«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر الرغبة النفسية الجزائرية فى قتل «الأب المصرى»!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 21 - 11 - 2009

(حقد بعض المصريين على كل ما هو جزائرى نابع من صراع غير بائن بين البلدين على ريادة العرب) - هذه ليست نكتة!، ولا هى طلقة نار جديدة فى فرح الحرب القبلية التى يشعلها الجزائريون منذ أسابيع، الجملة عبارة عن تصريح لسياسى جزائرى متوسط القيمة هو صديق شهاب الذى وصفته الصحيفة التى نشرت تصريحه (الشروق الجزائرية) بأنه قيادى بحزب التجمع الوطنى الديمقراطى (حزب يوصف بأنه معارض).
فى الأغلب الأعم فإن الرجل حاول أن يقول كلاما يبدو ضخما للصحيفة الجزائرية التى أخذت على عاتقها استنطاق السياسيين الجزائريين ودفعهم لإطلاق تصريحات كبيرة وضخمة بخصوص (موقعة) نهائيات المونديال بين مصر والجزائر، حيث استطلعت آراء زعماء الأحزاب والنواب والوزراء.. إلخ وشارك الجميع فى الفرح، فى الأغلب الأعم فإن الرجل لم يجد سببا حقيقيا كبيرا أو عميقا لما يحدث فأطلق مسألة (الصراع غير البائن) بين البلدين هذه لعلها تكون سببا مقنعا، خاصة أنه قدم تفسيرا أكثر تفاهة للتصريح التافه من الأساس شرح فيه أسباب الصراع (غير البائن) على الريادة بأن (الجزائر معروفة عالميا بثورتها الكبيرة! ومصر معروفة بحضارتها ومن هنا ينشأ الصراع (غير البائن)!
كلام السياسى المحلى الذى هو أقرب لأحاديث العوام يعبر عن حساسية موجودة تجاه مصر ليس فقط فى الجزائر، ولكن فى دول المغرب العربى بشكل عام وهى حساسية تجاورها محبة وهى أيضا واحدة من حساسيات كثيرة عربية عربية بين دول المشرق ودول المغرب وبين دول المشرق ودول المشرق وبين دول المغرب ودول المغرب وبين العرب جميعا لكن مصر دائما هى التى (تشيل) القضية ولهذا أسباب، وقبل أن نتطرق لقصة الحساسية المغربية تجاه الشرق وفى القلب منه مصر وإلى جانب آلاف المقالات التى كتبت ومئات الحلقات التليفزيونية التى حللت وناقشت وفندت وتوعدت وتمنت وناصرت وآزرت تبقى عدة ملاحظات على الهامش.
أولا: من بين 45 صحيفة جزائرية أسبوعية ويومية توجد 4 تملكها الدولة فى الجزائر. ثانيا: على عكس الوضع فى مصر فإنه لا توجد سوى قناة واحدة تليفزيونية لايقبل عليها الجزائريون، فى حين أن متوسط توزيع بعض الجرائد الجزائرية الكبرى هو من 400 ألف إلى 500 ألف نسخة فى اليوم، فى حين أن صحيفة خاصة مثل الشروق أعلنت منذ شهور أنها توزع مليون نسخة يوميا زادت إلى مليون ونصف نسخة يوميا بعد أن بدأت الجريدة حملة (الفبركة) حول قتل الرجال وانتهاك أعراض النساء الجزائريين والجزائريات فى مصر، وأن الصحف الجزائرية تحديدا - بغض النظر عمن وراءها - فهى التى تدفع النخبة الجزائرية والشعب الجزائرى تجاه العداء مع مصر، بل إن ناشرى الصحف الجزائرية بادروا لإصدار بيان جماعى يدين ما أسموه (المساس بالكرامة الوطنية الجزائرية فى القاهرة).
ثالثا: ليس صحيحا أن وسائل الإعلام فى البلدين تتحمل مسئولية مشتركة فى (التسخين) على الأقل فى المرحلة الأخيرة منه، حيث إن سقف البرامج الرياضية المصرية كان الهجوم على رئيس الاتحاد الجزائرى محمد روراوة فى حين اندفعت الصحف الجزائرية فى رفع سقف الهجوم ليطال رئيس الدولة والحكومة المصرية ويتطرق لأشياء من عينة الصراع غير (البائن) على ريادة المنطقة العربية.
رابعا: هناك ثمة صراع عربى - عربى فى المنطقة تكون مصر فى أحيان كثيرة طرفا فيه، وهو ليس صراعا على الريادة بمعناها التقليدى المعروف فى الستينيات ولكنه صراع اقتصادى - اقتصادى، حيث تسبب التراكم الاقتصادى الذى حدث مؤخرا فى السنوات الأخيرة لخروج رؤوس أموال مصرية للاستثمار فى الدول العربية التى بدأت تتحول لاقتصاد السوق تحت ضغط المتغيرات الدولية ومن أهمها حاليا الجزائر وسوريا.
خامسا: لايمكن فى هذا السياق إغفال ما أشار إليه الأستاذ عبدالله كمال رئيس التحرير فى عموده اليومى حول احتمال وجود من يدفع الأمور إلى مزيد من الاشتعال فى الجزائر طمعا فى إزاحة الاستثمارات المصرية من الجزائر والاستيلاء على فرصها.
سادسا: يستطيع هذا الرأى أن يضئ المعلومات الأولية حول قطاع الاتصالات فى الجزائر والتى تقول أن هناك شركتين فقط تسيطران على سوق المحمول فى الجزائر أولهما ذات رأس مال مصرى (جازى) والأخرى ذات رأس مال جزائرى (النجمة).
سابعا: تكرر موقف مشابه فى سوريا منذ سنوات حين بدا أن ثمة فرصا للاستثمار الأجنبى فيها وتدافعت رؤوس أموال مصرية وقطرية، لكن تعقيدات السياسة أدت إلى خروج رؤوس الأموال المصرية وبقاء القطرية خاصة فى مجال السياحة، ولا يعنى هذا بالطبع أن المستثمر المصرى الذى بادر بالذهاب لسوريا ثم الجزائر هو ممثل الوطنية المصرية، لكن ربما كانت هذه طبيعة دوره الاقتصادى والوطنى.
ثامنا: لايمكن عزل كل هذا التصعيد الذى شهدته الجزائر عن فكرة المنافسة الاقتصادية، حيث إن مصر تتمتع بريادة اقتصادية حقيقية تجعلها المستثمر الأول فى الجزائر بعيدا عن مقولات الريادة الحضارية غير محددة المعالم التى تستفز الآخرين دون أن تترجم لمنافع ومكاسب حقيقية لا للشعب الرائد ولا للشعب المطلوب منه الاعتراف بالريادة.
وعلى ما يبدو فإن مسألة الريادة هذه تسبب حساسية مفرطة للجزائريين رغم أنها حقيقة تاريخية حيث إن لفظ الريادة يفاد به السبق فى مجال ما وهى حقيقة تاريخية لا نستطيع أن ننكرها حتى لو كان البعض يرى أن الحاضر أقل من الماضى، ومع ذلك ستجد أن صحيفة الشروق الجزائرية تخصص افتتاحيتها يوم الاثنين الماضى لتتحدث أيضا عن المباراة التى ترى أنها (كانت كفيلة بإعادة ترتيب البلدان فى العالم العربى! فلا ريادة بالحديد والنار مثلما يرى المصريون، بل بالورود وحسن الاستقبال مثلما شاهد ملايين الجزائريين فى مطار الخرطوم!) والمعنى أن ريادة العالم العربى انتقلت للسودان الذى أحسن استقبال الفريق الجزائرى بدلا من مصر التى أساءت استقباله! ولاشك أن كلا من التفكير والتعبير ينطويان على سذاجة مفرطة أو ربما سطحية فى التحليل هدفها الرغبة فى طرح مسألة (ريادة مصر) هذه على الشعب الجزائرى خصوصا، وعلى الشعوب العربية عموما، كل فى مناسبته سواء كانت المناسبة رياضية كما هو الحال الآن أو حدثا سياسيا مثل أحداث غزة أو ضرب لبنان.. إلخ، والجديد هنا هو أنه يتم استخدام معايير الماضى لهزيمة مصر فى معارك الحاضر، حيث تقاس قومية مواقف مصر فى الألفية الثانية بمدى تطابقها مع باترون الستينيات المصرى أيضا فى الأساس وتستخدم الفارق فى المواقف ضد مصر أيضا فى ملاعب الألفية الثانية، حيث المعارك على الاستثمار والريادة فى التعاون الاقتصادى وتحقيق المكاسب المشتركة بين مصر وبين شعوب المنطقة العربية، حيث يتم استخدام وسائل الإعلام ذات الحس الشعبوى ليس فقط لتسميم الأجواء وزرع بذور لكراهية حقيقية، ولكن أيضا لإهدار الرصيد التاريخى لمصر لدى كثير من الشعوب العربية، وفى هذه الحالة فقط يمكن أن يتساوى النفوذ المصرى بنفوذ دولة مثل قطر أو أى دولة أخرى، ونستطيع أن نعتبر الحالة الجزائرية نموذجا لصحة هذا الافتراض، حيث جهود مصر فى مساندة الثورة الجزائرية منذ استقبالها لقادة الثورة فى 52 ثم أول إعلان عن الثورة الجزائرية من إذاعة صوت العرب فى نوفمبر 1954 ثم تبنى القضية الجزائرية فى الأمم المتحدة عام 55 وتدريب قادة الثورة الجزائرية - كان من بينهم الرئيس بوتفليقة نفسه - على حمل السلاح، ثم الإمدادات العسكرية المتواصلة ثم إمداد الجزائر بآلاف المدرسين والخبراء الذين ساهموا فى إعادتها لوجهها العربى والإسلامى الذى كانت تبحث عنه وتشعر بالضياع بدونه، ولعل الأهم فى كل هذا أن الدعم المصرى للجزائر كان سببا مباشرا ومعلنا لاشتراك فرنسا فى العدوان الثلاثى على مصر وهو ما لم ينكره أى طرف من الأطراف، بل كان من اللافت حرص كل الرؤساء الجزائريين المتعاقبين على تجديد هذا الاعتراف والإشادة فى احتفالات الاستقلال المختلفة والمتعاقبة وهو جميل ظلت الجزائر تعترف به وتحاول رده ولعلها فعلت من خلال الموقف الشهير فى حرب 73 حين ذهب الرئيس هوارى بومدين لمقابلة الرئيس الروسى برجينيف وهو يحمل فى يده شيك على بياض طالبا منه أن يمد مصر وسوريا بالدبابات المطلوبة فى موقف احتجاج رمزى على تعطيل السوفييت للأسلحة المطلوبة، والأكثر من هذا أن الجزائر أرسلت ما يقرب من ثلاثة آلاف جندى وضابط حاربوا بالفعل إلى جوار القوات المصرية والسورية واستشهد بعضهم، لكن الواقع والمشكلة أيضا أن هذه مجرد ذكريات والثورات لم يتبق منها شئ يذكر غير التاريخ وربما المرارة، ومع المقاطعة العربية لمصر لم تلعب جزائر هوارى بومدين دورا خاصا ضد مصر لكنها أيضا لم تلعب دورا معها، قاطعت مع الذين قاطعوا وعادت مع الذين عادوا وجفت المياه فى النهر وفى عهد الرئيس الشاذلى بن جديد انشغلت الجزائر بتصفية تركة اقتصادية وسياسية ثقيلة ورثها بن جديد من هوارى بومدين وفى 1988 انفجرت فى وجه الرجل (ثورة الكسكسى) حيث إن (الكسكسى) هو بديل الخبز بالجزائر، وفى محاولة لتلافى اضطرابات جديدة كانت انتخابات 1989 التى أعقبتها عشر سنوات من الإرهاب تعرف فى الجزائر بالعشرية السوداء، ولم تبدأ الجزائر فى التقاط أنفاسها إلا مع بداية الألفية الجديدة وهى مثل كثير من الدول العربية تحكمها بقايا حزب جبهة التحرير وهو حزب يستمد شرعيته من ثورة بدأت فى الخمسينيات وانتهت إلى لاشئ.
ورغم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية يفخر الخطاب الرسمى فى الجزائر بأنها صاحبة ثانى أعلى دخل قومى فى أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، حيث يبلغ دخلها القومى 120 مليار دولار سنويا معظمها من البترول الذى يشكل 97% من صادرات الجزائر، وربما كان سر تصاعد النغمة (الشعوبية الجديدة) فى الجزائر هو الإحساس بدور تاريخى ما أو بوجود مؤهلات وإرهاصات لم تتحول إلى واقع بأن الجزائر تستحق أكثر مما هى فيه، وربما كان السبب هو أزمة الهوية الدائمة التى يعيشها الجزائريون ودول المغرب العربى كافة بدرجات متفاوتة وهى أزمة لم يتعرض لها مجتمع مثل المجتمع المصرى كان فى كل الظروف يعرف أن لغته هى العربية ودينه هو الإسلام والمسيحية ودوائره معروفة ثابتة رغم اختلاف التوجهات، أزمة الهوية هذه خلقها ما يزيد على 130 عاما من الاستعمار الاستيطانى الفرنسى الذى حول الجزائريين لمواطنين فرنسيين من الدرجة الثانية أو إن شئنا الدقة رعايا فرنسيين، وخاض الجزائريون غمار ثورة عنيفة مثل كل ما هو جزائرى عرفت بثورة المليون شهيد وصمم الجزائريون على أنهم مليون ونصف مليون شهيد، وشهدت الثورة نفسها تصفيات عنيفة أدت فى النهاية إلى غلبة الفصيل اليسارى ذى الرافد القومى على قيادة الثورة بعد تصفية العناصر التقليدية الوطنية (عباس فرحات ورجاله) وتم إعلان الاستقلال بعد تضحيات هائلة وحكم الحزب الذى تولى الثورة وبذلت مجهودات رهيبة فى التعريب وقطع الأواصر مع فرنسا، وكانت النتيجة لاشئ على كل المستويات وتحول الثوار إلى حكام فاسدين، ومع انخفاض أسعار البترول فى منتصف الثمانينيات انكشف الاقتصاد الجزائرى وقامت اضطرابات عنيفة ونشط الإسلاميون الذين كان ظهورهم رد فعل عكسيا على سنوات الفرنسة وعلى فشل حزب جبهة التحرير معا، ومع إيقاف نتائج الانتخابات ظهر إرهاب على النمط الجزائرى إرهاب عنيف ودموى وقاسى لا يمكن مقارنته حتى بنوعية العمليات الإرهابية التى شهدتها مصر فى التسعينيات ولو بدرجة واحد إلى مئة، وظل الشباب الجزائرى يجد مخرجه فى الهجرة إلى فرنسا التى مات مليون ونصف مليون جزائرى من أجل الاستقلال عنها، حيث يبلغ عدد المهاجرين الجزائريين لفرنسا خمسة ملايين مهاجر.
والحاصل أن هناك أزمة هوية حادة تجعل الجزائريين فى خصومة مع الجزائر نفسها وليس مع مصر فقط، والعلاقات المصرية الجزائرية هى علاقات (باردة) وعلاقاتهم بالمغرب هى علاقة عداء ومع تونس هى علاقة جوار ومع ليبيا هى علاقات كيفما اتفق وحسب الأحوال، ومع كل هذه البرودة فالجزائريون يقدسون أم كلثوم ومحمد الغزالى ويحبون يوسف القرضاوى ومحمد أبوتريكة وحتى الآن لايعرض التليفزيون الجزائرى سوى المسلسلات المصرية، من بين العوامل التى يمكن أخذها فى الاعتبار أيضا أن سنوات الاستعمار الفرنسى خلقت نوعا من التغريب الثقافى والارتفاع فى مستوى التعليم ومعدلات القراءة، حيث يجد الفرد الجزائرى والتونسى واللبنانى أيضا نفسه كفرد أكثر تعليما ووعيا من العامل أو الفلاح المصرى الذى يقابله ويتساءل لماذا المصريون هم الرواد؟ لكن هذه مسألة معقدة جدا يتطلب شرحها كتابا من نوعية عبقرية مصر، ولعل جزءا من الأزمة الأخيرة سببه أن النخبة الحاكمة فى الجزائر تنظر إلى نفسها على أنها نخبة تاريخية شاركت فى حركة تحرر كبرى وعاصرت أحداثا كبيرة وأنها يجب أن تعامل وتقدر على هذا الأساس، وعلى الجانب المصرى ستجد تجاهلا وتكاسلا وتعاليا أحيانا لدرجة دفعت مخرجاً جزائريا محبا لمصر مثل أحمد راشدى يكاد يتوسل لعرض أى مسلسل جزائرى فى التليفزيون المصرى ولو بعد دبلجته للهجة المصرية وهى مسألة غير مضرة إطلاقا ويمكن النظر لها بتفهم، خاصة أن التليفزيون الجزائرى لايعرض سوى المسلسلات المصرية فقط، المركزية المصرية تجعلنا أيضا لا نعرف سوى أقل القليل عن الأدب الجزائرى رغم أن الجزائر قدمت للأدب العربى أدباء فى حجم واسينى الأعرج والطاهر وطار وأحلام مستغانمى على مستوى الكتابة التجارية، ومع ذلك لم نسمع أن أحدا منهم تم تكريمه فى مصر أو دعوته لأى فعالية ثقافية وهى أشياء لاغنى عنها إذا كنا نطمح فعلا لتأكيد معنى الريادة بعيدا عن قصص التاريخ، نفس الأمر ينطبق على المغنين والفنانين وباستثناء وردة الجزائرية التى جاءت فى زمن ماض لانعرف سوى مطربى الراى الذين هاجروا لفرنسا الشاب خالد والشاب مامى، بل إننا أيضا لانعرف شيئا عن الصحافة الجزائرية وهى بغض النظر عن الأكاذيب التى روجتها، ظاهرة مهمة جدا فى تأثيرها وفى توزيعها، ولعله من اللافت للنظر أن ينفق بعض رجال الأعمال الذين لهم استثمارات فى الجزائر الملايين على وسائل الإعلام فى مصر ولا ينفق دولارا واحد على صحفية تدافع عن استثمارات بالمليارات ثم يبكى البعض بعد ذلك ويقول أن منافسيه دفعوا للصحف الجزائرية كى تقود الحملة ضد مصر.
وكل ما حدث فى الجزائر مؤخرا يقول أن هناك شعوبية وكراهية ورغبة نفسية فى قتل الأب المصرى، لكنه يقول أيضا أن علينا أن نبذل مجهوداً أكبر لتحقيق الريادة بمعناها الحديث والواقعى وليس بمعناها التاريخى، حيث كثيرا ما يتحول التاريخ إلى عبء على المشاركين فيه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.