«حينما فكرنا فى عقد هذا المؤتمر كان هناك تصور لأن يكون عن الخطاب الدينى، ولكن القضية الآن هناك حاجة إلى تجديد الخطاب الثقافى كله»، ولكن التجديد بأى حد؟ السطح فقط أم يجوز فى الأعماق؟ الثقافة بأى معنى نفهمها؟ الخطاب واحد أم متعدد؟ ونحن نتطلع من خلال توصيات الباحثين المشاركين، لأن الأزمة ملحة وخطيرة فالأمة بالكامل تتطلع إلينا. هكذا قال فى كلمته الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة اثناء افتتاحه لملتقى «تجديد الخطاب الثقافى» فى دورته الأولى، بمسرح الهناجر، ومعه وزير الثقافة الجزائرى الدكتور عز الدين ميهوبى الذى استمر لمدة ثلاثة أيام بحضور 140 باحثا من 17 دولة. وفى كلمته أيضا قال وزير الثقافة المصرى الكاتب حلمى النمنم: إن «تجديد الخطاب الثقافى»، عنوان يثير التساؤلات، فنحن فى أزمة حقيقية لا يمكن إغفالها، وإن واجب الثقافة والمثقفين العمل على الخروج من الأزمة، فشيوع ثقافة الموت من مدرسة حسن البنا وسيد قطب، وثقافة الأجنبى الذى يأتى بالحرية، والتى جربت فى العراق وليبيا، فشلتا، ولم يبق أمامنا سوى المدرسة الوطنية... أما الدكتور عز الدين ميهوبى، وزير ثقافة الجزائر، فقال فى كلمته ممثلا عن الباحثين: إن تجديد الخطاب الثقافى لا يتم عن طريق إطلاق المفاهيم وإنما تجديد فى الممارسة، حيث يجب تطوير لغتنا، فهى لغة غنية وخصبة، لكننا لم نسع لإيجاد مشتقات جديدة تثرى قاموسها بما يواكب التحول التكنولوجى، فنحن لا نستخدم من معجم اللغة سوى 0.04 % من معجم 12 مليون كلمة تقريبا.. وأكد قائلا: علينا ألا ننغلق فى الماضى، والعمل على تفكيك واقع التعليم فى العالم العربى، لأنه سبب فشل مشاريع النهضة، وحتى يتم تجفيف منابيع الإرهاب والفكر المتشدد، فإن الخطاب يجب تجديده، ليصل إلى خلخلة الواقع.. وإن المجتمعات التى لم تع بعد دور الثقافة فى نشر القيم الإنسانية بين الناس، لن تستطيع التقدم، وتجديد الخطاب الثقافى، لن يتجدد إلا على أساس الحرية، والخلق والإبداع. واختتم كلمته قائلا: حتى تنهض الدولة، يجب أن يكون المثقف هو «الإكسير الذى يتعلم منه الساسة» فمجتمع بدون ثقافة فى أولوياته، هو مجتمع على شفا الانهيار. أما الدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة فقالت فى كلمتها: إن الملتقى يأتى بعد قيام ثورات الربيع العربى، حيث يسعى إلى طموح ورغبة ومزيد من المشاركة فى الواقع، وهذا ما حدا إلى تنظيم هذا الملتقى الذى يشارك به العديد من المفكرين على مدار ثلاثة أيام.. وأضافت: إن الحضارات متغيرة، فالثقافة العربية ترجع لعصور موغلة فى القدم، وهذا له دلالة على أن هذه الثقافة بها عنصر مهم وهو القدرة على التجدد، والانفتاح على الثقافات الأخرى والاتصال بثقافات العالم، مع الاحتفاظ بجوهرها، واستلهام أحد الموارد الأصيلة للمثقف وتحرر الوعى من الكمال الكاذب. وقالت أيضا د. أمل: لن تتحقق النهضة إلا بالوقوف على الفن والإبداع، ضد منطق الجماعة لعقلية الأمس، فنحن نفتقر قيمة حرية الفرد فى المبادرة الشخصية وسط الجماعة، وأن يتغلب المثقف على أزمته، وهى انطلاقه من مبادئ أيديولوجية، سياسية أو دينية. وإن المعرفة المنقولة لا يمكن أن تحرر الفكرة، وإنما لابد من التجدد الذى يعمل فى أعمق المستويات على تعزيز التبادل الفكرى، مؤكدة أننا فى حاجة إلى نظرة حرة تلبية للكشف عن قيم وهويات بدون ضياعها، وأضافت أن الثقافة نشاط معرفى اجتماعى يسهم فى إنتاجها الأفراد والجماعات مقترنة بالوعى، وعلينا الأخذ فى الاعتبار التنوع والقيم الثقافية، وتأسيس القيم الثقافية تكون فيها كل الجماعات برغم تباينها، وإذا كان الكون فى حركة دائبة فنحن جزء من هذا الكون، وجزء من العالم، ولابد أن تكون لنا رؤية ثقافية كاشفة، علينا أن نجدد فى التفكير والنظريات المرجعية، والثقافة ليست حكرا على المثقفين، ولابد أن نعترف أن المثقف يعانى نوعا من العزلة عن بقية فئات المجتمع ويقع عبء معالجتها على المثقف نفسه، فالمثقفون السابقون العظام كانوا قادرين على التواصل مع مجتمعاتهم، وذكرت رفاعة الطهطاوى وغيرهم من الأساطين الأوائل، مشيرة إلى أننا فى حاجة إلى بلورة عقل المواطن العربى وتغيير الواقع إلى الأفضل وإقامة الجسور مع المعرفة الحديثة، وأن نتحول من العقل الناقل إلى العقل المبدع، واستعرضت عوامل الثورة التكنولوجيا والتى حولت الثقافة إلى الذاكرة المعدنية، مما يفرض حالة من الحوار واللامركزية، ولابد أن نهتم بالجانب الاجتماعى والثقافى والاهتمام بالثقافة المتعددة، فالثقافة ليست الكلمة فقط بل السمعية والبصرية والسلوكية، ونقص الثقافة يؤدى إلى نقص الكفاءة والتدهور فى شتى المناحى.. وأكدت أمينة المجلس الأعلى للثقافة ضرورة تكريس قيم الاستنارة، والطموح من خلال هذه السياسات من ثقافة الإنتاج إلى الاستهلاك، التقدم فى مواجهة التخلف، النقد فى مواجهه المساءلة، وغيرها من الثقافات التى يحتاجها المجتمع العربى، وأضافت أنه علينا وضع سياسات ثقافية جديدة قادرة على استيعاب ثقافات جديدة، تتوافق مع ثورات الربيع العربى. • وزراء الثقافة فى الجلسة الأولى رأس الجلسة العلمية الأولى للملتقى الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة، وشارك فيها الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، الدكتور شاكر عبدالحميد وزير الثقافة الأسبق، الكاتب واسينى الأعرج، الكاتبة وفاء صندى. ناقش المشاركون فيها، تجديد الخطاب الدينى، والصناعات الثقافية الإبداعية، وتجديد الخطاب الروائى، وإصلاح الثقافة بوابة لإصلاح المجتمع.. فقال الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق، إن تجديد الخطاب الثقافى، يواجه أربعة تحديات، وهى الاستبداد وغياب الحرية فلا يمكن لخطاب ثقافى أن يزدهر بعيدا عن الحرية ، ثانيا الفقر فنسبة كبيرة جدا من السكان تحت مستوى خط الفقر40 % فى مصر.. وأضاف، إن التحدى الثالث، هو التعليم، لأن لدينا تعليماً لا يتمتع بالجودة على الرغم من أن التعليم هو المفتاح الحقيقى للتقدم ، وهذا ما ينعكس على الثقافة والإعلام وتكوين المثقفين، فالمثقفون يأتون بالتعليم ، أما عن التحدى الأخير، فقال إنه «الخطاب الدينى»، فهو كارثى.. وقال إن تجديد الخطاب الثقافى، لن يكون إلا بنقيض هذه التحديات، وهى بالتعليم الجيد، ومعه بالتوازى، تجديد الخطاب الدينى، والقضاء على الفقر، فلن يحدث تنمية حقيقية فى مصر بدون ثقافة.. فيما تحدث د.شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق، عن الصناعات الثقافية الإبداعية قائلاً: إن الصناعة لا تتعارض مع الثقافة أو الإبداع، فالثقافة والإبداع يمكن أن يصبح صناعة رائجة، فعلى سبيل المثال، «لوحة الصرخة»، تحولت إلى أفلام ثم بوسترات وهدايا.. وقال إن الصناعات الثقافية ليست الحرف التقليدية فقط، فهناك منظومة تشتمل على 16 فرعا، منها الفنون البصرية، فنون الراديو والتليفزيون والإعلانات، السياحة، النشر والكتاب، وغيرها، وذكر عددا من البيانات الصادرة من اليونسكو، وإن الصناعات يمكن أن تكون فردية أو جماعية وعلى مدى ثلاثة أيام استمر فيها المؤتمر بحضور كبير ومتميز لللمثقفين والمهتمين من النخب المصرية والعربية تمت خلالها 20 جلسة علمية متنوعة شارك فيها 95 متخصصا فى شتى مجالات الثقافة والمعرفة متنقلين مابين محاور الملتقى المتنوعة بالإضافة إلى ثلاثة ورش عمل حول آليات تجديد الخطاب الثقافى وتسويق المنتج الثقافى ودور الشباب فى تجديد الخطاب الثقافى وشارك فيها عدد كبير من النخب الثقافية والباحثين المتخصصين. •