بعد أن تحررت نقابة المهندسين المصرية من الحراسات التي امتدت لأكثر من خمسة عشر عاما، بأحكام قضائية، وغيرها من أسانيد كان النظام يخترعها، لإبطال عمل المجتمع المدني، ومشاركته في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد بحجج مختلفة. ورغم الكتابة والاحتجاج عشرات ومئات المرات، ضد إجراءات وقف الأنشطة المهنية وتحزيم النقابات بالحراسات القضائية، وتأثير كل ذلك علي الخبرات التراكمية المهنية الوطنية المصرية، وخرق القوانين والاعتداء علي مهنة الهندسة وغيرها من مهن، بحجة تعطل النقابة عن مزاولة دورها في الحفاظ علي المهنة وتطويرها، إلا أن النظام لم يستجب أبدا وخرج علي المجتمع بقانون منقوص سمي بالقانون 100،ئ؟ وتولي شئون ذلك القانون الدكتور مفيد شهاب، كمسئول سياسي عن النشاط المهني في مصر، ولعل كان الدور الأسوأ سياسيا في تاريخ هذا الرجل هو تعطيل العمل النقابي في مثل «نقابة المهندسين» خاصة وهي من أكبر النقابات المهنية ليس علي مستوي مصر فقط، ولكن في المنطقة كلها! ومع ذلك فإن الإدارة المؤقتة التي تسلمت النقابة وتعدها الآن، كمرحلة انتقالية، لتسليمها لمجلس شرعي منتخب، التي سوف تتم علي مستوي الجمهورية - حيث مستدعي للإدلاء بالأصوات حوالي أربعمائة ألف مهندس مسجلين في «23» فرعا للنقابة بثلاث وعشرين محافظة منها «محافظة القاهرة»، حيث يقع فيها ثماني دوائر انتخابية، يتقدم إليها المهندسون المسجلون طبقا لمكان إقامتهم لاختيار مجالس إدارة الشعب الهندسية الثماني «كهرباء، ميكانيكا، مدني، عمارة، غزل ونسيج، كيمياء نووي، تعدين وبترول»، وفي ورقة ثانية انتخاب النقيب، ويتباري علي منصب النقيب واحد وثلاثون مهندسا من كل الاتجاهات، وأيضا الناخبون مدعون جميعا «أربعمائة ألف» لاختيار مجلس الإدارة «والمعروف بالكرسي المكمل» عن الشعب الهندسية، بعدد أحد عشر عضوا. بهذا يتشكل مجلس ديمقراطي لأول مرة منذ عشرين عاما تقريبا، مجلس إدارة منتخب لأكبر نقابة مهنية في مصر، ولعل الجدير بالذكر أن ما سيتم يوم «25 نوفمبر» الجاري في انتخابات نقابة المهندسين هو صورة مصغرة تماما لما سيحدث في انتخابات البرلمان المصري يوم «28 نوفمبر» الجاري، أي بعد ثلاثة أيام من انتخابات المهندسين، حيث يتحرك في ساحة الهندسة، جماعات إسلامية وإخوان مسلمون، وسلفيون، وعلمانيون، وضد الحراسة، ومستقلون، ووفاق وغيرها من تسميات، والكل يقدم ويعد العدة لنيل أكبر جزء من الكعكة، بل البعض يتمني أن يبتلع الكعكة وحده، متناسين أن النقابات المهنية خاصة نقابة المهندسين قد دفعت ثمنا غاليا في الماضي، نتيجة تلك النزاعات الأيديولوجية في الانتخابات، فليس من أهداف ونشاط النقابة العمل السياسي، فالعمل السياسي له أحزابه وجماعاته وبرلمانه «وسلطاته وبابا غنوجه» كما يقال في العامة! أما النقابة فنحن في أشد الاحتياج للتقدم بالمهنة لأخذ الموقع الملائم للمهندس المصري المحترم، نريد أن تتراكم الخبرة المهنية بأن نطبق قانون المشاركة مع الخبراء الأجانب في حالة عملهم في المشروعات القومية المصرية، مثل مترو الأنفاق، وغيرها من المشروعات. نريد أن تعود للهندسة الاستشارية قيمتها في مصر، وتدني الأتعاب وعدم الحصول عليها في بعض الأحيان، وعدم السيطرة علي الخلافات بين المهندسين وبعضهم البعض، وبينهم وبين المتعاملين معهم، كل تلك المشاكل بجانب البطالة والتدريب، والخريجين الجدد، كلها مشاكل تنتظر مجلس نقابة حراً، مستقلاً، نزيهاً، يبعد عن اللعب في السياسة، ويتحرك فيما تختص به النقابة من عمل مهني محترم!