بالرغم من الاستقبال الحافل الذى كان فى انتظار الفريقين الجزائريين لكرة اليد الرجال والنساء فى المطار.. بالرغم من الورود والشيكولاتة التى كانت تحملها المتطوعات الرشيقات اللاتى اصطففن فى انتظار الفريقين واللافتات التى تؤكد قوة العلاقة المصرية والجزائرية بالرغم من كل ذلك ظلت هناك أجواء بها روح من عدم الأريحية نتجت عن مزيج من عدم التصديق والبحث عن أسباب منطقية لهذا التحول المفاجئ والاستقبال الحافل الذى خصصنا به الجزائر دون منتخبات باقى الدول، لذلك لم تكن مهمة مرافقتى للمنتخبين الجزائريين مفروشة بالورود، إنما كانت تطلّب منى إذابة تل من الجليد فى البداية. عندما وصلت إلى المطار هالنى هذا الكم الهائل من الورود واستعدادات الاستقبال والترحيب.. كنت أعلم من قبل أن كابتن هادى فهمى رئيس الاتحاد المصرى لكرة اليد سوف يكون فى انتظار اللاعبين وأنه تمت دعوة مختلف وسائل الإعلام لتصوير استقبال الفريقين الجزائريين إلا أنى لم أتصور أن يصل الأمر إلى هذا الحد من الاحتفاء.. حيث اصطفت مجموعة من الفتيات الرشيقات عرفت أن معظمهن متطوعات من كليات التجارة والآداب.. أمسكن بأطواق من الورد، أما شباب المتطوعين فعملوا على تعليق ورفع اللافتات.. كان مكتوبا على إحداها «مطار القاهرة الدولى يرحب بالأشقاء الجزائريين ويتمنى لهم إقامة سعيدة»، وكانت هناك لافتة أخرى بأكثر من حجم مرسوم عليها العلمان المصرى والجزائرى على شكل ذراعين يسلمان على بعضهما ومكتب تحتهما عبارة «مصر الجزائر.. قلب واحد.. امة واحدة». وصل السفير الجزائرى عبدالقادر حجار قبل وصول منتخب بلده بحوالى ساعة، وبالرغم من ذلك إلا أنه رفض الحديث معى ومع جميع وسائل الإعلام إلا بكلمات مقتضبة جدا قال فيها ما يعنى أنه يتمنى أن تدوم العلاقة بين البلدين على نفس المستوى.. ورفض بعد ذلك الإجابة عن أى أسئلة أو الإدلاء بأى تصريحات. عرفت أن ((نانسى)) مرافقة فريق الجزائر للنساء وهى لاعبة كرة يد فى الأساس، لكنها ليست عضوة فى المنتخب - لم تكن هى الفتاة التى وقع عليها الاختيار من الأساس لمصاحبة فريق الجزائر للنساء إلا أن الفتاة التى كلفت بمرافقة فريق الجزائر اعتذرت تخوفا من صعوبة المهمة. وصلت إلى مكان إقامة الفريقين ويسمى ((المركز الكشفى)).. هو مبنى ملاصق لإستاد القاهرة أشبه بالفندق، لكنه ليس فندقا. قلة قليلة من اللاعبين واللاعبات وافقوا على الإدلاء بتصريحات للتليفزيونات، فكانت علامات الإرهاق تبدو على وجوههم.. معظمهم تخلوا عن أطواق وبوكيهات الزهور وتركوها على كنب صالة الاستقبال أخذوا يجرون حقائبهم بوجوه فاترة فى اتجاه المصعد.. حاولت التحدث مع عدد من الفتيات إلا أنهن لم يبدين أى ترحيب.. حاولت أن أتحدث مع إحدى الجزائريات ففوجئت بها تقول لى: «باعدين .. باعدين» دون حتى أن تنظر إلى عينى فاتجهت إلى مجموعة أخرى من 3 لاعبات أملا فى أن يكون موقف الفتاة الأولى استثنائيا إلا أنهن تحدثن بكلمات قليلة جدا قلن فيها أنهن توقعن استقبالا جيدا، لكن الاستقبال المصرى فاق توقعاتهن واعتذرن ليستقللن المصعد. فى أقل من ساعة اختفى اللاعبون.. كل فى غرفته ولم يتبق فى صالة الاستقبال سوى المدير الفنى لمنتخب النساء وعدد من الإداريين والإعلاميين الجزائريين المصاحبين للفريقين. طلبت الحديث إلى كابتن ((فؤاد آيت وعراب)) المدير الفنى لمنتخب النساء .. كنت أتوقع أن يقابل طلبى برفض كما قوبل من كل من طلبت منه الحديث، إلا أننى فوجئت بموافقة فورية مرحبة بابتسامة دافئة.. اصطحبنى ((وعراب)) الذى يزور مصر للمرة الأولى إلى صالة جانبية وأخذ يتحدث.. قال: «كنت أتوقع استقبالا مصريا حارا لكننى كمدرب كان علىّ فى نفس الوقت أن أحذر لاعباتى لأجهزهن للمنافسة.. ماذا عن أهاليهن؟ ألم يتحدث إليك أى منهم خوفا على بنته؟ فأجاب: «لم يحدثنى أى من الأهل» ثم قال مازحا: «هم مايصدقوا يتخلصوا منهن» وفى حديثه الدبلوماسى أرجع كابتن ((فؤاد وعراب)) الأزمة التى نشبت بين مصر والجزائر إلى الإعلام الذى ضخم الأمور.. طلبت منه أن يعلق على نتيجة مباراة ال4-0 الأخيرة بين مصر والجزائر والذى كان نصيب المنتخب الجزائرى فيها 3 بطاقات حمراء.. فأجاب رافضا التخلى عن دبلوماسيته قائلا: «المنتخب المصرى كان منتظما فى أدائه ويستحق الفوز» فلاحقت دبلوماسيته بسؤال تالٍ: «هل أنت كمدير فنى لمنتخب الجزائر تشعر أنك محمل بعبء أكبر من مجرد تحقيق فوز للمنتخب فى هذه البطولة؟ هل تشعر أن عليك عبئا سياسيا وشعبيا يطالبك بتحقيق الفوز على منتخب مصر خصوصا»؟... أجاب: «نحن نحب أن نربح عموما.. وإذا خسرنا أمام أى فرقة نتأثر (أى نحزن). مصر بالنسبة لنا مثلها مثل تونس مثل كوت ديفوار كيف كيف (أى لا فرق)». وقبل أن يستأذن سألته سؤالى الأخير: لماذا لم ترحب اللاعبات بالحديث معى؟ هل كانت ضمن تحذيراتك لهن توصيات بعدم التطويل فى الحديث مع الميديا المصرية؟ فأجاب ضاحكا: «هذا غير صحيح، لكن أنا أهم أمر عندى هو الانضباط، وهن لديهن مباراة غدا لكن لو كنتِ قلتِ لى لكنت جعلتهن يتحدثن معك». جذب منا طرف الحوار ((سمير بو خليفة)) مراسل القناة الأولى بالإذاعة الجزائرية المرافق لبعثة الجزائر والذى كان جالسا إلى جوارنا. وقال: «هذه هى ثانى زيارة لى لمصر».. ووصف ((بو خليفة)) التناول الإعلامى المصرى لأحداث ((أم درمان)) بالكاذب قائلا: «ما قيل عن اختيار مشجعين بمواصفات معينة غير صحيح، لكن السفر إلى السودان كان متاحا أمام كل من يريد»، فبادرته بسؤال تلقائى: «ولماذا لم تسافر أنت»؟ .. ضحك قائلا: «لأننى استشعرت أن الأمور لن تكون على ما يرام لأن المباراة التى سبقت مباراة السودان كانت لها تبعات غير مطمئنة»، وأوضح ((سمير)) وجهة نظره قائلا: «الجماهير الجزائرية متعلقة بالمنتخب بشكل مبالغ فيه لدرجة أنه أصبح هناك نوع من المغالاة لهذا الأمر كانت هذه هى الجماهير الجزائرية العادية جدا. فسألته عما أحدثه الجزائريون بشركة أوراسكوم بالجزائر فأخرج تليفونه المحمول قائلا: «أنا خط تليفونى المحمول D jazzy.. خط أوراسكوم ومعظم الجزائر تستخدم خط D Jazzy».. لكن ألم يتم قصف مبنى اوراسكوم؟ فكان رده: «عندما نشرت جريدة الشروق خبر مقتل أحد الجزائريين بمصر جن جنون الناس فاتجهوا نحو أوراسكوم.. لم يفكر أحدهم فى التوجه نحو السفارة المصرية مثلما فعل بعض المصريين هنا بسفارة الجزائر لكنهم توجهوا إلى أوراسكوم». وبعيدا عن الحديث فى الأحداث السابقة سألت ((بو خليفة)) عن سبب عدم ارتداء معظم لاعبات منتخب الجزائر للحجاب؟ فى البداية اعتقد أن سؤالى به نوع من الانتقاد لفتيات المنتخب فبادرنى برد مباشر: «لسن محجبات مثلما أنتى غير محجبة» فشرحت له أننى لا أقصد انتقادهن، لكننى أطرح مجرد سؤال ولكى أسهل عليه مدخل الإجابة سألته: «هل الحجاب منتشر بشكل كبير فى الجزائر»؟ فقال: «نعم منتشر بشدة» وأخذ ((بو خليفة)) يستطرد فى الكلام والشرح فى الإجابة التى يرمى إليها سؤالى من الأساس، فقال: «معظم الأسر فى الجزائر متحفظة للغاية لا تسمح لبناتها المحجبات بممارسة الرياضة وتحقيق إنجازات والسفر فى معسكرات وبطولات بعيدا عن البيت، لذلك عادة ما تكون اللاعبات من أسر منفتحة فكريا، بالتالى يكن غير محجبات فى أغلب الأحيان.. وهنا ودون أن يقصد وفى معرض حديثه فتح ((بو خليفة)) موضوعا مهما حول الفتاة الجزائرية والبطولات الرياضية ربما يحتاج إلى تحقيق مستقل لتدقيقه. ودعت كابتن ((فؤاد آيت وعراب)) و((سمير بو خليفة)) وشكرتهما وتواعدنا على الالتقاء فى اليوم التالى، وفى اليوم التالى رافقت فريق النساء بالفعل إلى الاستاد فى الساعة الثانية عشرة ظهرا، حالة من الود غلبت على العلاقة بين عضوات الفريق انعكست على أدائهن فى المباراة أمام منتخب كوت ديفوار إلا أن الفارق بين الفريقين كان كبيرا حتى نهاية الشوط الأول لصالح كوت ديفوار، ومع بداية الشوط الثانى أخذ الفارق بين الفريقين فى الانخفاض حتى أصبح الفارق بين الفريقين 3 نقاط فقط إلا أن الحكم أطلق صافرته فانتهت المباراة 21 - 18 لصالح منتخب كوت ديفوار، توجهت اللاعبات إلى المركز لتناول الغذاء. طلبت من كابتن ((فؤاد وعراب)) أن أتحدث مع عدد من فتيات الفريق فرتب لى المقابلة.. بعد الغذاء طلبت منى ((نسيمة ضوب)) أن ألحق باللاعبات فى الدور الخامس. كانت ردود اللاعبات على الأسئلة به مزيج من الدبلوماسية المصطنعة والتحفز من أى سؤال فكانت معظم أسئلتى تؤخذ على محمل أنها نوع من أنواع التفتيش من صحفية مصرية على مساوئ فى المنتخب الجزائرى. فعندما سألت ((نسيمة)) عن مدى دقة ما قاله لى مراسل الإذاعة سمير عن قصة الحجاب والرياضة فى الجزائر أصرت على أن هذا غير صحيح قائلة: «نحن بلد ديمقراطى وكل له حريته الشخصية ليفعل ما يشاء.. نحن لسنا همجا كما قلتم فى قنواتكم الفضائية لكننا مثقفون جدا ولدينا لاعبات جامعيات»، أما ((سهام)) فقالت لى فى بداية كلامها: «أنا هنا لتسألينى فقط عن كرة اليد.. وأى سؤال عن كرة القدم لا أحب أن أجيب عنه»، فسألتها عن طموحها بعد أن تتقدم بها السن وتترك لعبة كرة اليد فحكت لى سهام عن طموحاتها قائلة: «أتمنى أن أرتدى جلابية وحجابا وأشتغل مربية أطفال فى المنزل».. سألتها عن مدى تخوفها من مباراة الجزائر مع تونس أجابتنى: «كيف كيف ((أى كدة كدة)) تونس شعب شقيق ومصر شعب شقيق أيضا» وعندما سألت ((نسيمة موكريه)) عن دراستها قالت لى أنها تدرس علوم بيولوجية فقاطعتنى ((نسيمة ضوب)) وقالت لى: «أنت لم تسألينى عن دراستى.. أنا خريجة آداب» عاجلت نسيمة بوكريه إلى حديثها فلم تخف أن أهلها كانوا قلقين جدا من سفرها إلى مصر كما أنها لم تخف أنها كانت تحب مصر، قائلة:«أنا كنت باموت فى مصر لكن بعد المباراة لم أعد أحبها» وعندما سألت اللاعبات عن المصادر التى عرفوا منها ما تردد فى الميديا المصرية قلن: «نحن نشاهد نايل سبورت ودريم». وعلى عكس نتيجة الفتيات فى مباراتهن أمام كوت ديفوار تمكن منتخب الجزائر للبنين من اكتساح منتخب كوت ديفوار فى أول مباراة له فى البطولة فازوا عليهم 28 - 11 فكانت المباراة غير متكافئة على الإطلاق. بعد المباراة وقفت مع مجموعة من الصحفيين والمصورين الجزائريين الذين أخذوا يسخرون من الإعلامى ((عمرو أديب)) فقالوا: «سمعناه يشتم فى المنتخب المصرى ذات مرة ويتهمهم باصطحاب عاهرات إلى الفندق ثم عاد وقال منتخب الساجدين».. وكان الغريب أن هؤلاء الصحفيين أجمعوا على أن كل شعب الجزائر يحب أبوتريكة كما أخذوا يتحدثون عن مجموعة من الإعلاميين والفنانين ورجال الدين المصريين، مما يعطى شعورا بقوة تأثير الإعلام المصرى الذى يعرفون نجومه كما المصريون تماما. لم يحرص كل اللاعبين على حضور حفل افتتاح مباريات كأس أفريقيا ففضل بعضهم البقاء فى المركز للراحة والاستعداد لمباريات غد، وكان من ضمن اللاعبين الذين آثروا متابعة الحفل عبر التليفزيون من داخل المركز ((شهبور رياض)) و((شيخ صلاح الدين)) و((بدرالى هشام)) .. تحدثوا معى عن حب الجزائريين لأبوتريكة وعادل إمام وعن طموحهم كفريق للفوز بالبطولة وعن تبعات مباراة أم درمان قال أحدهم: «كثير من الجزائريين قاطع كل ما هو مصرى من الإعلام تماما» وأضاف آخر: «يسرا كانت سعيدة جدا لأن مصر ذكرت فى القرآن خمس مرات بينما الجزائر ليست مذكورة فى القرآن ولا مرة بينما يسرا كانت تجهل - حسب قول اللاعب - أن معظم المرات التى ذكرت فيها مصر فى القرآن كانت فى معرض الحديث عن الفراعنة وليس المصريين الحاليين. أوشك حفل الختام على الانتهاء فاستأذننى اللاعبون الجزائريون ليذهبوا لمشاهدة مباراة مصر أمام الجابون لأن الفريق المصرى - كما سبق وقالوا - أكثر الفرق التى تسبب لهم تحديا فى هذه البطولة.