كان اليوم اربعاء موافق13 ديسمبر2006 عندما خرج علينا محمد كريشان المذيع المعروف بفضائية الجزيرة يقول: السلام عليكم انشقاق حاد علي ما يبدو داخل حركة كفاية المصرية. أدي في نظر البعض إلي دخولها مرحلة الأفول الانشقاق أعقبته اتهامات وجهتها تيارات إسلامية ويسارية لقيادة الحركة بممارسات خاطئة وبالفشل في إيجاد صيغة تجمع العلمانيين والإسلاميين تحت خيمة واحدة. راح كريشان يومها يطرح عددا من التساؤلات أهمها لماذا دخلت كفاية هذا النفق المعتم ولماذا إنسحب منها عدد من مؤسيسها ما الذي اوصلها إلي هذا الوضع من الشقاق وهل ماحدث هو دليلا علي فشلها في اجتذاب الشارع المصري كانت هذه الأزمة هي الأزمة الأولي بالطبع في تاريخ الحركة والحق أن القليل من المراقبين والمحللين الذي كان يري أنها ستكون هي أزمة بداية النهاية للحركة فقد تجلت هذه الأزمة وكما جاء يومها علي لسان الدكتور يحيي القزاز الأستاذ بجامعة حلوان وأحد المؤسسين لها والمنسحبين منها: أنه إنسحب إحتجاجا علي اسلوب الإستبداد والشللية والصداقة الذي بدأ يسود داخل إدارة الحركة فقد كان من المنطقي والطبيعي أن يتم رفض هذا الأسلوب والإحتجاج عليه لأن ذلك لايجب أن يكون داخل حركة شعبية تسعي إلي توحيد صفوف وشمل المستضعفين و جذب وإلتفاف الناس حولها وإيمانهم بها لكن الذي لم يذكره القزاز يومها وذكره في مناسبات وكتبه في مقالات له وإتفق معه في ذلك أعضاء بارزون في الحركة كانوا قد إنسحبوا لنفس الأسباب' الناشط والكاتب السياسي جمال أسعد عبد الملاك مجدي أحمد حسين الأمين لحزب العمل المجمد والدكتور عبد الجليل مصطفي والدكتور مجدي قرقر الأستاذ بكلية الهندسة'.. تلك الزيارات السرية لعدد من المؤتمرات المشبوهة التي كان يقوم بها جورج إسحاق' المنسق العام للحركة في هذا التوقيت' وقيام إسحاق منفردا بإصدار بيانات لاعلاقة لها بنهج وسياسات الحركة التي تأسست وقامت عليها وكان هذا الأنسحاب هو القشة التي قصمت ظهر بعير الحركة واقعدتها عن إستعادة حيويتها وصورتها التي كانت وعرفها الناس بها عندما خرجت إلي النور. ولمن لايعرف فإن حركة كفاية حاولت أن تصحح نفسها بأن تولي الدكتور الراحل عبد الوهاب المسيري قيادة الحركة وتمت إزاحة إسحاق ومن ثم تمت عودة هؤلاء المنسحبين إلا أن ذلك لم يصلح ما أفسده إسحاق وتصرفاته الإستبدادية حسب قول هؤلاء وبدأت هناك إنقسامات وإنشقاقات جديدة تطل برأسها تهدد وحدة وحيوية وفاعلية الحركة فحسبما قال لي الكاتب السياسي جمال أسعد إن إختيار المسيري وإزاحة إسحاق نجم عنه تقسيم الحركة إلي فريقين فريق يرفض التطبيع والتعامل مع قضايا الشأن الداخلي والوطني بعيون ومصالح أجنبية أمريكية بالذات وهو الفريق الذي كان يؤيد المسيري ويسانده وكان يضم من بينهم هؤلاء العائدين وفريق أخر كان ولازال يتزعمه جورج إسحاق يؤمن بأن اوراق اللعبة السياسية بيد أمريكا وبالتالي فلاغني عن أمريكا في أي خطة ومطالبة بالإصلاح بل وأي شي يتعلق بهذا الأمر بالتحديد. من هنا ولايخفي علي منصف أنه ومنذ بداية هذه الخلافات أي قبل ثلاثة أعوام وقبل رحيل المسيري وحتي بعد أن تولي عبدالحليم قنديل منصب المنسق العام خلفا له وحركة كفاية بدأت في رحلة الهبوط والأفول فقدت بريقها وفي نظر الناس بدأت تدخل في إطار التكرار والشو الإعلامي مكتفية بالتظاهر علي سلم نقابة الصحفيين وبعض من شوارع وميادين القاهرة حتي ظنت الغالبية أنها أصبحت مجرد حركة للهتافات وتنظيم المظاهرات وتعطيل المرور والسلام وظل ذلك الشعور سائدا والذي ربما لازال يتصاعد إلي أن جاء البرادعي وظهرت مع قدومه الحركة الوطنية للتغيير وإعلانه عن رغبته في خوض الإنتخابات الرئاسية القادمة فبدات كفاية وكأنها تتلاشي من المشهد السياسي وجبهة البرادعي هي البديل إذن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل الذي نشاهده ومايحدث حاليا من مناوشات وخلافات بين حركة كفاية والحركة الوطنية للتغيير هل هو من قبيل الغيرة السياسية والصراع علي الشارع ذلك بإعتبار أن حركة البرادعي هي حركة' مصرويكية' أي مصرية الجنسية وأمريكية الهوي وبالتالي فهي ليست حركة مصرية خالصة لاتستحق أن تكون المتحدث الرسمي بإسم الشارع المصري فحين أن كفاية ولدت في الشارع وهي الأحق به وليس من حق أي حركة أخري أن تأخذ هذا الشارع منها. إن هذا التصور رغم أنه قد يبدو للبعض مجرد رؤية ساخرة لامحل لها في الواقع إلا أن كل المؤشرات والمعطيات والدلالات التي توحي بها شعارات وتصرفات وسلوكيات وقرارات قيادات الجمعية الوطنية للتغيير ومنذ أن تم الاعلان عنها في فبراير الماضي تؤكد أن هذه رؤية واقعية وجادة وحقيقية فعلا والمتابع بدقة لأنشطة الجمعية ورحلاتها وتصريحات قياداتها لاسيما رحلة واشنطن التي يقوم بها البرادعي والذين معه حاليا يستطيع أن يتلمس مدي صدق وحقيقة هذه الرؤية فلقد راح' البرادعية' حسب تعبير الكاتب السياسي جمال أسعد يطلقون شعاراتهم ودعواتهم للتغيير والإصلاح من علي الاراضي الامريكية وهو الطريق المسدود الوعر الذي لايمكن أبدا أن يتم المرور منه للوصول إلي قلب وعقل الناس في مصر. نعم.. يمكن القول أن هذا التناحر السياسي بين مجموعة من حركة كفاية وبين اعضاء جمعية البرادعي والذي بدا يطفوا علي السطح بصدور بيان ينتقد الأخيرة ويهاجم سياساتها هو ابلغ دليل علي أن إرتباطا من أي نوع بين الطرفين لم ولن يحدث بالأصح نحن أمام حالة طلاق بائن في زواج سياسي لم ولن يحدث فالذي لايعلمه كثيرون أن حركة كفاية تكاد تكون هي الحركة السياسية الوحيدة التي ربما لم تذهب إلي معبد البرادعي وتلتقي به وتؤيده وقد بدا ذلك واضحا عندما سأل عبد الحليم قنديل' المنسق الحالي لحركة كفاية عن رأيه في' البرادعي ومن حوله' فأجاب: إن بعض الأشخاص المحيطين بالدكتور محمد البرادعي أخطر عليه من خصومه وقد يتسببون في اختفاء حالة البرادعي وانطفاء بريقها.. واعتبر قنديل أن البرادعي لم يقدم حتي الآن المنتظر منه وتساءل وماذا بعد التوقيعات التي يجمعونها ولعل البيان الأخير الذي نشرته الأهرام قبل يومين أصدرته مجموعة من حركة كفاية تهاجم وتتقد فيه زيارة جبهة التغيير وركوبها القطار الأمريكي متعشمة بأن هذا القطار المناسب الذي سيصل بها إلي محطة الإصلاح. أما في حلقة الأربعاء الماضي من برنامج مانشيت علي فضائية' اون تي في' يسأل الكاتب السياسي جمال أسعد وأحد الموقعين علي هذا البيان' ما معني أن تتحدث جبهة التغيير عن تدخل أمريكا لإجرالمصالح الامريكية لإجراء إصلاحات سياسية في مصر سيخدم المصالح الأمريكية فما علاقة ذلك بالمصالح الوطنية وماهي هذه المصالح الأمريكية التي تتفق وتتعارض مع الإصلاح السياسي في بلادنا أما السؤال الأهم من هذا وذاك يقول أسعد منذ متي كانت المصالح الوطنية المصرية مرتبطة بالمصالح الأمريكية. وفي هذا السياق لايمكنني أن اتغافل عما قاله لي الدكتور يحيي القزاز بأن مندوبة لصحيفة خاصة قد إتصلت به للحصول علي البيان الذي يرفض تلك الزيارة إلا أن هذه الصحيفة الخاصة لم تنشر سطرا واحدا يشير إلي أن هناك أحدا يعارض أو ضد ماتفعله جمعية البرادعي الأمر الذي يؤكد أننا لسنا بصدد حركات سياسية أو وطنية بل أننا أمام ظواهر إعلامية ربما إرهاب إعلامي يضلل ويسعي بكافة السبل أن يلوي عنق الحقيقة ضد كل من يريد أن يرفض أن تكون المصالح الوطنية المصرية والقضايا الداخلية في عصمة الولاياتالمتحدة. في إعتقادي أخطأت جمعية' البرادعية' خطأ فاحشا عندما قامت برحلتها الأخيرة والحالية للولايات المتحدة.. فالأمريكيون إذا دخلوا علي همومنا وقضايانا أزادوها وأشعلوها نارا وهموما فوق هموم وإذا كان البعض يتصور أن التغيير سيأتي من واشنطن وبصناعة أمريكية فذلك هو الوهم الكبير ومن لايعرف فليقرأ التاريخ ليؤمن.