أخيراً فعلها الأنبا باخوميوس واستطاع أن يصل بسفينة الكنيسة إلى بر الأمان بعد أن ألمت بالكنيسة جانحة اليتم ليقود تلك السفينة وسط أمواج عاتية وعالية وينتزعها من أفواه أسود كانت تتربص بها لتبتلعها ويسلمها صحيحة ومعافية إلى يد قداسة البابا تواضروس الثانى وسط رضا وارتياح وترحيب قبطى وغير قبطى كبير، ومع التسليم بأن الكنيسة قد استقرت فى أيد أمينة إلا أن هذا لا يمنعنا من أن ننبه قداسة البابا إلى بعض الأمور وهو الذى عرفنا عنه سعة صدره وقبوله للرأى الآخر، خاصة أنه قد أعلن فى مستهل تصريحاته بأن قداسته سوف تكون على قائمة أعماله البابوية فى الفترة القادمة ترتيب البيت الكنسى من الداخل وهو ما نادينا به مع كثيرين منذ زمن طويل، ولكن كان هناك من يقف ضد هذا الترتيب والإصلاح، على كل ما يهمنا هنا فى هذا الأمر هو أن نمد أيدينا لقداسة البابا لنعمل جميعاً على ترتيب هذا البيت وبداية يجب على قداسة البابا أن يدرك بعض الأمور من أهمها: ∎ أن قداسته وعلى الرغم من ارتياح الجميع لاختياره إلا أن قداسته لم يأت بإرادة شعبية جارفة ولكنه جاء بإرادة نخبوية كان لها حسابات كثيرة ليس من بينها التعبير عن رأى المهمشين من الأقباط وهم السواد الأعظم من شعب الكنيسة، كما أن تلك النخبة إكليروس وعلمانيين انفصلت عن هؤلاء الحرافيش وترفعت عنهم منذ زمن بعيد، وهى النخبة التى لا تلقى قبولاً داخل المجتمع القبطى، بل لعلها أصبحت سرطاناً تعانى منه الكنيسة ضمن سرطانات أخرى ويكفى أن تلك النخبة كان على رأسها مجلسا مليا قام بحله مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث لفساده.
∎ كما أن قداسة البابا لم يأت بإجماع أو شبه إجماع من المجمع المقدس بل كان قداسته هو الأقل حصولا على تزكيات من آباء المجمع هى الحد الأدنى للترشح للكرسى البابوى «6 ترشيحات فقط» وهو ما يعنى أن قداسته كان البديل الأقل تفضيلاً عند آباء المجمع، وهذا بدوره يدق ناقوس الخطر عن مدى قناعة آباء المجمع ورضاهم عن قداسته كبابا للكنيسة وخضوعهم لقرارته والعمل معه فى خطته لترتيب البيت من الداخل.
∎ وليعلم قداسة البابا أن مهمته فى ترتيب البيت ليست صعبة فقط بل تكاد تكون مستحيلة فما أصاب البيت من خلل ليس مسئولاً عنه رأس الكنيسة فى عهد سابق وحده، ولكن هذا الخلل الذى قد يصل إلى حد الفساد فى بعض جنبات الكنيسة أصبح منظماً وممنهجاً ويقف على رأسه بعض آباء المجمع المقدس وأصبحت منظومة الخلل فى الكنيسة محمية بالكهنوت والبزنس معاً، ولا نعلم بعد خطة قداسته فى اختراق تلك المحميات والتى تستدعى ثورة من القرارات تعيد هيكلة وبناء الكنيسة من جديد.
∎ ولعله لا يخفى على قداسة البابا تواضروس الثانى أن حرافيش الكنيسة ومهمشيها قد تدنى بهم الحال داخل الكنيسة إلى أدنى المستويات وهو ما أدى إلى أن تصل صرخاتهم إلى الاجتماع الأسبوعى للبابا شنودة فى أواخر أيامه طالبين حقوقاً رعوية وإجتماعية لهم فشلوا فى الحصول عليها من أساقفتهم إما عن ترفع هؤلاء الأساقفة عن الحرافيش أو استعلاء عليهم، هؤلاء الأساقفة الذين يفترض فيهم أنهم سوف يعملون مع قداسة البابا على ترتيب البيت وهو أمر محل شك.
∎ إن حرافيش الكنيسة ومهمشيها قد حدث تغير وتطور فى تركيبتهم الإنسانية، فلقد ثاروا مؤخرا مع من ثار من جموع المصريين، بل لعلهم كانوا طليعة هؤلاء الثوار وثورتهم ومن ضمن ما ثار عليه هؤلاء السياسات الكنسية والتى لم تدعم تلك الثورة أو حتى على الأقل وقفت موقفاً محايداً منها بل سعت فى البداية لإخماد تلك الثورة وسط استنكار من صفوتها، وهو الأمر الذى مازال يوغر الصدور تجاه الكنيسة وصفوتها، وليعلم قداسة البابا أن حرافيش الكنيسة قد خرجوا عن السيطرة ولن يرضوا بعد بتهميشهم أو الاكتفاء بالفتات الساقط من موائد الصفوة بل قرروا أن يكونوا هم أصحاب البيت الذى يريد قداسة البابا ترتيبه.. فهل يرتب البابا البيت مع أصحابه؟
∎ أما عن الخدمة الروحية والاجتماعية داخل الكنيسة فحدث ولا حرج، وهو الأمر الذى يعلم تفاصيله قداسة البابا جيداً وأكثر من الجميع وبالتأكيد فإن قداسته يعلم أن درر الكنيسة وجواهرها من الخدام قد تم إقصاؤهم وإبعادهم من الكنيسة ليس لذنب أو جرم أرتكبوه، ولكن لأنهم أرادوا إصلاح الخلل والوقوف ضد الفساد الكنسى وأصبحوا من مطاريد وخوارج الكنيسة.. فهل للبابا تواضروس الثانى والذى نأمل فيه خيراً أن يعيد هؤلاء الخوارج والمطاريد إلى حضن الكنيسة ويزيح التراب والغبار عن درر الكنيسة وجواهرها، خاصة أن هناك من يريد أن يلحق البابا بزمرة هؤلاء المطاريد!.
∎ إن قداسة البابا وهو أب من آباء المجمع المقدس يعلم جيداً أن هناك صراعات كثيرة بين بعض من آباء المجمع يعلمها الجميع وتداولتها الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وهو ما يعنى أن البعض سوف يحاول الاستقواء بالبابا ضد البعض، فهل ينجح البابا فى إنهاء تلك الصراعات أم أنه سوف ينحاز إلى طرف ضد آخر أم يصبح قداسته طرفاً ثالثاً فى تلك الصراعات؟.
ما طرح هنا هو قبس من فيض من العوائق التى قد تقف حائلاً فى طريق قداسة البابا تواضروس الثانى لترتيب البيت القبطى من الداخل ونحن هنا لا نشكك البته فى نوايا قداسته ونعلم أنه صادق القول والفعل، ولكن نهمس فى أذن قداسته ببعض النصائح لترتيب البيت من الداخل وأهمها:
∎ التخلص من قبضة بعض آباء الكنيسة الذين تولوا ملفات كبيرة داخل الكنيسة وفشلوا فى إدارتها، بل كانوا سببا فى تفاقم مشكلات تلك الملفات بدلاً من حلها ولعله على رأس تلك الملفات ملف الأحوال الشخصية، وعلى الرغم من التوهج الإعلامى للأنبا بولا فى الفترة السابقة إلا أن هناك مطلباً شعبياً بإقصاء نيافته عن ملف الأحوال الشخصية وعليه أن يولى اهتماماً بشعب إيبارشيته «طنطا» والتى تعج بالكثير من المشكلات.
∎ هناك من أساقفة الإيبارشيات التى حالت اهتمامات كثيرة لهم دون الاهتمام بشعب كنيستهم بل لعل الكثيرين منهم يقضى معظم أوقاته خارج مدينته وأصبح يتندر عليهم الجميع ويطلقون عليهم لقب «أسقف زائر» ونحن هنا لا نطالب قداسة البابا بسحب مهام وصلاحيات هؤلاء الأساقفة، فهذا سوف يربك الكنيسة ولكننا نقترح أن يتوسع قداسة البابا فى سيامة «أسقف عام» لتلك الإيبارشيات وهى الدرجة الكهنوتية التى كان يشغلها قداسة البابا قبل اعتلائه الكرسى المرقسى ويدرك مدى أهميتها فى الخدمة الكنسية ليهتم هؤلاء الأساقفة العموم بأحوال الخدمة وحرافيشها.
∎ فى إطار تحول الكنيسة من الفرد إلى المؤسسة على قداسة البابا أن يستحدث كيان «مجلس أعلى للكنيسة» يعهد به للآباء أصحاب الشعبية الجارفة داخل الكنيسة ولا يخفى على الجميع أسماء أصحاب النيافة الأنبا باخوميوس والأنبا موسى على رأس هذا المجلس.
∎ إنشاء ديوان عام فى المطرانيات يتولى إدارته علمانيون من أبناء الكنيسة، يكون مختصا بتدبير احتياجات الشعب الاجتماعية والمادية على غرار تجربة مثلث الرحمات الأنبا ياكوبوس أسقف الزقازيق على أن يتفرغ الكهنة لعملهم الروحى والدينى.
∎ أخيراً.. فعلى قداسة البابا أن يلتحف بشعبه ويستقوى بهم، هذا الشعب الذى يرى قداسة البابا صفحة جديدة بيضاء لا يعلم ماذا سوف يكتب فيها، فالبابا أمامه الكثير من العواصف سوف تهب على كرسيه ولن يحمى هذا الكرسى ويثبته ويذود عنه إلا حرافيش الكنيسة، كما على قداسته ألا يأمن لصفوة متملقة أو أصحاب نفوذ أو طالبى منافع وأن يخلق وسريعاً تنظيماً هيكلياً جديدا يعتمد فيه على محبى الكنيسة ومخلصيها ليواجه بهم حرساً قديماً سوف يحاول قدر الإمكان إعاقة مسيرة قداسته التى نثق فى أن الله الذى أولاه تلك المسئولية قادر على أن يحيطه بملائكة السلامة من كل المتربصين.