من أهم تحديات الفكر الديني في عصرنا هو تحدي الحوار مع الآخر المختلف وبالطبع المختلف هنا هو المختلف دينيا، والتحدي الذي يلاقي فقهاء وعلماء الدين هو كيفية بناء قاعدة للحوار مع الآخر المختلف، ولكن كيف يكون الحوار؟ الحوار كما نفهمه ليس مجرد مؤتمرات ولقاءات وكتابة مقالات وكتب عن الحوار فقط لكن الحوار أيضا قبل وبعد كل ذلك يجب أن يكون اتجاهًا عامًا للشعب الذي يتطلع إلي الحوار، وإذا وجد هذا الاتجاه، أو لكي يوجد يجب أن يغرس في النشء منذ الصغر ويكون مشروعًا قوميا متكاملاً في كل انحاء البلاد، يتناول هذا المشروع كيفية قبول والتعامل مع الآخر المختلف في المدرسة والجامعة، في المستشفيات والمكاتب الحكومية، في الشارع والمواصلات والأماكن السياحية، حتي يتحول الجميع إلي محاورين، بمعني كيف يقدمون أنفسهم للآخر وكيف يتفهمون موقف الآخر، إنه منهج تكامل، إذن فالحوار حالة يجب أن نعيشها جميعا حيث إن هناك ثلاثة مستويات للحوار الأول هو الحوار اليومي والذي يتم بين طبيب مسلم ومريض مسيحي أو العكس، أو بين صاحب مخبز مسيحي وزبون مسلم، أو أستاذ وتلميذ.. إلخ، وهذا الحوار يحتاج إلي عناية خاصة وتوعية عامة لكل أفراد المجتمع أما المستوي الثاني فندعوه الحوار الأدبي وهو الحديث مع المختلفين معنا عن الموقف عن الموت مثلا، أو من الحزن، وماذا يقول الفكر الديني في العلاقة بين الرجل والمرأة في الزواج أو تربية الأولاد، وهذا مجال متسع جدا للحوار بين أتباع الديانات وفيه ثراء من وإلي الآخر المختلف، وفيه إضافات ثابتة وليس فيه أي نوع من الإحراج أو التعصب أو حتي بذر بذور الفتنة، لأن هذه الأمور كلها تتقارب وتتباعد لكنها في المجمل أمور إنسانية واجتماعية، أما المستوي الثالث وهو المستوي الفقهي اللاهوتي، وهذا المستوي يجب أن يتم علي مستوي الفقهاء واللاهوتيين وأصحاب الثقافة الدينية وهو من الأهمية بمكان، لأنه يتناول الموقف من النص، وتفسير النص والوحدانية والإيمانيات والعبادات.. إلخ، وهذا الحوار سوف يزيل الكثير من اللبس ويقدم استنارة متبادلة وتصبح هناك أرضية مشتركة للاتفاق وما يختلف عليه يكون واضحا ومحددا وسوف نكتشف في النهاية أن ما تتفق عليه الأديان أكثر كثيرا مما تختلف فيه ولكي نصل إلي مستوي عال من الحوار ونمارسه بأسلوب علمي دقيق وإنساني منفتح، ولكي نكتسب مهاراته يجب أن يتوافر لدينا ما يلي: أ - الثقة بالنفس فأتباع الدين الذين لا يثقون في أنفسهم ولا عبادتهم أو قضاياهم غير القادرين علي الحوار الفعال، فالذين يرفعون رايات المقدسات في كل جملة حوار بمعني أن هناك أشياء لا تمس ولا يجب الحوار حولها فهذا يعني عدم القدرة علي التعبير عن الذات بهدوء وعمق، لأنه في التعبير عن الذات معرفة بالعيوب والنقائض والعمل علي تجنبها ومحاولة تغييرها وهكذا يكون الحوار بناءً. ب - التجديد ولكي يكون المحاورون علي جميع المستويات الشعبية والثقافية والفقهية علي مستوي جيد ومقبول عليهم أن يقوموا بتجديد أذهانهم وأجسادهم وأرواحهم والمعني هنا أن التجديد الذهني لا يكون إلا بالثقافة العامة المتجددة، ولا يقف المحاورون أو يتجمدون عند عصر معين أو فكر بذاته بل عليهم أن ينهلوا من كل فكر جديد وألا تسمح الأمة أن يختطف أحد عقلها ويضعه في صندوق خشبي أو ذهبي، والذهن المتجدد قادر علي الحوار بقوة وعمق مع الآخر وكل ما ارتفع المستوي الفقهي الثقافي للشعب كان قادرًا علي الحوار بصور فعالة ومؤثرة، أما تجديد الجسد فهذا يعني تغيير القيادات الدينية والثقافية بشكل دوري وباستمرار فالقيادات التي تبقي في أماكنها لمدة طويلة تصبح غير قادرة علي الحوار، فبتغيير القيادات للشعوب تتغير الرؤي والنظرة ويتدفق الفكر الجديد فيجدد رؤي الناس فتكون قادرة علي الحوار بقلب مفتوح وذهن متنور قادرة علي الاقناع والتغيير، وأخيرًا تجديد الروح المقصود هنا ليس التجديد الفقهي ولا الإداري فقط لكن أيضا المبادئ والقيم الأخلاقية فالممارسة الروحية في كيان الشعوب والعبادة الحقة من صوم وصلاة وشركة وتأمل كل هذا يحتاج إلي رؤي جديدة وفكر جديد فلا تدع الشعوب المتزمتين فيها يتحكمون في روحانيتها ولا تدع أيضا من يتبني قيما بعيدة عن واقعنا كمجتمع شرقي يشوه هذه الروح فكل شعب له هويته وتراثه الروحي، ونحتاج للحوار حول هذا التراث، وأن تكون لدينا حركة تجديدية في التراث القيمي والعبادي، وهذا ما يسمونه تجديد الروح، وهذا يجعلنا نتوحد جيدا كشعب رغم اختلاف الأديان علي التراث الروحي المصري الذي يمتد من أيام الفراعنة حتي يومنا هذا، حيث لنا مسيحية مصرية وإسلام مصري، فنعمل معا من خلال قيم روحية مشتركة، وهكذا وبهذه الأمور الثلاثة تجديد الذهن والروح والجسد مع الثقة بالنفس نبني قاعدة متينة للحوار.