هل يمكن لدولة أن تغير وجهها بالثقافة؟ أو بتعبير آخر هل تستطيع الثقافة أن تغير من المفهوم السائد عن المملكة العربية السعودية، وأنها بالفعل تتخذ خطوات جريئة نحو »مدنية الدولة»، وذلك بتغيير بعض المفاهيم السائدة لعقود طويلة، وأن القرارات الأخيرة تتحصن برؤية شمولية »لمفهوم الثقافة» وقدرتها علي إحداث هذا التغيير، وأن القرار الخاص بحق المرأة في القيادة، لم يكن قرارا لمغازلة أحد، بقدر ما هو نابع من إرادة، تتمسك برغبة منطلقة من » هويتها الوطنية»، بأن توكد علي الضروري منها، وفي ذات الوقت تنحاز لفكرة المراجعة والبناء علي ما يصلح ليكون خطوة للأمام، ومن هنا جاءت فكرة إحياء سوق عكاظ، ليس تمسكا بماض تليد، بقدر ما هو تعبير عن إمكانية استعادة هذا الماضي بأدوات عصرية، فالاستعادة هنا من أجل استشراف القادم. بهذه الرؤية تجولت في الأجنحة والأنشطة المتعددة لسوق عكاظ، وكذلك سعيت إلي أن استمع إلي الآراء المتعددة حوله، لعلي أتمكن من أن أرسم خريطة فعلية لما يحدث علي الأراضي السعودية الآن. إبداع يتجدد منذ اللحظة الأولي رفع سوق عكاظ شعار »إبداع يتجدد» في إشارة واضحة لانحيازه إلي قيمتين هما: الإبداع والتجدد، من جانبه جاءت كلمات الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني رئيس اللجنة الإشرافية العليا للسوق، شارحة هذا المعني ومؤكدة علي أن سوق عكاظ يمثل معلما ورمزا للتراث الحضاري للمملكة بلاد التاريخ والحضارة، وأن السوق يستحضر هذا التاريخ ويعرضه بصورة جاذبة، فقد كان إحدي الحلقات المهمة في تاريخ الوطن وتاريخ الإسلام، وله بعد اقتصادي في إثراء هذه المنطقة، من هنا فإحياؤه والاهتمام به يعد في هذه اللحظة إبرازا للبعد الحضاري للسعودية، واستثمارا لواحد من تراثها الحضاري. من جانبه يؤكد د. إيهاب مصطفي عضو اللجنة الثقافية للسوق أن شعار » إبداع يتجدد» يتحقق بالفعل علي أرض الواقع، فمما لاشك فيه أن سوق عكاظ يعد أحد أكثر أسواق العرب شهرة وتأثيرا في الحياة الأدبية والاقتصادية في الجاهلية، ويشاركه - كذلك - سوقان كبيرا آخران في الحضور والشهرة والأهمية هما سوق ( مجنة ) وسوق ( ذو المجاز )، وقد استمر السوق من الجاهلية وحتي سنة 129 هجريا، تاركا أثرا أدبيا ولغويا كبيرا بوصفه مجتمعا لشعراء العرب وخطبائهم وبلغائهم ووجهائهم وحكمائهم، ففيه التشاور والتحاور في الشئون الكبري، وفيه البيع والشراء لما يجلب من بلاد الهند والفرس والروم واليمن، وفيه المعاهدات والمصالحات، لكن أهم ما فيه كان الأدب شعرا ونثرا، إلقاء وخطابة ومبارزة ونقدا. سألت د. إيهاب: وهل بالفعل يعبر النشاط الثقافي عن الفكرة الأساسية وهي »الإبداع والتجديد»، أجاب بكل تأكيد فجامعة الطائف برئاسة د. حسام عبد الوهاب زمان، تحملت منذ بداية السوق مسئولية البرنامج الثقافي، الذي ترتكز أفكاره الأساسية علي تحويل شعار السوق إلي واقع عملي، بمعني أننا أخذنا في الحسبان خصوصية السوق وبعده التاريخي والمكاني، كما راعينا زمنه الحالي ومعاصرته، من هنا تأتي المحافظة علي الروح التراثية العربية واستعادتها في أبهي صورها في مقدمة المعايير التي وضعت للبرنامج الثقافي، فالمتجول في أنحاء السوق ، خاصة نشاط »جادة عكاظ» يري بوضوح هذا الامتزاج في الفنون بين القديم والمعاصر، كذلك لا يخلو برنامج من ندوة أو أكثر لمحاورة شاعر قديم، أو مناقشة قضية تراثية ، تطرح من وجهات نظر متعددة، ومثال ذلك محور دراسة ليلي الأخيلية، وهو اختيار للخروج من قصر الدراسة علي الشعراء الجاهليين في الدورات السابقة، وتحرر من قيد المرحلة الشعرية الواحدة، وتقدم إلي الأمام لفتح المجال لدراسة شعراء من عصور مختلفة، بوصف سوق عكاظ رمزا للإبداع الذي لا يتعلق بمرحلة زمنية بعينها، وقد أدرجت هذه الندوة ضمن محور يناقش المرأة وتشكيل الهويات الثقافية. عدت فسألته: ما قلته لازال ينطلق من إبداع قديم، حتي ولو برؤية عصرية، فهل ما يشغل السوق هو التراث فقط؟ أجاب: لم يكن حضور التراث عائقا أمام مبدأ آخر يرتكز عليه البرنامج الثقافي، ألا وهو مواكبة الحركة الشعرية والأدبية والثقافية المعاصرة، وطرح القضايا المحورية التي لا تتعلق بإقليم عربي واحد، بل تقع في اهتمامات الجميع، لذا يستقطب لها متحدثون من مختلف الأقطار العربية، فعلي سبيل المثال للتأكيد علي فكرة » إبداع متجدد» اختير في سوق عكاظ في إطار مسار دراسة الشعر الحديث في هذه الدورة الشاعر عبد الوهاب البياتي ، بوصفه واحدا ممن بدأوا حركة الشعر الحر، وأسهموا في حركة الحداثة الشعرية العربية بقوة، وصوت متميز ومؤثر يمكن الانطلاق منه إلي غيره من الشعراء المجايلين واللاحقين، ويأتي هذا الاختيار في إطار خطة تعمل علي رسم مسارين متوازيين للشعر في البرنامج الثقافي السنوي لسوق عكاظ، أحدهما لدراسة شاعر قديم، والثاني لدراسة شاعر حديث، ليتم التقدم زمنيا مع الشعراء في كل عام، مع التوقف عند الشعراء المؤثرين في حركة الشعر العربي، وأصحاب البصمة الواضحة فيه، سواء كانوا من داخل المملكة أو من خارجها، انطلاقا من ترسيخ السمت الشمولي للسوق، وفي ذات الإطار وعلي مستوي الدراسات البحثية حضرت ندوة تناقش تحولات المجتمع العربي من التراث إلي ما بعد الحداثة، ليس من حيث المقارنة أو رصد التحولات فقط، إنما من حيث تقبل المجتمع العربي للتحولات الحادثة، وعمق التعامل معها، وكيفية تلقيها، وتطويعها، أو الخضوع لها في صورة من صور التكامل بين القديم والجديد. جولة في السوق التجول في سوق عكاظ وسط فعالياته المختلفة، ربما يقربنا أكثر من الإجابة عن السؤال الرئيسي وهو إلي أي مدي يمكن أن تساعد الثقافة علي إحداث تغيير في البنية المجتمعية للملكة العربية السعودية، وكيف يمكن أن نستثمر التراث باعتباره جسرا بين الماضي والحاضر والمستقبل. متاحف ذات دلالة أثناء تجوالي في أركان السوق المختلفة، استرعي انتباهي جناحا - يعد المعادل الموضوعي لفكرة التراث باعتباره إحدي أدوات المستقبل - للمتاحف الخاصة، وهو عبارة عن مبادرات فردية لأناس ارادوا أن يخلدوا تراث بلدهم في المجالات المختلفة، فتحملوا عبء البحث عن مقتنيات قديمة في موضوع معين، وبالفعل أنشأوا متاحف بأسمائهم في مناطق السعودية المختلفة، وفي هذا السوق ينقلون جزءا من هذه المقتنيات التي تعبر عن أفكارهم. ومن جانبها تولي الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أهمية بهذه المبادرات، وتقوم بتدعيمها، بتشجيع المواطنين علي مثل هذه الأفكار، وتعطي لهم تراخيص للمتاحف، وفقا لشروط معينة للحصول علي » رخصة متحف سعودي»، وفي هذا الجناح التقيت بعدد من أصحاب هذه المتاحف، تعرفت عن قرب علي مقتنياتهم. فتحت عنوان » لقيت للماضي أثرا» جمع الفنان التشكيلي خالد حمود علي المطرود الكثير من القطع التي تصور »الحياة» في منطقة حائل بالسعودية، من أدوات زينة ومفروشات وسجاد مزركش ومراوح قديمة ومصابيح زيتية استخدمت في فترات سابقة للإضاءة في البيوت، بصفة عامة يقدم المتحف إطلالة علي ماضي »حائل» مستخدما الطرق المعاصرة في بيان هذا الماضي، وقد نقل لسوق عكاظ مجموعة من المقتنيات التي تبين هدف المتحف. وعن قصته يروي لي الفنان خالد المطرود، أن المقر الرئيسي يقع في منطقة حائل، ونظرا لتميزه فقد استطاع أن يحقق متوسط زيارة ما بين 200 إلي 250 فردا في بعض أيام الشهر، لاسيما في أوقات الدراسة، حيث يتردد عليه الطلاب بشكل مستمر، فضلا عن الأسر التي تريد ان تكتشف تاريخ منطقتها. ويضيف: أنه في بدايات تكوين هذا المتحف كان مهتما فقط بالفنون، بينما كان والده يهيم عشقا بالتراث العمراني، ويجمع القطع التراثية ويحتفظ بها، ولكن منذ 15 عاما بدأ خالد المطرود في جمع القطع التراثية المرتبطة بتاريخ وتطور منطقة » حائل »، وتمكن من جمع قطع فريدة من أشخاص ورثوها من أجدادهم، وبعدما تحقق لها هذا الحلم، أن يمتلك مقتنيات تروي جانبا من »الحياة» في هذه المنطقة، لاسيما المرتبط بالمعيشة من سجاجيد وحصر وملابس تقليدية تخص الرجال والنساء والأطفال، وكذلك أدوات الزينة والمرايا ذات الأحجام المختلفة التي وجدت في البيوت، وبعد أن تحقق له فلسفة واضحة للمتحف، تمكن من الحصول علي ترخيص هيئة السياحة والتراث. وحول فلسفة شعار المتحف الذي تزين به لافتة جناحه في سوق عكاظ » لقيت للماضي أثرا» أجاب خالد المطرود: أنه نبش في الماضي من أجل العودة بهذه القطع الراسمة للحياة في »حائل» في فترات زمنية معينة، قبل أن تندثر ويضيع جزء من تاريخنا وهويتنا. وعلي مقربة من هذا المتحف، نجد لافتة تشير إلي متحف آخر، خاص بالتعليم كتب علي المكان المخصص الذي يشغله » متحف قديم التعليم.. لمالكه علي الميريك» الذي يقف يستقبل زوار السوق، لكي يتجول معهم في هذا المتحف، الذي يروي تاريخ التعليم في المملكة، من خلال ما جمعه من مقتنيات مختلفة عن سير الحركة التعليمية بالمملكة، وعندما اقتربت منه، لم ينتظر أن أسأله عن هدف هذا المتحف، إنما تحدث إليَّ مباشرة عن الدوافع التي تقف وراء الجهد الذي بذله من أجل التوثيق لهذا الجانب الهام من تاريخ الدولة، والجهد الذي بذله من أجل الوصول إلي مقتنيات محتلفة تكون شاهدة علي »سير الحركة التعليمية» فوجدت شنطا قديمة مصنوعة من الجلد، ويبدو أن القسم الأكبر منها كان للطلبة والطالبات في المرحلة الابتدائية، حيث الألوان الزاهية، وبجوار هذه الشنط، قسم خاص وضع في فاترينة منفصلة لأدوات الكتابة وتطورها، ويضم أقلاماً رصاصاً وريشة بجوارها مداد بألوان مختلفة منها الأحمر والأسود والأزرق، ونماذج لكتب تعليم القراءة والكتابة، ونماذج للمناهج المقررة علي الصفوف المختلفة، تعود لثمانينيات القرن الماضي، كما استطاع صاحب المتحف وهو - أيضا - مدرس أن يحصل علي دفاتر قديمة لحضور وغياب الطلبة، وبدا أن الحضور يطغي علي الغياب كثيرا، ونفس الأمر بالنسبة لدفاتر المدرسين، الذين يحرصون علي الحضور، ونادرا ما نجد تسجيلا لمدرس قد غاب، وبجوار هذه النماذج التي جمعت من داخل المدارس، نري - أيضا - أكثر من قطعة تبين التطور الذي انتاب العملية التعليمية من ناحية توفير أماكن جلوس الطلبة سواء علي مقاعد جماعية أو ثنائية وكذلك توجد مقاعد فردية. وفي إشارة إلي المجهود الذي بذله من أجل توثيق مراحل التعليم المختلفة لاسيما في الرياض، أكد علي الميريك أن هذا المتحف الذي يلاقي اهتماما كبيرا سواء من قبل المسئولين أو المترددين عليه، و يبلغ في مكانه الأصلي 30 قسما، موزعاً عليها 2000 قطعة ما بين أقلام وكراسات ومناهج ومقاعد وكتب، ونماذج لأنشطة الطلبة، لاسيما الصحافة المدرسية، أي في هذا المتحف كل ما يخص العملية التعليمية، ولم ينس صاحبه أن يبرز تطور فكرة »المقصف» في المدارس السعودية وهو المكان الذي يباع فيه للطلبة الوجبات، ففي البداية قدم نماذج تبين ان المقصف كان يحتل مكانا صغيرا في المدرسة، إلا أنه مع التوسع في استقبال الطلبة، حدث توسع مقابل في المساحات المخصصة للمقصف. ولم تخل هذه المساحة التي خصصت لأصحاب المتاحف المرخصة من قبل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، من تكامل، فبعد أن خرجت من متحف »التعليم» لفت نظري قسم يزخر بالصحف والمجلات القديمة، وهذا القسم هو نموذج من »قصر الديبخي» الذي تحول من منزل مندثر إلي متحف منتشر» لمالكه علي سليمان الديبجي، الذي اهتم بشكل كبير بجمع الصحف والمجلات القديمة سواء التي صدرت في المملكة أو في البلاد العربية الأخري، ويروي قصته في جمع هذه المقتنيات تحديدا: »معظم الإصدارات من الصحف والمجلات جمعتها من خلال المزادات، وبعض الأشخاص الذين يعرفهم في المناطق المختلفة من المملكة السعودية، ويعلمون عشقه لهذه المقتنيات، كانوا يخبرونه بمكان أي صحيفة أو مجلة قديمة ليقوم بشرائها من مالكها مباشرة أو من المزادات التي تقام لهذا الغرض». وعن أغلي صحيفة اقتناها وقصتها أوضح : » صحيفة » حجاز العثمانية » التي يتجاوز عمرها مائة عام، وتعد أغلي صحيفة اشتريتها، إذ وصل سعر النسخة الواحدة ستة آلاف ريال، وعن قصة اقتنائها يقول : » اثناء توسعة الحرم المكي الشريف عثر علي الصحيفة في منزل مهجور داخل صندوق تم اكتشافه مع عمليات الحفر، وتم طرحها في مزاد علني، وعن طريقه تمكنت من الفوز بها». و»قصر الديبخي» هو ليس فقط يضم الصحف والمجلات القديمة، بل يحوي علي أكثر من ثلاثة آلاف قطعة من المقتنيات والمشغولات التراثية والتاريخية، فضلا عن ستة آلاف مطبوعة تتنوع بين الصحف والمجلات القديمة، وبعض الصفحات الأولي من الصحف المعروفة محليا وعربيا، التي يعود إصدار بعضها لأكثر من 150 عاما، هذا المتحف - الذي انتقلت بعض قطعه لسوق عكاظ - كان عبارة عن بيت طيني قديم أشبه بالقصور ويقع في مدينة بريدة بالقصيم، وتم تحويله إلي متحف بالتعاون مع هيئة السياحة والأسرة التي تمتلك هذا البيت. وفي ذات الجناح نجد نموذجا لمتحف القهوة لمالكه عبد الله الهجرس وهو من مدينة الإحساء، ويحوي تاريخ هذه المدينة مع » القهوة »، إذ خصص فاترينة خاصة لتطور الغلايات التي تصنع فيها القهوة، التي كانت في بداياتها كبيرة، وانتهت إلي » الكنكنة الصغيرة»، كما نجد مجموعة من المحاميس المتنوعة التي تعود لفترات زمنية مختلفة، ولم ينس أن يزود المتحف ب »منكهات القهوة العربية» من هيل كما يطلقون عليه هناك، أما في مصر فهو الحبهان،، قرنفل، زنجبيل، ونبتة النخوة، وهي نبتة غنية بمادة الثيمول وتعد مضاداً حيوياً طبيعياً قوياً. المكتبة الرقمية السعودية لم يغب عن ذهني سؤالي الرئيسي وأنا أتجول بين أجنحة سوق عكاظ المختلفة، وهو هل يمكن لدولة أن تغير وجهها بالثقافة، وماذا عن استخدام أدوات العصر؟ يبدو أن المسئولين عن هذا السوق، يعلمون جيدا بالأسئلة التي يمكن أن تدور في ذهن الرواد، لاسيما من الدول الأخري، الذين لديهم فضول في معرفة ماذا يحدث في كافة المستويات في السعودية، من هنا بدا الذكاء واضحا في أن يضعوا أمامك إجابات عما يدور بداخلك، لذا وجدت جناحا يبين مدي التقدم الرقمي الذي تشهده المملكة الآن، من خلال برنامجها الذي أطلقت عليه » المكتبة الرقمية السعودية.. بوابتك إلي المعرفة»، إذ توفر هذه المكتبة الرقمية مظلة واحدة لجميع الجامعات السعودية، وتقوم من خلالها بالتفاوض مع الناشرين حول مختلف القضايا القانونية والمالية، من خلال التكتل تحت مظلة واحدة، تستطيع من خلالها أن تحصل علي مزيد من المنافع والحقوق، وتمثل هذه المكتبة أضخم تجمع لمصادر المعلومات الرقمية في الوطن العربي، حيث تضم حاليا ما يزيد علي 550 ألف كتاب رقمي بنصوصها الكاملة لملايين المقالات الأكاديمية، وأكثر من 6 ملايين رسالة جامعية و7،7 مليون من الوسائط العلمية تشمل الصور والأفلام العلمية في مختلف التخصصات العلمية، والتي تقع في نطاق اهتمام مؤسسات التعليم وتم الحصول عليها خلال أكثر من 300 ناشر عالمي، وقد انعكست أرقام هذه المكتبة علي المستخدمين لها، لتصل عمليات تحميل موادها لأكثر من 13 مليون عملية خلال العام 2015. إحياء الحرف التراثية وعلي بعد أمتار قليلة من هذه الرغبة الكبيرة لدخول العالم الرقمي، نجد مجموعة من المبادرات التي ترد تحت مشروع »إحياء الحرف التراثية السعودية»، وفي هذا الإطار نتعرف علي مجموعة من المشاريع، التي تدار بشكل علمي، ومن ذلك تطوير الزي السعودي »البشت» وهو يدخل في واحدة من أهم الحرف التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، ويقدم الفنان سلمان الحمد ورفاقه إعادة ابتكار لأكثر تقاليد التطريز السعودية شهرة، باعتبارها مهارة فريدة يمارسها الرجال بشكل حصري، ويتميز »بشت» سلمان الحمد بأنه يطرز بخيوط الزري الذهبية التي تعلمها عن والده، وعن هذه التجربة التي لاحظ سلمان توقفي طويلا أمام النماذج المختلف ل »البشت»، فقال لي: إذا كنا توارثنا فنيات الصنعة من آبائنا وأجدادنا، لكننا - أيضا - استفدنا من التقنيات الحديثة في إثراء هذا الحرفة، فسألته كيف؟ قال أنا مثل الفنان التشكيلي الذي يرسم لوحته، فأنا كذلك أرسم الشكل الذي أود أن أصل إليه من حيث طريقة التطريز والألوان المستخدمة، ثم أعطاني بانفلت، واستطرد: العبارة المدونة تلخص رؤيتي لهذا الفن، وجاء في العبارة: » بالنسبة لي، كل غرزة تمثل رابطا عاطفيا يربطني بذكريات الطفولة وشاهدا خالدا علي تاريخ عائلتي». وفي إطار ذات المشروع نجد نماذج مختلفة للفخار، ويتعاون في إبراز جمالياته أكثر من فنان من مناطق مختلفة في المملكة السعودية، وهو ما عبرت عنه صانعة الفخار فاطمة طلال حسنين في كلمتها التي تصدرت البانفلت الخاص بهذه الحرفة، إذ قالت: »حرفيون كنز.. من المهم جدا أن نعمل معا علي دعم وتطوير هذا المجتمع الحرفي» وبالفعل يضم المكان الخاص بحرفة الخزف نماذج من مناطق مختلفة بالمملكة، ففاطمة تتقن هذه الصنعة علي مدي أكثر من 15 عاما، ولها نهجها في صناعة الفخار ذات الألوان الجاذبة، بينما يميل فنان الفخار عصام أبو لين الذي ينتمي إلي منطقة مكةالمكرمة إلي أن يصنع فخاريات متوسطة الطول، في حين لا زال الفنان المنحدر من منطقة القطيف زكي العراش يستخدم الدولاب اليدوي ليستخرج فخارياته التي يصبر عليها حتي تجف، ثم يبدأ في التعامل معها، وهو يتمتع بشهرة كبيرة في مختلف أنحاء المملكة. سر الصنعة والسوق يعد - أيضا - فرصة لكي يطلع الرواد علي مجهود الجمعيات المختلفة التي تعمل علي رفع شأن العديد من الحرف التي يتوارثها الأجيال، بحيث تحافظ علي » سر الصنعة » مع إضافة ما يتطلبه العصر من أشكال وألوان، وهذا ما تفعله مؤسسة جبل الفيروز بالتعاون مع البرنامج الوطني للحرف والصناعات اليدوية » بارع »، وذلك من رعاية مجموعة من الحرفيين الذين يجيدون أشغال الخشب، ومنهم الفنان أحمد الفوزان الذي تستقبلك كلماته المعبرة عن مضمون نفسه في الجزء المخصص لعرض نماذج متنوعة من الأعمال الخشبية، هذه الكلمات التي تبين إلي أي حد تشبعت هذه الحرفة من وجدانه: » لقد وجدت نفسي في هذا العمل، فهو يسري مع دمي، لأكثر من عشرين سنة، منحتني البراعة الحرفية، صونا أكرم فيه أسلافي وأدعم عائلتي»، وبالفعل مٌليء هذا القسم بالأعمال التي تعكس التنوع الحرفي للأشغال الخشبية، من الأبواب المرصعة والمصقولة ذات الألوان الزاهية، وكذلك تم عرض نماذج من النوافذ التي تشير إلي طبيعة البييت الحجازي، فضلا عن عرض مجموعة من المنتجات التي تستخدم الخشب المحلي، ويبدو أثر الصنعة واضحا في هذه الأعمال المرصعة بحليات خشبية صغيرة وسط الجسم الخشبي الأكبر، مع لعب بالألوان المتجانسة. الشعر يتجدد ارتبط سوق عكاظ تاريخيا بأن أمهر الشعراء مروا عليه، وألقوا فيه أشهر قصائدهم، لاسيما المعلقات التي علقت علي ستار الكعبة، لذا كان من الطبيعي أن ينحاز السوق إلي المعلقات العشر، وأن يسعي لانتشارها بين زواره، وهنا استغل الامكانيات الفنية والتكنولوجيا المعاصرة، ليقدم هذه المعلقات ليس فقط مكتوبة بخط عربي رصين، بل بإعداد أفلام تسجيلية قصيرة عن رحلتهم الإنسانية والأبداعية، مصحوبة بقراءات لأشعارهم منهم: عنترة بن شداد، النابغة الذبياني، امرؤ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمي، عمرو بن كلثوم، لبيد بن ربيعة. العناية بالتراث الحضاري أفردت إدارة سوق عكاظ عرضا مصورا لما أطلق عليه برنامج » خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، وهو برنامج له أهداف متعددة، لكنها تنبع من هدف رئيسي هو تحقيق الحماية والمعرفة والوعي والاهتمام والتأهيل والتنمية بمكونات التراث الثقافي الوطني وجعله جزءا من حياة وذاكرة المواطن، والتأكيد علي الاعتزاز به وتفعيله ضمن الثقافة اليومية للمجتمع، وربط المواطن بوطنه عبر جعل التراث عنصرا معيشا، وتحقيق نقلة نوعية في العناية وربط ذلك بصناعة السياحة، بما يسهم في التنمية الشاملة، هذه الجمل تبين بوضوح المنهج الذي يحكم متخذ القرار بالمملكة، وهو العناية بالتراث، وربطه بحياة الإنسان وما يتبع ذلك من مشاريع تنموية، تعيد النظر في مسلمات سابقة لاسيما العلاقة بالآثار التي تعتبرها الآن المملكة تراثها الذي يجب أن تعيد اكتشافه وتقديمه للعالم من جديد، من هنا يوجد سعي حثيث الآن لإنشاء العديد من المتاحف الوطنية في مختلف أنحاء المملكة، وكذلك المحافظة علي المباني القديمة وترميمها، حفاظا علي تاريخها، و - أيضا - هناك اتجاه قوي نحو تأهيل وتشغيل المباني والقصور التاريخية للدولة في عهد الملك عبد العزيز »يرحمه الله» وتحويلها إلي مراكز ثقافية تعرض لمراحل العمل الوطني السعودي، وتلقي الضوء علي الشخصيات التي ساهمت في التاريخ السعودي. وفي هذا الاتجاه تسعي المملكة في الفترة الحالية إلي تفعيل التعاون مع البنك الدولي لإيجاد برامج مشتركة في مجال استثمار وتشغيل مواقع التراث العمراني، والاستفادة من الخبرات العالمية في مجال تسجيل وتصنيف مواقع التراث العمراني، والاهتمام بالمدن التاريخية في المملكة. خريطة بالمواقع الأثرية أثناء التجول في السوق وقفت أمام خريطة ترشد إلي السعي الحثيث الذي تتجه إليه المملكة الآن في تسجيل المواقع الأثرية، التي تأتي نتيجة لاكتشافات في مناطق متعددة هناك، هذه الاكتشافات المتلاحقة تأتي بعد فترات من عدم التحمس لمثل هذه الاكتشافات، لكن الآن خلال ثلاثة أشهر فقط من هذا العام، أضافت الهيئة العامة للسياحة والتراث 32 موقعا أثريا وتاريخيا في سجل الآثار الوطني، ليشمل مجموع المواقع الأثرية المسجلة 8225 موقعا في مناطق السعودية المختلفة، وشملت المواقع المكتشفة حديثا ، ثلاثة مواقع في منطقة تبوك، وموقعين في منطقة عسير، وموقع الرسوم الصخرية في المنطقة الشرقية، وغيرها من الاكتشافات الحديثة. مدينة عكاظ الجديدة بعد أن تم الافتتاح الرسمي لسوق عكاظ، اصطحب صاحب السمو الملكي خالد الفيصل مجموعة من كبار الضيوف إلي بهو المبني الرئيسي للسوق، لنجد أنفسنا أمام ماكيت لمدينة عكاظ الجديدة، في دلالة واضحة أن السوق بنشاطه وتفاصيله، سينتقل خلال السنوات القادمة إلي مرحلة جديدة، أن تنشأ مدينة باسمه بكل ما تحمله من دلالات، أهمها أنها ستنشأ علي نطاق المدن الحديثة التي تستفيد من رونقها القديم لتقدم لنا بشكل معاصر،وهو ما أشار إليه الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في إطار حديثه الشارح للماكيت الموضوع أمامنا موضحا أن السعودية » مقبلة علي مدينة عكاظ الجديدة، وما ستحتويه من منشآت ومرافق سياحية سيكون لها الدور الكبير في إعادة إحياء هذا المنتج التاريخي، الذي استمر 250 عاما، وشهد حضور الرسول صلي الله عليه وسلم»، وعن تفاصيل المشروع أكد أن مدينة عكاظ الجديدة ستقدم مجموعة من المرافق والمزايا والمراكز الثقافية والمتاحف والمناطق الترفيهية ومركز للمؤتمرات التي ستجعل منها مركزاً للجذب الثقافي والاستثماري علي مدار العام، وأن مدينة عكاظ الجديدة ستقام علي مساحة 10 ملايين متر مربع بالطائف الجديدة، باستثمارات إجمالية يصل مجموعها إلي أكثر من 8 مليارات ريال، منها استثمار حكومي نسبته 11% واستثمار القطاع الخاص 89%. رؤية مستقبلية يبدو واضحا من الماكيت المقرر تنفيذه لمدينة عكاظ الجديدة، رؤية السعودية في التخطيط للمستقبل، ولكن يبقي السؤال: هل ما يحدث علي أرض الواقع يوازيه تغيير في نمط التفكير لدي بنية المواطن السعودي، بما يلاءم هذه الرؤية متسارعة الخطوات من قبل صاحب القرار.. أعتقد أن هذا هو التحدي الذي يواجه المملكة في الوقت الراهن، وإن كانت هناك مؤشرات تدل علي رغبة المواطنين في الانطلاق، منها الإقبال الشديد علي حفلات الموسيقي العربية التي تشهدها المملكة لأول مرة في تاريخها.
