جامعة عين شمس تعلن فتح باب التحويلات الإلكترونية للعام الدراسي الجديد    يبدأ العمل بها 1 أكتوبر .. تعرف علي أسباب إنشاء المحاكم العمالية بالمحافظات واختصاصاتها    بدء مد الكابل الأخير بمحطة محولات كهرباء جزيرة الذهب والتيار يعود خلال ساعات    ترامب: أطفال غزة سيحصلون على الغذاء    ترامب: عقوبات جديدة على روسيا ما لم تنه الحرب في 10 أيام    أحمد عبد الجواد خلال مؤتمر مستقبل وطن: احنا وراك يا ريس ونصطف خلفك    مدير "بروكسل للبحوث": فرنسا فقدت ثقتها في حكومة نتنياهو    العفو الدولية تحذر ألمانيا من أن تصبح شريكة في "جرائم الحرب" الإسرائيلية    «شيكودى» يغيب عن بتروجت 3 أشهر للإصابة    رسميا، أوباميانج يعود إلى فريقه السابق في فرنسا    «الأخبار» ترصد حكايات من دفتر احتضان الوطن    المؤبد لتاجر وتغريمه مبلغ 200 ألف جنيه للاتجار في الهيروين بالقليوبية    «التعليم» تحدد موعد بداية العام الدراسي الجديد 2025-2026.. (الخريطة الزمنية)    إصابة 3 أشخاص بطلقات نارية فى مشاجرة بمدينة إدفو بأسوان    السفير المصرى لدى لبنان يعزي النجمة فيروز في وفاة نجلها زياد الرحباني    "جالي فيروس".. صبري عبد المنعم يكشف تطورات حالته الصحية    عمرو دياب vs تامر حسني.. من يفوز في سباق «التريند»؟    السياحة: وضع خطة تسويقية متكاملة لمتحف الحضارة    خالد الجندي : الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    أمين الفتوى : الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد فى هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟    تحذير عالمي| سرطان الكبد يهدد جيل الشباب    لمرضى التهاب المفاصل.. 4 أطعمة يجب الابتعاد عنها    سعر ومواصفات 5 طرازات من شيرى منهم طراز كهرباء يطرح لأول مرة فى مصر    الغندور: صفقة تاريخية على وشك الانضمام للزمالك في انتقال حر    نقابة المهن التمثيلية تهنئ الفائزين بجوائز الدولة التقديرية فى الفنون والآداب    رئيس جامعة برج العرب في زيارة رسمية لوكالة الفضاء المصرية    نصائح للاستفادة من عطلات نهاية الأسبوع في أغسطس    مبابي ينتقل لرقم الأساطير في ريال مدريد    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    محافظ الدقهلية يهنئ مدير الأمن الجديد عقب توليه منصبه    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    20% من صادرات العالم.. مصر تتصدر المركز الأول عالميًا في تصدير بودرة الخبز المُحضَّرة في 2024    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    موعد مرتبات شهر أغسطس.. جدول زيادة الأجور للمعلمين (توقيت صرف المتأخرات)    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية القاعدة.. أم بداية جديدة؟!
نشر في صباح الخير يوم 06 - 09 - 2011

بعد مقتل أسامة بن لادن ومرور عشر سنوات من الحرب على الإرهاب، ما مصير تنظيم القاعدة؟! ما مدى قوته الآن؟، وماذا بعد 12 مليون رابطة عن تنظيم القاعدة على الإنترنت لمقالات وحوارات وكتب وتعليقات بتنويعة عريضة من اللغات، وكلها لم تجب عن السؤال الأهم: ما القاعدة؟!
هكذا تبدأ كريستينا هلميتش الأستاذ المحاضر فى العلاقات الدولية بجامعة ردينج بالمملكة المتحدة كتابها عن تنظيم القاعدة والذى ترجمته د. فاطمة نصر تحت عنوان: «القاعدة.. نهاية تنظيم أم انطلاقة تنظيمات».
* ما القاعدة؟!
تقول كريستينا فى كتابها: إن مجال دراسات الإرهاب لم يكن له سوى موقع على قدر من الهامشية وسط العلوم الاجتماعية أثناء السنوات الثلاثين السابقة على حادث 11 سبتمبر 2001، ولكن بعد هذا التاريخ انطلقت على الفور موجات ضخمة من عدم اليقين والخوف والتكهنات واندفع المعلقون بتهور لتوليد التفسيرات، وصار الأعلى صوتا هم الذين يقدمون الإجابات الأكثر إرضاءً، وعلى الرغم من الرقم القياسى للكتب المتعلقة بالإرهاب والتى نشرت فى غضون عام من الحدث، فقد أدت إلى زيادة الغموض عن تنظيم القاعدة بل إن السعى لمعرفة الإجابات وفر أرضية.. لأشباه الأكاديميين بل ودجالين يزعمون أنهم خبراء بل إن كثيرا من الخبراء المزعومين والذين لا يكادون يملكون أية معرفة عميقة عن القاعدة يتصادف أنهم هم نفس الأشخاص الذين يستند إلى آرائهم عن التنظيم، بل إن بعض هؤلاء الذين احتلوا مكانة الخبير المتميز فى موضوع «الإرهاب الإسلامى» فى الدوائر الإعلامية والحكومية يستقون معلوماتهم من مصادر لا تتجاوز الإنترنت، وبعضهم يستندون إلى مصادر سرية لا يمكن التحقق منها، وآخرون زعموا إجراء حوارات مع إرهابيين لم يلتقوا بهم، وفى مناطق وبلاد زعموا زيارتها وهم لم يسافروا إليها قط!
ومن هنا تطرح المؤلفة أسئلتها الحيوية: ما القاعدة؟ هل هى تنظيم؟ أم شبكة كوكبية أم مجموعة عشوائية من الرجال؟ هل تتكون من خلايا وعملاء وأعضاء وقيادة؟ هل هى أكثر من مجرد تنظيم؟ أم هى أيديولوجيا ومسيرة لا تتوقف حتى بعد موت بن لادن؟
وتخطو المؤلفة بجرأة نحو بحثها الجاد عن إجابات حقيقية فتقول: لإصدار حكم حول مشروعية أحد أنواع العنف وعدم مشروعية الآخر ينبغى تحليل منطق الإرهابيين متجردا وموضوعيا، ويتطلب هذا أن يضع المرء جانبا مشاعر العنف والغضب على ما حدث فى 11 سبتمبر 2001، والتمعن فى وجهة نظر الطرف الآخر، فلا يمكن الاكتفاء بفهم المعنى الظاهرى للبيانات العلنية التى تدعو إلى الجهاد الكوكبى سواء على شكل فيديوهات أو كتابات أون لاين، بل ينبغى النظر إليها بصفتها محاولات لترسيخ نوع من الأمر الواقع بين الجماهير العريضة.
وعن بداية القاعدة تقول: تشكلت القاعدة عام 1988 بواسطة قدامى المحاربين فى الحرب الأفغانية السوفيتية، وكان يترأس الحركة الجديدة عبدالله عزام ونائبه أسامة بن لادن، وبعد مقتل عزام فى عام 1989 تولى بن لادن التحكم فى التنظيم.
وترصد كريستينا هلميتش التطورات والانتقالات فى فكر وحركة القاعدة فتقول: «اتخذت القاعدة مقرا لها فى السودان بين عامى 1991 و1996 حيث كانت تتمتع بعلاقات ودية مع الجبهة القومية الإسلامية الحاكمة، وأجبر الضغط الدولى بن لادن على إعادة التموقع بأفغانستان عام 1996 حيث تحالفت القاعدة مع حركة طالبان الوليدة، وفى نهاية عام 2001 تم تدمير معظم معسكرات تدريب القاعدة فأعادت قياداتها تموقعها فى المنطقة الجبلية على الحدود الأفغانية الباكستانية أو فى المدن الباكستانية، وقد تشكلت القاعدة بهدف تصدير النصر الذى كسبه الإسلام على الشيوعيين إلى مسارح أخرى للصراع فى أنحاء العالم ونشر الجهاد من خلال عدد من الوسائل من بينها تمويل حركات حرب عصابات وتدريبها وإصدار مواد دعائية تهدف إلى إلهام الجهاديين المستقلين لارتكاب أعمال إرهابية، وتنظيم هجمات معقدة ضد بلدان ترى أنها تعارضها وتنفيذها.
وتشير المؤلفة إلى قيام مدارس فكرية مختلفة حول بنية القاعدة وطبيعة التهديد الذى تمثله، فثمة نظريتان تقول إحداهما بأن القاعدة ومنذ البدء خطط لها لتكون تنظيما شديد الإحكام، بأقسام متمايزة للعمل ومراسيم معترف بها للانضمام إليها، أما النظرية النقيضة فتذهب إلى أن جوهر القاعدة كان أكثر إبهاما بكثير: شبكة من الأفراد مرتبطة بجماعات إسلامية مختلفة والتى من المحتمل لها أن تكون قد طمحت لأن تصبح شديدة التنظيم، ولها قيادة قوية لكنها تكونت فى الواقع من مجموعات أقل إحكاما بكثير، وعلى الرغم من أنها تفتقد بنية محكمة متماسكة فإن الجماعة تفيد من التظاهر بأنها أكثر تنظيما وإحكاما مما هى عليه.
وتضيف كريستينا هلميتش:
ويقدم تقرير لجنة 11/9 والذى عكس منظور الولايات المتحدة الرسمى- وإن كان لا يمثله- الصورة الأوضح لبنية القاعدة: «يضم هيكل القاعدة كأذرع لعملياتها مكونا استخباراتيا، ولجنة عسكرية، ولجنة مالية، ولجنة سياسية ولجنة تضطلع بشئون الإعلام والدعاية، أيضا لديها مجلس شورى يتكون من أفراد دائرة بن لادن الداخلية».
وتحسم كريستينا رؤيتها لصالح مقولة جايسون بيرك التى يرى فيها: إن النظر إلى القاعدة بصفتها تنظيما متماسكا شديد الإحكام له أيديولوجيته الواضحة هو سوء فهم، ويستند فى أطروحته إلى أن تعبير «القاعدة» لم يستخدمه بن لادن أو رفاقه للإشارة إلى تنظيم، و لم يتم استخدام المصطلح لوصف منظمة إرهابية تقليدية إلا أثناء التحقيق الذى أجراه «الإف. بى. آى»، بشأن التفجيرات ليناسب أهداف الإف. بى. آى الذين كانوا يتطلعون إلى إدانة بن لادن غيابيا بمقتضى قانون ينص على الإدانة حال الاستيلاء على الأموال عن طريق العنف والتنظيمات الفاسدة، واقتضى ذلك أن يقدم المدعون دليلا على وجود تنظيم «إجرامى»، يتيح الادعاء على زعيمه حتى لو لم يثبت ارتباطه مباشرة بالجريمة».
وتذكر المؤلفة: «إنه بحلول عام 2001 أصبحت القاعدة تعرف بصفتها تنظيما إرهابيا معقدا، لأن هذه الصورة كانت تتماشى مع أهداف الولايات المتحدة وإصرارها على تجميع قضية ادعاء ضد بن لادن بأى ثمن».
* أهداف القاعدة سياسية أم دينية؟!
وتمضى كريستينا هلميتش فى تحليل التفسيرات المختلفة التى شاع تداولها عن فكر وأهداف القاعدة فتقول: «المحاولات النفسية التى تصور الإرهابيين على أنهم مهاويس مجانين تحفزهم علل عقلية، أو أشخاص محرومون من أى منطق عقلانى متعلق بالأوضاع الاجتماعية أو السياسية أو الدينية توفر تفسيرا فوريا علميا مقبولا فى وقت يتزايد فيه الطلب على الإجابات المباشرة إلا أنها تستدرك فتقول: «لكن المجانين لا يصلحون عادة لقيادة عمليات تقنية معقدة أو لتوصيل رسائلهم للآخرين والأخطر أن هذا التفسير يمد المعنيين بتشخيص يمكن من خلاله التمييز ضد مجتمع بأكمله ويستحضر فى الأذهان صورة لثقافة محلية مريضة بحاجة إلى الطب والعقاقير الغربية إذ أنه يربط بين السلوك المتطرف أو العصابى المرضى الذى يتمثل فى الأعمال الإرهابية على أنه مرتبط بطبيعة الثقافة العربية وهذا بالطبع يطمس عمليات التنوع الاجتماعى والسياسى والدينى الذى يجب أخذه بعين الاعتبار فى أى تحليل عبر ثقافى.
ومن هنا ترى أن الاستمرار فى النظر إلى منطقة بأكملها بتطلعاتها ومشاكلها من خلال إطار الصدام بين الإسلام والغرب يعنى الانشغال بكشف حساب لا يبرز سوى جزء من القصة فى أفضل الأحوال، وتذهب بعض التفسيرات الأخرى لفكر وأيديولوجيا القاعدة إلى وصف أعضائها دون تمييز بأنهم مجرمون، منافقون أو لاعبون سياسيون يستخدمون الدين بخبث للتلاعب بأحاسيس الآخرين من أجل الوصول إلى أهداف سياسية لا دينية، وتعلق الكاتبة على هذا التفسير بقولها: «إن استدعاء المشاعر الدينية ليس مقصورا بأية حال على أسامة بن لادن بل هو ملمح مشترك للسياسيين الإسلاميين فى التنافس القائم على المشروعية الدينية والسياسية».. وهناك أيضا اتجاه يرى أن «القاعدة» ليس لديها أى فكر أيديولوجى فقد انتهى تقرير استخباراتى للبنتاجون فى عام 2003 إلى أن القاعدة لا تتبنى آراء بعينها وأنه ليس ثمة أيديولوجيا تدفع عمليات القاعدة».
وتعلق كريستينا هلميتش على هذا الاتجاه فتقول: «إن هذا النموذج التفسيرى يفتقد الدقة لأنه يبدو من المرجح أن منفذى هجمات 11سبتمبر الذين ذهبوا إلى الموت باختيارهم كان لديهم حوافز أعظم لفعل ذلك، حيث إن نظرة عابرة على الأبحاث الأنثربولوجية سرعان ما تكشف عن أن الأصوليين الدينيين فى أنحاء العالم بمن فيهم أتباع القاعدة يعتبرون أنهم ينتمون إلى جماعة من المؤمنين الخالصين تلهمهم إرادة الله ويستحقون مثوبته .
وتأتى تفسيرات أخرى لأيديولوجيا القاعدة منها أن أسامة بن لادن وأتباعه ينتمون إلى «الوهابية»- وهى الحركة الدينية التى أسسها العالم محمد بن عبدالوهاب فى القرن الثامن عشر واستهدفت تخليص الإسلام من جميع البدع التى لحقت به بعد قرنه الثالث حيث شنوا حملات لا هوادة فيها ضد المتصوفين والشيعة وأحلوا استخدام العنف ضدهم- وتعلق الكاتبة على صلة القاعدة بالوهابيين فتقول «الربط بين الوهابية والقاعدة قصير النظر لأنه يتجاهل الخلافات الجوهرية بينالأيديولوجيتين، والتطورات التى أثرت فى الوهابية منذ بداياتها التقليدية الأصولية وطوال القرن العشرين حيث أصبحت معاييرها على درجة من الاعتدال، قد تكون فكرة العنف التى تبناها محمد بن عبدالوهاب قد ألهمت أسامة بن لادن وغيره من الأصوليين الإسلاميين، ولكن من الصحيح أيضاً أن المشايخ الوهابيين بالسعودية قد بينوا بما لا يدع مجالا للشك أن التفجيرات الانتحارية حرام وغير إسلامية.
* القاعدة وابن تيمية
ومن أبرز الأفكار التى ناقشها الكتاب أيضاً تأثير ابن تيمية الذى يقال إن تأويلاته ألهمت الأصوليين المسلمين المعاصرين بمن فيهم أسامة بن لادن فتعرض لكتاب مارك سدجمان «فهم شبكات الإرهاب» والذى ذكر فيه أن محمد بن عبدالوهاب الذى أسس الكثير من تأويلاته للقرآن على فتاوى ابن تيمية كان له تأثير حاسم فى تطور الفكر الإسلامى المتطرف الذى تقوم عليه أيديولوجيا القاعدة».
وترى كريستينا أن الكتاب لا يورد إشارات إلى فتاوى بعينها ولكنه يعود إلى أكثر الفترات اضطرابا فى التاريخ الإسلامى - غزو المغول لأراضى المسلمين - حينما سئل ابن تيمية عما إن كان من الجائز إعلان المسلمين الجهاد على غيرهم من المسلمين فأجاز ذلك حيث رأى «أن المغول لم يكونوا مسلمين حقا بل مرتدين ينبغى عقابهم بالموت».
وتؤكد الكاتبة: أن قراءة ابن تيمية لابد أن تتم فى السياق التاريخى الذى وجدت فيه .
* الجهاد السلفى الكوكبى
بيد أن الكتاب يشير إلى وجود إجماع داخل مجال دراسات الإرهاب على أن القاعدة هى طليعة الجهاد السلفى الكوكبى حيث يستخدم هذا المصطلح لوصف أيديولوجيا القاعدة ويصفها بأنها حركة إحيائية تشمل العالم كله، هدفها استعادة مجد الإسلام فى دولة إسلامية عظمى تمتد من المغرب إلى الفلبين وتمحو الحدود القومية الحالية، تدعو إلى السلفية أو استعادة الإسلام الحق وتتبنى استراتيجية الجهاد العنيف أما النسخة الكوكبية من هذه الحركة فتتبنى الدعوة إلى هزيمة القوى الغربية التى تحول دون إقامة الدولة الإسلامية الحقة - وهذا الوصف وفقا لما ذكره سدجمان فى كتابه: «فهم شبكات الإرهاب».
وتنتقد كريستينا هذا الكتاب الذى لم يتضمن رؤية لأصول الجهاد السلفى أو ظاهرة السلفية وتتبنى رؤية ويكتو ويتز فى كتابه: «تشريح الحركة السلفية» - التى كثيرا ما يشار إليها باسم الوهابية - حيث يرى أن الحركة السلفية تعكس قضايا شديدة التنوع من القضايا المتعلقة بالسياسة والعنف، ولكنها على الرغم من الاختلافات العديدة تتمسك بعقيدة دينية مشتركة بين السلفيين وهى التمسك الصارم بمبدأ التوحيد والرفض التام لدور العقل البشرى ومنطقه ورغباته.
وتحاول كريستينا هلميتش تعريف السلفية فتقول: إن مسألة من يعتبر عضوا بالسلف مسألة خلافية فالسلف لا يقتصرون على مجموعة بعينها أو على فترة معينة الأحرى أن «السلف» يضم الأجيال الثلاثة الأولى من المسلمين وتشمل صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين، وتابعى التابعين بحيث يمكن القول أن العلماء البارزين الذين ينتمون إلى عصور لاحقة مثل ابن تيمية وابن القيم الجوزيه، ومحمد بن عبدالوهاب، وجمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده يعتبرون من السلف.
ومن هنا ترى أن المكونات الأيديولوجية للفكر السلفى ظلت تتغير بمرور الوقت استجابة للتحديات التى تعرضت لها الأمة الإسلامية.
ومن ثم تتساءل: وفقاً لأى تعريف يمكن القول أن بن لادن سلفى؟!، هل بسبب إنكاره إعمال العقل البشرى فى تأويل النص المقدس؟، مع أنه يقوم بتطبيق تأويلاته الخاصة للقرآن لدى عرض حججه، هل بسبب محاولاته ونواياه المعلنة عن العودة إلى أصول الإسلام؟ ثم تقول: إن كان بن لادن وأتباعه يصنفون على أنهم جهاديون سلفيون بناء على أى من هذه الأسباب أو بناء عليها مجتمعة، إذن فمن المناسب أن نسأل: «من ذا الذى ليس سلفيا معاصراً؟».
* خطاب بن لادن
تؤكد المؤلفة على أهمية التعاطى الناقد مع رسائل بن لادن لأنها هى التى تشكل صورة حقيقية عن أيديولوجيا القاعدة وفكرها فتقول:
إن القضية المركزية فى جميع بيانات بن لادن من الثمانينيات وحتى الآن كانت هى معاناة الأمة الإسلامية ومهانتها على أيدى الولايات المتحدة وحلفائها ومن هنا أصدر فتوى عام 1998 والتى اكتسبت الشهرة وسوء السمعة حيث قال:
إن حكم قتل الأمريكيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين فرض عين على كل مسلم فى كل بلد متى تيسر له ذلك حتى يتحرر المسجد الأقصى والمسجد الحرام من قبضتهم وحتى تخرج جيوشهم من كل أرض الإسلام».
وتضيف كريستينا هلميتش بأن العنف الذى دعا إليه بن لادن كان يدعمه مرارا وتكراراً بقوله: «إن ما يميز الغرب هو قتله لأعداد من المسلمين المدنيين وإنزاله المعاناة بالعالم الإسلامى»، وتؤكد كريستينا: «بأنه فى وجود البراهين التاريخية إلى جانبه يصبح من الصعب من حيث المبدأ إنكار مشروعية حججه فعندما يتحدث عن وفاة نصف مليون طفل عراقى نتيجة العقوبات الاقتصادية التى فرضت على العراق فى أعقاب حرب الخليج الثانية فإنه يذكر أحد الأمثلة اللافتة الموثقة جيدا فقد سبق لمادلين أولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة أن صرحت بأن الأهداف السياسية تبرر التضحية بنصف مليون طفل عراقى وتجيزها.
وهنا تنتقد كريستينا هلميتش ذلك المنطق المشترك الذى يتقاسمه الدولة والإرهابيون وهو الاعتقاد بأن موت آلاف الأبرياء هو ثمن يستحق دفعه من أجل إنجاز الغايات السياسية، ولكنها تتطرق إلى أن هذا الحديث الموثق لبن لادن عن وفاة الأطفال العراقيين «نصف المليون» يواجه باعتراضات واضحة تؤكد على الفرق بين الدمار غير المقصود الذى ينجم عن عملية «قانونية» مشروعة مثل الحرب أو العقوبات الاقتصادية، وبين استهداف المدنيين المتعمد حيث ينظر إلى النوع الأول على أنه أمر «يؤسف له» فيما ينظر للنوع الآخر باعتباره «بشاعة» غير مقبولة فى العالم المتحضر.
ورغم لجوء هلميتش للتبرير والدفاع عن الدمار بأنه «غير المقصود» الذى أدى لقتل الأبرياء! فإنها تعود وتؤكد أن استمرار نهج «اقتل» أو «اعتقل» الذى تتبعه الولايات المتحدة فى حربها على الإرهاب أتى بنتائج عكسية حيث إنه يدعم الرواية التى ترى الولايات المتحدة وحلفاءها قوى استعمار قامعة تتسبب فى معاناة المسلمين، وأن حربها هذه هى حرب على العالم الإسلامى حيث تهيمن صور العنف فى أفغانستان والعراق على الوسائط الإعلامية بل إن المواجهة العدوانية سواء على شكل توقيفات عشوائية أو احتجاز المتهمين فى المعتقلات لأمد غير محدد، أو التدخلات العسكرية لم تفعل شيئاً لجعل الولايات المتحدة والغرب أكثر أمناً من غضب الجهاديين المتطرفين أو من هجماتهم العنيفة بالإضافة إلى الاستنزاف المادى والبشرى الهائل فى الحرب على الإرهاب.
وتعالج الكاتبة خطاب بن لادن فتقول: «أنه يلمس وتراً عاطفيا حساسا فى نفوس جمهوره من المسلمين عندما ينادى بتحرير أرض الحرمين والمسجد الأقصى ويطالب بطرد الجيوش الأجنبية من أراضى الإسلام فقد انتقد بن لادن وصول القوات الأجنبية إلى المملكة العربية السعودية عام 1991، واستنكر المصادقة عام 1993 على اتفاقيات أوسلو فى بيان استهدف جمهورا عريضاً عنوانه: «خيانة فلسطين».
وتضيف: ورغم ما يملكه بن لادن من موهبة خطابية فذة فإن خطابه لا يرقى إلى مصاف خطابات دعاة الوحدة الإسلامية الذين عبروا عن رؤاهم الخاصة بالأمة الإسلامية بأساليب أكثر واقعية عن كيفية بناء الأمة وحكمها فخطاب بن لادن كان يفتقد التخطيط المتسق لكيفية تنظيم أمة الإيمان واقعياً فهو يرى أنه ينبغى التغلب على أعداء الإسلام أى الغزو الصهيونى - الصليبى ثم بعد ذلك يتحقق كل شىء بأسلوب طبيعى أو بتدخل ربانى ولكن غايته النهائية لتوحيد الأمة من خلال الجهاد بكل ما تضمره الطبيعة العشوائية للأساليب التى تبناها من تدمير وإراقة دماء يظل موضع شك فى أفضل الأصول حتى فى أذهان من يتعاطفون معه.
* مستقبل القاعدة
وبالطبع فإن مقتل بن لادن لا يعنى اختفاء خطابه.. وتتبنى المؤلفة رؤية جايسون بيرك ومؤداها: «إن الملايين يتفهمون رسائل بن لادن، وأنه من بين تلك الملايين ستأتى الموجة الجديدة من الإرهابيين سيعملون «مستقلين» لحسابهم دونما أى رابط واضح بأية مجموعة موجودة، وتحيل إلى عدة حوادث إرهابية ارتكبها أفراد مثل مالك حسن الطبيب النفسى والضابط بجيش الولايات المتحدة الذى نفذ عملية إطلاق النيران بقاعدة فورت هوود فى نوفمبر 2009، وحالة العراقى السويدى تيمور عبدالوهاب العبدلى أول مفجر انتحارى سويدى والذى لقى حتفه وسط أعياد الكريسماس.فى شارع مزدحم فى استوكهولم فى ديسمبر 2010، وذكرت أن هذه الحوادث آخذة فى الارتفاع وأن المتورطين فيها أناس ليست لهم روابط مباشرة مع المنظمات الإرهابية بل استعانوا بالإنترنت ويعملون دونما دعم من شبكات خارجية، ولكن تحقيقات أخرى قد تناولت المؤثرات فى حياة هؤلاء الإرهابيين الجدد ولوحظ أن بعضهم اتصل من خلال الإيميل أو بالاستماع إلى رجال دين متطرفين من خلال رسائل أون لاين.
ومن هنا ترى أن القاعدة الآن ذراع للجهاد الذى لا قيادة له ونظراً لأن قوته تكمن فى أيديولوجيته وفكره لا فى بنيته التنظيمية، والذى هو بطبيعته على قدر من المرونة تمكنه من مقاومة تأثير اختفاء أى فرد أيا كانت مكانته أو قدره، وتصف هلميتش محاولات مكافحة الإرهاب القائمة بأنها أعاقت القاعدة مؤقتا ولم تقض عليها وعلى المرتبطين بها بأسلوب حاسم، والسبب - كما تراه - أنه إذا كانت القاعدة فعلاً تمثل مشكلة كوكبية فإن جدوى محاولات تحديد موقع للتنظيم فى مركز رئيسى مشكوك فيها، والتدخلات المتمركزة والمحدودة مكانيا هى بطبيعتها غير فاعلة لمجابهة هذا التهديد.
وعلى صعيد آخر تشير كريستينا هلميتش إلى الاتجاه القائل بأن أحدث فروع القاعدة فى شبه الجزيرة العربية قد أعاد تنظيم صفوفه ليصبح تنظيماً ذا هيكل رسمى والذى يقال أنه أكثر خطورة من التنظيم المركزى الأصلى للقاعدة فتقول: إن مثل هذا الاتجاه لا يعتمد على أدلة أو براهين.
وتتناول هلميتش فى كتابها واقع أفرع القاعدة فى العراق واليمن فتقول أن القاعدة فى البلدين قد تورطت فى أخطاء أسهمت فى ضعفها، فتذكر تورط تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين فى المواجهة مع شيعة العراق التى سرعان ما حولت ما بدأ كحملة لتحرير العراق وإقامة دولة إسلامية على أراضيها إلى صراع طائفى دموى فحقيقة أن بعض أفرع القاعدة المحلية لجأت إلى استخدام العنف ضد المسلمين المدنيين قد قوض قدرة الحركة على تقوية نفوذها وكذلك على تقديم نفسها كلاعب أساسى على النطاقين الكوكبى والمحلى.
وتفرد كريستينا هلميتش فصلا من فصول كتابها للحديث عن تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية باليمن حيث تم إدماج فرعيها فى اليمن والسعودية فترصد فكر العديد من الحركات والأحزاب والجماعات فى اليمن والتى تمثل عدداً كبيراً من وجهات النظر حول نظام حكم الدولة والشرعية السياسية فى اليمن قائلة: «الجدل الداخلى وعملية ظهور قيادات داخل اليمن يصعب خضوعها للتأثيرات الخارجية هى التى ستقرر مستقبل تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية ومن ثم قدرة هذا التنظيم على ترسيخ نفسه وهذا يتوقف إلى حد كبير على قدرته على المناورة الفاعلة فى مجال المساومات والتسويات السياسية وهذه المهمات لا يتضمنها التنظيم الذى يعتمد على استخدامه الحصرى لأساليب تفجيرات شبه حرفية»، وتؤكد على أن الاعتماد على العنف وحده لا يؤدى إلى اكتساب قاعدة جماهيرية قوية، ومن المحتمل أن يستبعد تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية إلى الهوامش.
* الثورات العربية ومفهوم الغرب عن الإسلام
وتختتم هلميتش كتابها بالحديث عن الانتفاضات والثورات العربية وتأثيره على القاعدة فتقول:
توضح الانتفاضة الشعبية ضد الأنظمة القامعة التى عمت المنطقة العربية وانتشرت من تونس إلى مصر واليمن ابتداء من يناير 2011 نظرة تتحدى التنميطات الشائعة عن الإسلام وأيضاً الثقافة الدينية السلطوية التى لا تتسق مع الأفكار الليبرالية والتطلعات الديمقراطية، وعلى الرغم من النبرة العلمانية لهذه الانتفاضات فربما كانت أكثر صورة أيقونية لتلك الثورة هى صورة الحشود بميدان التحرير وهم راكعون فى صلاتهم فيما يتلامسون حرفيا مع الدبابات التى أرسلتها الحكومة المصرية السابقة لتوكيد سلطتها، هذه صورة للإسلام تختلف جذرياً عن تلك التى اعتاد الغرب رؤيتها، إنها صورة الإسلام وهو يجابه عنف الدولة، ويتحداه من خلال الاحتجاج السلمى.
ثم تشير إلى «أن أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهرى فشلا فى الاتيان بفجر خلافة جديدة باستخدام استراتيجية القنابل البشرية والمتفجرات ولكن مجموعة نشطاء الشباب المسلمين المنظمين والمتطلعين إلى المستقبل وعلى الرغم من عدم اصطفافهم تحت لواء قيادة معينة قد نجحوا فى إشعال الشرق الأوسط بخطاب شمولى عن الحرية والديمقراطية».
ثم تؤكد هلميتش: «على أن الانتقال السلمى إلى مجتمع أكثر تعددية من شأنه تقويض رواية القاعدة عن ضرورة الإطاحة بالحكومات السلطوية الموالية للولايات المتحدة من خلال الجهاد العنيف.
ولكنها تشير إلى أن التبعات طويلة المدى للتخلص إلى الأبد من وجه القاعدة العلنى لم تتضح بعد، فتقول: رأى البعض موت بن لادن علامة على النجاح النهائى للحرب على الإرهاب وبداية النهاية بالنسبة لأخطر تنظيم إرهابى فى التاريخ، لكن لحظة الانتصار لم تدم طويلاً، سرعان ما خيمت على مناخ الابتهاج الأصوات الناقدة التى تسائل مشروعية نهج مهمة الولايات المتحدة المتمثل فى اقتل أو اعتقل، مؤكدة أن القاعدة مازالت تمثل تهديداً لا يستهان به مع التنبؤ بتصاعد الهجمات الإرهابية انتقاما لمقتل بن لادن.
.. ويظل من المحير أن تختتم كريستينا هلميتش كتابها بنفس السؤال الذى بدأت به.. ما القاعدة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.