برلماني : كلمة الرئيس باحتفالية عيد تحرير سيناء كشفت تضحيات الوطن لاستردادها    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    برلماني: تنفيذ مخرجات الحوار دليل على جديته وقوته    انخفاض أسعار الأعلاف اليوم في بورصة الدواجن.. «تراجع أكثر من 1000 جنيه»    آخر موعد لتشغيل الخط الثالث للمترو بالتزامن مع مباراة الأهلي اليوم    إزالة 15 إنشاء مخالفا للقانون في مركز العريش    برلماني: انقطاع الكهرباء يمتد لثلاث ساعات في القرى    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    مواقف مصر إجهاض ل«أطماع إسرائيل» (ملف خاص)    خبير علاقات دولية: مواقف مصر قوية وواضحة تجاه القضية الفلسطينية منذ بداية العدوان    شولتس يدعو لزيادة دعم أوكرانيا في مجال الدفاع الجوي    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    عودة كيبا لتشكيل ريال مدريد أمام سوسيداد    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    محافظ قنا يعلن الطوارئ وغلق الطرق السريعة لحين استقرار الأحوال الجوية    كان بيستحمى بعد درس القمح.. مصرع شاب غرقًا في المنوفية    بالإنفوجراف والفيديو.. رصد أنشطة التضامن الاجتماعي في أسبوع    وسائل إعلام إسرائيلية: سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    حياتى أنت    بعد صورتها المثيرة للجدل.. بدرية طلبة تنفي دعوتها للشاب حسن في زفاف ابنتها    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    سيد رجب: شاركت كومبارس في أكثر من عمل    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    أسبوع الآلام.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بختام الصوم الكبير 2024    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    سكاي: سن محمد صلاح قد يكون عائقًا أمام انتقاله للدوري السعودي    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنن التغيير فى السيرة النبوية
نشر في الشعب يوم 04 - 10 - 2009


بقلم: مجدى أحمد حسين
الجهر بالدعوة إعلان حرب على النظام الطاغوتى، وصراع حول المشروعية البطش والقمع ليس هو السبب الأساسى لتأخر التغيير أزمة الحركات الإسلامية المعاصرة أنها لا تطرح قضية مشروعية النظم الحاكمة مشروعية النظام المصرى انتهت تاريخيا، ولكنه لن يغادر المسرح من تلقاء نفسه! إذا لم يكن بطش المستكبرين هو السبب الأساسى لتعطيل التغيير؟ فما هو السبب الأساسى؟!

إذا كان البطش هو السبب الأساسى فهذا سيكون معطى ساكنا (استاتيكى) لا يزول أبدا، لأن الظالمين لن يكفوا عن استخدام القبضة الحديدية للهيمنة على المجتمع. ولهذا فإن القائلين بذلك من النخبة الإسلامية وغير الإسلامية يلقون باللائمة على الشعب وأنه هو السبب وأنه مستكين يحب الذل والاستبعاد، وانه مشغول بلقمة العيش!! وهكذا يتحول الخطأ إلى الخطيئة وتظل هذه الحركات تدور فى حلقة مفرغة أو دائرة مغلقة. ويلومون الناس وينسون أنفسهم.

أما السبب الرئيسى من وجهة نظرنا فهو أن الحركات الإسلامية لا تخوض معركة المشروعية ، وأنها تتحول إلى مجرد حزب سياسى مشغول بالتفاصيل ، بحجة التدرج. فى حين أن أبواب التغيير الشامل لا تنفتح أبدا إلا عبر هذا الطريق ، وهو نزع المشروعية عن النظام الفاسد وطرح مشروعية جديدة.

فالنظم السياسية لا تحكم الناس أساسا بالقوة المادية (جيش - شرطة - سجون - اضطهاد) ولكنها تقوم أساسا على رضاء الناس بالعقد الاجتماعى القائم بين الحكام والمحكومين، النظم السياسية تستقر على أساس دستورى متعارف عليه ومتفق عليه فى المجتمع ، وهذا العقد أو الدستور ينشأ فى ظروف تاريخية معينة ثم يستقر، ثم يدخل فى روع الجميع أن الحياة لا يمكن أن تسير إلا على هذه الوتيرة، وهذا الوضع يستمر إلى ما شاء الله، حتى تحدث حركة تغيير كبرى (أو ثورة بتعبيرات العصر) عندما يفسد النظام حتى النخاع بقاعدة: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران -140].

وإذا أخذنا مصر كمثال : نجد أن مشروعية أسرة محمد على لم تقم إلا على أساس الإنجازات الحضارية الجبارة لمحمد على والتى ما تزال آثارها موجودة فى حياتنا حتى الآن . ومشروعية حزب الوفد بدأت مع ثورة 1919 ، ولكنها لم تحسم الصراع على السلطة ، لأن حزب الوفد أصبح جزءا من النظام القائم ولم يطرح مشروعية جديدة متكاملة ، وهذه الأزمة ولدت الحركة الوطنية الجديدة : مصر الفتاة - الأخوان المسلمين- الحركة اليسارية ، وقد غذت هذه الروافد تنظيم الضباط الأحرار، وأدت هذه التركيبة إلى إسقاط نظرى عملى لمشروعية النظام الملكى ، ونشوء مشروعية 23 يوليو، والتى وإن تغذت من الروافد المشار إليها إلا أنها صنعت مشروعية جديدة أضحت تسمى فيما بعد الناصرية.

هزيمة 1967 ووفاة جمال عبد الناصر، عجلت بسقوط المشروعية الناصرية، وقاد أنور السادات انقلابا من أعلى ولكنه وجد توافقا شعبيا، أدى إلى مشروعية جديدة : إنهاء الصراع مع إسرائيل والابتعاد عن العرب والمسلمين، الدخول فى شراكة استراتيجية مع الغرب والولايات المتحدة، مع ادعاء الأخذ بالسوق الحر الرأسمالى والديموقراطية الغربية ، وهذه المشروعية ما تزال مستمرة حتى هذه اللحظة رغم تآكلها إلى حد بعيد. ومصطلح المشروعية - وفقا لاستخدامه فى هذا السياق الذى ندرسه - نعنى به معنى محايدا، بمعنى أن المشروعية لا تعنى الصواب أو الصحة أو الطريق السليم ، المشروعية هنا تعنى (الأساس الدستورى أو العقد الاجتماعى) الذى ارتضاه الناس فى مرحلة معينة ، الحكام والمحكومين معا ، وهى تنشأ من ثورة شعبية أو انقلاب من أعلى ولكن يرتضيه الناس وقد كان استيلاء محمد على على الحكم مزيجا من الثورة الشعبية والانقلاب العسكرى ، وكذلك ثورة يوليو 1952، أما المشروعية الحالية فقد نتجت عن انقلاب من أعلى لعب على وتر الخلاص من ويلات الحروب، والاندفاع إلى حياة الرخاء والمال والزبد والعسل القادم من أغنى دولة فى العالم (الولايات المتحدة)، ولعب على وتر الإقليمية المصرية وإذكاء النصرة المصرية فى مواجهة العروبة والإسلام. وقد كنت ولا زلت من اشد معارضى سياسات السادات فى ظل هذه العناوين ، ولكن أرى من الإنصاف لحقائق التاريخ، أن غالبية الشعب المصرى كانت متعاطفة مع هذه التوجهات، وهذا هو السبب الرئيسى لاستمرارها31 سنة .. ولكن المشروعية – كالثوب - يبدأ جديداً لامعاً قشيبا، ويهترئ مع الأيام والسنين وهناك نوعان من المشروعية: مشروعية تشكلت عبر ثورة عميقة زلزلت أركان المجتمع القديم ، وحملت رؤية حضارية شاملة، ومشروعية جزئية من ناحية التصور الحضارى ، ومن ناحية أساليب التغيير. النوع الأول يعمر أكثر وقد يمتد لقرون ، كمشروعية الحضارة الإسلامية التى استمرت 13 قرنا، والنوع الثانى قصير العمر- بالمعنى التاريخى - لا يتجاوز عشرات السنين كمشروعية نظام كامب ديفيد الراهن فى مصر، لأنها مشروعية لم تقم على أساس الجذور الأعمق لمقومات وعقائد الأمة المعنية.

وفى الغرب وجدنا مشروعية النظام الرأسمالى - والتى امتدت حتى الآن عدة قرون - والتى اجتثت جذور النظام الاقطاعى. وجدناها أطول عمرا من مشروعية النظام الشيوعى التى لم تعمر إلا لعشرات السنين. وما نراه الآن من أحاديث وسياسات فى الغرب حول الاشتراكية أو دور الدولة فى الاقتصاد لا يمت إلى النظرية الماركسية بصلة، ولكنه اتجاه للبحث عن نظام هجين أو رأسمالية معدلة، وهى فكرة كانت مطروحة أيام لينين نفسه، وحاربها بشدة، وكان يمثلها التيار الاشتراكى الديموقراطى والذى له دور كبير فى الحياة السياسية الأوروبية حتى الآن.

من يريد أن يحدث تغييرا شاملا ، ويحمل مشروعا حضاريا كبيرا، كالحركة الإسلامية فى بلادنا والبلاد العربية، لابد أن يبدأ - ولا نقول ينتهى كما يقولون - بالاصطدام المباشر بالمشروعية الفاسدة السائدة ويدعوها صراحة لمغادرة مسرح المجتمع. كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فى السنة الرابعة لدعوته وهى تسمى الجهر بالدعوة فأصحاب الرسالات الكبرى يبدأون بطرح الهدف النهائى لحركتهم ، ويظلون يلحون عليه، لأن هذا مبرر وجودهم، ومغزى نضالهم ليحشدوا الأمة حول الهدف النهائى، أما التدرج فهو سنة أخرى غير متعارضة ، ولكن المقصود هو التدرج فى وسائل وأساليب الحركة والانتقال من مرحلة إلى أخرى كما نرى فى السيرة وغيرها من حركات التغيير فى التاريخ ، وإن كانت السيرة - من وجهة نظرنا نموذجا متكاملا يتعين دراسته كما قلنا فى كليات العلوم السياسية. السيرة نموذج متكامل فى الشكل والمضمون ذلك أن استقرار المجتمع على "مشروعية" ما.. هو الذى يحقق ثبات أنظمة الحكم وهذه المشروعية تولد تشريعات، وقرارات تنفيذية، وأشكال للتحكيم فى المنازعات (القضاء)، وبدون اتفاق مجتمع ما على مشروعية ما، فإن الحياة لا تسير فى ليونة ويسر، ويتحول المجتمع إلى فوضى. والمصلحون لا يسعون إلى الفوضى ولكن يسعون للانتقال بالمجتمع من مشروعية إلى مشروعية أخرى أكثر رقيا وعدلا وإنسانية ولا توجد دولة فى الدنيا مهما بلغ عتوها فى الاستبداد يمكن أن تدير المجتمع بقوات الشرطة فى كل صغيرة وكبيرة ببساطة لأن ذلك غير ممكن من الناحية الواقعية. ولكن التشريعات تصدر، فتلتزم بها المحاكم ، ويقوم جيش من الموظفين بتنفيذها، كذلك شتى مجالات إدارة المجتمع، تعتمد على الاستجابة الطوعية للمواطنين.

بل إن الاعتماد المبالغ فيه على الشرطة فى كل صغيرة وكبيرة هو من علامات انهيار الدولة (كما هو الحال فى مصر الآن) ولنضرب مثلا بالنظام السوفيتى فى العهد الستالينى حيث يضرب به المثل فى القبضة الحديدية ، وتحويل سيبريا إلى معتقل جماعى، بل ينسب إليه قتل ملايين المواطنين السوفيت. ولكن هل حكم النظام السوفيتى بهذه الأساليب أساسا؟ لا.. أولا كان هناك قطاع كبير من المواطنين متحمسا للتجربة الشيوعية وشاركوا فى ثورة عميقة ضد النظام القيصرى، ثانيا: المنجزات التاريخية للنظام السوفيتى فى مجالات: التعليم والصحة والاقتصاد والصناعة بشكل خاص حتى شكل الاتحاد السوفيتى تحديا حقيقيا للولايات المتحدة على مستوى العالم، بل وصل الأمر أنه سبقها فى غزو الفضاء. فالأنظمة لا تعيش على أساس فتح المعتقلات والإعدامات وتكميم الأفواه، وإذا فعلت ذلك فحسب دون أن تقدم شيئا ذا بال للمجتمع، فلن تجد أحدا معها. ولكن إذا ثبت للناس أن المكون القمعى والسلبى أكبر من المكون الايجابى فى المجالات المعنوية والمادية تكون نهاية النظام قد اقتربت، شريطة أن تقوم قوى رشيدة بإدارة الصراع وقيادة حركة الشعب: وبالتالى فالفيصل يكون هو مدى توفر النخبة الجادة التى تملك رؤية صحيحة للتغيير، لأن الشعوب لا تتحرك بدون قيادة.

وإدراك خطورة قضية المشروعية يكون واضحا عند الحكام ، فهم يدركون جيدا أن هذا هو الأساس المتين لاستقرارهم ، ولتسيير آلية جهاز الدولة، وأن الخروج على هذه المشروعية هو الجرم الأكبر، وهو بداية النهاية ولذلك فإن الحكام - بما لهم من دراية وثقافة بهذه النقطة تحديدا- يكونون بالغى الحساسية إزاء أى تنظيم يطرح مشروعيتهم للبحث والمناقشة على الرأى العام . ومن هنا جاءت مصطلحات: الخروج على الشرعية مرفوض - قوانين العيب، والعيب فى الذات الملكية والجمهورية - قانون السلام الاجتماعى، لأن المشروعية لابد أن تتمتع بالقداسة فإذا لاكتها الألسن فإن هذا هو الخطر الوحيد على النظام. والأعمال الإرهابية تزعج الأنظمة لأنها تطرح فكرة عدم مشروعية النظام ، بالإضافة للخوف الشخصى للحكام على حياتهم، رغم أن الاغتيالات لا تقوض الأنظمة . ولكن الحركات السلمية التى تتصدى لمشروعية النظام أخطر ألف مرة من الناحية الاستراتيجية لأنها هى التى تضرب فى جذور النظام ، وتأتى البنيان من القواعد لأنها تضع مشروعية بديلة على انقاض النظام القائم وهذا هو السبب فى أن القوانين المجرمة للنشر تكون بالغة القسوة ، وفى بلادنا توجد قوانين تنص على السجن 15عاما فى قضايا النشر تحت مسمى التحريض على قلب نظام الحكم (فى عام 1993 تم التحقيق مع قيادات حزب العمل بهذه القوانين) ولهذا السبب أيضا يقال عن حق أن الإعلام أهم من الجيش فى الحفاظ على النظام. ولذلك أغلقت صحف حزب العمل والإخوان المسلمين، وتم اختراق والسيطرة غير المباشرة على العديد من الصحف المعارضة والمستقلة، وسبب تخلف الإذاعة والتلفزيون فى مصر رغم الكفاءات الإعلامية بها، هذه القبضة الحديدية. أما الجرعات التى تمر فى محطات التلفزيون الخاصة فهى أيضا تحت الرقابة الشديدة مع السماح بحد معين لتنفيس الأبخرة. أما الصحف الحكومية المسماة بالقومية فتحولت إلى نشرات شديدة التخلف والتفاهة والسطحية أيضا بسبب القبضة الحديدية، وليس بسبب نقص الكفاءات المهنية.

الكلمة هى السلاح الماضى الذى يفتك بأنظمة الاستبداد، وبالتالى فإن محاربة الكلمة مسألة أساسية لأى نظام يريد الحفاظ على مشروعيته.

وبالتالى لا يستخف أحد بإعلان الحركة الإسلامية حيثيات عدم مشروعية النظام القائم لأن هذه هى الخطوة الأساسية الاولى لتقويض النظام. وكما كتبت مرارا - وهذا ما تؤكده سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام - إن إعلان هذا الموقف لا علاقة له بموازين القوى ، فمهما كنت قليلا أو ضعيفا - بعد مرحلة النواة الصلبة الاولى - فلابد أن تعلن الحقيقة كاملة بلا مواربة ، لأن هذا أمر عقائدى، والعقيدة لا تتجزأ ولا تخضع لنظرية التدرج. أما حساب موازين القوى والتدرج فله علاقة بالخطوات العملية على طريق التغيير، ولا علاقة له بالمبادئ العامة والموقف الشرعى من النظام القائم.

*****

وهذا الموضوع يوضح تشابك ما هو دينى مع ما هو سياسى بصورة لا انفصام لها، ففى حين أن الهدف الأسمى هو نشر دين التوحيد، إلا أن قادة مكة - ككل المستكبرين من قبل مع الأنبياء والرسل يحولون الموضوع إلى قضية سياسية، دفاعا عن مصالحها، لأن هذا الدين يقوض مشروعيتهم ويضع مشروعية جديدة، يكونون فيها أفرادا متساوين مع باقى المواطنين، ويكون الفضل للأكثر إيمانا وتقوى وتفقها فى الدين . وبالتالى يعاد تفكيك المجتمع وتركيبه على الأسس الجديدة.

مشروعية النظم السياسية بين الصعود والهبوط:

وكما ذكرنا فإن مشروعية النظام السياسى أو الحضارى تمر بمراحل - كالإنسان الفرد.. مرحلة البناء وتثبيت الدعائم والفتوة، ثم مرحلة النضج والاستقرار ثم مرحلة الذبول والافول والانهيار والتآكل: الشيخوخة والاحتضار. وتروى كتب السيرة - وأهمها سيرة ابن هشام - واستنادا لرواية الشيخين أن عمرو بن لحى أول من أدخل عبادة الأصنام فى مكة وجزيرة العرب أثناء زيارته لإحدى مناطق الشام، حيث وجدهم عاكفين على عبادة الأصنام فعندما سألهم عنها قالوا: هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم : أفلا تعطوننى منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟ فأعطوه صنما يقال له "هُبل" فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه (عمرو بن لحى هو جد خزاعة ، ومن المفارقات أن خزاعة ستصبح أحد أهم حلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم يستأمنهم على سره وعلنيته قبل أن يدخلوا الإسلام، وكان اعتداء بنى بكر وقريش عليها السبب المباشر لفتح مكة - فسبحان الله)

(وهكذا انتشرت عبادة الأوثان فى الجزيرة العربية وشاع فى أهلها الشرك، فانسلخوا بذلك عما كانوا عليه من عقيدة التوحيد واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، وكان من أهم دافعهم إلى ذلك الجهل والأمية والتأثر بمن كان حولهم من أشتات القبائل والأمم)

[البوطى - مرجع سابق-ص40]

ويشير القرآن الكريم إلى سنة تدهور المجتمعات مع مرور الزمن وتقادم العهد (وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) [ القصص -45] ، وكان الله سبحان وتعالى يجدد العهد مع خلقه، مع إرسال مزيد من الرسل والأنبياء حتى الطبقة الأخيرة والدين الخاتم . ونفس السنة تعمل معنا، فالمسلمون تطاول عليهم العمر، ويضعف عهدهم مع الله، حتى إننا أصبحنا نناقش أساسيات الدين الآن : كالخلافة والشورى والوحدة الإسلامية وكأنها أمور عجيبة لا تتماشى مع العصر! ولكن التجديد هذه المرة وحتى نهاية الدنيا سيكون بالعودة إلى النبع الصافى للقرآن والسنة، لضبط حياتنا وإصلاح مجتمعاتنا وهذا هو المغزى الأعمق فى أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم كانت هى القرآن الكريم، الذى حفظه الله دون باقى الكتب السماوية، وقصته هى فى حد ذاتها معجزة أخرى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر-9]. وبعد 14 قرنا ها هى الوثيقة الإلهية بين أيدينا تهدينا سواء السبيل، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ونحن نلاحظ أن السنن والتى نتحدث عنها من خلال تتبع السيرة النبوية موثقة أيضا فى القرآن الكريم (النواة الصلبة - الجهر بالدعوة - دور الشباب - تقويض المشروعية الزائفة) وسيكون القرآن الكريم معنا فى المراحل التالية أيضا بإذن الله.

كان المجتمع الجاهلى فى أزمة حقيقية، حتى أن الحنفاء كما ذكرنا كانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة، بل انتهوا قبل البعثة تقريبا. وكان الباحثون عن الحقيقية (كسلمان الفارسى) يذهبون إلى رجال الدين المسيحى فى بلاد الشام بحثا عن دين إبراهيم، فكانوا يقولون لهم: أنت تبحثون عن دين قد اندثر تماما، ولن تجدوا أحدا على هذا الدين. ولكننا ننتظر رسولا جديدا سيخرج من بلاد العرب.

كان كثير من العقلاء فى حالة تيه، ولا يبدون اقتناعا حقيقيا بالعقائد الوثنية. ولكنهم كانوا يبحثون عن النجم الذى يهتدون به.

وكانت الأحوال فى الجاهلية تتجه إلى أسوأ أحوالها، وكانت الحروب البعثية بين القبائل لا تنتهى لأتفه الأسباب حتى أن حربا استمرت فى المدينة بين الأوس والخزرج استمرت 120عاما وحرب دامت 40 عاما أيضا وظواهر عجيبة كوأد البنات، والبحث عن حلول لدى الأصنام بصورة مثيرة للسخرية، حيث يأتى من له سؤال يحيره ويريد إجابة، فيقوم سدنة الأصنام بعمل قرعة بين عدد من الأحجار تحمل كلمة: نعم أو لا، بالإضافة لأجوبة أخرى متنوعة مكتوبة سلفا، ويتم الاقتراع عليها، والمفترض أن يلتزم من أتى للسؤال: بخطة الذى يظهر فى القرعة. وهى أمور لا نراها إلا فى الملاهى الآن، بسحب كروت الحظ!! وكانت الكتابة لا يعرفها إلا قلائل فى المدن * يروى أن عدد الذين كانوا يتقنون القراءة والكتابة فى مكة لم يتجاوز 17 شخصا!!

وفيما عدا الشعر والخطابة لم يظهر عبر التاريخ كاتب واحد! ونؤكد من جديد أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت مشيئة إلهية، والله يعلم أين يضع رسالته، ويمكن أن نكتشف بعض هذه الحكمة الإلهية (ولا نقول كلها)، فى اختيار هذا المكان المقفر، والأبعد ما يكون عن الحضارة، لتخرج منه هذه الرسالة رحمة للعالمين.. وحتى يوم الدين، بقيادة رسول أمى وهذا أكبر دليل على أنها دعوة إلهية ولا نقصد فى هذه الدراسة أبدا أن نحول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إلى مجرد قائد تاريخى كما يفعل المستشرقون مثلا. ولكننا نخصصها لاستخلاص السنن الاجتماعية، حيث يجمع فقهاء السيرة الإعلام على أن انتصار الدعوة الإسلامية تم وفقا للسنن الاجتماعية، وهذا لا يتعارض مع اصطفاء الله لرسوله لحكمة لا نعلمها، وهذا هو الجانب الغيبى الذى نسلم به دون مناقشة ، طالما آمنا بالله وصدقنا رسوله.

والحقيقة فإن انهيار وتآكل المشروعية فى ذلك الزمن، لم يقتصر على جزيرة العرب بل على العالم بأسره وكان الأمد قد طال على البشرية لقرون بدون رسول، بينما كانت الرسل تتزامن وتتعدد فى العهد الواحد: موسى وهارون، يحيى وعيسى، إبراهيم ولوط.. إلخ

وكانت أكبر الحضارات تتجه إلى الإفلاس الشديد وهى أصلا بدون مرجعية ذات مصداقية وإن احتفظت بقواها العسكرية العاتية (الحضارة الرومانية – الفارسية)، ولعل هذا من أسباب الانتشار الرهيب والسريع للإسلام من المغرب حتى حدود الصين خلال فترة لا تتعدى الثلاثين عاما. كان الإسلام يتقدم كالسكين فى الزبد، لأنه كان يواجه حضارات خاوية من الناحية الروحية، ولا تملك أى مشروع من أى نوع سوى السيطرة على الشعوب والإمعان فى الترف، وبالتالى فمسألة القضاء على مشروعية قائمة وبناء مشروعية جديدة، لا يستند لوجود جماعة سياسية أو دينية طرأت عليها هذه الفكرة، وإنما الأمر يتصل بشروط تاريخية متكاملة وصعود الحضارات وهبوطها هو علم يدرس الآن فى العالم, والحقيقة أن الدورة الحضارية هى رؤية إسلامية وردت فى الآية الكريمة (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران - 140).

والقصص القرآنى يشير إليها مرارا ، ثم قام العالم الإسلامى الكبير ابن خلدون ببنائها كنظرية سياسية واجتماعية. والمسلمون لا يفلتون من هذا القانون الذى لا يعرف المحاباة (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِى أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) [النساء-123].

والوضع الحالى فى مصر فى مطلع القرن الحادى والعشرون يشير بوضوح إلى انتهاء مشروعية 23 يوليو على يد مشروعية كامب ديفيد.. مشروعية التبعية للصهيونية والولايات المتحدة (عهد السادات – مبارك) رغم أن المشروعية لا تزال قائمة، وهى التى تدير المجتمع، إلا أنها قد برهنت على فشلها فى الداخل والخارج ولم تحقق الأهداف المعلنة لها، ولم تعد غالبية الجماهير مقتنعة بصلاحيتها، ولكن الجماهير تفتقد إلى القيادة، وإلا فإن الشروط ناضجة تماما لإسقاط هذه المشروعية الزائفة، وقد شرحت هذه النقطة فى الجزء الأول من الدراسة (رسالة إلى الإخوان المسلمين).

إعلان عدم مشروعية النظام هو نقطة البدء:

ولكن لماذا يكون الجهر بالدعوة أو إعلان الحرب على مشروعية ومرجعية النظام الفاسد، ضرورى منذ البداية ولماذا لا يخفى هذا الهدف للمرحلة النهائية؟

هى ضرورة لحشد الجماهير حول مشروع التغيير، لأننا لسنا إزاء مؤامرة تدبر بليل، بل عملية تغيير من الجذور، ولأن المشروعية تعتمد على رضاء الجماهير وقبولها على الأقل بالأمر الواقع واستسلامها له باعتباره البديل الوحيد المجرب والمتاح لإدارة المجتمع، فإن حصار هذه المشروعية الزائفة يبدأ بنزع مشروعيتها من أذهان الناس، وتحرير عقولهم من هذا الطغيان، ومن هنا يبدأ حشد الناس تدريجيا للزحف ولحصار قلعة المستبدين فى نهاية الأمر. وهو أمر شبيه تماما بحشد الجنود وتقسيمهم إلى فرق وكتائب، وتوزيعهم على المواقع المختلفة، وإلى ميمنة وميسرة قبل لحظة الصدام المسلح 90 % من نتائج المعركة الحربية تعتمد على هذه العمليات التحضيرية للحشد والتعبئة وتوزيع القوات واختيار المواقع الإستراتجية للكمائن والطرق التى تسلكها القوات، وعملية تنظيم النيران بين الأسلحة المختلفة ولكن فى التغيير الشعبى السلمى، يتم ذلك من خلال حشد عناصر التنظيم فى الأحياء المختلفة وحشد الجماهير فى المصانع والجامعات، واختيار أماكن التظاهر والاعتصام والأحزاب وكما أنه فى العسكرية فإن إعلان الحرب لا يعنى الحرب ذاتها فورا، ولا يعنى التحديد الفورى لموعد أو إعلان الموعد. فإن التغيير السلمى للنظام الفاسد لابد أن يبدأ بإعلان الحرب عليه والدخول فى العديد من المعارك الصغرى والمتوسطة بشكل منهجى وصولا إلى لحظة الانتفاضة الشعبية الشاملة.

وكما تقوم الجيوش بعمليات استطلاع، واشتباكات محدودة لجس النبض. واكتشاف نقاط القوة والضعف عندها وعند العدو. فإن ذلك يحدث بالضبط فى المناجزات السلمية. ولكن فى الحالتين لابد من الإعلان المبدئ للحرب لحشد الجيش أو الشعب.

وحشد الشعب هدف ووسيلة، فالشعب هو وسيلة التغيير السلمى، واقتناع الشعب برؤية حركة التغيير وبالمفهوم الصحيح للدين هو الهدف فى حد ذاته، فالإسلام بدون دولة، ليس هو الإسلام الكامل بعد. فالعمل على التغيير جزء لا يتجزأ من العقيدة وهذا هو الفهم الأشمل والأعمق لمعنى الآية الكريمة التى يحفظها كل مسلم (إنَّ اللهَ لا يُغيِّر مَا بقومٍ حتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم) [سورة الرعد :11]، والصدع بالحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا تكتمل العقيدة بدونه، وتحمل تكلفة ذلك وعواقبه ابتلاء حتمى لتمحيص الدين فى الصدور. ومقاومة الظلم وعدم الاستكانة له واجب على كل مسلم ومسلمة. وهنا يمتزج خط التربية مع خط الجهاد باليد واللسان فى سبيكة واحدة.

ولابد على كل مسلم أن يدرك أن التمكين لدين الله فى الأرض، يعنى إقامة دولة إسلامية، وأنه بدون هذه الدولة ستظل إقامة الدين ناقصة. إن تسلسل نزول الآيات بفرائض وأركان الدين قد تثير عجب من لا يعرف ذلك من الشباب، فكثير من الشعائر الدينية لم تقرر أو لم تقرر فى صورتها النهائية إلا بعد إقامة الدولة!

من ذلك صيام رمضان وزكاة الفطر والآذان وتحديد القبلة بالكعبة (التحديد النهائى للقبلة بعد عام ونصف من الهجرة) بل حتى تحديد الصلوات الخمس بهيئتها النهائية كان فى أواخر العهد المكى، وتحديدا بعد 10 سنوات من البعثة خلال الإسراء والمعراج. وكان المسلمون يصلون قبل ذلك كصلاة سيدنا إبراهيم: ركعتان فى الصباح وركعتان فى المساء، وفى رواية أخرى، وربما كان ذلك فى مرحلة لاحقة كانوا يصلون الصلوات الخمس ولكن بركعتين فى كل صلاة ولم توجد الصلاة بأربع ركعات (الظهر والعصر والعشاء) إلا بعد الهجرة. كذلك فإن الضبط النهائى لشعائر الحج والعمرة تم بعد إقامة الدولة، وتحديدا فى حجة الوداع فى العام الأخير لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك بناء المساجد وصلاة الجمعة والعيدين والقرآن الكريم صريح فى تحديد أن اكتمال الدين بكل جوانبه لا يتم إلا فى إطار دولة إسلامية : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [ الحج-41].

سيرد البعض ولكننا الآن يسمح لنا بصيام رمضان، وبناء المساجد، والصلاة بكل أنواعها - عدا الاعتكاف الذى تنظمه أجهزة الأمن!! وأيضا أداء الحج والعمرة والزكاة.

ذكرت من قبل فى دراسة (الجهاد صناعة الأمة) أنه حتى أداء الشعائر يظل منقوصا فى ظل دولة لا تلتزم بالمرجعية الإسلامية، وهذا أوضح ما يكون فى الزكاة ومصارفها التى لا يمكن أن تؤدى على الوجه الأكمل إلا فى ظل دولة إسلامية. ولكن حتى الصلاة يتم إفسادها، بفرض خطباء للجمعة يقولون خطبا معلبة لا علاقة لها بهموم المسلين فى الداخل والخارج إلا من رحم ربى. كما أن أداء صلاة العيد فى الخلاء تطلب جهادا ومعارك عديدة حتى انتُزعت. كذلك يمنع بعض الناس من أداء العمرة والحج بتعليمات الأمن، أما المساجد فتم تأميمها لأول مرة منذ دخول الإسلام فى مصر وأصبحت تحت هيمنة أجهزة الأمن والأوقاف التى تأتمر بأوامر الأمن، وحيث يتم إغلاق المساجد عقب انتهاء الصلاة!! وحتى شهر رمضان تسعى الدولة إلى إفساده كشهر للعبادة والتبتل عن طريق مسلسلات وبرامج الترفيه المكثفة فى التلفزيون فى هذا الشهر تحديدا، وكأنه موسم الترفيه لا موسم العبادة.

ولكن الأهم من كل ذلك فإن الإسلام لا يُلخص فى مجرد أداء الشعائر، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يقبل بيعة من يطلب منه إعفاءه من الجهاد. ومن ذلك قصة إسلام بشير بن الخصاصية، الذى يقول: بايعنى رسول الله على الصلوات الخمس وصيام رمضان وحج البيت والزكاة والجهاد فى سبيل اللهر. فقلت: يا رسول الله كل هذا لا أستطيع، أما الزكاة فليس لى إلا مال أعيش فيه وأهلى يعتملون عليه، وأما الجهاد فإنى أخاف أن تخشع نفسى فأفر فأبوء بغضب من الله، فكف يده عنى فقال: لا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة ؟ فقلت: يا رسول الله مد يدك فأبايعك عليهن كلهن فبسط يده فبايعته (بن الخصاصية كان من قادة فتح العراق بعد ذلك).

كذلك فإن النظام لا يكتفى بانتقاص فى أداء الشعائر ولكنه شن حربا على الملتحين والمحجبات، وهو أمر كان فى مرحلة سابقة يشبه الحرب المفتوحة، وكان إطلاق اللحية يعنى احتمالا كبيرا للتعرض للاعتقال، أو على الأقل الاحتجاز فى مراكز الشرطة عدة أيام، خاصة إذا ترافق مع ارتداء الجلباب! كذلك تعرضت المحجبات لحرب حقيقية وصلت إلى قرار لوزير التعليم بمنع الحجاب فى المدارس، والمحتجبة كانت تتعرض لمضايقات شديدة فى العمل وقد يؤثر الحجاب على وضعها الوظيفى وترقيتها. ولكن هذه الحرب لا شك خفت بسبب صمود المسلمين والمسلمات، وهذه تجربة عريضة وثرية فى العصيان المدنى، ونموذج فذ وعملى لها، فإصرار الملايين على عدم الاستجابة لتهديدات النظام وأجهزته الأمنية أدى إلى كسب المعركة (معركة الحجاب واللحية) بصورة نهائية. فلم يعد الحجاب تهمة، ولم تعد اللحية جريمة شنعاء: مع استمرار بعض الممارسات السابقة بلا شك هنا وهناك. فالمذيعات لا يزلن ممنوعات من ارتداء الحجاب فى التلفزيون، لأن التلفزيون رمز الدولة! ولا يزال الشاب الملتحى عرضة أكثر من غيره للاحتجاز عند كمائن الشرطة الليلية أو فى غير ذلك، ولكن يمكن أن نقول إن الشعب كسب هذه المعركة من الناحية الأساسية.

ويجب أن نسجل فى معركة الحجاب الدور الحاسم والمتميز للقضاء المصرى (مجلس الدولة فى موضوع منع الحجاب فى المدارس والذى ظل وزير التعليم ذلك الوقت يعاند فى تنفيذه لبعض الوقت)، وقد كان بعض أحكام القضاء فى هذا المجال جزءا من الصحوة الإسلامية فى البلاد.

ولكن يبقى أنه فى الوقت الحاضر فإن المسلمين يمارسون شعائرهم الدينية بحرية كبيرة طالما ابتعدوا عن الشئون العامة والسياسية. نقول المسلمين لأن السلطات لا تجرؤ على الاقتراب من حق المسيحيين فى أداء الشعائر الخاصة بهم ، ولا من أنشطتهم داخل الكنائس، ليس احتراما لتعاليم الإسلام الذى يؤكد ذلك، ولكن خوفا من أى شكاوى تقدم للولايات المتحدة أو الغرب!

ومن مظاهر الحرب على الإسلام أن الأمن يتدخل لمنع الإسلاميين من التعيين فى كثير من مواقع الدولة المهمة أو الالتحاق بكليات الشرطة والجيش ، وعموما فإن كافة قرارات التعيين لابد أن تعرض على أجهزة الأمن، ولابد أن توافق عليها، وكثيرا ما يمنع الإسلاميون من التعيين من هذا الباب.

كذلك فإن الإسلاميين معرضون فى أى وقت للمنع من السفر إلى الخارج حتى وإن حصلوا على أحكام قضائية ترفض منعهم من السفر، أما الحرب على الدعاة فهى معروفة ، حتى هرب بعضهم خارج البلاد أو حوصروا حتى موتهم، وما جرى ويجرى من تصفية أى شركات تعلن أنها تتعامل بالشرع الإسلامى، أو تكون ذات صلة بالإخوان المسلمين وما تعرض له النشطاء الإسلاميون من عمليات تعذيب أثناء الاعتقال . ويضيق المجال عن حصر مظاهر الحرب على الإسلام، المهم أن كل ذلك يجرى تحت عنوان واحد رئيسى: رفض النظام للمرجعية الإسلامية ، ومحاربة كل من يدعوا إليها.

وقد قال د. على الدين هلال أمين عام الحزب الحاكم والوزير السابق فى إحدى الندوات: إن أحد أكبر الأخطاء الشائعة فى المجتمع أن الأمم تنهض بتدين أفرادها رغم أن الأمم تنهض بأسلوب القوة وليس بالتدين فنحن نرى أن أمريكا أكبر دول العالم وهى أكثر الدول ابتعادا عن الدين، بينما نحن فى مصر - مسلمين ومسيحيين - حصلنا على المركز الأول فى العالم اهتماما بالدين ولكننا لم نصبح مجتمعا متقدما فعليا ( مجلة روز اليوسف الحكومية ).

مدى التزام الحركة الإسلامية المعاصرة بهذا القانون:

هل تلتزم الحركة الإسلامية المعاصرة فى مصر والبلاد العربية بقانون الجهر بالدعوة، بمعنى إعلان الحرب على النظام الطاغوتي، ومنازعته حول المشروعية؟

كما ذكرنا فإن معظم الحركات الإسلامية المعاصرة لا تطبق هذا القانون ولا تلتزم به فى مواجهة الأنظمة الحاكمة، التى تتسم بالظلم والفسق وترفض صراحة الالتزام بالمرجعية الإسلامية، فهذه الحركات لم تصدر - إلا باستثناءات قليلة - إعلانا شرعيا بعدم شرعية هذه الأنظمة (أعنى كل حركة داخل قطرها لأن التغيير لابد أن يكون قطريا فى البداية) ولكنها تختلف مع الأنظمة بشكل سياسى فى هذا الموضوع أو ذاك، ولا تطرح شعار التغيير ولا تعبئ الجماهير فى هذا الإطار، ولكن نجحت بلا شك فى بناء قواعد عريضة دون أن تطرح عليها قضية منازلة الحكام، ومن الطبيعى أن تتسع قواعد الحركة الإسلامية لأن الجماهير متدينة وتهفو نفوسها للإسلام، خاصة بعد انهيار التجارب التى بدت مبهرة فى الشرق والغرب، والتى حاولت بعض الأنظمة العربية محاكاتها وفشلت فشلا ذريعا وكان فشل "الصورة" فى بلاد العرب أشد وأنكى من فشل "الأصل" فى الغرب الرأسمالى والشرق الشيوعى.

ولكن اتساع قاعدة الإسلاميين ليس هدفا فى حد ذاته، وهى لا يمكن أن تنتصر بالتقادم ومجرد مرور الزمن كما تتصور. كما أن غياب الهدف الاستراتيجى وهو إقامة الدولة الإسلامية كهدف معلن، يعنى غياب الهدف المشترك بين هذه النخبة القيادية مهما كبرت، والجموع العريضة للشعب. لأن الناس لا تجتمع ولا تحتشد ولا تندفع الطاقات فى عروقها إلا لتحقيق هدف سام كبير أو مقدس. خاصة وأنها تعانى من الأوضاع الراهنة البائسة معنويا وماديا، وتريد أن ترى نورا فى نهاية النفق المظلم وتبحث عن الخلاص. وهى مستعدة للالتفاف حول الحركات الإسلامية باعتبارها البديل الرئيسى لهذه النظم الفاسدة، ولكن هذه الحركات لا تقدم لها إلا بديل الانتخابات، وفى هذه الحدود فقد استجابت الجماهير وصوتت قدر الطاقة للإسلاميين، ولكن عندما تبرهن الوقائع العنيدة أن الطغاة لن يسمحوا للإسلاميين بالوصول إلى الحكم عبر الانتخابات، ولكن قد يسمحون ببعض المقاعد هنا وهناك فى البرلمان. عندما يثبت ذلك لا يتجه الإسلاميون للشعب يدعونه للاحتشاد والمجابهة والمغالبة من أجل التغيير بوسائل الثورة السلمية والعصيان المدنى، ولكن يتركون الشعوب نهبا لليأس والضياع والإحساس بغياب البديل.

وفى المقابل فإن معظم هذه الحركات قبلت بالخطة التى رفضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى خطة التجاور والتوازى والبحث عن مشروعيتين تتعايشان مع بعضهما البعض!! بدرجات متفاوته. فهناك ميثاق غير مكتوب بين هذه الأنظمة الحاكمة والحركات الإسلامية بأنه يمكن السماح لها بقدر من الحركة، ولكن بدون التعرض لرموز النظام بالسوء (عدم سب الآلهة) - وبدون حث الجماهير على التحرك من أجل تغيير النظام. فإذا التزمت أى حركة إسلامية بذلك فيمكن السماح لها بالحركة فى حدود معينه تحت المراقبة المشددة. والحركة الإسلامية التى توافق على ذلك تصبح جزءا من النظام وتسحب عمليا المشروع الإسلامى، وتطوح بفكرة التمكين لدين الله إلى أجل مفتوح غير مسمى. بل لقد وصل ببعض إلى حد المشاركة فى الحكم مع أنظمة فاسدة (الجزائر) أو أنظمة تحت الاحتلال (العراق).

ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن الحركات الإسلامية رغم حجمها الكبير أبعد ما تكون عن السلطة فى البلاد العربية ليس بسبب القمع - كما ذكرنا - ولكن بسبب غياب الموجه الاستراتيجى، غياب الجهر بجوهر الدعوة وغياب الإعلان عن الكفر بالنظم الطاغوتية. والاستقطاب لا يحدث فى المجتمع بدون قطبين، وعدم مناجزة السلطة الحاكمة، يعنى بقاء المجتمع متمحورا حول قطب واحد، هو النظام السياسى الحاكم ومهما بلغ فساده فإنه لن يرحل من تلقاء نفسه بطبيعة الحال.

وكثيرا ما يتردد فى هذا الصدد أن الحركات الإسلامية أصبحت ضخمة الحجم ولابد من الحفاظ عليها من التدمير وأن الحركات الكبيرة الحجم تكون قراراتها صعبة، وتكون شديدة الحذر تتحسس مواضع أقدامها. وهذه الحجج أقرب إلى السياسة العملية (البرجماتية) منها إلى السياسة الشرعية، حيث أن هذا الكلام لا أصل له فى قرآن أو سنة. وها نحن أمام السيرة النبوية التى قامت الدعوة خلالها على مفاهيم عكس مفهوم النواة الصلبة الصغيرة، مفهوم الأقلية طول المرحلة المكية، وبعد بناء دولة المدينة (يثرب)، ظل المسلمون أقلية فى بلاد العرب ، ولم يصبحوا أغلبية كاسحة إلا بعد فتح مكة. والقرآن الكريم لم يحدثنا إلا عن القلة الصابرة المحتسبة، والتى تجهر بالعداء للطواغيت فى ذات الوقت. ولم تذكر الكثرة بالخير أبدا فى القرآن الكريم!!

تجربة حماس وحزب الله خارجة بطبيعة الحال عن هذا النقد، لأنهما حركتان تعملان ضد الكيان الصهيونى و ضد أنظمة محلية طاغوتية، ولكنهما يلتزمان بالدروس الأساسية للسيرة النبوية ولكن فى المجال القتالى (فقه الجهاد المسلح)، وإن كان الجهاد المسلح لا تنفصل قوانينه ودروسه عن الجهاد المدنى.

فعندما أعلن الشيخ أحمد ياسين الجهاد المسلح لم يكن معه 10 بنادق، ولم يكن قد أسس الجناح العسكرى بعد، ولكن إعلان الجهاد هو الذى استدعى وعبأ المجاهدين والامكانات القتالية بالتدريج.

ولكننا نلحظ فى حماس، وحزب الله تمتعهما بتنظيم كبير، ولم يقل أحد فى هاتين الحركتين علينا أن نحافظ على التنظيم الكبير كهدف أعلى. بل كان الجهاد هو الهدف الأعلى. وقد قدمت الحركتان مئات بل آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، خاصة حماس التى تجاهد فى ظروف أصعب بما لا يقاس من ظروف حزب الله.

أيضا أحيانا يرد البعض على وجهة نظرنا، بالقول إن السيرة النبوية تتعلق بالدعوة لدين جديد، أما الحركات الإسلامية الراهنة فهى لا تنشئ دينا جديدا، ولكن تصارع سياسيا وفقا للظروف المتاحة.

ونرى أنه كون أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبى ولا نبى بعده هذه مسألة لا مراء فيها، وكون أن الدين قد اكتمل بنهاية دعوته: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [ المائدة-3].

أمر لا مراء فيه أيضا. ولكن تظل السنن التى حكمت الدعوة وضبطها القرآن الكريم وأقرها، وأدت إلى انتصارها، هى ذات السنن التى يتعين الإقتداء بها والعمل عليها.

وتجديد الدين ، بمعنى إعادته مرة أخرى إلى النبع الصافى (القرآن والسنة) عملية مماثلة لنشأة الدين الأولى. ولكن بدون نبى وبدون وحى. ولكن معنا القرآن الكريم دستورا، والسنة النبوية مكملة له ونبراسا لنا. وإلا ما معنى أن يكون الرسول قدوتنا؟

وهناك ردا آخر: إننا نعيش فى مجتمع إسلامى حيث تقام شعائر الله. وهذا يصل بنا إلى خطة التجاور والتوازى فهل سمعنا عندما جاء الاستعمار الغربى إلى بلادنا أنه أوقف الشعائر، وهل حارب الصلاة والصيام أو الحج، أم حارب مفاهيم الجهاد والمقاومة، والرؤية الإسلامية الحضارية لبناء المجتمعات، ومنظومة الأخلاق والقيم الإسلامية، إن الاستعمار الغربى نفسه طرح ولا يزال يطرح علينا خطة التجاور والتوازى. أن يصبح الدين فى المساجد وفى الشعائر. بينما تنظم كافة أحوال المجتمع على الأساس الغربى.

وهل يفعل حكامنا "الوطنيون" الآن غير ذلك. أنتم لكم الدين ونحن لنا الدنيا. وهو مفهوم سفيه للدين، لأن الدين جاء لتنظيم الدنيا، كممر واختبار للآخرة. لذا فالدنيا بهذا المعنى فى قلب الدين الإسلامى.

وهناك رد ثالث: كيف تقول إن الحركات الإسلامية لا تجاهر بالدعوة ولا تعارض السياسات الظالمة، وهى تعارض الأنظمة إلى حد أن أبناءها ضيوف مستمرون على المعتقلات ويتعرضون لشتى صنوف الاضطهاد. والحقيقة فإننى لا انزع عن معظم الحركات الإسلامية سمة الجهاد وشيم التضحية والفداء والبذل. ولا أنكر تعرضهم للابتلاءات، ولكننى انتقد الرؤية الإستراتجية لقيادات هذه الحركات. وكثرة الاعتقالات فى حد ذاتها ليست دليلا على صواب خطة العمل، فالحكام يظلون يخشون من الحركات الإسلامية بسبب حجمها الكبير، واضطهادها وارتفاع وتيرة الاعتقالات بين صفوفها، سيظل أمرا مستمرا لأن السلطات الاستبدادية تخشى أى جماعات أو منظمات كبيرة ومستقلة عن قبضتها، فهى بمجرد حجمها وانتشارها تمثل خطرا وبديلا كامنا يتعين عدم التهاون معهار، ولابد من انشغالها، ومحاولة تحجيمها أو تحجيم حركتها. ولكن السلطات لا تدخل مع هذه الحركات مواجهات ذات طبيعة استئصالية خوفا من تثوير قواعدها، وتستخدم معها أسلوب قصقصة الأجنحة والحصار والاحتواء الأمنى. ولا تستخدم السلطات وسائل التعذيب الوحشية فى أغلب الأحوال مع هذه الحركات السلمية الإسلامية، والاعتقالات عادة ما تكون لفترات قصيرة لا تتعدى أسابيع أو شهور، مع حسن المعاملة ، مع اعتقال بعض القادة لفترات أطول كرهائن.

وفى بعض البلاد فإن الوئام متوفر والتعايش جيد بين الحركة الإسلامية السلمية والأنظمة على أساس نظرية عدم التعرض للرئيس أو الملك (مع أن الرئيس أو الملك هو الذى يتخذ 99% من القرارات وهو الذى يحدد السياسات) والاكتفاء بلعبة مهاجمة رئيس الوزراء أو الوزراء فى هذا الموضوع أو ذاك. فى حين أن الرئيس أو الملك هو الطاغوت الحقيقى، وهو الذى يعطل أحكام الإسلام وجوهر تعاليمه، وهو مهندس التحالف مع الغرب من موقع التبعية. ونحن لا ننكر أننا أمام نظام سياسى، ولكن حكمة التاريخ ودراسة العلوم السياسية علمتنا الدور المركزى للحاكم الفرد فى النظم الاستبدادية، وهى أمور مبسوطة فى القرآن الكريم على نحو اعجازى (من زاوية العلوم السياسية) فقد تحدث القرآن الكريم عن أنظمة الاستكبار والطغيان، ولكنه أيضا أوضح الدور المحورى للحاكم الفرد المستبد والطاغية، فقد رأينا فرعون موسى يتشاور مع الطبقة الحاكمة المحيطة به ولكن القرار النهائى له، وكذلك بلقيس ملكة سبأ وغيرها من الأمثلة.

إن مشروعية النظم الحاكمة المستبدة تتمحور حول الحاكم المقدس.. الحكيم.. الذى يرى ما لا يراه الناس، ويدرك ما لا يدركه الناس، وكل السياسات العليا تقترن باسمه حتى تكتسب القداسة والمشروعية.

ولكن القضية لا تتلخص فى مجرد ضرورة انتقاد الرئيس أو الملك فهذا بديهى لإنزاله من عليائه ووضعه فى مصاف البشر الذى يخطئ ويصيب! ولكن الأهم هو إعلان عدم مشروعية النظام ككل بما فيه وعلى رأسه هذا الحاكم، والسعى لإزاحته عن الحكم، إذا رفض الالتزام بالمشروعية الإسلامية، وهو الرفض الذى أعلنوه مرارا وتكرارا، نظريا وعمليا. فهؤلاء الحكام تقوم سياستهم على أساس رفض ما هو معلوم من الدين بالضرورة: فكيف لا نعاديهم ونعلن بغضنا لهم.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أوثق عرى الإيمان أن تحب فى الله وتبغض فى الله. وفى رواية أخرى لا يستحق العبد صريح الإيمان حتى يحب فى الله ويبغض فى الله فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاية من الله تعالى (مسند أحمد).

وجاء فى صحيح مسلم: يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتفكرون، فمن أنكر فقد برئ. ومن كره فقد سلم. وقال الشيخ الفضيل بن عياض رحمه الله: المؤمن يُستر ويُنصح، والفاجر يُهتك ويُعير.

[جامع العلوم والحكم فى شرح 50 حديثا من جوامع الكلم - ابن رجب الحنبلى - خرج الأحاديث وعلق عليها محمد خلف يوسف - 1998-دار التوزيع والنشر الإسلامية القاهرة].

مرة أخرى، نقول إن ما نقتبسه من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من سنن الاجتماع والعمران البشرى، وإن كنا ملزمين به عقائديا كمسلمين، ولكن من رحمة الله أن جعل الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ليس معجزا وليس فوق إرادة وإمكانيات البشر. وأيضا من رحمة الله وعدالته أن جعل السنن الاجتماعية للناس كافة، المؤمن والكافر، البر والفاجر، ومن يأخذ بهذه السنن وبقدر ما يدركها ويلتزم بها يوفق فى حياته الدنيا. فإذا التزم مجتمع كافر بسنة الثواب والعقاب مثلا كان أكثر عدالة من مجتمع ينتمى للإسلام ولا يلتزم بهذه السنة. وفى موضوعنا نجد أن من يلتزم بسنن التغيير ينجح فى التغيير فى حدود رؤيته وفكره ومعتقداته، لذلك تجد أن الحركات السياسية التى نجحت فى تغيير أنظمتها الفاسدة، وأسست أنظمة أفضل نسبيا، سنجدها اتبعت نفس السنن والقوانين التى نتحدث عنها.

والدعوة إلى الإيمان تتحول إلى صراع حول السلطة، بين الحق والباطل، ومن واجب تيار الحق أن يسعى للسلطة بأمر من الله، وهو أيضا ما أكدته سنن التاريخ، فما من نظرية استطاعت أن تعرف طريقها إلى النور والتطبيق إلا عبر الوصول إلى السلطة، أو تبنى السلطة لها.

وتمسك الطغاة بالسلطة وبمصالحهم فى الاستمرار فيها هو الذى يضفى الطابع السياسى على الصراع. كما قال فرعون وحاشيته: (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) [ المؤمنون -47 ] يقصدون موسى وهارون. ثم كان الأمر أكثر صراحة ووضوحا أن موسى وهارون يستهدفان قلب نظام الحكم!!

(قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِى الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) [ يونس- 78]. أى جئت إلينا قاصداً أن تصرفنا عن دين آبائنا وتقاليد قومنا لكى نصير لكما أتباعا ويكون لك ولأخيك الملك والعظمة والرياسة المسيطرة المتحكمة وإذن فلن نؤمن بكما ولا برسالتكما.

[المنتخب فى تفسير القرآن الكريم - الطبعة الثامنة عشر-القاهرة1995 - وزارة الأوقاف - المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة القرآن والسنة – ص 300 ].

ورفض الدين من الكبراء مسألة متصلة بالمصالح المادية صراحة وفقا للقرآن الكريم: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء) [ هود-87 ] والمسألة ليست مظهر التماثيل ولكن إتباع الهوى والمصالح والشهوات: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا) [ الفرقان- 43] وهى مكية وانظر ماذا يقول فرعون وهى نفس ألفاظ حكامنا الحاليين عن القلة المندسة (إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) [الشعراء54- 56]، أى رغم أنهم قلة خسيسة إلا أنها تثير غيظنا ووزارة الداخلية حذرة ومنتبهة لهم من أى خروج على الشرعية! والقرآن الكريم يؤكد أن الطواغيت يعلمون أنهم على باطل ولكن أخذتهم العزة بالإثم وتكالبهم على الدنيا، فيصف موقف آل فرعون بعد ظهور آيات موسى (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [ النمل-14 ]، وهذا ما قاله أبو جهل صراحة: (تنازعنا وبنو عبد المناف الشرف حتى إذا كنا كفرسى رهان، قالوا منا نبى يأتيه الوحى، فمتى ندرك مثل هذه، والله لا نؤمن به) فالمسألة رياسة وشرف بأكثر منه صراع حول المعتقدات من وجهة نظره.

وبطبيعة الحال لا يمكن أن نجرد الصراع من طابعه العقائدى من جانب المشركين فبعضهم يكون مقتنعا تماما بصحة عقيدته بل إن المرء قد يحتاج لهذا "اليقين" كى يقاتل أهل الحق، وقصة أبو أحيحة لها دلالتها فى هذا الصدد على طرافتها.

وكان أبو أحيحة من كبار رجال مكة، دخل أبو لهب عليه يعوده فى مرضه فوجده يبكى. قال أبو لهب: ما يبكيك يا أبا احيحة؟ أمن الموت تبكى ولابد منه؟ قال أبو أحيحة (وهو سعيد بن العاص بن عبد شمس): لا ولكنى أخاف ألا تُعبد العُزى بعدى قال أبو لهب: والله ما عُبدت العُزى حياتك لأجلك، ولا تترك عبادتها بعد موتك. قال أبو احيحة الآن علمت أن لى خليفة!

ومع ذلك فإن العقيدة الفاسدة تظل متلبسة بالمصالح الدنيوية فى سبيكة واحدة، فأموال أبى لهب (المنشق الأساسى عن بنى هاشم فى دعم رسول الله) وزوجته حمالة الحطب وهى بنت عم أبى أحيحة، وأخت أبى سفيان، كانت تستثمرها لهما قوافل بنى عبد شمس (الذين ناصبوا العداء لبنى هاشم، ولدعوة الإسلام). ففى كفرهما عصبية وفى دفاعهما عن الكفر مصلحة (عبد الحليم الجندى - فى السيرة النبوية - دار المعارف – القاهرة - 1987- ص54).

امتزاج المصالح بعقيدة الشرك والحرص على المكانة السياسية والاجتماعية معنى متكرر فى القرآن الكريم على سبيل المثال: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ) [ النجم- 23]. ( قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) [الأعراف109 - 110]. (إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف -123]. (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) [الأعراف - 127]. (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّى أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الأَرْضِ الْفَسَادَ).

ثم ما الفرق بين حكام اليوم وما يذكره القرآن الكريم عن أناس يدَّعون الإيمان والإسلام: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)] النور-48]. (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ النور-51 ].

وهذا الحديث عن المنافقين يتطابق مع أحوال حكامنا الذين يتفلتون من أحكام الدين الأساسية، مع إعلانهم أنهم مسلمون، ونحن لا نفتش فى الضمائر ولا نشق عن القلوب، ولكن نتحدث عن أقوال معلنة وسياسات منفذة، والذى يختلف معها يرموه بالعمالة لجهات أجنبية أو الإرهاب أو قلة الأدب (السب والقذف). وينصرف ذهن كثيرين إلى أن أحكام الشريعة الإسلامية التى لا تطبق هى الحدود فحسب، وهذا غير صحيح فهذه مجرد القانون الجنائى الإسلامى، أما أحكام الشريعة الإسلامية الأساسية فهى موالاة المؤمنين بعضهم بعضا، وهذا يسمى بمصطلحات العصر: الاستقلال الوطنى، والانحياز غير المشروط لمشروع الوحدة العربية والإسلامية، وإقامة العدل الاجتماعى، والالتزام بالشورى كمنهج للحكم ولإدارة المجتمع، وعدم الدخول فى علاقات أزلية أو استراتيجية مع أعداء الله والوطن، وغيرها من القضايا الأساسية.

وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من حكام سيأتون لا يحكمون بكتاب الله فتكون كارثة على المجتمع. وحيث تحدق به مخاطر خارجية وداخلية شديدة جراء ذلك (ما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم، فأخذ بعض ما كان فى أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله، وتجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) [السيرة النبوية - ابن إسحاق - قطاع الثقافة بأخبار اليوم -الطبعة الاولى – 1999 – القاهرة - المجلد الثانى ص 363].

والقرآن الكريم يحض على مقاومة الظالمين: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْى هُمْ يَنتَصِرُونَ) [الشورى-39] و (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) [الشعراء -227].

وسنفصل فى هذه الأمور إن شاء الله خلال الحديث عن القانون الأخير (قانون إقامة الدولة الإسلامية) فى نهاية الدراسة.

*****

وفى نهاية هذا الفصل نؤكد أن قولنا بأن الجهر بالدعوة (الذى يتضمن سب الآلهة) كان يعنى الإعلان عن الهدف النهائى، وهو القضاء على النظام الوثنى القائم (قلب نظام الحكم بتعبيرات العصر)، فإننا لا نبتدع شيئا ولا نقول عجيبا ننفرد به، وهذه أمثلة لبعض مواقف كتاب السيرة.

يقول ابن قيم الجوزيه: (ودخل الناس فى الدين واحدا بعد واحد، وقريش لا تنكر ذلك، حتى بادأهم بعيب دينهم، وسب آلهتهم، وأنها لا تضر ولا تنفع فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة] [ابن قيم الجوزيه - مرجع سابق – ص 62]

لاحظ التعبير الدقيق وقريش لا تنكر ذلك) وبدأت العداوة مع سب آلهتهم.

ونفس المعنى يشير إليه د. عماد الدين خليل: (وإذ كانت الدعوة الجديدة تتحرك تحت شعار(لا إله إلا الله)بكل أبعاده الشاملة وآفاقه الرحبة، فقد كانت تمثل ردا حاسما على كل القيم الجاهلية، وانقلابا جذريا على مواضعات العصر وممارساته ومطامحه القريبة العاجلة.. وكان ارتطامها بالسلطة والنفوذ والتوجيه فى مجتمع كهذا أمرا محتما].[عماد الدين خليل - مرجع سابق – ص 99]

ويقول محمد عزة دروزة فى تفسيره لشدة مقاومة المشركين للإسلام بالإضافة للأبعاد العقائدية:

[كان الزعماء خاصة الأغنياء يتمتعون بنفوذ السيادة.. ومنها ما كان من رسوخ عصبية التقاليد فى المجتمع العربى.. وخوف الزعامة القرشية وأغنياء مكة على ما كان لهم ولملكه من مركز ومنافع أدبية ومادية عظيمة، بسبب وجود بيت الله فى مكة وسدانتهم له.. ولعل فى تجريد الأغنياء والأقوياء من أسباب قوتهم ومكانتهم، وتحقيرهم الدائم، إثارة للسواد على الزعماء وتحريضا على عصيانهم فيما يأمرونهم به من عدم الاستجابة إلى الدعوة]( دروزة - مرجع سابق).

ويقول مونتجمرى وات: [إن السبب الأساسى فى المعارضة كان بدون شك أن زعماء قريش وجدوا أن إيمان محمد بأنه نبى ستكون له نتائج سياسية. وكانت السنة العربية القديمة تقول إن الرئاسة فى القبيلة يجب أن تكون من نصيب أكثر الرجال حظا من الحكمة والحذر والعقل، فلو أن أهالى مكة أخذوا يؤمنون بإنذار محمد ووعيده وجعلوا يستفسرون عن الطريقة التى يجب أن تدار بها شئونهم فمن ذا الذى يحق له نصحهم غير محمد نفسهي] [ وات - مرجع سابق].

ويقول د. البوطى فى نفس المعنى: [إن حقيقة هذا الدين الذى بعث الله به عامة أنبيائه ورسله، إنما هى الخروج عن سلطان الناس وحكمهم إلى سلطان الله وحكمه وحده. وهى حقيقة تخدش أول ما تخدش ألوهية المتألهين وحاكمية المتحكمين وسطوة المتزعمين ] [ البوطى - مرجع سابق - ص78].

كذلك فإن هذه الرؤية التى نطرحها ليست بعيدة عن بعض الحركات الإسلامية المعاصرة، فالحركة الإسلامية السودانية والتى نعتبرها من أنضج الحركات الإسلامية العربية، كانت قضية السلطة واضحة ومحورية فى حركتها، وشاركت فى عدة انتفاضات ومحاولات لتغيير النظام القائم فى السودان ( 1964 - 1976 - 1985) ، وإن كانت لجأت إلى أسلوب الانقلاب العسكرى أخيرا ( 1989 ) ، فهذا مما يتصل بظروف خاصة بالسودان ، الثورة الإيرانية التى أطاحت بشاه إيران فى واحد من أبرز نماذج الثورة الشعبية والعصيان المدنى فى القرن العشرين .

وكذلك أشرنا إلى حركتى حماس وحزب الله وإن كانتا تطبقان هذا المنهج ( الجهر بالهدف النهائى ورفض التجاور مع المشروعية السائدة ) مع العدو الصهيوني، وهذا صحيح باعتبارهما من حركات التحرر الوطنى .

كذلك تجربة حزب العدل والإحسان بزعامة الشيخ عبد السلام ياسين فى المغرب التى واجهت الملك الحسن وابنه الملك الحالى بمنتهى الصراحة والشجاعة والقوة ونالها من ذلك أذى شديد، إلا أنها من أقوى الحركات الإسلامية فى البلاد، وقد انتزعت شرعية وجودها العلنى بقوة الأمر الواقع ، وترفض المشاركة فى الانتخابات العامة ، حتى لا يكون فى ذلك اعتراف بالنظام القائم وأيضا حزب النهضة التونسى بزعامة الشيخ راشد الغنوشى والمحظور قانونا ، والجبهة الإسلامية للإنقاذ فى الجزائر بزعامة على بلحاج ، وهو لا يزال أكبر التنظيمات السياسية فى الجزائر رغم أنه محظور قانونا.

وحزبنا – حزب العمل المصرى - الذى تعرض لأشرس حملة قمع وحصار منذ عام 2000 بعد أن تحول إلى وعاء لجمع وتوحيد كافة التيارات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، فتم تجميده وإغلاق صحفيته "الشعب" وإغلاق 414 مقرا له فى أنحاء مصر، بالإضافة للاعتقالات والحبس لقياداته وكوادره، وتوجيه إنذار للفرق والتيارات الإسلامية بأن الإنضمام له خط أحمر ومع ذلك يواصل حزب العمل جهاده وشارك فى كافة الانتفاضات والحركات الشعبية بنشاط بين عامى 2000 – 2008 وأثر فى توجهاتها وشعاراتها، ومن أبرز ذلك انتفاضة إبريل 2003 لمناصرة العراق، وإضراب 6 أبريل 2008 وهو أنجح إضراب عام فى التاريخ المصرى المعاصر، وشارك بنشاط فى تشكيل حركة كفاية ، ولا يزال يرفع رايات العصيان المدنى والدعوة للتغير الشامل فى أصعب الظروف حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.

وحزب العمل لا يطرح نفسه بديلا للحركات الإسلامية المصرية الأخرى، ولكن مشروعه قائم على السعى لتجميعها وتوحيدها وفقا لهذه الخطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.