نظرا لوجودي خارج أرض الوطن لم أطلع علي مقال الأستاذ ميخائيل بهيج مرقص في "جريدة نهضة مصر" بتاريخ 8/3/2009م ردا علي مقال سابق لي تحت العنوان أعلاه نشرته "نهضة مصر" بتاريخ 18/2/2009م. ولكنني وجدت المقال بالصدفة، وسعدت لحماس الأخ ميخائيل في دفاعه عن المسيحية والسيد المسيح له المجد في الأعالي وعلي الأرض السلام وأشكره علي هذا الحماس الذي أشاركه فيه حبا وتقديرا للسيد المسيح الذي استشهد كثيرا بأقواله في كتاباتي ومحاضراتي خاصة قوله: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، وقوله: "عجبي لمن يري القذي في عين أخيه، ولا يري الخشبة التي في عينه". هذه كلمات من جوامع الحكم تحمل الكثير في طياتها عن فن التعامل والتسامح بين الناس، ولاشك أن استشهادات الأخ ميخائيل من القرآن الكريم عن السيد المسيح والسيدة مريم العذراء والمسيحية كلها حق وصدق فاصل الأديان واحد. ولكن عتابي الأخوي علي السيد ميخائيل انه قرأ في مقالي ما ليس به، انه اقتطع الفقرة من سياقها، فأنا أقدم توصيفا اجتماعيا للدين المسيحي والإسلامي واليهودي، ولا أقدم فكرا دينيا أو لاهوتيا أو إسلاميا أو مسيحيا. بل انني تحدثت عن الخصائص المشتركة بين الإسلام والمسيحية، ليس أيضا بمنطق الفكر الديني وانما التحليل الاجتماعي، فتحدثت عن الاختلاف بين الطوائف المسيحية بمثل الاختلاف بين الطوائف الإسلامية، وأشرت إلي نظرة الأديان كل منها للآخر بأن كلا منها يعتقد أنه الصحيح والآخر خطأ. وهذا كما ذكرت تحليلا اجتماعيا لواقع نعيشه ليس في مصر، بل في العديد من بقاع العالم وخاصة بالنسبة للأديان الإبراهيمية. ومن هنا كان الصراع السياسي بين هذه الأديان عبر العصور، سواء في الفتوحات الإسلامية أو الحروب الصليبية أو في التوسع الإسرائيلي علي حساب الشعب الفلسطيني. وأود في هذا السياق أن أشير علي الأخ ميخائيل الاطلاع علي العديد من المؤلفات التي نشرها كتاب متخصصون في الغرب عن المسيحية والإسلام، وأخص بالذكر كتاب "تاريخ الحضارات" للمؤرخ المشهور "وول ديورانت" في الجزء الخامس بعنوان: "قيصر والمسيح"، أو المجلديبن 12 و13 بعنوان: "الإصلاح الديني"، أو المجلدات 15 و16 بعنوان: "المسيحية في عنفوانها": والإسلام بدوره يتعرض لأكثر مظاهر الانحراف في فكر وسلوك القاعدة والطاليبان والجماعات المتطرفة التي تكفر الآخر وترفض مبدأ التعايش والتسامح، وهي المباديء التي دعا إليها الإسلام في نقائه، كما دعت إليها المسيحية في نقائها في الاقتباسات من السيد المسيح أعلاه أو في آيات القرآن الكريم التي تقول "لاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" الآية: 17 سورة الأنعام. أي أن دعوة الإسلام لا تمتد للأديان السماوية وهي المسيحية واليهودية، وإنما تمتد للأديان أو العقائد البشرية بما فيها عبادة التماثيل والأصنام. وهذا نفس مبدأ التسامح الذي تحدث عنه السيد المسيح داعيا لمن يضربه عدوه علي خده الأيمن أن يدير له خده الأيسر، وفي قوله للبشر جميعا "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". أقول إن الإسلام والمسيحية واليهودية مستمدة جميعا من أصل واحد، وكما قال السيد المسيح عليه السلام: "جئت لأكمل"، وقال النبي محمد صلي الله عليه وسلم نفس الشيء معبرا عن الأديان جميعا كمثل بناء جاء محمد عليه السلام ليكمل اللبنة الأخيرة في ذلك البنيان. بالطبع، أنا أقدر الأخ ميخائيل حميته وحماسه فيما تصوره نقدا أو هجوما علي عقيدته، ولكن التصور لم يكن دقيقا لان مقالي كان عرضا لتحليل اجتماعي سياسي اقتصادي تسير فيه جميع الأديان وينحرف بعض أتباعها عن قواعدها وأصولها السليمة، وهو ما أدي إلي المعاناة وصدور تصريحات من كبار رجال الدين في الإسلام والمسيحية واليهودية ضد أنصار، بل ورموز الأديان الأخري. ولعل المرء سيتذكر ما قاله قداسة بابا الفاتيكان بندكيت السادس عشر عن الإسلام ونبيه في خطابه في جامعة ريجنسبرج بألمانيا في 12/9/2006م، وكان نقدا غير مبرر وغير دقيق، ولا يعبر عن فكر السيد المسيح بل عن عكسه، وكذلك ما قاله كثير من القسس في أوروبا وأمريكا، ونفس الشيء ما يقوله المتطرفون المسلمون عن المسيحية كلاهما خطأ من وجهة نظري، ودعوات التبشير الديني في القرن الحادي والعشرين خطأ فادح، وكذلك دعوات التعصب والكراهية. إن مقالي استهدف ابراز مخاطر التعصب والكراهية، ودعا للحوار والتعايش، ولم يتعرض للنصوص المقدسة، وإنما تعرض للتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لاتباع الديانات وفهمها لهذه النصوص، ولذا كان الحرص علي الدعوة للتأمل في الماضي وربما الحاضر وما يؤدي إليه الصراع من دمار وعنف ودماء، ومن ثم الوصول لمفهوم الحوار. والحوار بطبعه يعني أن يفهم أو يتفهم كل طرف منطق الآخر، وليس بالضرورة ان يقتنع به أو يغير وجهة نظره لصالح وجهة نظر الآخر، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالعقيدة الدينية. وخلصت في التحليل في الفقرات الثلاث الأخيرة حتي عنوان "ما العمل"؟ إلي أننا نعيش في كوكب واحد بغض النظر عن اختلاف العقائد والأديان، ولا مفر من التعايش معا لمواجهة الأعداء المشتركين وهم: قضايا البيئة، وثقب الأوزون، والتلوث، والحروب، واللاجئين، والمخدرات، والأزمات المالية. ومرة أخري أحيي حماس الأستاذ ميخائيل بهيج مرقص لعقيدته، ولكن أتمني أن يقرأ المقال كما هو مكتوب، وليس من منطلق تصورات وأحداث تدور حولنا ونأخذ منها مواقف مسبقة، لان المقال يدعو للتسامح وليس للصراع أو نقد الآخر، بل للالتقاء والتعايش مع الآخر أيا كانت الخلافات العقائدية، لاننا أخوة في الإنسانية ونعيش في كوكب واحد، وبالنسبة للمسلمين والأقباط في وطن واحد.