وزير البترول يبحث مع ماريدايف دخول مجال الإنتاج وتنمية الحقول القائمة والمتقادمة    وزير الاستثمار يبحث مع وزير التجارة السعودي تعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية بين البلدين    عضو المكتب السياسي بحماس: لا مصلحة للمقاومة في إخفاء جثة أي أسير للعدو أو تأخير تسليمها    سيد عيد يجهز بتروجت لمواجهة الأهلي بخطة خاصة وتصحيح أخطاء الدفاع    شوبير ينفي تلقي داري عرضا من ليبيا ويكشف موقف الأهلي من مستقبله    جوارديولا: مرموش تجاوز فترة صعبة.. وأحتاج منه شيئا واحدا    مصرع شخص وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم موتوسيكل بسيارة ببني سويف    عياد رزق: المتحف المصري الكبير يسهم في زيادة تدفقات السياحة العالمية وخلق فرص عمل جديدة للشباب    نيللي كريم تثير الجدل بتصريحاتها عن الرجال.. اعرف التفاصيل    "المنشاوي" يشهد افتتاح فعاليات المؤتمر العلمي السنوي الثامن لجمعية أسيوط للصدر    تامر الحبال: افتتاح المتحف المصري الكبير إعلان ميلاد عصر ثقافي جديد برؤية مصرية خالصة    وزير الرياضة يُهنئ النوساني بعد فوزه على اللاعب الإسرائيلي في بطولة كندا للإسكواش    «مستقبل وطن» يواصل عقد اللقاءات الجماهيرية بالمحافظات لدعم مرشحى مجلس النواب    لافروف: روسيا بحاجة إلى ضمانات بأن لقاء بوتين وترامب سيحقق نتائج    وكيل تعليم القاهرة يتابع سير العملية التعليمية بمدارس مصر الجديدة    السياحة: استعدادات مكثفة داخل المتحف المصرى الكبير تمهيدا للافتتاح المرتقب    إسلام عباس يكشف عن تمثال شخصية الملك لير ويؤكد: نال إعجاب يحيى الفخرانى    محافظ الجيزة يبحث شكاوى المواطنين بأحياء ومراكز العجوزة والطالبية والمنيرة الغربية وأطفيح    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    وجبة الإفطار مرآة جسمك.. ما لا يخبرك به فقدان الشهية الصباحية عن حالتك الهرمونية والنفسية    بعد وفاة طفل بسببها.. ما خطورة ذبابة الرمل السوداء والأمراض التي تسببها؟    بعد تسريب بيانات 183 مليون حساب.. تحذير عاجل من الهيئة القومية للأمن السيبراني لمستخدمي Gmail    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    اللجنة الفنية باتحاد الكرة: حلمي طولان محق في تصريحاته ويجب الحفاظ على شكل المنتخب    فرج عامر: ماحدث من لاعبي سموحة أمام الجونة " كارثة ومأساه"    رسميًا| مجلس الوزراء يعلن بدء التوقيت الشتوي اعتبارًا من الجمعة الأخيرة بالشهر الجاري    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    «تعمير» تعلن عن شراكة استراتيجية مع «The GrEEK Campus» بمشروع «URBAN BUSINESS LANE»    ماليزيا تعلن استعدادها للانضمام إلى "بريكس" فور قبولها    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    روزاليوسف.. ساحة الاختلاف واحترام التنوع    رؤية نقيب الصحفيين للارتقاء بالمهنة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    زلزال سينديرجي يعيد للأذهان كارثة كهرمان مرعش في تركيا.. تفاصيل    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    قبل العرض الرسمي.. إليسا تطلق أغنية «السلم والتعبان – لعب العيال»    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    «أوقاف دمياط» تنظم ندوات حول التنمر والعنف المدرسي    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    الإفتاء توضح الحكم الشرعي لتقنية الميكرو بليدينج لتجميل الحواجب    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    موعد مباراة أتالانتا وميلان في الدوري الإيطالي    الداخلية تعلن البدء فى إجراء قرعة الحج بعدد من مديريات الأمن بالمحافظات    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    مقتل ثلاثة أشخاص في جامايكا أثناء الاستعدادات لوصول إعصار ميليسا    عشرات شاحنات المساعدات تغادر رفح البري متجهة إلى غزة عبر كرم أبو سالم    الشبكة هدية أم مهر؟.. حكم النقض ينهى سنوات من النزاع بين الخطاب    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    بالأرقام.. حصاد الحملات الأمنية لقطاع الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    بعد خسائر 130 دولارًا| ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روزاليوسف.. ساحة الاختلاف واحترام التنوع
أربعون عاما فى محرابها
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 28 - 10 - 2025

أحيانًا تكون الأحلام بسيطة فى ظاهرها، لكنها تحمل فى أعماقها عوالم من الدلالات والمعانى.. كنتُ أتمنّى، وأنا رئيس لمجلس إدارة «روزاليوسف»، أن أنقل مقر المجلة العريقة من «القصر» إلى «الدور الخامس» بمبناها الشهير فى شارع قصر العينى، ولم يكن هذا مجرد نقل مادى من مكان إلى آخر؛ بل كان محاولة لاستعادة زمن مضى، عاشت فيه الصحافة أجمل سنواتها وأشرس معاركها.. ذلك الطابق الذى احتضن عظماء الكلمة وصاغ وجدان أجيال كاملة من الصحفيين والمثقفين.

الدور الخامس : هندسة الذاكرة الصحفية
ذلك الممر الدائرى الساحر الذى تتراص حوله الغرف، لم يكن مجرد تصميم معمارى؛ بل كان خريطة لوجدان الصحافة المصرية..هناك جلس عبدالرحمن الشرقاوى، ومحمود السعدنى وفتحى غانم، وصلاح حافظ، وأحمد حمروش وعبدالله إمام، وبجوارهم فايزة سعد وجمعة فرحات، وتسمع أصوات ناصر حسين وطارق الشناوى وعبدالفتاح رزق تملأ المكان فنًّا ونقدًا وحيوية.

فى صالة التحرير، كان مجدى مهنا، وسوسن الجيار، وفاطمة إحسان وكمال عامر، وصلاح المنهراوى، ومرفت فهمى وهناء فتحى وأجيال أخرى.. أمّا الغرف المقابلة؛ فقد جمعت أسماء ستظل فى ذاكرة الصحافة: عبدالله كمال، وإبراهيم عيسى ومحمد هانى، وعمرو خفاجى، وإبراهيم منصور، ووائل الإبراشى، ومن قبلهم محمود المراغى، وفيليب جلاب، وعاصم حنفى، ومديحة عزت، ومحمود ذهنى وإبراهيم عزت وغيرهم ممن أخشى أن تخذلنى ذاكرتى عن تذكرهم.

ساحة للفكر وملتقى الاختلاف

كانت «روزاليوسف» قلعة فكرية، ساحة لتحرُّر العقول وانتصار المواقف الوطنية، لم تكن مجرد مبنى؛ بل كانت وعيًا جمعيًا، وفضاءً للإبداع والنقاش والحلم.

لم تكن مجرد مجلة؛ بل كانت ساحة سياسية وفكرية واسعة، جمعت كل ألوان الطيف، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكان المختلفون يجلسون يتحاورون ويتشاجرون ثم يخرجون إلى مقهى واحد يحتسون الشاى أو يتناولون العَشاء، وفى زمن موسى صبرى وصلاح حافظ كانا يتشاجران فكريًا على صفحات «الأخبار» و«روزاليوسف»، ثم يسهران معًا بعد ساعات.

كان «الاحترام» هو الكلمة السحرية التى حكمت العلاقات، ذلك الاحترام الذى اختفى لاحقًا من القاموس السياسى والإعلامى، وحل محله «الإهانة» و«التخوين»، وتحولت حرية الصحافة فى كثير من الأحيان، إلى مرادف للتطاول، وفقدت الكلمة قدسيتها وقدرتها على البناء.



عظماء صنعوا مدرسة صحفية

كنت محظوظًا بأن عملت مع اثنين من عظماء «روزاليوسف» لا يمكن أن يطويهما النسيان: فتحى غانم وصلاح حافظ، كان الأول مَدرسة فى الحكمة المهنية، يردد دائمًا عبارته التى يجب أن تُنقَش على جدار كل قاعة تحرير: «السبق الصحفى الكاذب.. انتحار مهنى»، لم تكن نصيحة عابرة؛ بل قانونًا مقدسًا فى محراب الصحافة.

أمّا صلاح حافظ؛ فقد كان قامة كبرى، صاحب فكر مختلف وحس تاريخى، اختلف مع الرئيس السادات بعد أحداث يناير 1977، حين وصف السادات ما جرى بأنه «انتفاضة حرامية»، بينما رآها حافظ «انتفاضة شعبية» قفز عليها اللصوص فقط.. وهذا الخلاف كلفه منصبه، لكنه لم يكلفه مكانته، وظل أيقونة للتجديد، وأول من أدخل إلى مصر مفاهيم صحفية حديثة، والمفارقة أنه- الاشتراكى اليسارى- أسَّسَ مع عماد الدين أديب صحيفة اقتصادية رأسمالية لرجال الأعمال، هى «العالم اليوم»، التى عملت فيها مساعدًا له.

جرس الإنذار الذي دق مبكراً
مع اقتراب يناير 2011، كنا نشعر بأن الأرض تهتز تحت الأقدام وأن البلاد حبلى بأحداث خطيرة.. كتبت يومها مقالًا فى «روزاليوسف» موجود فى الأرشيف لمَن يريد الاطلاع عليه، عن طالب جامعى وقف فى وجه رئيس الوزراء فى معسكر الطلاب الصيفى بالاسكندرية وقال: «لقد بعتم كل شىء فى البلد، ولم تتركوا لنا شيئًا نبيعه فى المستقبل… فهل نبيع شرفنا؟».

كانت جملة أشبه بخنجر فى خاصرة السلطة، لم تكن مجرد عبارة احتجاج بل إعلان موت الثقة.. لم يكن الطالب وحده، كانت القاعة كلها تصفق له أكثر مما تصفق لرئيس الحكومة، وكانت الإشارة الأولى.

أولًا؛ لأن كلمات الطالب لاقت تصفيقًا مدويًا من زملائه، أكثر من تصفيقهم لرئيس الوزراء، وهذه المفارقة وحدها تعنى أن ثقة الناس فى خطاب السلطة قد انهار بينما اكتسب الغاضبون شرعية جديدة.

ثانيًا؛ لأن الطالب لم يكن معارضًا بالمعنى التقليدى، ولا منتميًا لجماعة محظورة، وربما كان عضوًا فى الحزب الوطنى، أو واحدًا من طلاب معسكرات التثقيف التى ترعاها الدولة، ومع ذلك، حمل غضبًا وجرأة على المكاشفة.

ثالثًا؛ لأن مثل هذا الطالب لم يكن حالة فردية، وكنا نراهم فى الجامعات والمقاهى والأندية وكل مكان، شباب يشعرون بأن المستقبل سُرق منهم، وأنهم بلا أمل سوى الغضب والانتقام.

وأخطر ما فى الأمر أن الإعلام الرسمى، بدلًا من أن يقرأ هذه الإشارات، كان عاجزًا عن الوصول إلى الشارع، وكانت الرسالة الإعلامية غير قادرة على اختراق الجدار العازل بين السلطة والمواطن، والناس كانوا يرونها صوتًا بعيدًا وخطابًا مكررًا ودعاية عقيمة.



فى المقابل احتلت الفضائيات الخاصة والمستقلة المشهد، وتاجرت بالغضب، وصار الطريق الأقصر إلى النجومية هو المتاجرة بآلام الناس.. الصحفى أو المذيع الذى يصرخ فى وجه الدولة يجذب المشاهدين، بينما المُدافع- حتى لو كان موضوعيًا- يُنظر إليه كمَن يضبط متلبسًا.


السؤال الأعمق

تأملت يومَها أن الطالب لم يكن يسأل فقط عن الغاز المُصَدّر إلى إسرائيل، أو عن الفساد، أو البطالة، كان يسأل سؤالًا أخطر: «هل نبيع شرفنا؟».. هذا السؤال لم يكن عن الاقتصاد أو السياسة وحدهما؛ بل عن معنى الانتماء.

كان صوته جرس إنذار، لكن تم التعامل معه بعقلية «الاتحاد الاشتراكى» فى زمن يفترض أنه زمن التعددية ، واعتبره البعض حالة فردية، لكن الحقيقة أن صوته كان يُعَبر عن جيل كامل.

كان الرأى العام أسيرًا لشعور بالاحتقان والغضب، وهو إحساس لم يُولد فجأة؛ بل تراكم عبر سنوات من الإهمال والتجاهل، وكنا ونحن نراقب المشهد، ندرك أن البلاد مقبلة على أحداث جسام، لم يكن من الممكن أن يظل الغضب حبيس الجامعات أو المقاهى.. وحين يذهب الشباب إلى المستقبل فاقدى الثقة فى كل شىء؛ فإن النتيجة الحتمية هى الانفجار.

صحافة الضمير والاحترام

حين أتذكر «الدور الخامس» ووجوه العظماء، أشعر أن الصحافة المصرية هى ضمير الأمة عندما تتسلح بالاحترام والصدق والأمانة، الصحافة ليست صراخًا ولا شتائم؛ بل هى بحث عن الحقيقة، كما علّمنا فتحى غانم: «السبق الكاذب انتحار مهنى».. وهى أيضًا موقف فكرى صادق، كما جسّده صلاح حافظ فى خلافه مع السادات، وهى أخيرًا مسئولية اجتماعية، لأن الكلمة قد تُشعل غضبًا أو تطفئ نارًا.

إنها رحلة بين طويلة تمتد قرابة أربعين عامًا وتحمل ذاكرة صحفية عريقة، وصوت طالب غاضب حمل فى كلماته نبأ انفجار قادم، بينهما تقع مسئولية الصحافة: أن تكون صوتًا للحقيقة، وجسرًا للتفاهم، وساحة للعقل والمنطق فى زمن الصراخ والمصالح.


رئيس المجلس الأعلى للإعلام السابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.