تدنو إلي عالم وحيد منتظرة رسائل قصيرة من بريدها , محملة بأصقال وحياة ربيعية , وفي صباح باكر كعادتها تنظر داخل بريدها الذي أعتادت أن تراه حينما تستقبل حافلتها , تسأل : هل سيغدو فارغاً كعادته ؟ وسقطت من وسط فراغات الصندوق "خطاباً " جذبته إلي أنفها الصغير , رائحته مرمرية , دهشت توقعت أنه والدها يراسلها لكي يطمئن علي صحتها , قطعت خيوط التخيلات التي تراودها في تلك اللحظة العصيبة , لقد تأخرت حافلتها , لكن ما قطع غضبها هو فضولها قائلة " خطاب بدون توقيع ...." ؟! وراحت سريعاً تفتحه وقرأت كلمات صغيرة وحاجبها مرسوم بدهشة .... خطاب خطوطه متوازية مكتوبة بدقة و هدوء , أدركت ذلك من قرائتها في فن " الكيوجرافي " تابعت القراءة متهتهه لصعوبة اللغة المكتوبة ، كانت كذلك " أنتظري فلا تتعجلي أمرك ... " إمضاء رحالة .. تمتمت " رحالة " كيف يكون رحالة ؟ ثم ألقت عيونها داخل الخطاب مره أخري فصادفتها سلسلة صغيرة في نهايتها " توت عنخ أمون " وكأن شخصاُ علي معرفة بأنها كانت تنوي شراء ذلك . قاطعتها أصوات الحافلة , اذ يناديها بأسف " عم دهب " سائق الحافلة التي تنوي أن تأخذها الي رحلة سياحية , معتذراً عما بدر منه من تأخير , لكنها تائهه ساكنة والصمت ينطق بشفتيها , ففزع عم دهب ونادي عليها مرة أخري : _ آنسة مادلين ... هل تسمعينني ؟ فاقت من دهشتها .... - أيوه . -قلتُ لك ِ آسف علي تأخيري . -ردت : رحالة ! قال في ترقب لحالتها .. من رحالة ؟ - لا أعلم .. انه إمضاء رحالة , ومعه توت عنخ أمون ؟ قال عم دهب وعينه علي الطريق ويتابعها في المرآة : - أنا لا افهم ، هل تودين مساعدة مني ؟ نظرت حولها وكأنها تبحث عن شئ ما ، ربما عن الوقت ..عن الحياة ..عن الألفة .. هذا مادار في مخيلتها , واخيراً عن الرحالة ! عادت من عملها في توقيتها الساعة الحادية عشر مساء .. صعدت الي حجرتها وذاكرتها منهمكة في يوم جديد .. ماذا ستعد له ؟ وكيف سيكون ؟ بحثت في قاموسها عن كلمة رحالة ..فلم تجد ربما معناها غامض وعميق , اتجهت الي هاتفها وطلبت والدها وهي تقول في فرحة غامرة بعد أن سمعت صوته ... -أنت الرحالة ؟ فرد رداً متأنياً ومتسائلاً في الوقت نفسه ... أنا والدك ..كيف حالك ؟ - أنا كويسه , عجبتني كثيراً ,كيف لك ان تعرف انني اعشقه ؟ - من ؟ - توت عنخ أمون ؟ - مادلين هل أنت بخير ؟ كيف حال الجو عندكم ؟ ممطر أم أنه شتاء بارد بغير مطر ؟ تذكري يا ابنتي ان المطر خير وتفاؤل . - ماذا يا ابي ؟ أي مطر ؟ رحالة ومطر . انقطع الخط وأسرعت مادلين إلي نافذتها إنه مطر حقاً , ومزجت بمخيلتها أن الرحالة خير , والمطر خير , أمسكت رأسها من الدوار وأستمتعت بالمطر وبيدها " توت عنخ أمون " وتساءلت ورأسها معلقة إلي أعلي : هل تشفي الجروح , هل أنت خير , كيف لي أن أعرف معني " لا تتعجلي من أمرك " ؟! وانهالت الخطابات كلما فتشت في صندوقها البريدي ، اشرقت الشمس مع اصوات غربان سوداء محلقة أعلي السماء , تتراقص علي عتابات نافذتها , ارتجفت , وراحت تبعدهم عنها وبعد دقائق معدودة سمعت اصوات طرق علي بابها وساعتها تدق دقات متتالية .. - من ؟ - أنا يا أنسة مادلين ., خطاباً لكِ فتحته وعادت الي حجرتها تبكي , ودموعها تنزلق من مقلتيها الصغيرة , وهي تتمتم مع نحيب خفيف بعد أن وصلتها دعوة عزاء من احدي جيرانها معها مسجل صغير ، ضغطت علي الزر سمعت صوته ثم أغلقته ,انه يقطن احدى الأماكن النائية منها , راحت تفتحه سمعت صوت حزين متجهد ,قال " كنت أعلم انه لا يرحم وأنا أتشبث بأمل صغير , كلما رأيتك تمرين أسفل بيتنا , خطاباتي التي كنت أرسلها اليكِ , هي أملي لكِ , وأنا انتظر موت يشفي حبي , لا اتذكر ما اقوله اليكِ , ولكن اذكريني " .. الإمضاء : رحالة