يخطئ من يعتبر إعلان الرئيس باراك أوباما إلغاء مناورات النجم الساطع - والمؤجلة أصلا لمرات- بمثابة بيان احتجاج ضد تنفيذ السلطات فى مصر عملية فض اعتصامى رابعة و النهضة، فقبل خروجه الخميس للإدلاء بهذا الإعلان أثناء قضائه عطلته الصيفية كان قد تم إبلاغ الجانب المصرى بالإلغاء الليلة التى سبقتها بالتزامن مع خروج تصريح تمهيدى على لسان مسئول أمريكى لم يذكر اسمه بأن إدارة أوباما تفكر فى هذه الخطوة. التى جاءت بغرض الحفاظ على أمن القوات الأمريكية المشاركة فى تلك المناورات والتى كان من المقرر إجراؤها فى سبتمبر المقبل التى تستفيد منها الولاياتالمتحدة ويثمنها قادة البنتاجون، إذ تعتبر بالنسبة لهم فرصة لتزويد قواتهم بخبرة ميدانية مع أقوى الجيوش العربية. القرار جاء بعد أقل من عشرة أيام على وصول وفد أمريكى تفقد اللمسات النهائية لمناوراتالنجم الساطع بما فى ذلك تفقد لوجيستيات الإقامة للقوات الأمريكية التى كان من المقرر لها منطقة الحمام بمرسى مطروح. خروج أوباما العلنى وكلمته حول الأوضاع فى مصر والتى حملت فى مضمونها العام ما يفيد تمسكه بالعصا من المنتصف حملت أيضا ما بين سطورها ما يمكن وصفه بتوجهه إدارته نحو الحكم الحالى فى مصر فى الفترة المقبلة وقوله: إن الولاياتالمتحدة «تستنكر» أعمال العنف ضد المدنيين، خلال الإجراءات الاستثنائية التى قام بها الجيش المصرى ضد المحتجين فى القاهرة، كما طالب علنا بمطالب محددة كانت إدارته قد أبلغتها للقاهرة فى الغرف المغلقة ومنها ضرورة الإلغاء الفورى لحالة الطوارئ التى لجأت الحكومة الانتقالية فى مصر إلى فرضها، بالتزامن مع بدء ما وصفه بخطوات نحو تحقيق المصالحة، أى أعاد تكرار رسالة جون ماكين وزميله قبل أسبوع بضرورة الحوار مع الإخوان وإدماجهم فى أى عمليةسياسية مقبلة - يعنى جميع الانتخابات المقبلة وتلك التى أشار لها أوباما ضمنا بدعوته لتسريع «تسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة»، والعودة إلى طريق الديمقراطية.
ثم وجدنا الرئيس الأمريكى مستمرا فى مساواة الإخوان مع شعب مصر وحكومته المؤقتة حتى فى تلقى إدارته اللوم من الطرفين، قبل أن يؤكد أنهم فى واشنطن يدركون أن التغيير يحتاج لوقت مناسب وأن الولاياتالمتحدة تعمل مع الجميع، ومع كل ما يدعم الاستقرار والسلام والعدالة والكرامة وبعيدا عن ديباجة بيان أوباما - الذى صاغه مساعدوه بعناية شديدة بعد ورود تقارير الرأى العام فى مصر تجاه واشنطن راصدة ارتفاعا غير مسبوق فى مشاعر الغضب لدى المصريين تجاه سياسات واشنطن- بعيدا عن تلك الصياغة التى نجد فيها محاولات استمالة للشارع المصرى مثل قوله «الشعب المصرى يستحق الأفضل، وإلى الشعب المصرى أقول ندعو السلطات المصرية إلى احترام المعايير العالمية لحقوق الإنسان..» بعيدا عن كل ذلك نجد لزاما علينا التوقف عند جمل بعينها، ومنها قول أوباما ب «إن الإدارة الأمريكية ترفض تطبيق القانون العسكرى الذى يحرم المدنيين من حقوقهم»، فى إشارة لفرض حالة الطوارئ وحظر التجول وبعد حرصه التقدم بأحر التعازى لأسر الضحايا الذين قتلوا فى مصر فإنه أكد فى الوقت نفسه دعم العملية الانتقالية فى مصر ((نظرا لعمق علاقتنا مع القاهرة ومصالح أمننا القومى)) حسب وصفه، أى أنه هنا يؤكد مجددا ومرة أخرى ما ذكره جون ماكين للمصريين خلال زيارته الأسبوع الماضى ضمنا بأن مصر فى عمق المصالح الأمنية القومية الأمريكية، بل ذهب الرئيس الأمريكى ليعلن صراحة بأنه طلب من فريق الأمن القومى إعادة النظر فيما يحصل فى مصر، والنظر فيما يتعلق بالعلاقات (المصرية - الأمريكية)، وهو الأمر الذى يستطيع المرء ترجمته بواقع المعايشة الطويلة مع القوم فى واشنطن، بأن واشنطن تستعد لإخراج مشهد تعاطى جديد مع الحال فى مصر من الدرج، فكان أول مشاهده ما حدث بمجلس الأمن الدولى بعد كلمة أوباما مباشرة، فوجدنا حلفاء واشنطن المعتادين مستعدين بطلب عقد جلسة أسفرت كما هو متوقع عن بيان تخويف حث فيه مجلس الأمن الدولى، فى الساعات الأولى من صباح الجمعة، جميع الأطراف فى مصر على إنهاء العنف والتحلى بأقصى درجات ضبط النفس- لاحظوا هنا المساواة مرة أخرى بين الطرفين - وأعرب أعضاء المجلس عن قلقهم، معتبرين أنه «من الضرورى إنهاء العنف، وأن الشعب المصرى بدون عنف يمكن أن يمضى قدما نحو المصالحة الوطنية- مرة أخرى المصالحة الوطنية -وطالبت الدول ال51 الأعضاء فى المجلس جميع الأطراف بضبط النفس لتفادى تكرار أحداث عنيفة».
فهل انتهى الأمر بهذا البيان؟ لا يبدو ذلك صحيحا، بل المتوقع حسب المشهد فى نيويوركوواشنطن أن تستمر الضغوط ومحاولات التخويف والتدخل لفرض ذات المطالب تارة بتهديد استخدام الإرادة الأممية وتارة أخرى التلويح بورقة المساعدات العسكرية التى لا ترغب واشنطن أبدا - حكومة وكونجرس - فى إلغائها أصلا وتخشى استغناء المصريين عنها من أجل أن تذعن القاهرة لنفس المطالب التى أفردنا لها العدد الماضى لفرض الإخوان وضمان استمرارهم على الساحة السياسية المصرية بأى ثمن.
الملاحظة الأخرى نقرأها فى سطور مقال مجلس تحرير الواشنطن بوست الخميس ظاهره انتقاد ما وصفوه بأداء أوباما تجاه «الانقلاب» الذى حدث فى مصر، وشبهوا ضمنا الفريق عبد الفتاح السيسى وهذا «الانقلاب» بالديكتاتور الراحل جمال عبدالناصر، أيضا حسب وصف البوست التى طالبت أوباما بقطع المساعدات العسكرية، وهو الأمر الذى يؤكد ما ذكرناه هنا الشهر الماضى على لسان مسئول أمريكى سابق حكى لى كيف أنهم فى واشنطن لن يسمحوا بظهور ناصر آخر.
أيضا وبالتوازى ظهر مجددا السيناتور ماكين منتقدا موقف البيت الأبيض تجاه الأوضاع بمصر متهما الحكومة المصرية وقيادات القوات المسلحة بشن حملة كراهية ضد أمريكا، وذهب إلى توقع حدوث «السيناريو الجزائرى» - الذى أدى إلى مقتل أكثر من 200 ألف شخص - فى مصر كما توقع فشل أى محاولة لتدمير جماعة الإخوان المسلمين»! بأن السلطات المصرية قادرة على قتل بعض الأشخاص، لكنها لن تتمكن من إنهاء جماعة الإخوان المسلمين، فالتاريخ يؤكد أن الجماعة نجحت فى البقاء فى ظل حكم مبارك، كما قد تنجح فى البقاء والتحرك بشكل سرى حتى فى ظل سعى الجنرالات لإبادتها»، ولم ينس ماكين هنا الدفاع عن السفيرة فى مصر آن باترسون وأن ينتقد ما وصفه بارتفاع مستوى العداء الحالى لأمريكا فى مصر، مما يشكل خطرا على الأمريكيين ويعزز الإرهاب ويهدد المصالح الاقتصادية ويضر بصورة مصر فى العالم»، كما انتقد ماكين تصريحات وزير الخارجية جون كيرى التى اعتبر فيها أن الجيشفى مصر أعاد الديمقراطية إلى مسارها بينما كان هو - أى ماكين- فى القاهرة برفقة النائب ليندسى غراهام، يطالبون بالإفراج عن السجناء وإجراء تعديل للدستور والسير قدما بالانتخابات، وأن زيارتهم لم تأت بالمطلوب بسبب مواقف وزارة الخارجية والبيت الأبيض لذلك توقع أن تسفك الدماء فى مصر».
المطلوب يا مصر
هذا كان باختصار شديد تلخيصا لما يحدث فى واشنطن حاليا، حيث كل أسلحة الضغوط مشهرة وحيث يشكل الاستخدام العلمى رأس الحربة فى معركة فرض مطالب تخدم مصالحهم، وهو أمر ليس بغائب عن القاهرة، لكن للأسف الغائب هنا هو بعض القصور البادى فى معالجة الأمر، وأستشهد هنا برأى الخبيرالمخضرم دكتور يحيى عبد القادر- ذى الخلفية العسكرية - وهو المراقب الثاقب لما يحدث حين أخبرنى منذ فترة أن أداء القوات المسلحة متميز جدا إلا أنه يخشى أداء باقى مؤسسات الدولة المحسوب على مصر كلها، وقد تحققت مخاوفه بخطاب أوباما الذى نقل الضغوط الأمريكية إلى العلن، لتصبح مصر فى مواجهة خطر عظيم محدق بها لم تواجهه مثله منذ أزمة قناة السويس.
أتحدث هنا عن ضرورة تحرك مؤسسات بعينها فى الدولة المصرية وبسرعة وعلى رأسها وزارة الخارجية المصرية والتى تتميز بوجود خبرات مميزة للانتشار وفق خطة تحرك دبلوماسى محددة كثيرة وطويلة الأمد تتواصل مع عواصم العالم لاسيما الدول الكبرى والصاعدة بشكل محترف لا يستثنى حتى استدعاء المخضرمين ممن تقاعدوا مؤخرا، وألا يكتفوا بدبلوماسية ذكية اتبعتها بعد سفاراتنا طوعا قبل أيام بما فى ذلك بعثتنا فى جنيف التى بادرت وسلمت المفوضية الدولية لحقوق الإنسان ملفا فيه حصر بالاعتداءات التى حدثت أمس الاول فى أنحاء مصر ضد المنشآت العامة والخاصة وكذلك صور قتلى قسم كرداسة وخريطة مصر موضحا عليها الاعتداءات وفقا للمحافظة.. ولينكات للفيديوهات دليل عنف ودموية الاعتداءات .
أتحدث أيضا عن دور فاعل لما يسمى بهيئة الاستعلامات وهى المترهلة منذ زمن مبارك ومرورا بزمن الإخوان والتى يعتقد كثيرون أن قيادتها تقاعست ربما عن عمد أو بسبب ولاءات بعينها عن أداء دورها فى كشف حقيقة ما يحدث من عنف ودمار وحرق متعمد لمصر من قبل فصيل واحد للخارج .
أتحدث عن ضرورة خلق آلية تعطى إعلاميا محترما بعيدا عن هذه الهيئة، فمن كثير النظر أن يصدر قرار بمنع ممثلى الإعلام الدولى من إدخال كاميراتهم وأجهزتهم معهم بالمطار -كما حدث على مدى الأيام الماضية - وكذلك ترك عربات البث التى كان متحفظا عليها فى رابعة.
مع أنه كان من الممكن وقف بثها عبر تغيير كود البث فى عملية تتم من داخل التليفزيون المالك لها فى عملية لا تستغرق سوى دقائق، أو أن يتم استخدام شفرة البث بواسطة محطتين فى نفس الوقت فيتحول بثهما إلى مجرد بث أعمى «أسود» دون صوت، ولم يحدث هذا وتركت العربتان المملوكتان بأصل المال العام، مثال آخر على القصور الإعلامى حين نكتشف أنه لم يسمح لوسائل الإعلام المستقلة بالتواجد الأربعاء صباحا فى رابعة وغيرها لتنقل ما اكتشف من بلاوى الإخوان فى حين ترك الإعلام المناوئ يبث أكاذيبه. نريد متحدثين رسميين قادرين وأصحاب رؤية لمخاطبة الرأى العام العالمى.
باختصار يا سادة.. مصر كلها تحت الاختبار والضغط، وهناك حرب ضروس ندفع اليها دفعا عمادها الإعلام، وأذكركم هنا بخطة «مصر هى الجائزة» وتحديدا جيشها مستهدف فى هذه الخطة التى ابتدعت فى إدارة بوش وكشفنا عنها أيضا على هذه الصفحات، واقترب وقت تفعيلها ففى أمريكا يتغير الرؤساء ولا تتغير السياسات.
ما اكتشف من بلاوى الإخوان فى حين ترك الإعلام المناوئ يبث أكاذيبه. نريد متحدثين رسميين قادرين وأصحاب رؤية لمخاطبة الرأى العام العالمى. وتفوق إعلام الإخوان الذى يستدعى الخارج بتحرك دولى بأشخاص معدودين على رأسهمالأخ جهاد حداد والأخ عبد الموجود الدرديرى الذى انطلق عبر الفضائيات الأمريكية والغربية ناهيك عن قيادة تظاهرة أمام البيت الأبيض مطلع الأسبوع متحدثا عن سلمية الإخوان ونبذهم للعنف! المفارقة أنه نفسه ذلك مطلوب للعدالة الأمريكية وتم توجيه اتهام رسمى له قبل عدة سنوات بتهمة التحرش بقاصر ومواعدتها عبر الإنترنت وهرب أثناء وجوده بجامعة بنسلفانيا والعام الماضى تسبب فى خلاف شديد بين السلطات الأمنية والخارجية الأمريكية لدى وصوله قادما من مصر وتدخلت الخارجية رغم اعتراض كثيرين وأدخلته ليصول ويجول فى الولاياتالمتحدة رغم أنه هارب من العدالة وعلى قوائم ترقب الوصول ومازال يسمح له بالدخول حتى الآن!