استضاف برنامج الحياة اليوم الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل فى حوار هام حول الوضع السياسى فى مصر قبل 48 ساعة من إنطلاق ماراثون الانتخابات الرئاسية وكعادة الأستاذ دائما فقد قدم طرحا سياسيا هاما تناول فيه الكثير من القضايا .. قال الأستاذ هيكل فى بداية اللقاء أن صندوق الانتخاب لا قيمة له بدون الناخب الذى يقوم بالاختيار .. والشرعية الجديد تتأكد بوجود مجتمع قادر على التماسك له قيادة توضح أمامه حقائقه حتى تتضح أمامه الخيارات .. والقادم الجديد يحتاج إلى رؤى والعجيب أننا قلنا عندما جاء مبارك أنها بداية جديدة لأنه رجل عادى ولن يكون فرعوناً لكن الواقع اختلف بعد ذلك .. الأمم تكتسب ثقتها بنفسها من تاريخ متواصل ومعارك مختلفة .. ونحن فى التاريخ الحديث فى مصر مررنا بثلاث موجات الموجة الأولى قادها رفاعة الطهطاوى منشىء نظام التعليم وبدايات الترجمة فبدأنا نتواصل مع العالم ثم النهضة الثانية مع محمد عبده صاحب النهضة الفكرية واستطاع التوفيق بين الإسلام والحداثة والعصر وقاد تلاميذه مصر بفكرهم مثل لطفى السيد وطه حسين . ويجب أن نعلم أن الثورات تفرز وتغير مجموعات القيم والأشخاص ولكن معالم التاريخ تبقى كما هى . وأشار هيكل فى حواره إلى أن الخطر الأكبر الذى يواجه مصر فى هذه المرحلة غياب القاعدة وقال : ليس عندنا مؤسسة ضاربة وزمان كان هناك العرش وكان هناك حزب الأغلبية والقاعدة تتحكم فيها عدة اعتبارات منها قوة الشخص القادر على حفظ الاستقرار والسلام مثل شعبية عبد الناصر والقاعدة قد ترتبط بالمؤسسة وأهم مؤسستين هما البوليس والجيش والبوليس أسىء إليه ثم ما يقلقنى أن الناس ينسون أهمية بقاء القوات المسلحة فى ضمان شرعية الدولة رغم أن الحقيقة غائبة ونحن لا نعرف أين الحقيقة وما هى طبيعة الواقع الآن ففى عهد مبارك حدث تشظى للدولة أقصد أنه فى وقت السادات كان هناك من يعرفون بالتفاصيل كل شىء فى الدولة مثل مدير المخابرات العامة ورئيس الديوان ووزير الخارجية ورجل مثل مصطفى خليل كان يعرف حاجات كثيرة لكن ما حدث فى عهد مبارك أن تبدلت مراكز القوى بمراكز الضعف فكل جهاز وكل جهة أوكل إليها أن تقوم بعمل ما دون علم ودون معلومات .. وبالنسبة للرئيس القادم مثلا من سيعطيه المعلومات ومن سيعطيه ملخصا كاملا عن الاقتصاد ومن يقول له أن الدولة المصرية تواجه يوميا عجزا مقداره 500 مليون جنيه .. هناك بلاشك وجع مؤسسى وكل المؤسسات تبالغ والمشكلة أن بعض أجهزة الدولة لم تعد مؤسسات لأن العبرة بالفكر المؤسسى وأن يسير العمل دون الحاجة للأشخاص وهذه الفكرة لم تعد موجودة بطريقة قاطعة ولكنها للأسف كانت موجودة أيام الاحتلال الإنجليزى أذكر أن السكة الحديد كانت مؤسسة مثلا بمعنى الكلمة فى هذا العهد.. وأضاف الأستاذ هيكل فى حديثه أن الجمهورية الأولى فى مصر هى التى أعقبت ثورة يوليو لكن السادات أسس الجمهورية الثانية بعد نصر أكتوبر ومبارك كان تكلمة لجمهورية السادات الثانية أما عن شرعية الجمهورية القادمة ففيها كلام لأن الشرعية أولا تقوم على توافق على عيش مشترك وهذا التوافق يعبر عن نظرة للموارد والأمن والإنتاج لكن ما نحن فيه الآن هو آخر وضع يمكن أن نصفه بالشرعية لأن الدستور هو العقد المؤسس لهذه الشرعية مثل الزواج وهل يمكن أن يكون الزواج شرعيا بدون عقد فكيف تكون الشرعية فى الدولة بلا عقد للأسف ارتكبنا أخطاء غير مقبولة فى السياسة أن يأتى رئيس لحياة مشتركة من غير عقد . فالدستور يغير الحياة ويعبر عن الظروف وكل عيش مشترك يحتاج إلى عقد مختلف. وأوضح الأستاذ هيكل أن جوهر السياسة هو الرؤية المستقبلية للبلاد وإدارة الموارد فالسياسة أن تدير مشاكل الغد وليس العمل للحاضر والمستقبل ينبغى أن يكون هدف السياسة ولهذا أقول أن الإخوان ليس عندهم سياسة هم فصيل قوى لكن دون سياسة لكن ينبغى أن نعلم أن التيار الإسلامى أصبح قوة لا يمكن تجاهلها والإخوان ينبغى أن يأخذوا الفرصة لكن لا ينبغى أن ينفردوا وهذا من مصلحة التطور وهذا النوع من التنظيمات لا يصلح أن يمارس السياسة هم فقط يستطيعون أن يقومون بالحشد والتظاهر والتعبئة وينبغى أن نعلم أن الفائز الوحيد ليس بالضرورة الطرف الأفضل فهذه هى مشكلة الصندوق . وأنت تذهب إلى الصناديق برؤى المستقبل وأنا شخصيا أكره العناوين التى لا أستطيع أن أعثر على مقرها مثل شعار النهضة الذى يروجه الإخوان بمرجعية إسلامية أولا يجب أن نضع مسافة بين شئون الدنيا وشئون الدين .. وأرى أن الأغلبية هى الدليل الحى على أننا فى الواقع لم نختار وإنما تم تعبئة الشعب لأن يذهب لاعتبارات دينية. وأشار هيكل إلى أن القوى السياسة أخذها مبارك وغرق بها أما المجلس العسكرى فقد أساء التصرف فى مواضع عديدة وأما شباب الثورة فقد أساءوا التصرف أيضا ولم يجدوا نسقا واحدا وكانت القوة الوحيدة المنظمة فى الشارع هى القوى التى نالت الأغليبة فى المجلس وأنا شخصيا أتعجب فالعالم يتجه نحو اليسار ونحن نتجه نحو اليمين وكنت أتمنى أن نكون أمام مشروع إسلامى يواجهه مشروع دينى ولكننا أمام تنظيم أمام شتات وهذا التنظيم ناجح فى الحشد لكن ليس عنده سياسة. وحول مهام الرئيس القادم قال هيكل: أول حاجة بالنسبة للرئيس القادم أن يجمع حوله مجموعة من الناس يوفرون له بالضبط معلومات عما يحدث فى مصر الآن وألا يتخذ قرارت تؤثر على أوضاع القوة الإقليمية وألا يسعى لتحويل وضع مصر الإقليمي وألا يقترب من معاهدة السلام لأن هناك من يلوح بإسرائيل وأنا مع تصحيح بعض الأخطاء فى سياستنا نحو إسرائيل لكن يجب أن نعلم أننا منذ معاهدة السلام قد وضعنا سيناء رهينة عند إسرائيل وهناك أوضاع عسكرية معينة وإذا حدثت خلافات عميقة قد نجد إسرائيل فى قناة السويس وأنت وقتها لن تستطيع أن تمنعها .. الحياة فى الوهم أسهل لكن الواقع أصعب بكثير فالواقع هو الحياة وموقفنا فى سيناء ضعيف وسيناء نفسها مكشوفة أمام إسرائيل .. وقال هيكل : لابد أن يكون مع الرئيس القادم طاقم مستشارين على أعلى مستوى وعليه أن يعلم ماذا يفعل فى العجز اليومي البالغ نصف مليار جنيه صباح كل يوم .. للأسف نحن أضعنا كمية هائلة من الوقت وفى قوة إندفاع الثورة سمحنا أن تضيع قوة الدفع ويحل محلها تشكيك مريب بين كل الأطراف حتى فى موضوع السعودية كانت محاولة اقتحام السفارة جريمة والاعتذار كان مهانة .. إذن لا أحد يقترب من إتفاقية السلام وأتحمس لنوع جديد من العلاقات مع إيران .. الرئيس القادم عليه أن يعلم أنه موجود ضمن سوق مالى عالمى ووسائل انتاج عليها ضغط شديد .. وأعتقد أننا مقبلون على نوع من الصدام بين الإخوان والجيش أو بين الإخوان وباقى القوى السياسية وإذا كان الرئيس القادم يعتقد أن المنصب مجرد مراسم يبقى لن يقدم شيئا .. وذكر الأستاذ هيكل أننا أسأنا التصرف فى هذا البلد .. رغم كثرة الموارد فهناك قناة السويس التى تقدم سنويا ما بين 6 إلى 8 مليار وعندنا بترول وغاز وعندنا شعب مستعد لأى شىء وممتلىء بالقدرات لكنها قدرات خام تحتاج من يصل إليها ويقودها ويستثمرها. والرئيس القادم نفسه قد تنفجر موهبته ولا يتصور أحد مدى تأثير وقع المسئولية عندما يصل الرجل لمنصب رئيس الدولة فهذا أقصى طموح الرجل وممكن ينسى نفسه ولكن عليه أن يثبت ويعطى القيمة لطموحه ومن كان يتصور أن يصبح ديجول قائدا لفرنسا وهو كان وكيل وزارة الحربية ومن كان يتصور أن يقود الخومينى ثورة إسلامية فى إيران وهو مجرد شيخ فى زاوية .. هذا الشعب يحتاج إلى فكرة والفكرة تتجسد عنده فى صورة رجل وهذه تقاليد فرعونية ولا ينبغى أن ننكر دور الفرد فى صناعة التاريخ ففى الحرب العالمية الثانية نحن نتذكر تشرشل و روزفلت و ستالين هؤلاء رموز والأفكار تحتاج إلى رموز المهم ألا يركز هذا الرمز على مجده الشخصى وأوضح هيكل أن هناك ألغاز كثيرة فى حياتنا منها مثلا وضع الأمريكا وإسرائيل والسى آى إيه والإف بى آى ، أين هؤلاء فى حياتنا ونحن مساحة مفتوحة لنشاطهم .. ونحن فى نهاية المطاف قد ننتهى من مرحلة إنتقالية لنجد أنفسنا فى وضع إنتقالى آخر لكن الأهم من كل ذلك أنه لا يوجد مصرى غير مهتم. وأبدى الأستاذ تفاءله فى نهاية اللقاء حيث أكد أن الشعب المصرى كتلة إنسانية ضخمة والكتلة لها فعل ومطلة على البحر المتوسط وتوافر لها تجارب طويلة فنحن أمام شعب واع يتحرك إذا رأى وإذا وثق .