فارق كبير بين 5 يونيو 1967 و6 أكتوبر 1973، بين الهزيمة والانتصار، بين الانكسار والكرامة، وبين أمة تبحث عن نفسها وسط الآلام، وشعب قرر أن يسترد ذاته. 5 يونيو ليست ذكرى نحتفل بها، بل جرح نتأمل أسبابه كى لا نُلدغ منه مرةً أخرى، والشعوب الحية لا تموت، ورغم مرارة الهزيمة، لم ينكسر المصريون وخرجوا يهتفون لعبد الناصر كى يبقى، ليس لأنه قائد بلا أخطاء، ولكن لأنه كان رمزًا لوطن جريح يريد أن ينهض. ثم جاء أكتوبر ليستعيد الجيش المصرى شرفه والأمة ثقتها، ويعود للوطن اسمه وهيبته، نحن لا نحتفل بالهزيمة، بل نحتفل بانتصار أكتوبر لأنه لحظة فارقة أعادت لمصر موقعها، وللعرب كرامتهم، وكشفت أن التفوق الإسرائيلى أسطورة ورقية مزقتها إرادة المقاتل المصرى على ضفتى القناة. 6 أكتوبر ليس مجرد انتصار عسكري، إنه معجزة وطنية، من مدافع المياه التى هدمت خط بارليف، إلى خطة الخداع الاستراتيجي، إلى المقاتل الذى صام وقاتل وانتصر، وكل تفصيلة فى هذه الحرب كانت درسًا فى القدرة على صنع المستحيل. هل يعرف شبابنا أن ثلاثة آلاف طائرة عبرت القناة فى أولى دقائق الهجوم؟ وقصة «عبد العاطى صائد الدبابات» أو «محمد أفندى» الذى رفع علم مصر فى سيناء؟ كم منهم قرأ عن عبقرية حائط الصواريخ، أو بطولة الفدائيين الذين عبروا القناة ليلاً وعادوا قبل أن تكتشفهم عيون العدو؟ نحن نحتفل ب 6 أكتوبر لأن النصر لا ينسى، والكرامة لا تُدفن، والجيش الذى لا يُهزم هو من لا يرضى أن يظل مهزومًا، ومنذ يوم الهزيمة لم تعرف مصر طعم الراحة، ودخلت حرب استنزاف لم تتوقف يومًا، وكل طلقة فيها كانت إعلانًا بأننا لم ولن نستسلم. وكانت حرب الاستنزاف بوابة العبور الحقيقية نحو إزالة آثار العدوان، وتجسيدًا لإرادة أمة لم تقبل بالهزيمة قدرًا ولا مصيرًا، واعتبرتها حادثًا عابرًا فى مسيرة الكفاح الوطني، وأثبت المصريون خلالها أنهم لا يذوقون طعم الراحة قبل استرداد الكرامة والكبرياء الوطني، وأعادت تلك الحرب رسم معادلات الردع، وأكدت أن شعب مصر وجيشه لا يعرفان الانكسار، بل يصنعان من الألم طريقًا للنصر. حتى البحر انتفض فى أكتوبر 1967 وبعد الهزيمة بأسابيع ليغرق المدمرة الاسرائيلية «إيلات»، ويؤكد أن الأرض والسماء والماء لن تهدأ إلا بالثأر. فى وقت صعب كالذى نعيشه الآن، نحن بحاجة لاستدعاء روح أكتوبر، نستنهض الهمم، ونقول للأجيال الجديدة: النصر لا يُصنع بالهتافات والشعارات، بل بالدم والتضحية والإرادة.. لا نُربى أبناءنا على هزيمة، ولا نُرسخ فى وجدانهم الانكسار ونُعلمهم أن الأمم لا تُقاس بكم خسرت، بل بكيف انتصرت بعدها. ولن نحتفل أبداً ب 5 يونيو، لأن الشعوب التى تتعلم من الهزيمة، وتنتصر رغم الجراح ، هى التى تستحق الحياة.