د. جلال أمين نطرح جميعا علي أنفسنا هذه الأيام سؤالا « ماذا حدث للمصريين خلال 100 يوم بعد قيام ثورة 25 يناير ؟ لذا لم أجد أفضل من الدكتور «جلال أمين» صاحب كتاب « ماذا حدث للمصريين ؟» الذي قام فيه بتحليل المجتمع المصري خلال الخمسين سنة الماضية ليجيب عليه فذهبنا إليه وطرحنا عليه تساؤلنا.. وتساؤلات كثيرة حول الأوضاع الحالية وحول الشخصية المصرية ورؤيته لهذه المرحلة المهمة. والحقيقة أنني بدأت حديثي مع الدكتور جلال أمين بالسؤال عما يعكر صفوه، لأنه في بادئ الأمر قال لي إنه مستاء في هذه الفترة من الأوضاع الحالية.. فسألته : ما الذي يعكر صفوك في هذه الفترة ؟! أشياء كثيرة تحدث في الأسابيع الأخيرة غير مفهومة، وغير المفهوم دائما يؤدي إلي القلق، هذا القلق يشعر به كل الناس ولست أنا فقط، وهذا مثل التباطؤ في الاستجابة لبعض التغيرات، وعندما تأتي الاستجابة كثيرا ما تكون أقل من الواجب.. كذلك هناك أشخاص تم إعطاؤهم مناصب مهمة وهم لا يتمتعون بالثقة الكاملة، فتاريخهم مضطرب، بالطبع هناك أناس أعطي لهم مناصب أيضا مهمة ويستحقونها، ولكن هناك من ليسوا محل ثقة كاملة لوضعهم في هذه المناصب.. ولن أذكر أسماء.. أيضا يوجد تضارب في التصريحات التي تصدر، كمسألة هل الرئيس السابق سيتم التحقيق معه أم لا؟!، هل سيتم نقله من شرم الشيخ أم لا ؟! كل يوم نسمع كلامًا مختلفًا، وهذا سبب للقلق. أيضا هناك أشياء كان يجب أن تحدث بسرعة كالتواجد الأمني في الشارع وهذا مهم للغاية لأن تأثيره ليس فقط علي الأمن في حد ذاته، بل أيضا علي كل النواحي الاقتصادية المتوفقة علي رجوع الأمن سواء كانت سياحة أو تحويلات لمصريين من الخارج أو تقدم الصناعة وعودة الاستثمارات إلي سابق نشاطها، كل هذا يتطلب توافرًا أمنيًا. وأكثر ما أثر في نفسي ما حدث في قنا، فكيف نترك الناس لتقطع المواصلات ما بين قنا والأقصر مثلا دون تدخل فوري وحازم من الحكومة ؟!.. ثم تصدر مجرد تصريحات مهدئة. هل هيبة الدولة في خطر ؟ - الدولة لم تحاول الحفاظ علي هيبتها، لأن التهدئة لا تكون علي حساب هيبة الدولة، والبعض يقول أن هذه طبيعة الثورة.. وهذا كلام غير صحيح.. فالثورة تحتاج إلي تصرف حازم.. فمثلا في 1952 كان الضباط أكثر حزما. هل مازلت متفائلا بالثورة ونتائجها بعد مرور 100 يوم ؟ - بالطبع فما حدث هو شيء عظيم ومكسب بكل المقاييس.. حتي لو حدثت تطورات غير مرغوب بها إلا أن الوضع لا يمكن أن يصبح أسوأ مما كان قبل 25 يناير. يستطرد ومن أهم الإيجابيات أننا تخلصنا من شخصيات مزعجة في حياتنا من قمة النظام إلي المحيطين به إلي بعض الوزراء الذين كان تأثيرهم سيئا جدا علي السياسة المصرية الاقتصادية والخارجية والعربية.. كما اكتشفنا أن شبابنا ليس بالسوء الذي كنا نتخيله، وأيضا المرأة المصرية التي تطورت وخرجت مساهمة في الحياة العامة، وكان هذا شيئًا مبهجًا للغاية.. كما يقابلني الكثير من الشباب يتوقون إلي خدمة البلاد، فقبل 25 يناير كانت الغالبية تقول متي أهاجر.. فكانت الخطة إما الهجرة أو عمل مشروعات فردية محضة، أما الآن فيوجد من يريد التضحية بكل شيء من أجل مصر. التضحية من أجل مصلحة الوطن غير واضحة في ظل المظاهرات الفئوية التي تعطل سير العمل والعجلة الإنتاجية فما رأيك ؟ - لست ضد المظاهرات الفئوية، فمن الطبيعي جدا بعد 30 عاما من الكبت أن يكون لدي الناس مظالم حقيقية، وهم يشهدون بأعينهم يوميا مظاهر فساد أيضا حقيقية فعندما وجدوا أنهم أخيرا استطاعوا التعبير عن أنفسهم قالوا « نضرب علي الحديد وهو ساخن» لماذا ننتظر أكثر من ذلك؟! وهم يعتصمون فقط لا يضربون ولا يخربون. ولكن أحيانا تكون لمصالح شخصية أو مجرد تصفية حسابات؟! - ضروري أن بعض المطالبات ستكون قد تجاوزت الحدود ولا داعي من تلبيتها إذا ثبت ذلك.. أما عن تعطيل عجلة الإنتاج.. فمن الممكن أن نجبرهم علي الالتزام بساعات العمل الرسمية، وينظموا أنفسهم بحيث يعبرون عن رأيهم دون الإضرار بمصلحة البلاد. كم نحتاج من الوقت من وجهة نظرك لتتحسن حالة مصر الاقتصادية ؟ - حوالي 6 شهور، فليس من المفروض أن نعجز عن إعادة الأمور إلي نصابها في أكثر من6 شهور.. فمثلا السياحة إذا تم توفير الأمن خلال شهر ستعود إلي سابق عهدها، كذلك المشروعات التي كانت متوقفة إما بسبب نقص وسائل الإنتاج أو عدم القدرة علي الحصول علي عملة أجنبية يمكن الحصول عليها أيضا، هذا ممكن إصلاحه خلال هذا المدي الزمني.. وأيضا إذا صدرت تصريحات مطمئنة للمستثمرين يمكن أن نستعيد حركة الاستثمار الأجنبي والوطني.. فيجب أن تحرص القيادة العليا علي الإدلاء بتصريحات تطمئن المستثمر والمصدر بأن الأمور ستتحسن في أقرب وقت. بالفعل هناك تصريحات ولكن هل هي غير كافية ؟ - الحقيقة أنا لا أراها مطمئنة بدرجة كافية. هل نستطيع أن نقول إنها ينقصها الفعل المطمئن أيضا بجانب التصريحات ؟! - بالطبع صحيح.. أيضا نحن نفتقد الرجل القوي الحازم، وهذا مهم فأي ثورة تحتاج إلي رجل قوي. ولكن ثورتنا كانت دون قائد فما الحل ؟! - لا يمكن أن تستمر دون قائد، وما أتعجب له فعلا هو عدم ظهور قائد حتي الآن لا من الشباب ولا حتي من الجيش.. والحقيقة أن هذا يؤسفني بشدة. هل هناك من يتطلع للقيادة ولكن القلق والخوف يحيط بنا لأن أغلبهم فئات دينية ؟! - أنا ألوم الإعلام بشدة.. فالإعلام أيضا يحتاج إلي قائد.. والموضوع ليس حرية ولا ديمقراطية فإعلامنا موجه منذ أكثر من 60 عاما، منذ ثورة 1952. يمكن إلغاء وزارة الإعلام، ولكن يمكن أن تأتي برئيس تليفزيون ورئيس للإذاعة يكون قويًا والأهم أن تثق في اتجاهاته. فمثلا ظهور « عبود الزمر» وإتاحة الوقت له والمساحة للحديث بهذا الشكل وسماع تبريره لقتل السادات، وهو يقول إن مع غياب القانون لا يوجد حل غير أن نقتله.. من الذي يحدد إذا كان القانون غائبًا أم حاضرًا؟! وماذا عن الاستعانة بهم رسميا بدلا من شيوخ الأزهر ؟! - أجد تفسيرا، ولكنه غير كاف في رأيي.. إنهم يريدون الحرية لكل فئات الشعب، ولكن هناك فارق كبيراً بين الإفراج عن سجين قضي مدته وظهر ليبرر جرائمه.. الحرية لها حدود حتي في إنجلترا تم إلغاء برنامج تلفزيوني لأنه تعدي علي هيبة العائلة المالكة. هل نحتاج إلي بعض الدكتاتورية ؟! - ليس بعض من الدكتاتورية ولكن نحتاج الكثير من الحزم.. فالشعب المصري يحب الرجل القوي.. وأكرر أن الكثير من الحزم مطلوب في هذه الظروف الثورية، وهذا لا يتناقض مع الديمقراطية، فعندما يكون هناك أهداف عليها شبه إجماع لا داعي للتصويت.. فمن الخطأ أن ندعي غير ذلك. هل هذا ما حدث في ثورة 52؟ - نعم فقد كنا علي استعداد لتثقيف أي شيء تقرره الثورة، خاصة خلال السنتين الأوليين لأنهم كانوا يأخذون الأفكار من الناس ويطبقونها.. كقانون الإصلاح الزراعي، لم يتم التصويت عليه ولا حتي استفتاء.. ليس كما يحدث الآن حتي في التعديلات الدستورية كانت الناس سعيدة بالاستفتاء لكن أليست هذه المواد هي ما قامت من أجلها الثورة ؟! فعلي ماذا تستفتي؟! ما هي رؤيتك لما حدث في إمبابة ؟ - هذا شيء مزعج للغاية ومؤسف جدا فلم أكن أعتقد أن هذه الأحداث ممكن أن تتكرر بهذه الصورة والسلفيون إما أنهم فقدوا عقلهم أو أن أحدا يتحكم بهم أو الاثنان معا. ومن الممكن أن يكون متحكما بهم ؟! - أعداء الثوار ممن يحاولون تعطيل مسيرة الثورة ويخافون من الخضوع للتحقيق والمحاكمة فيريدون أن يضعفوا النظام عموما.. البعض يشير إلي أصابع خارجية وأنا لا أستبعد هذا أيضا، ولكن الأصابع الخارجية دائما تحتاج إلي التعاون مع عناصر داخلية. قضية التشاحن الطائفي هل كانت تحت الرماد اللهيب؟ - هذا شيء فعلا مثير للقلق، ولكن في ميدان التحرير ظهر أننا كنا مسيحيين ومسلمين « كالسمن علي العسل» وكان هذا حقيقيًا وليس تمثيلا. خلال الثلاثين عاما الماضية حدث تدهور خطير في السياسات الاقتصادية والإعلامية والتعليمية أنتج هذا المناخ بين المسلمين والأقباط، في الخمسينيات والستينيات لم يكن هناك هذا الشعور، لأن السياسة الاقتصادية والإعلامية والتعليمية كانت عاقلة وليست مجنونة، ولكن ابتداء من السبعينيات دخلنا علي سياسات حقا « مجنونة» «غير عقلانية».. فتسببت في أن الناس بدأوا يفقدون صوابهم ومزقتهم، لأن المجتمع كله أصبح لا عقلانيًا. فمنذ وجود السادات الذي كان يوما يلبس جلبابا وعباءة ويوما يلبس أشيك موضة غربية ومرة يقول العلم والإيمان ثم نري تصرفات متناقضة هذا أيضا غير عقلاني والسياسات الاقتصادية تفتح باب الاستيراد علي مصراعيه والبلد لم يكن يتحمل هذا، وفي التعليم أصبح المدرسون يعاملون المسيحيين معاملة غير لائقة تحت بصر الدولة، ولا تحرك ساكنا.. فكانت النتيجة أشياء كثيرة تغلي تحت السطح وعندما أزلنا الغطاء ظهرت آثارها.. ومن الطبيعي أنه لكي ترجع الأمور إلي طبيعتها نحتاج الكثير والكثير من الوقت.. لكي يسترد الأقباط الثقة ويسترد المتطرفون عقولهم. هل كل ما نحتاج إليه هو الوقت ؟! - بالطبع بدون أشخاص نزيهة عاقلة فلا فائدة للوقت. نحتاج لأناس عقلاء يتحملون المسئولية ويتصرفون طبقا لخطة واضحة، كنت دائما أضرب المثل بقصة الكاتب « بهاء طاهر» «خالتي صفية والدير» فهي قصة رائعة تقرب الأقباط والمسلمين من بعضهم، كما لا يمكن أن يفعله أي شيء آخر.. أعلم أنه قد تم إخراجها في التليفزيون، ولكن ليست بالشكل المطلوب.. يجب أن يأخذ هذه القصة أفضل مخرج في مصر وسيخرج منها قصة تكون عملا فنيا.. يراه الناس ويتعلمون منا.. فالناس الآن أمام التلفاز ليل نهار. ماذا تري في الفترة القادمة ؟! - أتمني أن أري معني الثورة يتحقق.. ففي 1952 كانت حركة أدت إلي ثورة.. ولكني أخشي أن تتحول الثورة إلي حركة.. بمعني أنهم في 1952 قاموا بإصلاح الكورنيش من روض الفرج لحلوان، فورا دون تفكير وأخذ أصوات وإثارة تساؤلات.. الإصلاح الفوري هو معني الثورة.