لايوجد رقيب حر تماما، ورقابة الشارع على الأعمال الإبداعية سواء فى الدراما أو السينما أقوى بكثير من رقابة القانون، هذا ما أكد عليه الناقد الكبير على «أبوشادى» رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية الأسبق - فى الجزء الأول من هذا الحوار. «أبوشادى» تحدث أيضا عن الأفلام التى أثارت ضجة سياسية مثل «طباخ الرئيس وهى فوضى وعمارة يعقوبيان» وغيرها.. فى الجزء الثانى من الحوار يواصل «أبوشادى» سرد شهادته على تلك الفترة المهمة من عمر الرقابة وأصعب المواقف التى تعرضت لها كما يتناول بالتحليل أهم الملاحظات على طريقة عمل وأداء الرقابة فى الفترة الحالية.. وإلى بقية الحوار: متى كانت الأفلام تمثل تهديدا حقيقيا للسلطة؟ - من ثورة يوليو 1952 حتى هزيمة 1967 لم يكن هناك انتقاد للسلطة. أول نقد فعلى كان من خلال فيلم «المتمردون» إخراج «توفيق صالح» ولم يعرض إلا بعد 1967. وكذلك فيلم «السيد البلطي». ما عدا ذلك كانت تتدثر الأفلام دائما بالتاريخ. من خلال صوت نسمعه فى بداية الفيلم يقول: (فى مكان ما فى زمن بعيد) أو يافطة يكتب عليها أن الأحداث وقعت فى الماضي. وأحيانا نجد مثلا نقدا للرأسمالية العفنة فى فيلم «الفتوة» إخراج «صلاح أبوسيف» ولكنه كان من وجهة نظر الدولة. لكن90 % من المنتجين كانوا يؤثرون السلامة. والكم الأكبر من الإنتاج السينمائى كان أفلام «إسماعيل يس» و«فؤاد المهندس».. التيار العام كان مع الدولة والنظام الجديد. وعدد محدود جدا كان ينتقد وعلى استحياء، وكانت الرقابة تسمح لهم بذلك الانتقاد ولكن وفقا لليافطة إياها. لكن كان هناك تفتح من نوع آخر فى الرقابة فى هذه الفترة. هل كانت هناك مقايضة مثلا؟ - كان هناك مشروع نهضوي، لم تكن الدولة علمانية بقدر ما كانت متحضرة. لم يكن هناك حجاب، كان لدينا رئيس جمهورية يقول «إنتو عايزين تلبسوا الناس طرح».. بناته وبنات المشايخ لسن محجبات. المجتمع فى هذه اللحظة كانت لديه رغبة فى النهضة التنويرية، المجتمع والنظام كانوا مع الحرية، ربما كانت الحرية السياسية مقيدة بعض الشيء، لكن لم تكن توجد مشكلة فى ارتداء المايوهات أو تبادل القبلات. فيما بعد تغير المجتمع كله.. والمسألة لم تكن مقايضة. بل كان أسلوب الأفلام هو التركيز على الإسقاط (أنت ومش أنت) مثل «المتمردون» كان واضحًا جدا أن شخصية «شكرى سرحان» هى شخصية «جمال عبدالناصر» وأنه ومن معه غير مؤهلين.. ومثل هذه الأفلام كان ينفذها هامش قليل جدا من الفنانين المثقفين أصحاب الرؤية. وبعد 67 أصبح هناك كلام آخر. الدولة أصبحت ضعيفة، مهزومة. تريد التغيير، تحاول منح انفراجة، هامش ديمقراطى نقدى فتظهر أفلام مثل «ميرامار»، «شيء من الخوف» الذى كان يهاجم «عبدالناصر» بشكل مباشر ومع ذلك سمح به وقال جملته الشهيرة «والله لو كنا كده نستاهل الحرق». بعد 67 كان «مصطفى درويش» رئيسا للرقابة وفى فترة رئاسته تم عرض فيلم «انفجار - blow up» وظهر مشهد صدر عار لامرأة. وهذا ممنوع قانونا. لكنهم سمحوا به وقتها. وأذكر أنه كان هناك طوابير من الجمهور - وأنا منهم - أمام سينما مترو لمشاهدة هذا الفيلم. بعد هذه الواقعة حاول الرقيب تكرارها فى فيلم آخر فتمت إقالته، لقد صدق أن هناك حرية!! النظام هو من يحكم الرقابة. ماذا عن القانون؟ - الفكرة فى كيفية تعامل الرقابة مع القانون الذى لم يتم تعديله منذ عام 1955 سوى مرة واحدة فى عام 1992 لكن القانون نفسه ينص علي: «الحفاظ على النظام العام». وهذه فكرة مطاطة، لكنها أفضل من (التحديد) خاصة فى القوانين المتعلقة بالإبداع. أنا أريدها مطاطة حتى تساعدنى عندما أعمل عليها. مثلا عندما جاء «جمال العطيفي» بعد «المذنبون» وأصدر 22 محظورا كانت كارثة. بمناسبة «المذنبون» هل من الممكن أن يتم التصريح بفيلم ثم يرفع من دور العرض ويتم معاقبة الرقباء؟ - حدثت هذه الواقعة بسبب أن الإخوة فى الكويت بعثوا برسالة أن الفيلم يسيء لسمعة مصر. فتمت مجازاة الرقيبة وأظن أن السبب فى هذا أن النظام نفسه كان ضعيفا. ففكرة مداعبة سمعة مصر وهى أسوأ شماعة لأنها فكرة مطاطة جدا ولا يليق بدولة مثل مصر أن تخشى من مشهد على الشاشة. سمعة مصر أن تقوم بإصلاح ما تعرضه الشاشة، «سمعة مصر» أن تحدث نهضة وعدالة اجتماعية, والمخرج مهما حاول المبالغة فإلى أى حد سيبالغ؟ ما هو أقصى شيء سيقدمه؟ «الشطحات» تكشف الواقع وهناك ممنوعات رقابية لا يمكنه تعديها. والإيحاءات تأتى وفقا لما يفهمه المشاهد، إذا جاء إيحاء مثلا لعلاقة جنسية محرمة سوف يتم حذفها بالقانون وليس بالرقيب. عامة أرى أن موضوع سمعة مصر تجارى وسخيف ولا يتم التعامل معه لا من الدولة ولا النظام ولا الرقابة، هذا دور النقد. وأتذكر قانون صكه الراحل «سمير فريد» أن التفاهة ليست سببا للمنع. نقرأ فى تاريخ الرقابة عن قوانين صارمة تمنع مثلا، ظهور حبل الغسيل أو الطبلية وغيرهما؟ - هذا قانون 47 . الذى كان يحارب كل شيء وكان هذا القانون مأخوذا من قانون أمريكي. وأمريكا كانت متزمتة أكثر منا ألف مرة، وخاصة فيما يتعلق بالدين وقد اشتعلت حرب فى أمريكا بين المحافظين والفنانين استمرت لعشرات السنين. بعض الأفلام ومنها ما عرض فى فترة رئاستك للرقابة كانت تستخدم ألفاظا بها إيحاءات جنسية أو شتائم مقنعة كما حدث مثلا فى «إتش دبور» وكلمة «إيه سفن إيه»، كيف يمكن مرور مثل هذه الأشياء؟ - إذا قيل أمامى ألف لفظ بهذه الطريقة لن أعرفها. ولن أستطيع منعها.. ومثلا حدثت مشكلة على إحدى أغانى «تامر حسني» والتى غناها فى فيلم «سيد العاطفي». فهو يقول «طيبة قلبك» لكنه يمط الياء فى كلمة «طيبة». كرقيب لا يمكن أن أمنعه لأن النص مكتوب «طيبة» وإذا قلت يمنع لأنه يقصد شيئا آخر سيقول لى لا، لا أقصد أنت نيتك سيئة. عامة الإيحاءات أصبحت تستخدم طوال الوقت فى كل الأفلام لكن قانونا لا يمكن محاسبة قائليها لأنهم سيقولون لا نقصد ما فهمتموه.. ومادام لا يوجد شيء مباشر لا يمكن أن أمنع، لأن صاحب العمل سيقول لا أقصد والأفلام ليست بالنوايا. ومشاهد الرقص فى الأفلام وما نراه فيها من تجاوز؟ - فى هذه الحالة الرقابة تطالب بالتخفيف.. لأن هذا يندرج تحت قانون الآداب العامة. وما يحدث مؤخرا فى مشاهد الرقص فى الأفلام يعود أولا إلى عقلية الرقيب. كما أن هناك أشياء يتم التحايل عليها بالتصنيف العمري. ما رأيك فى تجربة تطبيق التصنيف العمرى؟ - نعم، لدينا الآن تصنيف عمري، ولكن بناء على ماذا؟ يعنى لو طفل فى الثامنة من عمره وطويل القامة.. من أين لصاحب دار العرض أن يعرف أنه ليس فى الثانية عشرة هل يأتى للسينما بشهادة ميلاده مثلا؟ وهل تذهب الأسرة إلى السينما مع أبنائها ومعهم شهادات ميلادهم؟ ولكنه حماية للأسرة نفسها؟ - فلنجعلها 16 عاما. إذا حدثت مشكلة تطلب البطاقة.. التصنيف العمرى عموما قائم على فكرة الثقافة العامة عند الناس والمتمثلة فى التعليم ومستوى ثقافى معين، بمعنى هناك استقبال مختلف فى العالم لدى الطالب ذى الثانية عشر الذى درس شيئا معينا، وبين المدرس هنا الذى يخجل فى حصة الأحياء، لذلك التصنيف العمرى يحتاج لثقافة مختلفة وتطبيق آخر.. هذا الأمر يحتاج لمستوى ثقافى وتربوى حتى يتحقق على أرض الواقع. لقد تم تنفيذ التصنيف العمرى فى ظرف غير مناسب. كذلك لم يكن هناك تطبيق لفكرة «للكبار فقط» من قبل؟ - متابعة التطبيق صعبة، خاصة فى العدد المحدود للمفتشين. المشكلة مركبة هنا. لكن البعض كان يهمه أن تخرج فكرة التصنيف العمرى حتى يكون قد حقق إنجازا. و قرار التصنيف العمري، مضحك، يعنى الدباجة مع حرية التعبير، مادة 2 يمنع ويمنع ويمنع والمادة الثالة تصنيف عمري. إذا كنت تريد تصنيفا عمريا فلا بد أن تلغى الممنوعات لأننا هنا نضع قاعدة لمن مسموح لهم بالمشاهدة ومن ليس مسموحا لهم. ومن المفترض ألا تكون للرقابة أحقية فى الحذف بعد قرار التصنيف العمري. ما أراه هنا حق يراد به باطل، وقد نفذ فى عجالة إرضاء ل«جابر عصفور» و«خالد عبد الجليل». لذلك أرفض التصنيف العمرى وأراه غير صالح للتطبيق فى مصر لأن له ظروف تطبيق لا تتوافر هنا. أنا مع التصنيف العمرى عندما تتحقق ظروف تطبيقه بشكل صحيح.. وتكون له آليات محددة وإمكانية للتفتيش وإعلام حقيقى للمشروع حتى يستوعب الناس سبب تطبيقه. وحتى يكون القانون متوافقا معه. وحتى الآن التصنيف العمرى قرار وليس قانونا وما فعله هو زيادة الرقابة وكمية الممنوعات أكثر مما سبق لأنها منقولة من أشياء أجنبية. لقد تم عمل التصنيف العمرى حتى يقال أن فلانا أو فلانا «عملوا» كذا. فى رأيك من أهم من ترأس الرقابة؟ - سوف يظل اسم «مصطفى درويش» بصفته الأكثر تحررا. رغم أنه وجد فى ظرف كان يسمح له بذلك، وعندما خيل إليه أن الموقف أصبح موقف نظام واستمر فى استغلال هذه الحرية تمت إقالته. من هو الرقيب الماهر؟ - المهارة أن تلعب هنا دور المحامى وليس دور وكيل النيابة . المحامى بنفس القانون يبرئ المتهم وهذا يفيد المبدع. وبحسابات النظام وبنفس القانون من الممكن أن يعدم هذا المتهم. هناك رقيب وكيل نيابة ورقيب محام. والرقباء المحامون قليلون.. يعنى حتى «نجيب محفوظ» كان مثل القاضي. الحكم من قلب الأوراق وكان محافظا جدا لم يدخل فى مشاكل أو اشتباكات لأنه أخذ دائما بالأحوط. ولأنه كان موظفا ممتازا. ومع ذلك فبعض الرقباء لديهم مواقف رائعة مثل «نعيمة حمدي» - رغم أنهم كانوا يطلقون عليها المرأة الحديدية لأنها كانت متشددة جدا فيما يتعلق بالدين والجنس، لكن فى لحظة الجد اتخذت موقفا فى منتهى الشجاعة عندما اتهم صناع فيلم «للحب قصة أخيرة»: المخرج «رأفت الميهي»، المنتج «حسين القلا» والفنانان «يحيى الفخراني» و«معالى زايد» بارتكاب فعل فاضح فى الاستوديو. فقدمت شهادة من أعظم ما يكون ودافعت عن الفيلم دفاعا بلا حدود وأنقذت الفيلم وهؤلاء الناس، وتم وضع القضية بالكامل فى الدرج منذ عام 1986. كان هذا الاتهام نوعا من التصيد من قبل جماعة الإخوان للسينما ولكن موقف الرقيبة هنا كان نبيلا جدا. وأذكر أننى مررت بموقف مشابه مع فيلم «أبوالدهب». حيث كان الرقيب «حمدى سرور» قد قدم بشأن اثنين من أبطاله «معالى زايد» و«ممدوح وافي» محضرا بأنه قد تم إضافة مشهد للفيلم لم يعرض على الرقابة. والإضافة أو الحذف من صناع الفيلم من دون الرجوع للرقابة يعد جريمة قانونية.. واستمرت القضية فى عهد «درية شرف الدين»، وفى الأيام الأولى التى توليت فيها رئاسة الرقابة ذهبت للمحكمة للإدلاء بشهادتي، وكان من المفترض أن أكون فى صف الرقابة لكنى دافعت عن الفيلم وعن البطلة «معالى زايد»، وأذكر أن القاضى الذى كان شابا، تركنى أتحدث كما أشاء. فما فعلته أن قمت بشرح العملية السينمائية له وقلت له أن هناك فرقا بين الشخص - الفنان - والشخصية التى يؤديها. يعنى مثلا «تحية كاريوكا» ليست شفاعات. شفاعات شخصية؟ وتحية شخص. إذن من نحاكم هنا الشخص أم الشخصية. وقد اقتنع القاضى مشكورا بالكلام. وخرج الناس براءة. هل توجد أفلام قتلتها الرقابة؟ - لا يوجد فيلم قتل، زمان حدث مع فيلم «من فات قديمه» نتيجة ظروف سياسية بسبب تدخل حزب الوفد لمنع الفيلم. وكذلك «لاشين» الذى تغيرت نهايته و«العصفور» تم وقفه ثم عرض بعد 1973. الفيلم مادام نفذ لا يموت. السيناريوهات فقط هى التى ترفض. وحدثت معى مثلا واقعة فيلم «عين شمس» الذى اتهمت بمنعه، لكنى فى موقفى من هذا الفيلم كنت ملتزما كرئيس رقابة بقانون معين. لقد صور الفيلم دون عرض السيناريو على الرقابة. وطلبوا منى بعدها التصريح بعرض الفيلم. وهذا غير قانوني. وقتها قلت لهم الحل بأن يقدموا السيناريو ويأخذوا موافقة عليه، ثم يتقدموا بعد أسبوع مثلا بالفيلم فيحصلوا على تصريح العرض. رفضوا رغم أنى طلبت منهم أن (يضحكوا علىَّ) حتى يأخذ الفيلم مساره القانونى ويصرح بعرضه. غير ذلك يكون الفيلم «ابن حرام» ليس له شهادة ميلاد. وكان الحل الوحيد وقتها أن يعرض كفيلم أجنبي. هل عرض الفيلم كفيلم أجنبى يحميه من الرقابة؟ مثلا «باب الشمس» عرض هو الآخر كفيلم أجنبى وكان به سماح ببعض الأشياء التى ترفضها الرقابة فى الفيلم المصري؟ - لا،«باب الشمس» الإنتاج بالكامل أجنبي. ومع ذلك من الممكن أن يحدث ذلك، ليس تحايلا على القانون ولكن هروبا من القانون الذى لن يطبق عليه لأنه لا يتبعه. الفيلم الأجنبى تتمثل علاقتى به فى نسخة العرض على الشاشة وليس السيناريو مثل الفيلم المصري. وحتى مع اللفظ الذى قالته البطلة فى «باب الشمس» والذى صرحنا بعرضه، فأنا معه تماما وكنت سأدافع عنه لو كان تقدم كفيلم مصري. لأن المشهد فى غاية الأهمية والسياق الدرامى هنا هو الحاكم، فالبطلة ليست كما وصفت نفسها بأنها «عاهرة» لكنها ادعت ذلك كى تنقذ زوجها، وأنا مع المشهد ومع الفيلم وكنت مستعدا للدفاع عنه لآخر مدي. وفى هذه الحالة أترك الكلمة لأنها لا تعنى معناها الحرفي.. هى هنا دفاعا عن الحق. أستاذ علي.. هل يحتاج الشعب وصاية؟ - هذه قضية خلافية، ولا يوجد شعب يريد ذلك. ولكن فى الوقت نفسه كل الشعوب المحافظة تريد أن تستخدم بدائل وأن تأتيها كل الأشياء بسهولة. ومع ذلك فالرقابة موجودة حتى فى الدول المتحضرة. ولكن بصورة مختلفة.. وهناك بعض المدن فى العالم تقوم فيها المجالس المحلية بمنع الأفلام. هذه ليست وصاية ولكنه جزء تربوى ضد العنف والجنس. والجمهور فى النهاية ليس كتلة صماء هناك اختلافات. يعنى أذكر عندما عرض فيلم «دانتيلا» ل«إيناس الدغيدي» كاملا دون حذف فى مهرجان الإسكندرية وذهبت لمشاهدة الفيلم فى قاعة العرض مع الجمهور.. بعد انتهاء الفيلم، انقسم الجمهور لنصفين: الأول يلعن الرقابة وهى فين الرقابة،والثانى يحيى الرقابة المستنيرة. وقفت لأشاهد الموقف.. النصف مع الرقابة واستنارتها والنصف الثانى ضد الرقابة وانحلالها. ماذا يفعل الرقيب فى هذه اللحظة؟ الرقيب هنا مع ما يراه. تسأليننى هنا هل يحتاج الجمهور وصاية، الإجابة نعم، الشعوب المتخلفة تحتاج وصاية. وكيف تتصرف فى مثل هذه المواقف؟ - المشهد الجنسى فى الفيلم بين «يسرا» و«محمود حميدة» كان 9 لقطات، وكانت صعبة بالغة الصعوبة.. يعنى تكاد تكون فعلا جنسيا فعلا، فقلت ل«إيناس الدغيدي» و«يسرا»: «مينفعش، أقترح حذف 3 لقطات لأن هناك تجاوزا ومادامت باقى اللقطات توضح الفكرة فلا داعى للمزايدة». غضبتا جدا فقلت لهما أن هذا الحذف فى مصلحتهما ومصلحتى لأن المشهد يفوق طاقتى وطاقاتهما. وبالفعل حذفت 3 لقطات لتخفيف المشهد وما حدث بعد ذلك أن «إيناس الدغيدى» يوم العرض الخاص للفيلم وقفت على المسرح ووجهت الشكر لى وقالت: «رغم الخلاف الذى حدث فإننى أشكره لأن ما فعله كان هو التصرف الصحيح». بالنسبة لى مجرد أن تقال هذه الجملة ومن فنان كان فى شدة الغضب منى إلا أنها كانت متأكدة أننى أفعل ذلك لمصلحتها. وهذه هى الثقة التى أتحدث عنها، فأنا لم أقدم محضرا فى فنان ولم أزج بفنان فى السجن حتى محاضر الراقصات كنت أضعها فى الأدراج. ما إنجازك الحقيقي؟ - لن أقول أننى أعدت الثقة فى العلاقة بين الرقابة والمبدعين.. لكنى على الأقل فى السنوات الثمانى التى توليت فيها رئاسة الرقابة أصبح هناك نوع من الطمأنينة والثقة عند كل المبدعين أن على أبوشادى سوف يفعل أقصى ما فى جهده لإنقاذ العمل الفني، وإن لم يستطع فهذا خارج عن إرادته وهذا أهم شيء بالنسبة لي. وماذا عن الجمهور. هل كنت تخاف منه؟ - لا.. لأن الجمهور الذى يعرفنى يقول لى الآن «ولا يوم من أيامك»، وكانت الاتهامات عادة ما توجه لى من المتشددين والمتزمتين وكنت سعيدا بهجومهم هذا. لأنى ضدهم بشكل كامل وضد كل ما يقولونه وضد تفكيرهم، لأنى رغم ديمقراطيتى فإننى أحترم هذا التفكير المكبل المتشدد. أنا مع الحرية فى ظل القانون الذى يحمينى ويحمى المبدع. لذلك تحدثت عن علاقة الثقة، لأن المبدعين كانوا يعلمون أننى معهم وأننى المحامى الذى سوف يدافع عنهم.