على خلفية ما نشرته «روزاليوسف» الأسبوع الماضي، من تحقيقها عن أسباب وفاة مطران القدس الأنبا إبراهام، والذى جاء تحت عنوان «الموساد قتل مطران القدس المصري»، والذى أثار كثيراً من ردود الأفعال بشكل كثيف ما بين مؤيد (وهو أمر طبيعى بل وحتمى لأن إسرائيل هى العدو الأوحد للعرب مسلمين ومسيحيين فى المنطقة، وقد سبق وأن هاجمها البابا الراحل شنودة الثالث بالعديد من الأقوال والخطب، واتهمها صراحة بالعنصرية) أما أن يأتى رد الكنيسة القبطية المعروف عنها انتماؤها الوطنى على مر العصور، مدافعا عن إسرائيل فهو أمر يثير الدهشة! فالتحقيق الذى نشرته «روزاليوسف» فى عددها السابق حول تورط الرهبان الأحباش فى القدس بمساعدة إسرائيل فى قتل الأنبا إبراهام مطران القدس المتوفى منذ أيام، اعتمد على ظهور جثمان المطران الراحل وعلى وجهه العديد من الإصابات والتى تؤكد الشك فى مقتله وهو الخبر الذى نقلته عن «روزاليوسف» أغلب المواقع والصحف، ولكن الأمر المثير للدهشة أن تصدر الكنيسة القبطية بياناً على لسان متحدثها الرسمى ينفى ما كتبته «روزاليوسف» عن قتل المطران، ليبعد الاتهام عن الموساد الإسرائيلى ويتهمها بإثارة الشائعات! والذى جاء فيه: «بشأن ما تردد على بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعى حول الإصابات التى ظهرت على وجه الراحل الأنبا إبراهام مطران القدس أثناء الصلاة عليه. تود الكنيسة القبطية أن توضح أن ذلك حدث له قبل النياحة (أى الوفاة) مباشرة فبعد دخول نيافته المستشفى أصيب بتشنجات عصبية شديدة أدت إلى ارتطام وجهه بالأجهزة الطبية الموضوعة بجوار سريره، ما أدى إلى حدوث كدمات بالوجه، هذا وقد قام الأطباء على الفور بعمل أشعة مقطعية على الرأس وتبين أن الارتطام لم يؤثر على المخ. وفى كل ذلك كان يرافق نيافته الراهب أثانسيوس الأورشاليمى لحظة بلحظة. أما عن ما تردد بخصوص عدم وضع الجسد بالكنيسة لمدة 3 أيام كما حدث مع الراحل البابا شنودة الثالث فهذا الطقس فقط يخص الآباء البطاركة ولا ينطبق على درجة كهنوتية أخري»، وهنا نرد بأن مجلتنا سياسية بالدرجة الأولى وليست فقهية أو كنسية كى تلتفت لتفاصيل الصلاة أو تعاليم الكتاب المقدس، ولا تحتاج إلى مرجعية مسيحية تستفتيها، فلا يوجد فى أى مؤسسة صحفية مصرية أو عربية أو حتى عالمية مرجع دينى للصحيفة تستفتيه وتسأله لأن هذا يعيب فى المهنة الصحفية أن تخرج أوراقها وموضوعاتها على مقاس الرقيب الديني، إضافة إلى أن «وضع جثمان المطران الراحل لمدة 3 أيام من عدمه» هذه التفاصيل نعتبرها ثانوية لأن جوهر القضية التى أثارتها «روزاليوسف» هى سياسية محضة تأتى من حرصها الدائم على كرامة الإنسان المصرى والعربي، ورصد كل انتهاك يفعله العدو الصهيونى تجاه أى إنسان عربي، والمطران الراحل الأنبا إبراهام مصرى عربى ومناضل بامتياز، ويشهد له بذلك كل من عاصروه. أما عن تساؤلنا فى التحقيق المنشور عن التقرير الطبى لسبب وفاة الأنبا إبراهام فكان يجب على المتحدث قبل أن يكيل الاتهام لنا، أن ينشر هذا التقرير كمستند ينفى ما ذهبنا إليه فى تحقيقنا، وعدم نشر هذا التقرير يعنى أنه لم يستخرج من الأساس، وأنه كان هناك ارتباك صاحب موت المطران ولم يتنبه من حوله لاستخراج هذا التقرير لعدم أهميته فالمطران تم دفنه فى الكنيسة ولا يحتاج إلى تصريح دفن وهذا يفسر لنا عدم إحضار جثمان المطران إلى مصر للصلاة عليه ودفنه لأن هذا كان يستلزم إجراء الكشف الطبى على الجثمان بمعرفة سلطات الدولة المصرية لاستخراج تصريح للدفن. تلك الإجراءات التى كان يمكن لها أن تكشف مستورا لم تشأ الكنيسة كشفه. المتحدث الرسمى يؤكد أن تلك الإصابات حدثت قبل الموت مباشرة ثم يعود ويتناقض مع نفسه ليقرر أنه تم عمل أشعة مقطعية على الرأس وتأكد الأطباء بأن ارتطام الوجه بالأجهزة لم يؤثر على المخ، أى أن المخ سليم. ومن المعروف أن التشنجات العصبية تكون نتيجة خلل فى المخ يؤثر على الجهاز العصبى وهو ما يتنافى مع ما أقره البيان بأن الأطباء تأكدوا من سلامة المخ وبالتالى تكون تصريحات المتحدث الكنسى بلا دليل. ولو صدقنا أن المطران أصيب بتشنجات عصبية فعلا فمعروف أن المرضى المعرضين لمثل تلك النوبات العصبية يوضعون على أسرة خاصة بهم تقيد حركتهم حتى لا تتسبب تلك التشنجات فى أضرار لهم فهل تم اتخاذ تلك الاحتياطات مع المطران أم أهملت؟ أم كانت موجودة وهو ما ينفى أن الإصابات جاءت كنتيجة للارتطام بالأجهزة. إن وجه المطران بكامله كانت به إصابات وتنشر «روزاليوسف» صوراً حصرية توضح وجود إصابات بالجبهة والأنف وتحت العينين وفى الخد الأيمن كاملاً. ولا يمكن لارتطام أن يؤدى إلى كل تلك الإصابات ويستحيل أن يكون وجه المطران قد تعرض للعديد من الارتطامات لوجود راهب مرافق له سوف يحول دون تكرار الارتطام ومن ثم تظهر إصابة أو إصابتين وليس إصابات فى الوجه بأكمله. أدلة جديدة استطعنا أن نتحصل على بعض المعلومات التى تؤكد أن وفاة الأنبا إبراهام كانت غير طبيعية فالرجل كان قبل أيام قليلة قبل وفاته فى كامل وعيه ولم يصب بأى نوبات عصبية تفقده الإدراك وهو ما أكده الأنبا موسى أسقف الشباب قبل أيام من وفاة الأنبا إبراهام حيث كان الأنبا موسى يعالج فى إنجلترا وصرح بأن الأنبا إبراهام كان دائم الاتصال به والاطمئنان عليه ولم يدخل فى غيبوبة، فالادعاء بأن المطران الراحل دخل فيما يذهب عقله هو ادعاء كاذب. إضافة إلى أنه كانت هناك محاولتان قام بهما الرهبان الأحباش لقتل الأنبا إبراهام الأولى عام 2002 حيث جاء فى تقرير لمارك دوفى نشرته شبكة بى بى سي: «شهدت كنيسة القبر المقدس أحد أقدس الأماكن المسيحية فى القدس معركة دارت رحاها بين مجموعتين من القساوسة المصريين والأثيوبيين، واندلع الخلاف الذى تبادل خلاله الجانبان اللكمات والضرب بالعصى والقضبان الحديدية حيث حاول الرهبان الأحباش الاعتداء على الأنبا إبراهام فانتفض أبناؤه من القساوسة والرهبان للدفاع عنه وقد أصيب فى تلك المعركة 11 من الأحباش و4 من المصريين كان من بينهم الأنبا إبراهام»، أما المحاولة الثانية فقد كانت منذ أربع سنوات حيث قام أحد الرهبان الأحباش برمى الأنبا إبراهام بحجر كبير أصابه فى رأسه. الشبهات تحاصر الموساد ويتضح لنا أن الأنبا إبراهام مطران القدس كان مستهدفا من قبل الرهبان الأحباش والسبب فى ذلك هو أن الراحل كان يسعى للتمكين من دير السلطان المملوك للكنيسة القبطية الذى اغتصبته سلطات الاحتلال الإسرائيلى وأعطته للرهبان الأحباش، وكان قبيل وفاته بيوم واحد قاب قوسين أو أدنى من الحصول على حكم قضائى نهائى من المحكمة الدستورية الإسرائيلية بتمكينه من الدير، أما عن تمسك العدو الصهيونى بالمقدس العربى المسيحى فيرجع إلى أن الدير يتم استخدامه كنقطة اتصال بين سلطات الاحتلال الإسرائيلى وأثيوبيا لتهجير المزيد من الأثيوبيين إلى إسرائيل بدعوى أنهم من أصل يهودى وأجبروا على اعتناق المسيحية، وهؤلاء المهاجرون تستخدمهم إسرائيل للتوسع فى الاستيطان فى الأراضى المحتلة، فتمكين الكنيسة القبطية من دير السلطان يعنى توقف عملية تهجير الأثيوبيين إلى إسرائيل، وهنا تجدر الإشارة أن العلاقات بين الكنيسة القبطية والكنيسة الأثيوبية ليست على ما يرام كما هو مشاع، فالكنيسة الأثيوبية التى يبلغ نسبة معتنقيها 50 % من إجمالى السكان تتمتع بروابط طيبة مع اليهود، فالمسيحيون الأثيوبيون يعتبرون إسرائيل الأرض المقدسة. ففى عام 1993 زار إسرائيل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية، البطريرك باولوس، والذى أوضح فى لقائه مع وزير الخارجية الإسرائيلى شمعون بيريز، الأهمية التى تعطيها أثيوبيا لاستمرار الوضع القائم فى دير السلطان وعدم إعادته لمصر فلا تستطيع إسرائيل أن تغضب أثيوبيا بإرجاع دير السلطان إلى الأقباط، ولا يخفى دور إسرائيل فى تمويل سد النهضة فالعلاقات الأثيوبية الإسرائيلية هى علاقات وثيقة للغاية على المستويين السياسى والديني، ودير السلطان نقطة من نقط تمركز تلك العلاقة والمطران الراحل كان يجب إزاحته حتى يظل وضع دير السلطان كما هو عليه. لماذا الدفاع عن إسرائيل؟ الأمر الغريب هنا أن تنبرى الكنيسة للدفاع عن إسرائيل والرهبان الأحباش ومحاولة نفى تهمة قتل الرهبان الأحباش تضع الكنيسة القبطية الوطنية فى موقف حرج، فليست هى فى موضع اتهام حتى تدافع عن أحد، بل كان الأحرى بها أن تطلب فتح تحقيق دولى حول وفاة المطران لا أن تحاول دفن الحقيقة لكن المؤكد أن هناك ارتباكاً ما صاحب مطران القدس، والمؤكد أيضاً أن الكنيسة حاولت التبرير بغير سبب وكيل الاتهامات ل«روزاليوسف» دون محاولة النقاش حول ما نشرناه من وقائع، ولم يعد أمام الكنيسة إلا أحد خيارين إما أن تطلعنا على تقرير طبى محايد من جهة غير كنسية ينفى مقتل مطران القدس، وإما أن تطالب الكنيسة بإجراء تحقيق دولى فى القضية.