بالنسبة للمسلمين يعتبر التعايش السلمي مسألة التزام وليس مسألة اختيار، فالنبي محمد (ص) لم يكن فقط يشجع علي انخراط أتباع الديانات السماوية الثلاث، الإسلامية والمسيحية واليهودية، في الحوار المشترك ولكنه كان القدوة في القيام بذلك. ويجتمع عدد من علماء الدين الإسلامي والمسيحي في العالم هذا الأسبوع في واشنطن لمناقشة المصالحة بين الإسلام والغرب المسيحي في قمة مسيحية - إسلامية، ويشرفني أن أكون جزءا من هذا الحوار وأن أضم صوتي لصوت الزعماء الدينيين الذين يعملون معا علي تعزيز سبل السلام في العالم. وفي عام 2007 مهد خطاب مفتوح بعنوان "كلمة سواء" وقعه 138 من زعماء المسلمين الطريق نحو فهم أفضل للخلافات العقائدية بين المسلمين، وافتتاحية الخطاب تبدأ بالآية 125 من سورة النحل؛ "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" والتي تلخص موقف الإسلام من الحوار بين الأديان. كذلك فإن تعاليم القرآن واضحة جدا في الشأن في الآية 64 من سورة آل عمران، إذ يقول الله تعالي: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون". والقرآن يحث المسلمين علي البدء بالحوار، وتوجد نقطتان مهمتان تقرهما الرؤية الإسلامية للحوار بين الأديان، الأولي هي، ألا يكون الهدف من الحوار وجود فائز أو خاسر أو أن يتحول أحد عن دينه ولكن هدف الحوار هو المشاركة في فهم التعاليم المختلفة، فالحوار الحقيقي يجب أن يقوي العقيدة وأن يكسر الحواجز في الوقت نفسه. والثانية: أن الحوار لا يجب أن يقتصر علي الدوائر الأكاديمية والفكرية لأن الغرض منه هو إزالة الغموض عن الاختلافات الدينية في الحياة اليومية للناس، وكشف الحق الذي يدفن تحت التحيزات والاتجاهات البشرية لاتباع الملائم،فالحوار يجب أن يدفع الناس إلي التعمق في هويتهم الدينية. وعلي المستوي المؤسسي، يأخذ الحوار بين الأديان حيزا كبيرا من اهتمام جامعة الأزهر تلك المؤسسة السنية العريقة التي تحاول البقاء علي نشاطها في الوصول إلي الطوائف الدينية الأخري سواء داخل العالم الإسلامي أو علي الساحة الدولية، وتتضح روح الحوار تلك في فتاوي وأحكام شيوخ الأزهر كما تتضح في أنشطة علمائه. فعلي سبيل المثال؛أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت، عام 1959 فتوي تعلن أن المدرسة الفكرية التي يتبعها المسلمون الشيعة مقبولة لدي السنة وهو الأمر الذي فتح آفاقاً جديدة للحوار والتعاون بين الطائفتين، وكذلك فقد زار البابا يوحنا بولس الثاني الأزهر عام 2000 عند تأسيس اللجنة الإسلامية الكاثوليكية للحوار والتي لا تزال تجتمع بانتظام. وفي الآونة الأخيرة في عام 2007 كان مفتي الديار المصرية - واحدة من كبريات مراكز القيادة الإسلامية في العالم - أول الموقعين علي خطاب مبادرة "كلمة سواء" التي تدعو إلي الحوار بين المسلمين والمسيحيين علي أسس محبة الله ومحبة الجار، وقد اجتمع المفتي ومعه عدد من علماء المسلمين في مختلف أنحاء العالم بالزعماء المسيحيين في كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا ومع بابا الفاتيكان لمناقشة أهمية الحوار بين الأديان مستندين علي المحبة والأخوية. علاوة علي ذلك، فإن جامعة الأزهر لا تحد من مسألة المشاركة في الحوار بين الأديان لاتباع الديانات المختلفة، حتي إنها خصصت دورة الخريجين السنوية العام الماضي لموضوع الحوار بين الأديان والتي اجتمع فيها عدد من الطلاب في مصر والعالم الإسلامي لمناقشة واكتشاف مصادر التوتر بين الطوائف في مختلف أنحاء العالم، كما شدد علي أهمية التوعية بالقيم المشتركة بين جميع الديانات الكبري في العالم. والدين ليس هو سبب مشاكل العالم، كما يقول البعض، ولكن المشاكل سببها الفهم الخاطئ للدين، لذا فإن الحوار بين الأديان بإمكانه رفع مستوي التفاهم بين الأديان المختلفة علي الصعيد العالمي وهو الأمر الذي من شأنه أن يفضي إلي المزيد من التسامح وقبول الآخر بما يخدم البشرية جمعاء. ترجمة : أمنية الصناديلي من صحيفة واشنطن بوست