شئنا أم أبينا، تحتل مصر الآن لقب «جمهورية العنف السياسى» عن جدارة.. تُراق دماء أبنائها صباح مساء.. يُسحل مواطنوها بجفاء!
فالعنف، ولا شىء غيره، أصبح سيد الموقف.. طالت أنيابه جميع أطراف المعادلة السياسية.. ثوارا وداخلية وساكنى الاتحادية، إذ شهدنا ذلك بوضوح فى أحداث واشتباكات متفرقة كان خلالها- أى العنف- هو السلاح الأول لبعض التنظيمات السياسية!
وفى ظل وضع كهذا ظهرت على السطح العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور الحالى الذى تؤديه وزارة الداخلية والمستقبل المجهول الذى ينتظرها فى ظل العنف والعنف المضاد؟
والحديث عن ميليشيات مسلحة توقع عقوبات القتل والسحل والتعذيب على المواطنين فى وقت تراجعت فيه علاقة الشرطة بالمواطن المصرى لأدنى مستوياتها!
الداخلية رغم ما أعلنته أنها تقف على الحياد وأنها ليست طرفا فى المعادلة السياسية، فإن الاتهامات وجهت إليها مباشرة بسبب قصور التخطيط الأمنى الذى خلف ضحايا أحداث بورسعيد الأخيرة، تلتها مشاهد سحل تليفزيونية لن تمحى من ذاكرة المصريين.. هذا بخلاف ما أثير مؤخرا عن وجود مواطنين محتجزين بمعسكرات الأمن المركزى بمساعدة ميليشيات مسلحة بطرة والجبل الأحمر.
اللواء أشرف عبد الله، مدير قطاع الأمن المركزى بالقاهرة شدد لنا على أن كل ما أثير حول وجود محتجزين بمعسكرات الأمن المركزى غير صحيح، وأنه لا توجد أى علاقة بين أية ميليشيات مسلحة وقوات الأمن المركزى متسائلا: هل يوجد تفسير مقنع لذلك؟ الداخلية لا تعمل مع أى أطراف أو عناصر خارجية منذ عهد الملك فاروق وإلى اليوم.
وأضاف: ندعو النيابة العامة للنزول بشكل مفاجئ لتبحث بنفسها فى أى معسكر من معسكرات الأمن المركزى- من الإسكندرية حتى أسوان- عن تلك الميليشيات التى يتحدثون عنها، فليس لدينا ما نخشاه.. وأعتقد أن المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة صرح عبر إحدى القنوات الفضائية أنه نزل بنفسه ل3 معسكرات للأمن المركزى (الجبل الأحمر وطرة ودار السلام)، ولم يجد أى شخص مدنى فى السجون العسكرية على مستوى الوزارة.
لقد تردد نفس الحديث فى إبريل 2011 عقب الثورة مباشرة ونزلت النيابة العامة أيضا وقامت بالتفتيش ولم تجد شيئا، والحقيقة أن تلك المراكز لا يوضع فيها غير المجندين الذين توقع عليهم عقوبة انضباطية وتخضع لتفتيش النيابة العسكرية، لكن بسبب الظروف الحالية والحرجة التى يمر بها البلد فنحن نرحب بتفتيش النيابة العامة فى أى وقت.
وأعرب عبدالله عن شعوره بأن الأمور باتت مقلوبة، إذ أصبحت الشرطة هى الجانية فى نظر الجميع، رغم أن قانون العقوبات ينص على حق قوات التأمين أن تتعامل بكل الوسائل الممكنة أمامها للدفاع فى حالة التعدى على المنشأة.. ومن ضمن الوسائل إطلاق النيران، ورغم ذلك لم تعد الشرطة تستخدم ذلك لأنها لا تريد وقوع خسائر ولا تريد أن تلقى عليها الاتهامات من جديد أو أن يتكرر ما حدث فى 28 يناير 2011 عندما كانت الشرطة كبش فداء ولذلك تتعامل الشرطة الآن بمنتهى الحنكة والحرفية وتستخدم الغاز فقط.
وأنهى كلامه قائلا: الحل هو أن نطبق قانون العقوبات بجدية- وليس الطوارئ- لأن النصوص فيه حازمة، ولو نفذت ستردع أى شخص يحاول ارتكاب أى غلطة فى حق الوطن وسيفكر فيما سيفعل ألف مرة، لكننا حتى الآن لا نريد أن نحتك بالمثيرين وندعو أن تستقر الأمور وأن تصل مصر لبر الأمان.
اللواء هانى عبداللطيف المتحدث الرسمى لوزارة الداخلية قال لنا هو الآخر: إن عدم تسليح قوات الأمن فى الشارع أصبح قاعدة، وأحد محاور الخطط الأمنية للوزارة أثناء أى فعاليات سياسية مثل المظاهرات والمسيرات السلمية، على أن تكون أكبر قدراتها هى الغاز المسيل للدموع فى حالة حدوث اعتداءات عن بعد على منشآت أو أى سلوكيات تسىء للمظاهرات السلمية.
وتابع: أما بالنسبة للأماكن الشرطية مثل أقسام الشرطة فبالتأكيد يوجد سلاح بداخلها لكن بقدر محدود بما يساهم فى تأمين المنشأة فى حالة حدوث اقتحام من قبل خارجين على القانون لحماية المنشأة والمتهمين وضمان عدم هروبهم وتأمين السلاح المتواجد بالداخل.
مثلما حدث فى قسم شرطة ثانى الغربية عندما قامت القوة الأمنية بضرب طلقات فى الهواء لإبعاد الناس وحماية القسم عندما تم الاعتداء عليه.
وعن الميليشيات المسلحة أوضح: لا يوجد أى تدخلات من أى جهة خارج الوزارة، وإذا شعر رجال الشرطة بأى نوع من أنواع التدخل سيقومون بأنفسهم بالتصدى، لكن هناك من يحاول الوقيعة فى ظل أزمة وخلافات سياسية ينبغى إيجاد حلول لها لأن الشرطة وحدها تواجه كل تلك الأحداث فى الشارع.. ولهذا تتعامل بحذر شديد للغاية حرصا على الشعب واستقرار أمن الشارع، لأننا لا نريد أن يتكرر يوم 28 يناير بأى حال من الأحوال.. وندخل فى موجة من الفوضى، وقد أعلنا بوضوح أننا كوزارة نقف على الحياد.. ونحن خارج المعادلة السياسية وأننا معنيون بأمن المواطن المصرى.
د.سعد عمارة عضو مجلس شورى «الإخوان» جدد فى المقابل تحميله جبهة الإنقاذ الوطنى مسئولية ما يحدث من عنف قائلا: وقائع التعذيب غير موجودة وقد نفتها الشرطة مرارا وتكرارا، وملخص ما يحدث أن جبهة الإنقاذ تريد كسر جهاز الشرطة حتى تأتى بالجيش ليدير شئون البلاد وحتى يعاد السيناريو من جديد، ولهذا لا نريد أن نكيل الاتهامات للشرطة وقد أعلنت عن قيامها بالتحقيق فى التجاوزات التى حدثت مؤخرا.
واستنكر عمارة وجود ميليشيات للجماعة، رغم فيديوهات التعذيب أمام الاتحادية، مشيرا إلى أن هناك موضوعات تهم الرأى العام أهم من ذلك على حد تعبيره.
وأضاف: نريد أن نتحدث عما يصب فى خدمة البلد ونبتعد عن الوقائع غير المعقولة، لأن الشعب المصرى أرهق من تلك الحرائق والعنف وتعطيل المصالح، فجهاز الشرطة جهاز وطنى يقوم بدوره وغير مسموح فى أى دولة أن يتواجد أشخاص أو جماعات يحلون محل الشرطة أو أجهزة الدولة.
قاتل أو مقتول من جانب آخر وتعقيبا على أوضاع رجال الشرطة فى ظل أحداث العنف السياسى أوضح النقيب هشام صالح المتحدث باسم نادى الضباط «تحت التأسيس»، أن الوضع الراهن لضباط الشرطة أصبح ما بين قاتل أو مقتول قائلا: أن ما يحدث هو هزل سياسى ويتحمله رجال الشرطة وحدهم فخلال شهر واحد فقط استشهد 10 ضباط من رجال الشرطة وأصيب 700 آخرون فى الأحداث الجارية تحملوا وحدهم أخطاء تحدث على المسرح السياسى من تخبط وصراع على السلطة، وكل ذلك سيؤدى الى انهيار الداخلية ورجل الشرطة يدفع ثمن قيامه بواجبه سواء فى الشارع أو داخل قسم الشرطة.
ووقت الأزمة تختفى الحكومة وتعلق الأخطاء علينا.. فأين الحكومة من كل هذا؟ هناك مؤامرة تحاك بالوزارة! ميليشيات التعذيب ما أنكره الإخوان وقيادات الشرطة، كان أن أكدته لنا- مرة أخرى، إذ أوضحت إحدى ضحايا ميليشيات الإخوان فى أحداث الاتحادية- علا شهبة- عضو قيادى فى حزب التحالف الشعبى الاشتراكى أنها تعرضت للاختطاف من أمام قصر الاتحادية فى 5 ديسمبر الماضى وبعدها وضعت فى منطقة احتجاز عند سور قصر الاتحادية بها حوالى 140 رجلا تم احتجازهم معها، وأنها كانت السيدة الوحيدة المحتجزة بينهم، وتعرض للتعذيب معها الناشط رامى صبرى.
وتابعت شهبة: تم تسليم المحتجزين بعد ذلك للنيابة وأنا سلمت عبر مفاوضات للمستشفى بسبب تعرضى للضرب المبرح من قبل المحتجزين الذين لم يعرفوا فى البداية أننى فتاة لكن عندما نزعوا الخوذة التى كنت أرتديها واكتشفوا أننى بنت اعتدوا على بمنتهى الوحشية بالأحذية والعصيان مما جعلنى أنزف.
وكشف ضحية أخرى هو محمد جمال عضو الأمانة العامة فى المجلس الوطنى وعضو مكتب تنفيذى فى اتحاد شباب الثورة تفاصيل ما حدث له قائلا:
كنت أسير فى الشارع فى مصر الجديدة وكانت هناك تنظيمات للإخوان فوجئت بهم يلحقون بى بعدما تعرفوا على لأننى كنت مرشحا فى الانتخابات البرلمانية 2011 عن الحزب الناصرى ضد مرشح الجماعة عمرو زكى.
وقاموا بالاعتداء على وبعد ذلك تم احتجازى بممر فى شارع الميرغنى وبالغوا فى الضرب حتى حدثت مفاوضات وتم الإفراج عنى.
وأضاف: لا يستطيع أى منهم أن ينكر وجود ميليشيات لأنه فى حالتى بالتحديد حدثت اتصالات بقيادات من الجماعة للإفراج عنى، كذلك فى حالة الناشطة علا شهبة تدخل البعض لدى القيادى الإخوانى عمرو زكى للتوسط للإفراج عنها.
مقترحات أمنية ويقترح الخبير الأمنى اللواء مجدى البسيونى مساعد وزير الداخلية السابق بعض الحلول الأمنية للعنف السياسى قائلا: لابد أن تكون أقسام الشرطة مجهزة ومعدة بأرقى وسائل الدفاع والتسليح وأناشد أن تكون الأبراج الأمنية علوية ومتعددة لكامل السيطرة مثلما حدث فى مديرية أمن أسيوط وأن تحدث الداخلية وسائل تسليحها بالتكنولوجيا الحديثة مثل الوسائل الكهربائية التى تشل حركة المهاجم، وألا يوضع فى الأقسام المتهمون لفترة وإنما ينشأ فى كل مربع منطقة محصنة لجميع المتهمين الذين يجدد حبسهم بدلا من وضعهم داخل الأقسام حتى لا يتم تشتيت الشرطة فى حالة الهجوم على الأقسام.
وناشد جماعة الإخوان التى لجأت إلى العنف منذ البداية أن تعيد حساباتها ولا داعى للاستمرار فى استخدام العنف، لأن أى وقائع عنف يقابلها عنف مضاد والدليل على ذلك ظهور جماعة البلاك بلوك ولا نقبل أن تتحول مصر إلى لبنان بوجود ميليشيات من جبهات مختلفة إخوان- بلاك بلوك- جبهة إنقاذ.
وأضاف لا يوجد أى مبرر للهجوم على الأقسام وإلا فالدوافع معروفة إما الحرق والتخريب أو سرقة السلاح أو تهريب المجرمين وهى كلها جرائم عمدية، وفى هذه الحالة يحق لرجل الشرطة أن يطلق النار على الشخص المعتدى إذا لم يستجب للإنذار وإلا سيموت حرقا داخل مكان عمله، وهذا دفاع شرعى مباح للمواطن قبل أن يكون لرجل الشرطة.