في كل عام يمر على السادس من أكتوبر، تزداد قيمة هذا اليوم في الوجدان المصري والعربي، اثنان وخمسون عاماً مضت على انتصار أكتوبر، وما زال المصريون يحتفلون به عاماً بعد عام، بل يوماً بعد يوم، وكأن اللحظة لا تغيب عن الذاكرة، إنه يوم العزة والكرامة، يوم استعادة الثقة بالنفس والإرادة، ويوم استرداد الكرامة العربية. حين نتأمل هذا اليوم، لا نراه مجرد ذكرى عسكرية فحسب، بل نراه رمزاً متجدداً للإرادة الوطنية الصلبة التي غيرت موازين القوة، وأعادت صياغة الوعي الجمعي للأمة العربية، فالنصر في أكتوبر لم يكن فقط عبوراً للقناة أو تحطيماً لخط بارليف، بل كان عبوراً نفسياً وسياسياً، انتقل فيه العرب من شعور الانكسار إلى اليقين بأنهم قادرون على استعادة ما فقدوه متى توحدت إرادتهم. في المقابل، تقف دولة الاحتلال على الجانب الآخر من التاريخ في موقع مختلف تماماً، فالسادس من أكتوبر بالنسبة لهم يوماً للانكسار وجرح مفتوح في الذاكرة العسكرية والسياسية، فهم يحاولون منذ خمسين عاماً أن يصوغوا روايات جديدة، يخفون بها وقع الهزيمة التي لم يتوقعوها، ويبررون بها الصدمة التي عاشوها أمام بطولات الجندي المصري، يحاولون أن يُخرجوا من قلب الهزيمة قصة انتصار مزعوم، ومحاولة بائسة لتجميل صفحة سوداء في تاريخهم العسكري، بعد أن سقطت أسطورتهم الزائفة بأن جيشهم لا يُقهر. لكن الحقيقة لا تُمحى بالروايات، فكلما اقترب السادس من أكتوبر، زاد قلقهم وتضاعف الهجوم الإعلامي من جانبهم، يسعون من خلال ذلك إلى إثارة الضباب حول هذا اليوم العظيم، وكأنهم يخشون من عودة صور العبور إلى أذهانهم، وهذا في ذاته هو الفارق بين المنتصر والمهزوم؛ فالمنتصر يحتفل بالضوء، والمهزوم يحاول أن يطفئه. إن احتفال المصريين والعرب بهذا اليوم ليس فقط لتذكر الماضي، بل لتجديد روح التضامن العربي التي تجلت بأجمل صورها في حرب أكتوبر، كان ذلك اليوم شاهداً على تكاتف الأمة العربية بكل أطيافها، من الخليج إلى المحيط، فروح التضامن تلك لم تكن عاطفة عابرة، بل كانت تجسيدًا لوعي عربي أدرك أن المصير واحد، وأن الانتصار لا يتحقق إلا بالتكاتف. لقد كان انتصار أكتوبر نصراً عسكرياً بكل المقاييس، وأيضاً نصر سياسي ودبلوماسي، فقد أثبتت القيادة المصرية حينها أن الحرب ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لفرض السلام من موقع قوة، لا من موقع انكسار، وهو ما تحقق لاحقاً في مسار السلام الذي استعاد لمصر أرضها كاملة وسيادتها الكاملة. ستة أكتوبر ليس مجرد ذكرى على التقويم، بل حالة وعي متجددة، هو رمز لما يمكن أن تصنعه الإرادة حين تتوحد خلف هدف واضح، هو درس في أن الهزيمة لا تدوم، وأن الانتصار ليس صدفة، بل ثمرة تخطيط وعزيمة وإيمان. واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الثانية والخمسين لهذا النصر المجيد، نُدرك أن الفرق بين الهزيمة والانتصار لا يُقاس بعدد الدبابات أو الطائرات، بل بالروح التي تسكن الشعوب، فالمصريون والعرب يحتفلون بهذا اليوم لأنهم انتصروا بإرادتهم وكرامتهم، أما من هُزم فسيظل يختبئ خلف ضباب الروايات، غير قادر على مواجهة الحقيقة، أن السادس من أكتوبر كان وسيبقى اليوم الذي ينتصر فيه الحق على القوة، والكرامة على الغطرسة. نصر أكتوبر ليس مجرد انتصار عسكري في معركة حربية، بل له أبعاد متعددة، من بينها أنه حطم وهم أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" التي حاولت إسرائيل ترويجها، وأن العرب لا يمكن أن يتفقوا ويتضامنوا، كما أكّد أن شعب مصر وجيشها قادران على حمايتها، وكلاهما مبدأٌ تأكد وسيبقى عبرةً في التاريخ تنير الطريق لنا وللأجيال القادمة.