كشفت أزمة اعتصام أمناء الشرطة بمحافظة الشرقية، أخطاء وزارة الداخلية فى التعامل مع ملف الأمناء المرتبطين والمتعاونين مع جماعة الإخوان المسلمين، خاصة الأمين منصور أبوجبل الذى كاد يخضع للتحقيق بسبب علاقته بقادة الجماعة خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى. ارتكبت الوزارة أخطاء لاتغتفر بعد عزل الجماعة الإرهابية فى 30 يونيو وبدلاً من معاقبة أعضاء ائتلافات أمناء الشرطة التى كانت تتعاون مع الجماعة، أبقت الوزارة قيادات الائتلافات ومنهم أبوجبل فى العمل بإدارات الوزارة المميزة مثل السياحة والكهرباء والمطار وتصاريح العمل ومباحث المرور، رغم أن نقلهم إلى هذه الأماكن كان بتوصيات بعضها كتابية من قيادات الجماعة منهم جمال العشرى، القيادى بالجماعة الملقب بمدير أمن الجيزة داخل أوساط الجماعة. وأدى تأجيل المواجهة بين الوزارة والائتلافات إلى اطمئنان الأمناء المتعاونين مع الجماعة واستفحال خطرهم، حيث بدأوا فى تنشيط الائتلافات بضم أمناء جدد لإضعاف النادى العام للأمناء إلى جانب ضم الأمناء والأفراد الذين تربطهم صلة قرابة بشهداء الشرطة فى العمليات الإرهابية لاستغلال قضيتهم فى خلق توترات فى الوزارة، إلى جانب اختلاق المشكلات مع الضباط. كان منصور أبوجبل ورفاقه المنتشرون فيما يسمى بائتلافات أمناء الشرطة، نقطة ضعف فى الوزارة التى يسقط منها شهداء يومياً، ما يؤكد وجود جواسيس داخل الوزارة نفسها يدينون بالولاء للجماعة الإرهابية خاصة أن ظهور أو جبل تزامن مع صعود الجماعة. كان أبوجبل واحدا من 12 ألف أمين وفرد شرطة تم فصلهم من الخدمة فى عهد اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، لأسباب مختلفة، حيث عمل سائقاً بعد ترك الخدمة، لكن اللواء منصور العيسوى أعادهم عقب ثورة 25 يناير مباشرة، سرعان ما اتضح أن عددا منهم قريبو الصلة بالجماعة الإرهابية، حيث ظهر أبوجبل فى مشهد اقتحام بعض الأمناء لمكتب اللواء محمد كمال، مدير أمن أسيوط الذى تصادف أنه رفض منح أحد أقارب قيادى بالجماعة رخصة سلاح. وأصدر أحمد جمال الدين، وزير الداخلية، فى عهد المعزول قراراً بإيقاف أبوجبل، عقب محاولته تنظيم اعتصام أمام المديرية، ولكن مرسى غضب وأرسل فريد إسماعيل، عضو مكتب الإرشاد لحل الأزمة فانصاع أبوجبل لأوامر عضو الجماعة الإرهابية وقبل رأس القيادى الإخوانى وقال له: «أنت كبيرنا ومالناش غيركم ترفعوا الظلم عنا» وطلب مرسى وقتها من اللواء جمال الدين إلغاء قرار الإيقاف. بعد رحيل جماعة الإخوان، لم تتخذ الوزارة خطوات حاسمة فى تصفية ملفات خطيرة مثل الضباط الملتحين والأمناء الموالين للجماعة، حيث يعتقد خبراء أمنيون أن هؤلاء طابور خامس فى الوزارة، وينتمون على الأقل فكرياً إلى نفس العقيدة الأساسية لجماعة الإخوان وغيرها من الكيانات الإرهابية، ويمكن أن يمدوا الإرهابيين بمعلومات حول أساليب الوزارة الأمنية وعن الضباط. فى الوقت نفسه خشى قادة ائتلافات الأمناء أن تطيح بهم الوزارة لأنهم كيانات غير شرعية، هدفها تهييج الأمناء والأفراد فالتزموا الصمت واختفوا فترة خاصة مع إحالة زملائهم بائتلاف أمناء شرطة المطار إلى النيابة، لكن أبوجبل عاد مجدداً فى 2014 للظهور خلال جنازة أحد أمناء الشرطة الذين استشهدوا خلال إحدى المطاردات وقال: «إلى متى سنظل نودع زملاءنا من أفراد وأمناء الشرطة بالشرقية، أين القتلة والإرهابيون الذين ينفذون هذه الأعمال؟ أين حق الشهداء.. وحاول إثارة أهل الشهداء وزملائهم»، وكان حديث أبوجبل محاولة واضحة لزعزعة ثقة الأمناء والأفراد وأسر شهداء الشرطة فى الوزارة، إلى جانب تخويف الأمناء العاملين فى مواجهة الإرهاب. حاول أبوجبل حماية نفسه من العاصفة المؤجلة، إذ إن الوزارة ستلتفت إليه يوماً ما فحاول التقرب من اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، على غرار نجاحه السابق مع اللواء محمد إبراهيم، ولكن الوزير تجاهل الأمين وهو ما أدى إلى شعوره بالخطر هو و4 من قيادات ائتلافات الأمناء فحاولوا مغازلة الوزير من خلال ضابط برتبة رائد يعمل فى ديوان الوزارة حيث ذهبوا إليه لطلب مقابلة الوزير بعد تصريحات سامح عاشور، نقيب المحامين، المناهضة للشرطة حيث هددوا بالتصعيد ضد المحامين، وقالوا إن سبب زيارتهم الوزارة لأخذ رأى الوزير قبل تحركهم، ولكن الوزير رفض مقابلة الأمناء ال5 وبعث إليهم رسالة بأن يركزوا فى عملهم بدلاً من التدخل فى السياسة. وقبل أحداث مديرية أمن الشرقية بدأ أبوجبل تجييش الأمناء والأفراد ضد الوزارة قبل الاعتصام بأسبوعين، حيث تمت مناقشة عدة مطالب منها حافز الأمن العام وبدلات المخاطر رغم ارتفاع وتعديلات رواتب الأمناء أكثر من مرة بعد أحداث ثورة 25 يناير. وتجاهلت الوزارة مطالب وتهديدات أبوجبل التى جرت بالتزامن مع تفجير مقر جهاز الأمن الوطنى بشبرا الخيمة، حتى وصلت الأزمة إلى مرحلة إغلاق مديرية أمن الشرقية وإعلان الاعتصام المفتوح وتطاول أبوجبل وقادة الاعتصام على القيادات والضباط وحاولوا اقتحام المديرية وعندما جرت المواجهة بين الطرفين هرب أبوجبل. ثم ظهر أبوجبل سريعاً فى فيديو روجته شبكة رصد التابعة لجماعة الإخوان وهو يهدد ويتوعد ويطلب تدخل رئيس الجمهورية وبعدها تضامن أمناء آخرون مع الأمين المارق وعادوا ليعتصموا. فى وسط هذه الأزمة المشتعلة أدار الوزير مجدى عبدالغفار، غرفة عمليات تكونت من اللواء أحمد بكر، مساعده للأمن، واللواء كمال الدالى، مساعده للأمن العام ومساعد الوزير لقطاع الأمن المركزى ومدير العمليات الخاصة ومدير جهاز الأمن الوطنى ومساعد الوزير لمنطقة شرق الدلتا، وتم وضع أكثر من سيناريو لحل الأزمة منها فض اعتصام أبوجبل بالقوة وإحالة بعض الأمناء للنيابة بتهمة خرق قانون التظاهر وتعطيل العمل وسب وقذف القيادات واقتحام مديرية الأمن. واستبعد بعض مساعدى الوزير هذا السيناريو حتى لا يتضامن أمناء وأفراد الشرطة مع زملائهم ما قد يخلق فراغا أمنيا فى عدد من المحافظات تستغله الجماعة الإرهابية فى تدبير أحداث عنف وزيادة الفتنة وخلق وضع أمنى غير مستقر. وقال مساعد الوزير لقطاع المعلومات والتوثيق، إنه رصد تضامنا مع اعتصام أبوجبل، حيث تضامن بعض الأمناء معه بكتابة عبارة «كلنا منصور أبوجبل» على صفحاتهم بفيس بوك، وأشار إلى وجود غضب شعبى من تصرفات الأمناء ينذر بمناوشات قد تحدث بين الطرفين. وأكد بعض مساعدى الوزير أنه يجب استخدام القانون لوأد فتنة أبوجبل بإحالة الأخير للنيابة لردع الباقين فيما اقترح مساعد آخر للوزير الاستعانة بالقوات المسلحة والشرطة العسكرية للسيطرة على الوضع فى الشرقية فى حال استمرار الاعتصام. ورفض الوزير الاقتراح الأخير بشدة بعد تقرير رفعه مدير جهاز الأمن الوطنى بمحاولة الجماعة الإرهابية توريط الجيش فى معارك مع الأمناء بخلق مشادات ومعارك بين الجانبين ما يؤثر بالسلب على حالة البلاد داخلياً وخارجياً وما زاد الأمور تعقيداً تصريح اللواء أبوبكر عبدالكريم، مساعد الوزير للعلاقات العامة والإعلام بأن الأمناء لم يخالفوا قانون التظاهر لأنهم نظموا وقفة احتجاجية.∎