بشجاعة تستحق التقدير، قالت الفنانة والمنتجة والموزعة إسعاد يونس كلمتها بعنوان واضح وصريح لا يحمل أي تحفظ أو تأويل: «علي أبوشادي استقل.. يرحمك الله».. إلي هذه الدرجة من الغضب وصل الحال بالسينمائية الكبيرة مما تفعله الرقابة بالسينما والسينمائيين! كنا قد اعتدنا مواجهة الرقابة بما تفعله من تعنت وتجاوزات في حق الفن والإبداع من خلال أقلام النقاد والصحفيين أو من خلال تصريحات بعض السينمائيين في حواراتهم الصحفية، ويكون هذا في الأغلب بعد العرض والحذف من الأفلام.. ولكن لم تبلغ الجسارة بأي سينمائي أن يطالب «الرقيب» بالاستقالة، لأنه فقد معظم سلطاته، ومنحها لجهات أخري سواء أمنية أو دينية أو نقابية أو سيادية، ليحصل منها علي الموافقة علي السيناريو أو الفيلم قبل أن يسمح هو أو يقرر إجازته! مقال إسعاد يونس في جريدة «الشروق» يعني أن الكيل فاض، وأن الرقابة أصبحت عبئاً حقيقياً علي الإبداع وصناعة السينما نفسها، وأن ما وصل إليه حال السينما من تقديم أفلام تافهة واستهلاكية يرجع في أحد أسبابه إلي التدخل الدائم للرقابة في النص السينمائي «السيناريو» وطلب حذف أحداث أو شخصيات، وتعديل المهن التي يختارها المؤلف، وإلا!.. وقد لا يعلم الكثيرون أن هناك عشرات السيناريوهات ترفض سنوياً، أو تكتب عليها «ملاحظات» من الرقباء لابد من تداركها حتي يتم السماح بتصوير الأفلام.. ولعلنا نعلم أن هناك نجوماً وكتاب سيناريو ومخرجين يلجأون لمسئولين «كبار» للتدخل وإجبار الرقابة علي إجازة الأفلام. كل هذا يحدث وبشكل صارخ في العامين الأخيرين، بعد أن أصبح الرقيب أو علي أبوشادي «يتطوع» من تلقاء نفسه بإرسال السيناريوهات إلي الجهات التي يري أن السيناريو يتعرض لها، حتي يعفي نفسه من المسئولية التي تعتبر حقاً أصيلاً له طبقاً للقانون.. وهذا التقليد الذي أرساه «علي أبوشادي» جعل من الطبيعي بعد ذلك أن نري هواة الشهرة يلجأون للمحاكم لتجريم الأفلام، ونري بعض أعضاء مجلس الشعب يقدمون طلبات الإحاطة.. فقد أصبح المجال مباحاً. وكان آخر تصريح لعلي أبوشادي يقول: «من حق» الداخلية «قراءة السيناريوهات».. والمشكلة في هذا التصريح وغيره من تصريحات رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية أنها تكرس وضعا غير صحيح، وتفقد جهاز الرقابة اختصاصه. لقد أصبح الأمر كله يمثل عبئاً شديداً علي السينما كإبداع وصناعة. ولا شك أن هناك اختلافاً كبيراً بين علي أبوشادي «الناقد» وعلي أبوشادي «الرقيب» وإذا عدنا إلي كتاب «كلاسيكيات السينما العربية» الذي صدر منذ 15 سنة لوجدناه يوجه نقداً شديداً لمصادرة فيلم «لاشين» مثلا يوم عرضه!.. ويذكر في نفس المقال معلومة تاريخية مهمة: «كانت وزارة الداخلية هي المسئولة عن الرقابة علي المصنفات الفنية في تلك الفترة»، فهل يريد أبوشادي أن يعيد الرقابة لوزارة الداخلية، ويعود بالزمان 70 سنة كاملة للوراء ليصبح الإبداع السينمائي في قبضة وزارة الداخلية، ويضرب عرض الحائط بكل القوانين والتشريعات التي اعتبرت السينما من أدوات وزارة الثقافة والتي عينت علي أبوشادي بوصفه أحد موظفيها رئيساً للرقباء!!.. إنه أمر غير مفهوم فعلاً! وفي نفس الكتاب يكتب علي أبوشادي الناقد عن فيلم «البريء» لعاطف الطيب، فيقول في المقدمة: لم يسبق في تاريخ السينما العربية أن احتشد ثلاثة وزراء ليمارسوا مهمة «الرقابة» علي أحد الأفلام.. كان الوزراء الثلاثة المشير أبوغزالة وزير الدفاع واللواء أحمد رشدي وزير الداخلية، ود. أحمد هيكل وزير الثقافة، ويصف بعد ذلك ما حدث للفيلم قائلاً: فنهشوا جسد الفيلم، ومزقوا عشرات من مشاهده حذفاً وتشويهاً.. ولكن ما بقي منه ظل شاهداً علي ارتجاف بعض عناصر السلطة وعدم قدرتها علي تحمل فيلم سينمائي.. والله العظيم هذه كلمات الناقد علي أبوشادي شخصياً يوم كان ناقداً. والآن.. ماذا بعد؟ ان استمرار «وضع» الرقابة الآن هكذا لم يعد ممكناً، فقد أصبحت أحد أسباب أزمة السينما والإبداع في مصر، والمسئولة عما وصلت إليه الأفلام من تسطيح واستهلاكية. أما الأمر الثاني الذي لابد من الإشارة إليه، أنه أصبح في مصر الآن ما يعرف بالسينما المستقلة التي تصور أفلامها بكاميرا «الديجيتال» وهذه الأفلام يتم تصويرها بدون إذن الرقابة، والرقابة بدأت تدخل في صدام معها، ولعل فيلم «عين شمس» للمخرج إبراهيم البطوط أفضل مثال حتي الآن، حيث رفضت الرقابة منحه الجنسية المصرية لأن المخرج قام بالتصوير دون الرجوع للرقابة.. ومشكلة أفلام «الديجيتال» مؤجلة الآن.. ولكنها سوف تصبح مشكلة كبيرة خلال الفترة القصيرة القادمة. وهذا يجعلنا نشير إلي الأمر الثالث وهو ضرورة تعديل قانون الرقابة وبلورته من خلال بنود واضحة وغير مبهمة بحيث تسمح للرقيب أن يجيز ما يشاء ويمنع ما يشاء باسم بنود الآداب العامة والأمن القومي وغير ذلك.. وأعتقد أن الناقد علي أبوشادي يعلم ذلك جيداً، ولكن دائماً ما يقول إن تغيير قوانين الرقابة الآن يعد أمراً صعباً علي أساس أن أعضاء مجلس الشعب «بوضعه الحالي» سوف يجعلنا أمام قانون أكثر تشدداً وإعاقة للإبداع.. وكأن الناقد الرقيب يحذرنا من «أمنا الغولة» أو «أبورجل مسلوخة»!.. يا سيدي الرقيب لقد عبرنا هذا الزمن، ولم يعد صناع السينما أطفالاً يشعرون أو تطاردهم «كوابيس» حكايات الجدة «!!». ان «الرقيب» هو سيد قراره، دون تدخل أي جهة، وهذا ما يجب أن يتفهمه الرقباء، وهذا ما ينص عليه قانون الرقابة سواء تم تعديله أو بقي علي ما هو عليه، وكفانا ما أصاب الإبداع من وهن وضعف بسبب ارتجاف الرقابة من كل شيء وأي شيء.