأيه بلسانه ويده فتضيع الفكرة وكذا القصد من وراء الحوار .. وثالث هذه الأدوات اختيارمكان الحوار وزمانه المناسبان اذ لكل مقام مقال .. فلايقبل العقل أن يُجرى حوارا يهدده موعد انتهائه ولايعلم به المحاوران كوسائل المواصلات أو الطريق العام اذ لابد من سيطرة المحاوران على زمن التحاور حتى تكتمل الفكرة ويكتمل الاقناع بها والوصول لمقاصد الحوار ذاتها .. وحتى يكون الحوار مثمراً لابد من تقبل الرأى الأخر بسعة صدر والاقتناع به ان تضافرت أدلته وتعاضدت فيكون الاقتناع بها سببا للانتقال الى فكرة أخرى فيثرى المتحاوران حتى لايكون الوقوف عند الفكرة الأولى بجدل بيزنطى رغم وضوح الفكرة وجلاء أسباب الاقناع بها فيكون الحوار عقيماً لاقصد من ورائه الا استعراض قوة المتحاوران .. ورابع هذه الأدوات .. هى أنه لابد للمحاور من معرفة تاريخية واجبة سواء لتاريخ الوطن أو العالم لكون المعرفة التاريخية تلك تعطى المحاور ثراءاً معرفى لكون التاريخ هو أكبر معلم وواعظ وبه العديد من الدروس والعبر فالأحداث عبر التاريخ مكررة ومن يفتقد للمعرفة التاريخية يفتقد للحكم الصحيح على الوقائع والأحداث الراهنة محل الحوار .. وكذا لابد من الثقافة العلمية بمنطق معرفة شىء عن كل شىء ولاأقول تخصصاً فالتخصص يأتى بعد تلك المعرفة اللازمة للثقافة والتى يوجبها الحوار والتى هى لازمة له .. فغير مقبول أن تتم المناقشة والحوار بصدد التقدم العلمى الحادث بنظرية( جرافيك فيلد انيرجى) بينما المُحاور لايعلم ثمة شىء عن قانون الجاذبية لنيوتن ولا النسبية لأينشتاين .. لابد ياسادة من الاستعداد للحوار من قبل الشروع فيه بالاتفاق على موضوعه فيستعد المتحاوران للحوار وموضوعه بمرجعية هائلة من ثقافة عامة ومعلومات وفيرة عن موضوع الحوار ليكونا على قدر الحوار وموضوعه واثراء الأخر المشاهد والمستمع والمشارك على حد سواء .. ومن ثم لايسمى الحوار حواراً الا بين الأكفاء معرفيّا وثقافيّاً أو بين النخب المثقفة و العامة المبتغين الثقافة والتوعية الثقافية بينما لايكون متوافراً بين الجهلاء من العوام بعضهم البعض او بينهم وبين النخبة ماداموا يفتقرون لأليات الحوار السالفة البيان لتتحقق ساعتها مقولة الشافعى لو حاورنى ألف عالم لغلبته ولو حاورنى جاهل لغلبنى .. ومن ثم فالثقافة حتى بالقدر المعقول والتى تعد نقيضاً للجهل هى شرط ضرورى للحوار المثمر اذ بفقدانها يكون الحوار مقدمة ضرورية للمشاتمة والسباب والشقاق ..هو ذلك الحادث واقعيّا فى بلاد الثورات العربية عموماً وفى مصر خاصة من بعد يناير العظيم اذ انقلب الأفراد جميعهم الى فلاسفة ومُنظّرين وقد افتأتوا على حق النخب فى الشرح والتثقيف والتبصير.. وبات المُثقفون ينسحبوا من الاطار العام الصاخب والممتلىء بزخم المجادلات العقيمة والمشاتمات .. الكل أصبح واحداً لافرق بين عالم وجاهل . ليستعيض الأخير بأجواء الثورة على جهله باثبات قدرته ومقوماته الشخصية ..لا أحد تمتلىء به عيناه ولم لا؟ فهو الثائر ومحارب الفساد وقالب أنظمة الحكم الغاشمة ومُطهر الوطن من سارقيه وجالب الكرامات المسلوبة .. وقد نسى افتقاره الى صوت النخبة الداعى لتثقيفه فبات ثرثاراً غير مُستمع .. مجادلاً غير مقتنع .. المهم أن يستمع له الأخر مهما علا قدره وسمت هامته ولم لا ورئيس الدولة السابق ذاته قد رأته عيناه خلف زنزانته .. ومن ثم أصبح كل شىء متاحاً وأصبح النقد بلا حدود فيصير ملاعنة ومشاتمة .. لتضيع القيم وترتعش أيدى متخذى القرارات من أعلى الهرم الى قاعدته ويصير الصوت العالى لجوار الأيدى واللسان أدوات ضرورية لاجبار الأخر محاورا كان أم غير محاور على الانصات والازعان .. فتساوى لديه الأساتذة المتخصصين اكاديميّا وغير المثقفين من المهنيين والعامة ..وبات المخاوف على الوطن من ردة الى الخلف تهدده أمراً ملموساً لدى الوطنيين من المثقفين .. تلك طامة كبرى أوجعت قلوبنا وقلوب المخلصين من أبناء الوطن الغالى شرعت لأجلها فى شرح بعض المفردات السياسية التى باتت تتردد فى الأونة الأخيرة ولايعلم جل مردديها بمعانيها ومقاصدها وكأنها محض استعراض لوجاهات ثقافية هى مندوبة من بعد الثورة من غير فهم أو وعى لمضامينها فكانت ثراءاً للمحاور الذى ينتصر بلسانه لأجل افتقاره الى أدلة نصرة فكرته فيغنم محاوره والمستمع اليه بمحض مفردات سياسية وثقافية فى غير موضعها لتنقلب صورة الحوار وصورة المحاور ويتدنى كلاهما لينتصر الجهل بصوت عال وصخب وملاسنة .. كل أسس الحوار هذه تداعت الى ذهنى لمّا سألنى جليسى على شاطىء المتوسط باحدى مدن مصر الساحليّة عن معنى بعض المقردات السياسية التى باتت متداولة بين العامة انفسهم ومنها : الايديولوجية , النظام الرئاسى وشبه الرئاسى والبرلمانى والليبرالية فأجبته قائلاً: الأيديولوجية: انما تعنى العقيدة وهى تعبير يرتقى بالفكرة اذا مااعتنقتها جماعة من الناس وكان لها تطبيقات اقتصادية فتسمى بعدما كانت الفكرة يعتنقها فرد ومذهباً يعتنقه العديد من الأفراد بلا تطبيقاست اقتصادية فتصير الفكرة أيديولوجية اذا ماكان لها تطبيقات اقتصادية واجتماعة وسياسية فاذا مااعتنقها الكثير من الناس بطقوس وعبادات غير منتظمة سميت عقيدة فاذا مامورست بطقوس وشعائر منتظمة فتسمى دين .. أما النظام الرئاسى : وفيه تنحصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الدولة بالأساس وبشكل كامل كالولايات المتحدة ولايوجد بهذا النظام مجلس وزراء فالكلمة للرئيس أولاً وأخيراً حتى أن لينكولن عندما اجتمع بسبعة من وزرائه –مساعديه - فعارضوه فقال قولته الشهيرة : (سبعة لا وواحد نعم ) ..والرئيس يتساوى مع البرلمان فى القوّة لكونهما معاً يستمدان شرعيتيهما من الارادة الشعبية المباشرة او غير المباشرة وهذا سر قوته .. بينماالنظام شبه الرئاسى : ويسمى أيضا نصف الرئاسى وفيه رئيس الدولة يُنتخب بالاقتراع المباشر وله صلاحيات خاصة كالرئاسى ورئيس حكومة يمكن للنواب عزلها كما فى البرلمانى وهو موجود بفرنسا وألمانيا لكن النظام البرلمانى : وفيه مجلس منتخب وهناك فصل بين السلطات وتمثل السلطة التنفيذية فيه الرئيس ومجلس الوزراء وبينما يكون الرئيس غير مسئول أمام البرلمان نجد الحكومة فمسئولة أمام البرلمان مسئولية فردية او تضامنية ويؤخذ بهذا النظام فى النظامين على السواء الجمهورى كما باسرائيل والملكى كانجلترا لكون الرئيس لايمارس اختصاصه بنفسه بل بواسطة وزرائه ومركزه شرفى أما الليبرالية : فانما تعنى التحرر المطلق من القيود وهى لاتأبه بسلوك الفرد طالما لم يخرج عن دائرته من الحقوق والحريّات أو يمس حقوق غيره وحرياته ويتحرك مفهوم الليبرالية وفق أخلاق وقيم المجتمع اذ تختلف من مجتمع الى أخر فمفهومها أخلاقيا بأوروبا غيره فى بلاد المشرق .. وبمجرد أن أنهيت اجابتى ثار بصوت عالى قائلاً انما الليبرالية فتعنى العلمانية فقلت وما العلمانية قال انها عدوة الراديكالية والاسلام .. وهنا فطنت لغياب مؤهلات الحوارسابقة البيان سواء من حيث الزمان والمكان وشروط المحاور ذاته وكذا موضوع الحوار ومرجعية المحاور الثقافية بالنسبة له فأثرت الصمت على الفور وعزمت شرح هذه المفردات والتى باتت مُرددة من قبل العامة بلا معرفة لمقاصدها ومن ثم سنبين الليبرالية ومدى ارتباطها بغيرها من تلك المفردات : بدايةً الليبرالية تعنى التحرر والمساواة واتاحة الفرص : والتحرر اما يكون سياسياً فيعنى حرية التعبير والتنظيم والمشاركة فى العمل الحزبى والنقابى أو اقتصاديّاً فيعنى ضمانات الملكية الفردية والخاصة وادارة الاقتصاد وفقاً لأليّات السوق الحرة ... بينما الدولة فتحمى فى لحظات السقوط باعانات بطالة وفقر ورعاية اجتماعية وصحيّة وتحارب الاحتكار وعدم تمييز الكيانات الاقتصادية الكبرى عن الصغيرة والمتوسطة.. أو اجتماعيّاً فيعنى حماية قدسية الحياة الخاصة وقبول الاختلاف والتسامح مع الرأى الأخر فى اطار احترام القوانين ومصالح المجتمع العامة والمساواة بين المواطنين جميعهم وقبول تحرك طبقات المجتمع صعوداً وهبوطاً دون تمايز اجتماعى وتكفل الدولة كافة الخدمات العامة والخبرات المهنية والضمانات المعيشية والصحية بما يكفل الحياة الكريمة لأفراد المجتمع .. بينما المساواة فتعنى أن المواطنين جميعهم أمام القانون سواء بلا فرق بين انتماءات دينية او عرقية أو مناطقية أو اجتماعية او على أساس النوع .. بما يعنى المواطنة هى الأساس والدولة محايدة تماماً ازاء المواطنين بالمساواة فيما بينهم بينما شاغلى المناصب العامة فيخضعون للمراقبة والمحاسبة والمساءلة بينما اتاحة الفرص فتعنى المنافسة فى نظام سياسى ديموقراطى تتداول به السلطة سلميّاً ودوريّاً بين قوى وأحزاب وأشخاص متنافسين وفقاً للارادة الشعبية ومن خلال انتخابات تعددية ونزيهة .. والليبرالية قد ظهرت بالليبرالية الاجتماعية وهى (الاشتراكية) بهدف القضاء على الفقر والفوارق الطبقية الحاصلة بعد الثورة الصناعية .. وتقوم الليبرالية على الايمان بالنزعة الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الانسان وضمان حقه بالحياة وحرية الاعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة أمام القانون ولايكون هناك دور للدولة فى العلاقات الاجتماعية .. فالليبرالية محايدة أمام كافة أطياف الشعب ولاتتدخل فيها أو فى الأنشطة الاقتصادية الا فى حالة الاخلال بمصالح الفرد.. والليبرالية بهذا المفهوم تتقارب وتتباعد وتتفق وتختلف مع المفردات الأتية : الديموقراطية : تتفقان هى والليبرالية فى مسألة حريّة المعارضة السياسية والتى بدونها لايمكن تشكيل معارضة حقيقية الا أن الليبرالية لاتضطهد الاقليّات كالديموقراطية خاصة وأن لديها اعلاء قيمة الفرد وحريته بالأساس.. كما أن الديموقراطية ذاتها تختلف عن الشورى الاسلامية اذ الأولى لاتهتم الا بالأغلبية والتى يُصعّدها الانتخاب الحر بالارادة الشعبية بغض النظر عن معتقد هذه الأغلبية او فكرها او سلوكها ومن ثم قد يصعد للحكم بموجب الديموقراطية الشواذ جنسياً لو كانوا أغلبية فهذا لايهم ماداموا كذلك وتساعدهم أُطر الديموقراطية فى فرض رؤاهم بموجب تشريعات قانونية بعد ذلك على الأقلية الباغضين لهم ودون تدخل من الحاكم أو الدولة بينما فى الشورى الاسلامية فلايمكن حدوث ذلك اذ الحاكم معنى بالأساس بالمحافظة على قيم المجتمع وأدابه وترجيح الأراء والتنافسات الحزبية والسياسية بدوره الايجابى ذو المرجعيّة الاسلامية.. وبما لاتفرض معه الأغلبية رؤاها على الأقليّة حتى ولو كانت خاطئة أو مدمرة للقيم والأخلاق فيأتى هنا دور الحاكم لتقوية الأقليّة بتبنى رؤيتهم حتى ولو كانت ضد رؤى الأغلبية .. ولكن بلا تقديس مطلق كالراديكالية .. الراديكالية : هى عكس الليبرالية تماما اذ تعنى المرجعيّة المقدسة المسماة بالأصوليّة وتمثلها الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة فى عالمنا الحالى .. بذات النظرة الدينية سواء كانت يهودية أو مسيحية أواسلامية أو هندوسية وهى تعنى (التغيير الجزرى ) بالنظر الى التغيير الدينى المقدس... بينما الليبرالية فلامرجعية مقدسة لديها بل هى فكرة متجددة .. العلمانية : وهى تعنى فصل الدين عن الدولة فالفرد حر فى عقيدته وفكره لاتجبره الدولة عليه أو معتقده وتنظر للدين بأنه تحقيق للسعادة بالنظر للأخرة بينما هى فتحقق السعادة فى الدنيا بغض النظر عن الدين ومن ثم ففى العلمانية لايوجد تعبير (دين الدولة الرسمى) كما الحادث بمصر وموناكو واليونان بينما هناك دول تنص دساتيرها على هويتها العلمانية كالولايات المتحدةالأمريكية وكوريا الجنوبية والهند وكندا.. .. بينما الليبرالية فلا تكتفى بفصل الدين عن الدولة بل تفصل جميع المعتقدات الشمولية عن الدولة سواء كانت دينية أو غير دينية اذ قد يكون هناك انتهاكات بحريّات الأفراد غير دينية كحكم ستالين بالاتحاد السوفيتى أو هتلر فى ألمانيا بينما العلمانية فتفصل الدينية منها فقط عن الدولة .. وتعتبر العلمانية طريق مبكرة للالحاد فى تركها النظر للدين والعالم الأخر بالنظر الى العالم الحسى الموجود .. اذ الدنيا هى العالم الوحيد بالنسبة للعلمانية والتى تعنى (الدنيوية) وقد قال عن معتنقيها رب العزة فى سورة الأنعام( ان هى الا حياتنا الدنيا ومانحن بمبعوثين) أية:29 .. الدولة المدنيّة : وهى الدولة الديموقراطية والتى فيها يتساوى الجميع على أساس المواطنة المتساوية فى الحقوق والواجبات .. والدين فيها ضرورة أخلاقية واجتماعية لكنه يجب أن يظل بعيدًا عن السياسة.. كما أن السياسة يجب أن تظل بعيدة عن الدين. والدولة الدينية تقوم على العلمانية والديموقراطية والقومية أو الوطنية (المواطنة )..وهى بالتالى تستجلب التعالى بالانتماء على الأخر دون نظر الى مقاصد الدين بالتساوى بين البشر جميعهم ؛ وقد تبنت الدولة المدنية الحديثة النظام الديمقراطي في الحكم، ليكون الحكم بمقتضى مصالح كل شعب ورغباته، فالحق والصواب هو ما يحقق منافع الأمة الدنيوية، والخطأ والباطل هو ما لا يحقق مصالحها، وتقدير المنافع والمصالح تحدده رغبات الشعوب وأهوائها، وما كان مرفوضًا بالأمس يُقبل اليوم، وما يُقبل اليوم قد يُرفض غدًا. الدولة الدينية : وهى الدولة التى لاتفصل الدين عن الدولة والتى تتخذ من الالتزام بالعقيدة الدينية والهدى السماوى دستوراً لها وان كان فيها يتم ازدراء الأخر من غير ذوى المُعتقد .. بينما فى الدولة الاسلامية لاينفرد فيها الأغلبية بفرض رؤاهم على الأقليّة بل الجميع يخضعون لأحكام الدين ويراقب الحاكم فيها تطبيق الدين وأحكامه على الجميع وتمثل الشورى فيها عمادها كما تمثل الديموقراطية عماد الدولة المدنية وتعنى الشورى التشاور واستقصاء الأراء وفقاً للشرع وتغليب منها ما يتوافق معه ومايحقق صالح المجتمع. ويكون الحاكم مراقبا لتطبيق ذلك ومراعيا له حتى ولو رجّح رأى الأقلية لكونه هو المطابق للصحيح من الدين والمنطق .. فلربما يكون رأى الأغلبية فيه دمار لهم والأقلية.. بينما الأقلية فرأيهم فيه النجاة وهنا يأتى دور الحاكم لترجيح الأقلية فى مواجهة الأغلبية حفاظاً على سلامة الدولة واحترام الشرع والدين .. ومن ثم فالشورى تختلف عن الديموقراطية وتسمو عليها اذ الأخيرة لاتعتد الا برأى الأغلبية فقط دون اعتبارات من دين او أخلاق أو رؤى الأقليّة .. وكما نرى هنا فكل المصطلحات الوضعيّة السابقة انما تنصب فى معين واحد ألا وهو وضع نظم مجتمعية وسياسية من منطلق كون الأخلاق ليست ثابتة ومستقرّة ذات مرجعيّة دينية بل هى مرنة تقبل التغيير والتعديل بتغير المجتمعات وتباينها .. كما أنه فى الدولة الدينية ذاتها يتم ازدراء من هم على غير المعتقد والدين.. بينما فى الدولة الاسلامية ذات الشورى الاسلامية فلايتم ازدراء الأخر بل تحتويه الدولة محترمة معتقده وتقوم بحمايته ورعايته .. ومن ثم فمجتمعاتنا تزخر بنظام اجتماعى وسياسى متفرد لاتحاكيه كل الأنظمة الوضعية مهما اختلفت ألوانها وأدواتها ويكون التمسح فى الأخيرة هو لون من ألوان التقليد الأعمى بما لايتناسب ومجتمعاتنا تلك ولاتاريخها الأخلاقى أو الدينى بما يُعتبر ردّة عما حبانا به الله من جميل معتقد وسمو أخلاق .. لم تكن الدولة الاسلامية فى تاريخها تعتنق أيّا من هذه النظريّات الدخيلة علينا والمستوردة بل والغازية لنا على أيدى أبناء جلدتنا تقديساً لفكر الأخر الوضعى وردّةً عن دين الله السماوى .. ورغم هذا وباحترامها للنظام الاسلامى اجتماعيا وسياسيا ملكت العالم بأسره وامتدت الى حدود الصين وروسيا شرقاً والى أسبانيا وعمق أوروبا غرباً .. وكان النظام الاسلامى فى الدولة الاسلامية جد نظام ناجح بيد أننا اليوم نركله لنسجد لأنظمة وضعية لاتتناسب مع ثقافتنا ولا عراقة تاريخنا ومعتقدنا فتاهت الدولة من بين أيدينا وانفصمنا عن أيدى الدولة ذاتها باسم الديموقراطيّة والليبرالية والعلمانية والدولة المدنية.. نعم ياسادة لقد وضح هذا من بعد أن بيّنّا المفردات السياسية المتداولة بين النخب والعوام وقد وصلنا الى نتيجة هى هامة ألا وهى: الاسلامُ شمسٌ بين مفرداتٍ سياسيةٍ مُعتمة..