اذا بلغ الصمت مداه كان للكلام الذي يعقبه دوى الانفجار.. هذا هو الحادث فى مصر من بعد الثورة .. ثلاثون عاما من الصمت المطبق والكبت المحكم حتما يعقبهما أحد أمرين اما فوضى محققة أو ثراء من حكم ودراسات ولّدها هذا الصمت وكل هذا التدبر والتوق الى الأفضل من حرية مسئوولة وعدالة وارفة .. والاحتمال الأخير لم يغب عن فطنته امكانية حدوث الاول من فوضى وزخم فى المجادلات العقيمة وانتقامات وشكايات تفتقد جلها لمتطلبات المصالح الوطنية من ضرورات المصالحة فلايمكن لشعب ما ان يبدأ مرحلة جديدة وهو فى حال خصام مستمر يجره اليه نتائج نظام بائد قد ولّى وطويت صفحته اذ لابد من مرحلة جديدة بصلح شعبى على كافة الأصعدة والا فلن تقوم لبلادنا قائمة كغيرنا من البلدان التى أعقبت ثوراتها مخاصمات شعبية وتصفيات فكرية وعقائدية عشرات السنين من بعد الثورة كفرنسا وغيرها ولن تعود الدولة كدولة ولعهد جديد يزخر بالحرية والعدالة والديموقراطية الا اذا تصالح الشعب مع ذاته وصارت قواعد العفو والمسامحة هى المسيطرة والمانعة لقواعد الثأر والانتقام.. تلك التى لا ولن تنتهى وسيظل البلد كما هو قبل الثورة وبعدها .. تلك أبجديات قيام الدول ومسيراتها فلايمكن لكيان سياسى أن يقوم على بؤرالاختلاف والتناوء الاجتماعى والشعبى .. فأنصار النظام السابق لن يظلوا انصار له الا اذا ظل المجتمع يحاربهم بجريرتهم من اتباعه سلفا وان نسى لهم المجتمع ذلك لنسوا هم الأخرون وعادوا لينصهروا مع اخوانهم العافين والمحسنين والمقدمين امصالح الدولة الكبرى على المصالح الشخصية والانتقامات الذاتية والتى لايكون لها عقلا ولا نهاية بثأرية متتالية ومن ثم يلزم للانظمة الثورية ان تفشى سياسة العفو لا ان تؤجج نار الثأر والانتقام ان كانت قيمة الدولة ككيان تعلو لديها عن مقدرات الثأر والانتقام ويقولون جميعا تعالوا لننظر للكأس فى نصفه المملوء لا من نصفه الفارغ ونرى مؤسسات الدولة وكيانها تلك التى لم يؤثر فى قوتها ذلك النظام البائد ومن ثم نحمد الله ونبدأ من جديد هكذا فعلت اليابان من بعد هيروشيما وناجازاكى وفرنسا من بعد ماءة سنة من ثورتها من خطأ تقديرى فلم تتقدم الا من بعد قرارات المصالحة حتى الأفارقة مانديلا لم ينتقم لسجنه الطويل كثائر ولا حسين اوتارا عند قبضه على الدكتاتور خصمه دعا لافشاء سياسة العفو والمصالحة والا سنكون جميعا أمام مشاهد دراماتيكية لايمكن تخيل نتائجها وأثر تلك النتائج على هذا الكيان العظيم من بعد الثورة وبدلا من ان يكون جل اهتماماتنا الاتهام والدفاع المقابل يكون الاهتمام بالاجابة عن سؤال واحد كيف تتقدم بلادنا والسبل المؤدية لذلك والاستفادات المتحصلة من التجربة والتاريخ السابق بمزاياه وعيوبه وهنا وهنا فقط نكون على بساط واحد يبتغى عزة الدولة وتقدمها ولو نظرنا للماضى كى نتعظ منه علينا أن ننظر الى ثلاثين عاما من الكبت المطلق وقد كان كل صاحب قلم يحزر وبشدة من أثار هذه السياسة وانفرادية القرارات .. وقد وصل لدى البعض قناعة مفادها ان هذه الأنظمة العربية كانت نتاج سياسات امريكية وغربية تسعى لتحقيق أهدافها .. تلك الأنظمة تسير بموجب وحدات تحكم اليكترونية بيد الأنظمة الغربية بالدرجة التى جعلتنا نرى أن الكلمتين متطابقتين تماما والخلاف بينهما نقطة وضعت على حرف العين فى كلمة عربية . ألهذا الحد كنا محكومين بأنظمة غربية بالأساس ؟! نعم هم أدوات بيد الغرب ضد شعوبهم وتتفاوت الانظمة انصياعا وتنفيذا للمخططات الغربية حسب مقدار الوطنية وقوة الردع الشعبية المحققة بالرأى العام لديه ومدى رغبتهم فى المقعد الرئاسى الوثير.. ان الانظمة العربية مخترقة من بعد الحرب العالمية الثانية .. فما قامت فلسطين ولا نفذ وعد بلفور الا باختراق الأنظمة العربية وماتغيبت الوحدة العربية وما تبدد حلم السوق العربية المشتركة او مجلس الأمن العربى الا بكل هذا الاختراق للانظمة العربية .. وقد اختلفت الأنظة العربية فيما بينها حسب التسليم المطلق أو الجزئى للسياسة الغربية .. فهناك من الانظمة العربية من قام منها بتسليم جميع الكروت السياسية ليد السياسة الغربية وهذه فى نظر الغرب لا حاجة لاختراقها فقد سلمت بالكلية ورضوا بوصف العمالة المطلقة فضاعت بلادهم بالكلية لقاء ثمن تافه هو المقعد الوثير الزائل الذى لايخلده التاريخ اذ التاريخ لايخلد الا الأعمال والبطولات والمبادىء وخدمة الشعوب والنضال لاجلها فباتوا هم ومقاعدهم سواء .. وهناك منهم من لم يستطيع الغرب استمالتهم بالكلية لاسباب عديدة أولها تاريخ وأقدار شعوبهم ومدى ثوراتهم المتوقعة ان حدثت .. فكان الاختراق لها ضرورة لابد منها الصنف الأول .. فقد كانوا أباطرة جبارين فكسبوا مغتنماتهم ونالوا مقاصدهم بقهر شعوبهم ومضوا فى هذا القهر للمنتهى فأصبحت كلمة نعم لديهم انما تعنى الحياة وكلمة لا فتعنى الموت فتصاعدت أدوات القهر لديهم بدءا من المعتقلات وكسر أحكام القضاء بخنق العدالة ثم تنامت عبر سنوات حكمهم المريرة حتى مرحلة استخدام الاليات العسكرية والطائرات والمجنزرات ضد شعوبهم يأتى اليهم الساسة الغربيين فيربتون على اكتافهم أنهم معهم وحماتهم ضد شعوبهم ثم يعودون لبلادهم يضحكون ساخرون منهم تارة ومن شعوبهم الصابرون عليهم تارة اخرى بيد انهم تتملكهم السعادة من نجاح مخططاتهم فى السيطرة على هذه البلدان العربية ومقدرات شعوبها وباحكام شديد.. وصارت هنالك صداقات وطيدة على المستوى الشخصى تجاوز الصداقات المفترضة بين متحدى اللغة والديانة والقومية دون النظر لمردودات هذه الصداقات على الشعوب ومصالح البلاد العليا بل تُسخّر لأجلها كل امكانيات الدولة ومقدرات الشعوب فنرى احد الحكام يقطع العلاقات الدبلوماسية لمجرد اعمال قانون هذا البلد على نجله اذا ماهو أخطأ وأخريشترى رضاء الأخر عنه بصفة شخصية لقاء ثروات بلاده التى ائتمنه شعبه عليها .. ورأينا كثير الصداقات كبيرلسكونى وشافيز القزافى وميتران شيراك سيركوزى مبارك وغيرهما وغيرهما .. وبيعت البلاد بتقارع كئووس نخب الصداقات فتم تسليم الغاز المصرى بمباركة فرنسية الى الصهاينة منتهكى العرض العربى وغاصبى الأرض ومصاصى دم الأطفال العرب.. وبثمن بخس دراهم معدودة .. وسُلّم البترول الليبى فى جلسة ضاحكة لم تعر أنين الفقراء وذوى الحاجة ثمة اهتمام .. ولكنه الصمت الذى لم يستطع خرق جدار الكلمات.. وقد اختصرت البلاد والعباد والمؤسسات فى شخص واحد الحاكم بأمره الزعيم والقائد والحكيم الأوحد حامى حمى المسلمين والأمين على مقتضيات الوطنية والعربية القائد الركن والزعيم المُفدى والمهيب الذى اذا تكلم صمت كل الحكماء واذا انتفض ارتعش الشعب لأجله خوفا ووجلا بل وطمعا فى رضائه وصار جلّادوه وزراء تعززهم أليات القهر ودور الازلال !!! الصنف الثانى من الحكام: كان لزاما اختراقهم لأنه صعب على الغرب الاستيلاء بالكلية عليهم فهم أباطرة كذلك لكنهم بداخلهم مسحة من وطنية وكذا لحساسية أوضاعهم أمام شعوبهم من منطلق تاريخهم المكذوب الذى اقنعوه به فصار صعبا عليهم أن يقدموا نقيضه ظاهريا وكذا من منطلق البعد التاريخى لهذه الشعوب وثقافاتها ومن ثم كان الاختراق بوسائل عدة اما باستغلال رغبة هؤلاء الحكام فى استمرارهم فى الحكم وتوريثه لأبنائهم أو رغبتهم فى الثراء اللا أخلاقى على حساب شعوبهم فكان الاختراق غاية وقد نالوها بأدوات الصداقات المصنوعة معهم او الحراسات الخاصة من جنود أوخادمات فاتنات أو تحقيق المكاسب الشيطانية لأبنائهم وذويهم وأقربائهم وكذا المقربين منهم .. وفى الحالتين حكم الغرب البلدان العربية بطريقة غير مباشرة بعد نجاح حركات التحرر العربية المنتصرة على الاستعمار الأوربى سلفا ففتحوا لهم الخزائن العملاقة ليودعوا فيها مايشاؤون من خيرات شعوبهم .. فضحك الشيطان على الناسك العابد حتى صار مثله فكفر بأنعم الله .. واستمر الصمت مطبقا ولم يستطع بعد ان يمزق جدار الكلمات .. أجيال من بعد أجيال تتلاحق والزعماء محلهم لايتلاحقون .. زعيم واحد وأجيال متعاقبة فى مشاهد لايتحملها الأحرار وان صمتوا لوقت طويل .. الأصل فى الدول أنها ملك للشعوب ولكن فى سياسات العملاء اصبحت الدول وفى معتقدهم ملك لهم لا لشعوبهم فلا أحد من عامة الشعب يستطيع زيارة مناطق محددة من بلاده قد نزف أباءه دماءهم لأجل ترابها فصارت مقصورة على الأسرة الحاكمة تحيطها الأليات و المجنزرات المانعة وتفتح ابوابها فى المقابل لقتلة الأباء والأجداد فاخترقوا الأمن القومى من خلالها فصارت منطقة كشرم الشيخ ثكنة مقفولة على ساكنى القصر الرئاسى وأصدقائهم وذويهم ومنتجعا لفخامة الزعيم وأنجاله وأصدقائه وذويه رغم كون ثمن تحريرها دماء الألاف من أبناء هذا الشعب وكأن جزاء شهدائنا حرمان ذويهم وأبنائهم من زيارة رمال مخلوطة بدمائهم.. وظل الصمت قائما ولم يستطع أن يخترق حجاب الكلمات.. اعتصمت الشعوب بتاريخها الذى لم يستطع الغرب اختزاله أو محوه من ذاكرته .. فلا نسى الشعب الليبى عمر المختار ولا التونسي حنا بعل ولاالجزائرى جميلة بوحريد وما نسى المصريون دماءهم وملايين ثوّارهم ولا صرخات ناصرولا أهات القومية العربية المحتضرة.... ولكن الوقت لم يكن قد حان بعد.. الرجال من الوطنيين الشرفاء خلف الأسوار المصنوعة خصيصا لأجلهم ولأجل اقصائهم والعملاء يرقصون على أنين الوطن .. فصارت قطر جزيرة لؤلؤية مصنوعة بعناية ترتدى ثوب العمالة والوطنية فى ان واحد .. فأخذت دورها القومى والوطنى كمحرضة على الثورات ووضعت على راسها تاج العمالة فى ذات الوقت فمنحت القواعد العسكرية للغرب بالمجان كعربون صداقة ولم تستشر العرب أولى العصبة بأمرها لتتمزق الأمة من جديد .. فرأينا الشيخ الفقيه يمسك بيمناه مسبحته وبيساره كأس النبيذ السويدى المعتق .. ولكن ظل الصمت مطبقا ولم يخترق بعد جدار الكلمات .. صار المعارضون لمناهج السياسة العميلة ارهابيون وعملاء وخونة وصار الخونة قتلة الشعوب وزراء .. وضحك كثير من المفكرين على الشعوب لأجل الحكام فأفردت لأجل اقلامهم صحف عريضة وعريقة ذات تاريخ وطنى فرأينا انتاجا فكريا مترهلا يهلل لهؤلاء الزعماء الحكماء وألفوا لهم الكتب والدراسات حتى جعلوا منهم انبياء وقديسين لايخطأون ولو كتب أحد بأنهم يمرضون ويموتون كالبشر يطالبون بعقد المحاكمات الفورية لأجلهم !! فانتحر الفكر فى محراب الخسة والدناءة بفضل الكتاب المأجورين .. هؤلاء الذين زينوا للحكام سياساتهم وكأنهم أنبياء ورسل بل اقنعوهم باقلامهم أن عمالتهم وطنية وأن خياناتهم هى محاباة وارضاء للاستراتيجية .. وان حنق الشعب عليهم رضاء غير ظاهر بل حتى عندما سيخرج الملايين فيما بعد سيكون هتافا لأجلهم لا عليهم .. وأمعنوا فى تضليلهم فأضاعوهم وضاعوا معهم .. وصار الاسلام معتقدا ارهابيا يبرر تفعيل المؤامرات على اطياف الشعب فيُبرر قتل القبطى ليُتهم بدمه اخيه المسلم ويظل المقعد الوثير قائما وتظل الميديا المبتذلة والعرى الاعلامى قاطرة الهاء للشعب وعبور للمجد والتقدم .. ويظل الصمت مطبقا ولم يستطع بعد خرق جدار الكلمات .. بدأت الشعوب تغلى غليان الماء فى المرجل .. نظر الغرب ساعتها نظرة خوف ووجل لمكتسبات قد حققها فى الماضى ولازالت هى ارث له فى نظره .. فأيقن أن المكتسبات ستضيع وتتبدد لو استمرت ذات السياسة فى الاستقطاب للأنظمة العربية .. فلابد حتما من تغيير السياسات وتغيير هذه الأنظمة .. لكونها لم تعد تلبى طموحاته خاصة وقد احست بالحرج امام الشعوب والتاريخ لما قدمت .. بيد انها مضغوط عليها بأوراق ضغط من أسيادها .. ولكون خطط الغرب لم تعد ناجزة لهم فى ظل وجودهم فأرادوا وضع العربة امام الحصان لتقود الشعوب الأنظمة ومن ثم فلا لغة سياسية تمنع مبررات التدخل والهيمنة والغزو وقد غاب عنهم ذكاء الشعوب التى لن ترضى بهذه المعادلة وستحافظ على أنظمتها الجديدة ان نجحت فى تغيير العميلة بما يحافظ على هيبة دولهم ونجاح سياساتهم بعقلانية وتجرد فى ظل هذه المتغيرات على الساحة الدولية والاقليمية وغياب المنظومة العربية بالمفهوم الدقيق من توافر عنصريها السوق العربية المشتركة ومجلس الامن العربى فى ظل قيادة عربية واحدة وفاعلة فنكون أمام اتحادا عربيا بالقياس مع الاتحاد الاوربى وحتى يحدث هذا فلابد من الحسابات الدقيقة للتعبير والتصريح السياسى والا نكون كمن أعطى عدوه مبرر قتله فى الموضع والميقات الذان يحددهما بنفسه !!! اذا فليكن التغيير ولتتغير الأنظمة مادام الغليان قد وصل مداه وقد يحدث ثورات وانتفاضات فلاشك قد أصبح لها مقدمات وارهاصات تنبىء بحدوثها .. ومادام ذلك كذلك لم لايلبسون هذه الثورات المتوقعة أردية الحريّات الغربية والديموقراطيات المصنوعة لديهم والتى لاتناسبنا ولاتناسب ثقافاتنا ولا التأهيل لأجل تطبيقها بالكيفية تلك ان لزم الأمر تطبيقها .. فكان الحادث هو عين الحديث .. استخدم الغرب الشخوص العميلة بالمطلق اداة لتغيير الأنظمة المخترقة سلفا ونسى أن الثورات هى من نبع الشعب ذاته دون حاجة منه لأدوات مصنوعة ومؤهلة .. فقد وعى الشعب الدرس .. وحفظ التاريخ .. واستمرت الميديا العربية بمخططات ومنهجة غربية فاكتسحت الجزيرة القطرية كل الادوات الاعلامية الأخرى وقادت الاعلام التحررى ولكن ليس من منطلق قومى وطنى ولكن تطبيقا لمخططات غربية تعلمها الشعوب جيدا .. وجدنا أسماء مصنوعة غربا وبأثواب جديدة ومغايرة وظهرت فى وقت معلوم من بعد نجاح الثورة بمقولة انها قادت الفكر الثورى من خلال ثورة المعلومات وشبكات التواصل .. فأصبح أمامنا الثائر العربى الانجلوسكسونى ذو النسب والمصاهرة الغربية وكأننا قد نسينا حكاما ذوات مصاهرات غربية واثرهم على سياسة بلادنا على المدى الطويل ومدى استفادة الغرب منهم كذلك .. .. وكأن التاريخ يعيد نفسه فى ثوب جديد .... ولم يعد الصمت قادرا على التحمل فاخترق جدار الكلمات فى كل البلاد العربية المكلومة وثارت الشعوب بكل أطيافها وثار الشارع العربى ذلك المرجل شديد الغليان كقنبلة هيروشيما دويا وتأثيرا ونقل الأثير موجات التحرر الوطنى ليس على الأنظمة العميلة والمخترقة فحسب بل على المخططات الغربية الخبيثة كذلك فأذهلت العالم أجمع بصورتها الحقيقية التى لم يصنعها أحد ولم يكن من ورائها عميل ومن سيسوقون من بعد بأنه مبعث الثورات لن يصدقهم به أحد فالثورات وطنية وطنية بالأساس .. وتقدمت الشعوب بأكفانها ودماء اطفالها ورجالها ونسائها لافرق بين قبطيا مسلما وقبطيا مسيحيا فكلهم مصريون امتزجت الدماء ثأرا للظلم وانتقاما من الجلاد .. واختلفت النتائج لهذه الثورات العربية اختلاف الانظمة ووصفها من انظمة عميلة أو مخترقة .. فوجدنا فى الأولى حروبا أهلية فلا جيش هناك ولا دستور ولا مؤسسات شرعية بل ميليشيات مسلحة نجح فى تكريسها الغرب وعملائه من الأنظمة العربية فضاعت الدولة وزبح الشعب نفسه بنفسه وتجهّز الغرب لاغتنام مكاسبه من وراء العمالة كى يتبادلون كئووس النفط والغاز فى سعادة وترف ... بينما البلاد ذات الأنظمة المخترقة ففبها مؤسساتها وجيوشها الوطنية العريقة وشعبها الذى لم يستطع الأخر اختراقه فكانت النتائج مبهرة ومزهلة فانزاحت الأنظمة العميلة وانتصر الشعب .. لم يصمت الغرب أمام هذا المشهد فحاول الايعاز بانه صانعه فأظهر على الساحة شخوصا لم نكن نسمع بها من قبل قال أنها كانت خلف معطيات العالم الافتراضى من صفحات تواصل اجتماعى فأتى منهم على شاشات الاعلام باكيا مداعبا لعواطف الشعب فى لحظاتها المتأججة.. فى محاولة منها لسرقة نجاح هذه الثورات .. وكأنها هى ذات الشخوص الماضية فى أردية مختلفة والشعب يظل يتساءل لماذا لانرى فى الاعلام العربى قاطبة الا ذوى النسب الغربى او المصاهرة الغربية من ذوى الجنسيات المزدوجة .. ألم نأخذ دروس من التاريخ فجل حكامنا ذو جنسيات مزدوجة لأولادهم وزوجاتهم أم هى محض صدفة لاأكثر؟؟!!! كيف هذا؟؟! أمات الأصلاء من الوطنيين المخلصين ام أن السياسة هى ذات السياسة والمنهج الغربى فى تسييسنا واحد....وأصبحت الشعوب بين خيارين دون ثالث أما أن تحافظ على مكتسباتها الثورية ولا تفرط فى تجارب الفترات الماضية والعصيبة من تاريخها وأخذ الدروس والعبر منها او التسليم لعناصر أخرى تقوم بدور الدوبلير لأنظمة بائدة بمناهج وأدوات جديدة .. وهنا علينا التحذير من هذا الأمر وبشدة .. علينا أخذ العظة مما فات وألا ننسى أليات أعدائنا وانهم لن يريدوا لنا يوما خير محقق لايقابله اضعافه لهم ..وألا ننسى أليات أعدائنا وسياساتهم وتطورها المفترض حدوثه بتقدم العالم وتقنياته وسياساته وسبل تحققها .. فان لم نأخذ الدرس ونفاد من تجاربنا فسنضيع وتضيع بلادنا .. ان الغرب ياسادة أرادوها فوضى خلّاقة وان لم يتحقق لهم مبتغاهم فكان لزاما لهم القضاء علينا وعلى تاريخنا ولحمتنا الوطنية .. ذلك المبتغى لايمكن انكار بوادر حدوثه .. حيث نرى القاطرة الان خلف العربة لاأمامها.. اننا نرى الأن ياسادة الشعوب تتكلم بينما الأنظمة الوليدة فتصغى وتنفذ ماتريده الشعوب ونكاد نجزم ان هناك حالة خوف عند صانع القرار ذلك الذى يتطلب موقعه جرأة بلا خوف مادام وطنيا ووافقنا على اعتباره كذلك ولكن أن نرهب صاحب القراربحجج المواءمات الشعبية والقرار فهذا ما لايجوز حفاظا على هيبة الدولة ومصالحها العليا وأمنها القومى .. فالأنظمة لها ادواتها المؤهلة لها فى التعامل مع الاستراتيجيات القائمة والمستحدثة عالميا واقليميا .. تلك الادوات التى لاتمكّن أعداءنا من استقطابنا لمعارك تخرج عن امكانياتنا تلك التى سوف تحدث لا محالة لو سارت الأمور كما هى سائرة فالخطاب السياسى بدأ يترهل ويغيب عنه الحصافة وادراك عواقب الكلمة من عدو يترقب ومن محرض يحرض ضد المصالح العليا ومن ثم لايمكن لشيخ أوناسك عابد أن يتولى مثل هذه المناصب لأن من مؤهلاتها مرونة الخطاب والحوار بمايسميه النُسّاك كذبا بينما الصراحة المطلقة والافصاح عما بداخل الصدر لاينفع فى الأمور السياسية أو التصريحات الخاصة بها ومن ثم لايمكن للخطاب أو التصريح السياسى أن يجارى المطالبات الشعبية بالمطلق والا لرجعنا للمربع رقم واحد فورا وهذا مالايقبله عاقل .. ولكن أن نرى الشعب هو الذى يسوق القاطرة بلا حكمة ودراية فهذا مالايحمد عقباه ويتمنى حدوثه عدونا فى استعداء الاستراتيجيات علينا وعلى أمننا القومى .. نعم ان الصمت الان قد اخترق جدار الكلمات ولكن الكلام المسئول وليس كلام الفوضى والجدال العقيم .. لايمكن ياسادة قبول هذا الوضع من اتهام نصف الشعب للنصف الأخر .. لايمكن ياسادة أن يكون الشعب كله قضاة وأعضاء نيابة فللقضاء العادل أصوله ورجاله القائمون عليه فاتركوا الامر لأهله وهنا عليكم جميعا أن تصمتوا وتنتظروا كلمة القضاء.. لايمكن ياسادة أن يكفر بعضنا بعضا وأن يكون الشعب كله حكاما فمن سيكون من بعد محكومين.. لايمكن ياسادة اضاعة هيبة الدولة بانتفاضات فئوية متكررة واعتصامات عبثية لقاء كل قرار سيادى.. لايمكن ياسادة ان تكون لغة الخطاب السياسى مترهلة ومبتذلة ومستقاة من مطالبات شعبية غير مدركة لعواقب وأبعاد الخطاب السياسى ومردوداته على الساحة الدولية فنحن جزء من كل ولسنا دولة عظمى تكفل لها مقدراتها ملافاة عواقب تصريحاتها .. لايمكن ياسادة أن نلغى تاريخنا كله بجرة قلم واحدة لمجرد أن نجحت ثورتنا على نظام بائد فليست هناك دولة فى العالم قد محت جزء من تاريخها لمجرد أن قامت بثورة عليه فيظل ساكنا فى ضمير التاريخ تحلله الأجيال ولاتمحوه فان استطعتم أن تمحو اسم الرئيس من البنايات الحكومية فلم تظل الصور مدرجة بالأفلام والأعمال الروائية.. انه تاريخ أمة بما له وما عليه .. فهل نست روسيا ستالين او ألمانيا أدولف هتلر أو اليهود المحرقة أو الطاليان العهد الفاشى .. بالطبع لايمكن أن نقتل كل شىء بحجة أنه يمت للعهد البائد ..فكل ذو مشيب اذا يستحق منكم الاقصاء والتصفية!! .. هذا معتقد بلا شك بغيض فخذوا من المشيب خبراته ومن الشباب قوته وعنفوانه فالثورة قد اختلط فيها دماء كل المصريين دون نظر الى جنس او معتقد أو تمايز فى الأعمار .. ان لم تفعلوا فلن يتغير أى شىء وسنكون أمام دكتاتورية الأقلية كما كنا من قبل .. وشاب اليوم انما هو كهل الغد ولن يقبل ممن بعده اقصاءه .. لايمكن ياسادة أن تكون مكتسبات الثورة هى زبح الأصول والأعراف والأداب الاجتماعية فنفتقد أصول الحوار الراقى فلله در من قال - حاورنى لأدرك ثقافتك من جهلك - فعلى الكبير الرفق بصغيره والمشيب بالشاب وأن يحترم الاخير الاول والا يقهر الصوت المرتفع مثيله المنخفض ذو الحكمة .. وعلينا ألا ننسى حكمة الصمت المدروسة فلايمكن لسجالات المتكلمين من احداث نهضة وتغيير فاليابانيين هم أقل شعوب العالم كلاما وثرثرة وأكثره تقدما وانتاجا بينما نحن فعلى غير هذا سائرون .. نريد الصمت كثقافة استماع للفكرة ثم نبدأ فى الرد عليها ويصمت الأخر ومن ثم لانقفذ معا على الفكرة فلانغنم من الحوار غير العداوة والشقاق .. تلك هى أصول الحوارالمُجدية .. لا أن نتكلم كلنا فى لحظة واحدة ويقاطع كل منا الأخر.. فلاأفاد أيا منا ولا استفاد منه الأخر وتضيع الفكرة ونبيت سخرية للأخر .. علينا جميعا محاربة السلبية والجهل بكافة الطرق فلن ننتصر على الفساد بكل ألياته وترساناته القانونية اذا ماغاب الضمير والعمل الايجابى الشعبى عن مقاومته .. فلاقانون سيمحو الرشوة من ثقافتنا الا اذا كنا ايجابيين بألا نقدمها ونُبلّغ عن طالبها وعارضها ووسيطها .. علينا أن نكرس مبدأ المساواة فى الحقوق والأعباء العامة وتكافوء الفرص فلايحاول أيُنا أخذ حقوق الأخر والافتئات عليها ليحل محله وهو فى سبيل ذلك يبرر لنفسه الاعطاء والأخذ والوساطة لأجل تلك الرشوة ومن ثم فالأزمة بالأساس هى أذمة ضمير وثقافة شعب استمر يمارسها لعقود عديدة .. لابد من ثورة اجتماعية وثقافية عليها ولن تفلح قوانين العالم ولا أغلظ العقوبات فى محوها ان لم يمحها الضمير ذاته والثقافة المجتمعية نفسها .. ان محاربة الفساد ليس فى كل هذا الكم الهائل من البلاغات ولكن فى تسنيد الاتهامات وعدم الافتئات على سمعات الناس وأبنائهم وذويهم فانه لن يضير المجتمع افلات فاسد من العقاب بقدر مايضيره الافتئات ظلما على أحد المواطنين الشرفاء .. ان محاربة الفساد ياسادة تبدأمن الرقابة الشعبية ممثلة فى تفعيل دورالمحليّات المنتخبة انتخابا نزيها من أسفل الهرم الى قمته.. بدءا من مجلس القرية الى مجلس المدينة الى مجلس المحافظة الى مجلس الشعب ..ويجب تسميتها جميعا بمجالس حكماء الشعب ليتجرّأ المفكرون على ارتيادها والتقدم بترشيح انفسهم لها ..فنحن فى حاجة لعقولهم فقد خسرنا كثيرا من انابة ذوات رؤوس الأموال عنا سلبا منا او ايجابا فبتنا مشاركين فى المسئولية عما حدث ببلادنا .. لابد وأن تكون هناك وزارة مخصصة لشكاوى الشعب وألامه كديوان المظالم ويكون له دور فاعل فى حل مشاكل وشكاوى المواطنين فى تعاملهم مع الادارة ويكون له دور جدى فاعل وملزم مادام الأمر المختلف عليه يمكن حله وليس فى حاجة لدور قضائى ويكون هذا بديلا عن لجان فض المنازعات غير الفاعلة والتى لم يغنم منها المواطنين الاعبئا على رقابهم كمرحلة لازمة للجوء الى القضاء فلاحلّت يوما منازعة ولا خففت عن المواطنين معاناتهم وأبطأت ممارسة حق التقاضى الناجز.. لابد ياسادة من اعادة النظر فى تقسيم الدوائر الانتخابية الى اضعاف هذا العدد وتقليص مساحة الدائرة وأن يكون النائب وكيلا برلمانيا عن عدد معين من المواطنين لا عن مساحة محددة فقد خسرنا الكثير من اتساع رقعة الدوائر الانتخابية فيكفى أن تعلم ان نائب الشورى يمثل ثلاث مراكز وأقسام شرطة ويقارب هذا المستوى نائب الشعب فكيف يكون التواصل بينه وناخبيه حقيقيا وهل يمثل ارادتهم ام ارادة نظام !!.. كما ان اتساع الدوائر يؤدى لقفل الباب عن الفقراء فى المشاركة لحاجة كل هذه الرقعة الواسعة لأموال باهظة لتغطية نفقة الترشح والدعاية بما لايقدر عليه الفقراء ذوات الفكر والمفكرين فى مواجهة الرأسماليين التجار والذين لم نغنم منهم ثمة مغنم ..والا سيضيع الوطن ومن ثم فالمواطن .. وعلينا ان نبث فى ثقافة الشعب أن ماأوصلنا الى حالنا الأنى الا اختيار النواب من منطلق العصبية القبلية والعائلية وأن مؤهلات النائب لدينا هو قيامه بواجب التعزية فى المناسبات دونما نظر لفكره وثقافته فطردت العملة الرديئة نظيرتها الجيدة من السوق والضحية نحن والوطن .. لماذا ياسادة لانقوم بزيادة أعضاء النيابة والقضاة وبنايات المحاكم ودورها ولماذا لايكون تابعا لكل وحدة من الوحدات المحلية فى القرية فصاعدا محكمة أهلية فأولى واجبات الدولة توفير العدالة الناجزة للشعب فتتحقق العدالة فى مهدها ويكون القاضى على علم بأخلاق المتقاضين وثقافاتهم وهذا أمعن فى تحقيق العدالة أم هى لزوم هيبة للقضاء نحرص عليها بتقليص عددهم أم خوف من زيادة انفاق على جهاز عدلى يُخشى تضخمه .. فهذا وذاك مجبور بتحقق العدالة لكل المواطنين فهو الأولى من كل هذه المخاوف وخريجو القانون كثر والمتفوقون منهم بالالاف فلم الخوف اذا..وأوليات تحقيق العدالة لابد من مراعاتها ان شئنا ترسيخ القيم العادلة والقضاء على الجريمة واحترام القانون بالعدالة الناجزة ومن ثم دولة متقدمة بالمعنى الصحيح للكلمة ..وما يستتبع هذا من مناخ مستقر ينتعش الاقتصاد فيه ويغرى المستثمر بممارسة نشاطه فيه .. تعالوا ننقى القوانين من متطلبات الشكل الى متطلبات الموضوع فالأن تقف شروط الشكل عائقا أمام المواطنين فى ممارسة حقوقهم فى التقاضى وسأضرب لك قارئى مثالا: هل تعلم ان جميع دعاوى الملكية مشروطة باشهار عرائضها والا فتقضى المحاكم بعدم القبول فيها وان ذهب المواطن ووكيله لاشهارها يواجه كما هائلا من التعقيدات والتى تجره جرا لأبواب الفساد من رشوة وخلافه بل ويطلب المنشور الوزارى بضرورة حضور الخصم للتوقيع والا لما تمكن المواطن من استكمال اجراءاته وبالتبعية عدم حصوله على حقه فى التقاضى فيبيت مهددا بضياع حقوقه التى باتت مهددة بالاستيلاء عليها وغصبها .. فهل هذا معقولا ياسادة أن تغل يد المواطن من حقه فى التقاضى بقوانين ولوائح وماهى حاجتى لاشهار حقى محل التنازع من قبل الحكم لى به .. ولم عرقلتى فى المطالبة القضائية به ..ولم اشتراط حضور الخصم مع استحالة امكانية حدوث هذا الا فى العقود وليس فى الخصومات.. أم هى تشتيت جهود المواطن واثقال كاهله بمتطلبات جباية الأموال ودواعى الفساد التى تفرض عليه وهو فى طريقه اليها .. فما الفائدة من كل هذا الارهاق للمبتغى حقه فى التقاضى فهذا محض مثال لجزء من كل ينبغى معالجته وتنقية القوانين منه .. أرأيت قارئى كم هى عدالة غائبة وكم هو دور عدلى شكلى فى أخطر قضايا المواطنين وهى قضايا المحافظة على حقوقهم العينية العقارية وأملاكهم.. لماذا لايكون اللجوء للقضاء والبت فى الأقضية أمرا يسيرا دونما تعقيد شكلى يعتريه ويحول بين المواطن وتحققه.. ولو صار الحكم فى الموضوع محققا لوقف قانون السجل العينى ولوائح الوزارة عقبة فى سبيل تحقيقه !!! تعالوا ياسادة لنقترح بعد صمت عاقل أدوات النهضة بمصرنا الحديثة التى يعلو فيها حقوق الوطن بالتوازى مع حقوق المواطن..تعالوا ننقى قوانينا من تلك التى شُرّعت للفساد ومصالح المفسدين.. تعالوا نحترم بعضنا البعض سواء فى أدوارنا الاجتماعية أو حواراتنا المجتمعية .. تعالوا نعلى مصلحة الوطن على مصالحنا الخاصة .. تعالوا نرتقى بلغتنا سواء فيما بيننا أوفى التخاطب مع الأخر ان شئنا أن نتكلم فى سياسة بلادنا وعلاقتنا أو علاقة الأخر بها.. تعالوا ننادى بتكريس هيبة الدولة دون الافتئات على هذه الهيبة بمطالبات فردية هنا وهناك .. تعالوا نعيد مفهوم التربية الى دور التعليم ونعيد صحيح الخطاب الدينى الى موروثه الاسلامى المتسم بالعقل وعدم التشنج.. تعالوا نؤسس ميثاق شرف اجتماعى يكون المواطنون فيه أخوة دون نظر لجنس أو معتقد .. تعالوا نؤسس لعدم الترهيب الفكرى فنحترم رؤى الأخر حتى وان اختلف معى ومعك فلكل حرية الرأى مادامت تنتهى لديه عندما تبدأحريتى وحريتك.. فهذا جزء من كل ما يطالب به....... عندما يتكلم الصامتون ...