كأن القَدرَ أراد أن يكتب لمصر أسبوعًا يحمل فى أيّامه وُجُوهًا مُتعددة للنّصر.. وَجْه المُقاتل، ووَجْه الدبلوماسى، ووَجْه المثقف، ووَجْه الرّياضى المُنتصِر. أسبوع يُذكرنا بأنّ النصر، فى الوعى المصرى، ليس حَدثا يُروَى فى الماضى؛ بل عادة تتكرّر كلما أُتيح للوطن أن يختبر نفسَه أمامَ العالم. فى السّادس من أكتوبر، عاد صوت العبور يُدوّى فى الذاكرة. 52 عامًا مضت على يوم لم يكن عسكريًا فحسب؛ بل كان إعادةَ اكتشاف لجَوهر الشخصية المصرية.. فحرب أكتوبر لم تكن نهاية معركة؛ بل بداية وعى، ورمزًا خالدًا لقدرة الأمّة على تجاوُز كل ما يبدو مستحيلاً. (1) هذا الأسبوع لم يقف عند حدود الذكرَى؛ حيث استضافت مصر جولات جديدة من المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية ومُمثلى القوَى الدولية، فى مساعٍ جادة لإقرار هدنة دائمة فى غزة، والتى كللت بالنجاح. لم تكن الوساطة المصرية مجرد دَور سياسى؛ بل موقفًا يقطع الطريق على كل المُحاولات المشبوهة الرامية إلى تهجير الفلسطينيين أو إعادة رسم خرائط المنطقة. القاهرة كعادتها تقول كلمتها بوضوح بأنّ الأمن الإقليمى لا يُبنَى على الدم، والسلام لا يُصاغ فى العواصم البعيدة؛ بل على أرض تَعرف مَعنى الحرب ومَعنى الكرامة. (2) من شرم الشيخ إلى باريس؛ تواصَلت فصول أسبوع الانتصارات.. فى الميادين التى تُصنَع فيها السياسة والثقافة.. رفرفَ عَلمُ مصر عاليًا من جديد وجاء فوز الدكتور «خالد العنانى» بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو كأول عربى يتولى هذا الموقع؛ ليؤكد أن صوت القاهرة لا يعلو فقط فى ميادين الحرب؛ بل فى أروقة الفكر والتعليم وحماية التراث الإنسانى. استطاعت مصر، بهذا الانتصار الدبلوماسى الثقافى، أن تفرض حضورها فى أهم المنابر الدولية، وأن تُعيد تعريف دورها كقوة ناعمة تمتلك القدرة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين التاريخ والابتكار، وبين الدفاع عن الهوية والانفتاح على العالم. (3) وفى الوقت ذاته؛ جاء الانتصار الرياضى ليُكمل الصورة، تأهل منتخب مصر إلى كأس العالم ليمنح المصريين لحظة فرح وطنية، لا تقل فى رمزيتها عن أى إنجاز سياسى أو ثقافى، فعلى العشب الأخضر كما على خطوط الجبهة، أثبت المصريون أنهم قادرون على الانتصار حين يؤمنون بأنهم يستحقونه. أسبوع الانتصار بحق.. أسبوع تتجاور فيه ذكرى العبور العسكرى مع عبور جديد فى الدبلوماسية والثقافة والرياضة.. أسبوع يثبت أن روح أكتوبر لا تزال تنبض، وأن مصر، رغم كل ما يحيط بها من تحديات، تعرف طريقها جيدًا. من عبور قناة السويس إلى عبور الأزمات، ومن انتصارات الدبابات إلى انتصارات العقول، تبقَى مصر فى جوهرها فكرة واحدة.. النصر ممكن، متى توحّدت الإرادة خلف الحلم. ولعل الرسالة الأعمق لهذا الأسبوع؛ أن الأوطان لا تقاس بما تكسبه من معارك؛ بل بما تحفظه من مكانة.. ومكانة مصر اليوم تبنى فى كل مجال، فى المحافل الدولية، فى ميادين الرياضة، وفى صدارة المشهد العربى؛ لتؤكدَ أنّ من عَلمَ العالم معنَى الكرامة؛ لا يزال يُعلمه معنى الحضور. هكذا تمضى مصر، من نصر إلى نصر، لا تكتفى بأن تتذكر؛ بل تصنع الذكرَى والذاكرة.