قاعدة مهمة في التربية، قرأتها خلال رسالة في بريد الأهرام، يشكو فيها أحد الآباء من أنه أخطأ في تربية ابنه الوحيد، وأنه قام بتدليله حتى شب وكبر وللأسف لا يعتمد عليه، وهذه العبارة ((ابني)) ابنك ... ولا ((تبني)) له، قالها الرجل في ثنايا كلامه على لسان أحد أصدقائه وهو ينصحه، ولكنه للأسف لم يسمع النصيحة. وحينما قرأت قصة هذا الرجل أحسست بأهمية هذه الحكمة والقاعدة في تربية أولادنا، وقلت لابد أن أذكر بها أحبابي وأدق ناقوس الخطر، وأذكرهم بالمهمة الرئيسية تجاه أبنائهم والتي شغلوا عنها كثيرًا، سواء الآباء والأمهات. إننا في مجتمعاتنا نبني لأبنائنا ولا نبنيهم، وحتى إذا بنيناهم فإننا – للأسف الشديد – نبني أجسامهم ولا نبني عقولهم وقلوبهم؛ فمع دوامة الحياة التي لا تتوقف، ومع المطالب العديدة والمتنوعة، تجد معظمنا يلهث وراء لقمة العيش؛ حتى يحقق السعادة لأبنائه، وترى الأم تتعب وتكد وتنشغل عن أبنائها الذين هم فلذة أكبادها. وربما يعترض أحد الناس ويقول: أليس مطلوبًا منا أن نبني لأولادنا كما بنى لنا آباؤنا؛ حتى يجدوا شيئا في المستقبل يبدءون منه، وأقول له: هذا الكلام صحيح، ولكن لا يكن همنا الأول هو البناء المادي لأولادنا فقط، ولكن لابد أن نبنيهم معنويًّا: (تربويًّا، وثقافيًّا، وأخلاقيًّا، ودينيًّا)، وصدق الشاعر العربي حين قال: يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسرانُ أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ إننا – كآباء وأمهات – نحتاج أن نعيد النظر في تربية أبنائنا، وأن نضحي أكثر من أجلهم تضحية معنوية وليست تضحية مادية فقط، وحتى يتضح المقصود نذكر بعض الوسائل العملية المعينة على تربية الأبناء تربية سليمة: صاحب أولادك وبناتك، واقترب منهم، واستمع إلى مشاكلهم، وأعطهم يوميًّا أو أسبوعيًّا أو شهريًّا وقتًا محددًا، تخرج فيه معهم، تلاعبهم، وتسامرهم، وإذا لم تستطع تخصيص وقت فاستثمر وقت الغداء، وحاول أن تشاركهم إعداد الطعام، وأن تتحدث معهم، وفي الحديث الشريف: "لاعبه سبعًا، وأدبه سبعًا". من أهم وسائل التربية ((القدوة))؛ ولذلك أرسل الله الرسل بشرًا، وكان من الممكن أن يبعثهم ملائكة، فكن قدوة لأولادك، ولاحظ أنهم يقلدونك في تصرفاتك، ويتعلمون منك بالقدوة والتقليد أكثر بكثير مما يتعلمونه منك بالنصح والكلام. ادع لأولادك في صلاتك بالهداية والتوفيق والصلاح؛ فعباد الرحمن في سورة الفرقان يدعون ربهم ويقولون: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما". وازن بين الثواب والعقاب في تربية الأبناء، ولا تهتم دائمًا بالضرب والعقاب البدني، واستخدم الترغيب والترهيب. اعدل بين أبنائك، ولا تفضل الذكور على الإناث، أو العكس. اختر لهم الصحبة الصالحة، وحاول أن تسهم في معرفتهم بالصالحين في المجتمع؛ فالولد يستجيب لرفقائه أكثر من غيرهم. راع المرحلة العمرية التي يعيشها الولد أو البنت: (الطفولة – المراهقة – الشباب)؛ فلكل مرحلة خصائصها وطريقتها في التعامل. وفي النهاية هذه بعض الوسائل التي تذكرنا بأهمية تربية الأبناء، وهناك وسيلة مهمة نسيتها، وهي تتفق مع القاعدة التربوية التي بدأنا بها؛ وهي: احرص على أن تطعم أولادك من حلال، والخلاصة: ((ابني)) ابنك ... ولا ((تبني)) له.