تعمل إدارة الأمن الخارجى (DGSE) تحت إشراف وزارة الدفاع الفرنسية، وبالتعاون مع جهاز الأمن الداخلى، إلا أن تركيز إدارة الأمن الخارجى قائم على جمع وتحليل المعلومات التى تجمعها عن الحكومات الأجنبية الأخرى، وتقدم تقاريرها للمسئولين السياسيين فى فرنسا. بعد وقوع حادث الاعتداء على مقر صحيفة «شارلى إيبدو» فى باريس يناير 2015، وجّهت أصابع الاتهام إلى الاستخبارات الفرنسية (DGSE)، كخطوة لدخول ليبيا ومن ثم أفريقيا، التى تمثل خطاً أحمر بالنسبة لفرنسا، بغطاء التصدى ومحاربة الإرهاب القادم إليه من الشاطئ المقابل، فهناك نشاط استخباراتى وعسكرى غير عادى لفرنسا فى سوريا وليبيا ودول المغرب العربى، وبقية الدول المجاورة، وعلى رأسها مالى، إضافة إلى نشاطات شركة «توتال» النفطية المثيرة للتساؤلات فى اليمن وعلاقتها بالحوثيين.. وكشفت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية عن وجود اتصالات بين السلطات الفرنسية والاستخبارات السورية فى عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند بادر بها رئيس المخابرات الفرنسية «برنارد باجوليه»، وبضوء أخضر من الإليزيه، بإرسال مبعوث شخصى من طرفه لمقابلة رئيس جهاز المخابرات السورية «على مملوك» محملاً برسالة عن فتح نقاشات مباشرة فى باريس بين الجهازين الفرنسى والسورى وتبادل المعلومات، واستلمت المخابرات السورية الرسالة من المبعوث الفرنسى «باتريك باراكون» وهو موظف رفيع فى وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية ووسيطين فرنسيين آخران على هامش زيارة إلى سوريا للقاء الرئيس السورى «بشار الأسد». وأشارت الصحيفة إلى أن الجواب كان بارداً على الرسالة، ويتلخص فى أنه عندما يتوقف الرئيس «هولاند» ووزير خارجيته «لوران فابيوس» عن إهانة الرئيس السورى عند ذلك يمكن أن يفكر السوريون فى تفعيل مثل هذه الخطوة. ولم تكن هذه هى الاتصالات الأولى، حيث سعى جهاز (DGSE) فى عام 2014 للتواصل مع نظام الأسد من أجل التعاون فى مجال مكافحة الجماعات الإسلامية المتشددة، إلا أن دمشق اشترطت إعادة فتح السفارة الفرنسية، وهو ما رفضه الرئيس فرانسوا هولاند وقتها. كما كشف كتاب: «الطريق إلى دمشق.. سجلا أسود من العلاقات الفرنسية - السورية» الصادر فى العالم نفسه للصحفيين الفرنسيين «جورج مالبرونو» و«كريستيان شسنو»، عن وجود تعاون على الصعيد الأمنى من خلال زيارات وفود من المخابرات الفرنسية دمشق عام 2013 للتنسيق حول الجهاديين والجماعات الإسلامية. ولم تكن أعين جهاز (DGSE)، بعيدة عن مالى، ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية نظراً لموقعها المتميز بجوار النيجر التى تحتوى على الكثير من مناجم اليورانيوم بالإضافة إلى موريتانيا وساحل العاج والجزائر الغنية بالثروات النفطية والذهب. ففى عام 2011، أبلغت الاستخبارات الفرنسية الرئيس الأسبق «نيكولا ساركوزى» حليف أمير قطر السابق الشيخ «حمد بن خليفة آل ثانى» فى أوروبا آنذاك، عما وصفته صحيفة «لو كانار أنشينى»، الأسبوعية الفرنسية الساخرة، باستثمارات الدوحة لدى الجماعات الإسلامية، خاصة فى القرن الأفريقى ومنطقة الساحل، حيث توزع الأموال لتسليح ثوار سوريا ومالى وتمويل المتمردين الإسلاميين الصوماليين، والجماعات الإسلامية فى إريتريا، بالإضافة إلى المتمردين الذين يجوبون منطقة الساحل، ونيجيريا. ومن ناحية أخرى، ذكرت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية فى أغسطس 2014 أن الرئيس الفرنسى «ساركوزى» أمر أحد العملاء السريين الفرنسيين باغتيال الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى بناء على أوامر مباشرة. وكشفت الصحيفة البريطانية أن العميل الفرنسى وُجد وسط الميليشيات التى قبضت على «القذافى» فى مدينة سرت وأطلق عليه النار فى رأسه، لتنتهى الكثير من الأسرار بموته. وتعود القصة إلى عام 2010، عندما عرض ساركوزى على الزعيم الليبى مباشرة صفقة طيران ضخمة من مقاتلات «رافال» الفرنسية المحدثة تصل قيمتها إلى عدة مليارات، إلا أن القذافى اشترط أن تقوم فرنسا بإصلاح ترسانة المقاتلات «ميراج» التى بحوزة ليبيا بدون مقابل. ووافق ساركوزى على شروط القذافى، واستقبلت ليبيا أكثر من 25 خبيراً فرنسياً مع أسرهم، ووفرت لهم الإقامة الكاملة فى طرابلس، وقام بعض مديرى الشركات «الليبية - الفرنسية» المشتركة بزيارات إلى باكستان لفتح الطريق أمام الأسلحة القديمة أو غير الصالحة التى تم إصلاحها فى ليبيا، إلا أن القذافى رفض صفقة المقاتلات «رافال»، لأنها باهظة الثمن، ما أوقع ساركوزى فى مأزق أمام حكومته وشركات السلاح الفرنسية، ما دفع ساركوزى لتبنى الحملة ضد نظام القذافى والتحريض على التخلص منه، بعد أن بدأ القذافى يتحدث عن تمويله حملة ساركوزى الانتخابية. ومنذ أواخر عام 2011، قامت الاستخبارات الفرنسية بإبلاغ وكالة الأمن القومى الأمريكى (NSA) بمعلومات حول الدول الأفريقية وأفغانستان، وفى المقابل يقوم الجانب الأمريكى بتقديم معلومات لباريس حول دول أخرى غائبة عن أعينها. ووفقاً لصحيفة «لوموند»، فإن فرنسا لديها موقع استراتيجى لنقل البيانات الإلكترونية، من خلال الكابلات البحرية الموجودة فى مدنها، مثل: بينمارش، ومرسيليا، وبريتانى، وتلك المناطق الاستراتيجية هى فى متناول جهاز (DGSE)، الذى يقوم باعتراضها وتخزين الأساسى من تلك الاتصالات التى تتدفق بين فرنسا والخارج، وكأنها الذراع الطويلة التى تتحكم فى كل شىء. وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن فرنسا ليست الوحيدة التى تقوم بمبادلة البيانات التى تمر عبر أراضيها، فهى ضمن منظومة تضم بلداناً، مثل: إسرائيل، والسويد، وإيطاليا، التى تتلاقى بها الكابلات البحرية الاستراتيجية بالنسبة للأمريكيين. فى غضون ذلك، أطلقت (DGSE) فكرة التنصت ومعرفة كل ما يحدث من ليبيا إلى المغرب، حسبما جاء فى موقع «موندأفريك» الفرنسى، وكان الهدف إرساء أجهزة التنصت فى تونس، للتجسس على الجزائر، حيث كانت هناك حاجة عاجلة للمخابرات الفرنسية لمعرفة ماذا يحدث فى هذه المنطقة بالإضافة إلى تتبع الجهاديين الذين ينتقلون من ليبيا إلى نيجيريا .•