انهيار شديد فى صناعة الزيوت داخل مصر.. اختفت المصانع وجرى فتح باب الاستيراد على مصراعيه ليستنزف نصيبًا لا بأس به من العملة الصعبة التى تعانى الدولة من صعوبة توفيرها للمستوردين والضغوط الشديدة على الاحتياطى النقدى.. وتستورد مصر 95 % من احتياجاتها من زيت الطعام حيث لا يغطى الإنتاج المحلى سوى 5 % بعد أن كانت مصر تحصل على الزيوت من بذرة القطن اتجهنا إلى ماليزيا للحصول على زيوت النخيل بالعملة الصعبة. • أرقام صادمة فى خمس سنوات استوردت مصر بقيمة 40 مليار جنيه زيوتًا للطعام من أجل تغطية الاحتياجات المحلية وتوفيرها فى الأسواق وسجلت هيئة الرقابة على الصادرات والواردات المصرية أرقاما ضخمة لاستيراد الزيوت بداية من عام 2011 حيث استوردنا فى هذا العام بقيمة 7.693 مليار جنيه، أما عام 2012 فشهد طفرة كبيرة فى الاستيراد وارتفعت الفاتورة إلى 10.828 مليار جنيه.. واستمرت فوضى الاستيراد فى 2013 لتصل إلى 9.149 مليار جنيه وانخفضت قليلا فى 2014 إلى 8.597 مليار جنيه وحتى يونيو 2015 جرى استيراد بما قيمته مليارا جنيه زيوت طعام. ومثلما يحتكر البعض سلعا كان زيت الطعام من نصيب ثلاثة أو أربعة محتكرين على أقصى تقدير فى نطاق الاستيراد تحديدا، لأن المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وعباد الشمس والذرة وغيرها لم نتوسع فى زراعتها. وتدخل إحدى الشركات التى اشتراها أحد أمراء الخليج فى حصة من ضمن الشركات العاملة فى مصر وهى سلسلة من صناعات غذائية تدخل فيها للحصول على نسب أخرى فى المجال فى الوقت الذى جرى تجريف وتدمير شركات القطاع العام التابعة للدولة والتى تخصصت فى صناعة الزيوت والصابون.. وفى الماضى لم تكن الدولة تعانى بأى حال من الأحوال من توفير زيت الطعام على البطاقات التموينية من خلال صناعته من خلال استغلال بذرة القطن الذى كنا نتوسع فى استيراده ولكن مع مرور الوقت جرى تغيير أنماط استهلاك المصريين لتدخل منتجات أخرى مثل المسلى الصناعى واتجاه بعض ضعاف الضمير لاستيراد الزيوت المهدرجة التى تحمل الكثير من الزيوت المشبعة والتى تصيب الإنسان بالكثير من الأمراض المزمنة أبسطها تصلب الشرايين وارتفاع نسبة الكوليسترول الضار ومرورا بأمراض المعدة ثم الأورام. أما عن المحتكرين فهناك ثلاث شركات تسيطر على السوق المصرية بإحكام شديد.. الأولى يمتلكها رجل يمنى الجنسية وله ثقل كبير فى بيزنس صناعة الزيوت ليس فى مصر فقط بل فى الدول العربية وفى ماليزيا بلد المنشأ لأغلب إنتاجه.. بينما الشركة الثانية فهى سعودية ودخلت بقوة لتسيطر على الأسواق أما الشركة الثالثة التى تحصل على حصة لا بأس بها من السوق فكان ينتمى إليها أحد محافظى الإسكندرية الذين ثار عليهم الجدل بسبب جنسيته الأمريكية وكان يشغل منصب المدير التنفيذى فيها. • القطاع العام باتت أغلب مراكز الزيوت التى تعمل فى مصر من أجل التعبئة فى خليج السويس وبورسعيد فقط بعد أن تأتى المادة الخام من الخارج دون أن يسأل أحد عن الأسباب الحقيقية التى أدت لتجريف هذه الصناعة المهمة.. وكانت شركة الإسكندرية للزيوت والصابون التابعة للقطاع العام مرتعا قبل الثورة للفساد وجرى إلقاء القبض على رئيس مجلس إدارة الشركة والعضو المنتدب وكان من المنتمين للحزب الوطنى متلبسا بتقاضى رشوة من أجل تسهيل ترسية العطاءات والمناقصات بعد أن جرى اتهامه من رجلى أعمال شقيقين وجرى الحكم عليه فى القضية وضبط الكثير من الأموال والعملة الصعبة فى منزله.. أما شركة القاهرة للزيوت التى جرى خصخصتها عام 2000 لصالح شركة كونسوقرة بمنحهم 60% من أسهمها وقد أوقف القضاء الإدارى نظر دعوى بطلان الخصخصة لحين رد المحكمة الدستورية العليا. وكانت شركة طنطا للكتان التى جرى بيعها لمستثمر سعودى وتوقفت بنسبة كبيرة عن العمل والتى كانت تتخصص فى صناعة زيت بذرة الكتان وكانت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية قد دخلت فى مفاوضات معه من أجل ترك الشركة بعد الحكم بعودتها إلى القطاع العام وطلب الحصول على مليار جنيه نظير تركه لها بكل ما فيها من أراضٍ شاسعة وأصول. وازدهر الكثير من شركات القطاع العام فى الماضى والتى كانت متخصصة فى صناعة الزيوت وتحمى مصر وتحافظ على الصناعة مثل مصر للزيوت والصابون والإسكندرية للزيوت والصابون وشركة الزيوت المستخلصة والقاهرة للزيوت والصابون وطنطا للزيوت والصابون ثم طنطا للكتان والآن جرى الاستعانة بالقطاع الخاص وإهدار العملة الصعبة من أجل فتح الباب على مصراعيه من أجل الاستيراد. وباتت معاصر الزيوت بحاجة إلى تطوير كبير بعد أن عفى الزمن على كثير منها فى ظل اتجاه أغلب دول العالم لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة فى هذا الخصوص لاستخلاص أكبر قدر من الزيوت النقية وتكريرها. • الاتجاه للزراعة ويرى الدكتور مصطفى محمد السعدنى أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة جامعة دمنهور أنه بعد التحرر الاقتصادى تقلص دور الدولة فى وضع الأولويات للحصول على المحاصيل التى تحتاجها من أجل تغطية الاحتياجات المحلية مما ساهم فى غياب الكثير من المحاصيل الزيتية. وأضاف السعدنى أن هناك الكثير من المحاصيل الزيتية يمكن الاعتماد عليها فى استخلاص الزيوت مثل بذرة القطن وعباد الشمس وفول الصويا وغيرها ولكن يجب التوسع فى زراعتها حتى تعمل المصانع المصرية بكامل طاقتها وتطوير المعاصر اللازمة للسير فى هذا الاتجاه. وأكد السعدنى أن المنافسة الكبرى فى مجال صناعة الأقطان ساهمت فى تقليص الرقعة الزراعية منها وتوقف الكثير من المصانع العاملة على استخلاص الزيوت من هذه البذور واتجهنا تدريجيا إلى الاستيراد. وأوضح السعدنى أن الفلاحين يتجهون إلى زراعة المحاصيل التى تحقق معهم أرباحًا كبيرة وبالتالى ابتعدوا عن المحاصيل التى لا تحقق أى أرباح مجدية ودفعت الدولة ثمن ذلك بأن اتجهت إلى الاستيراد وبالتالى يجب إعادة النظر فى هذا الاتجاه.. واختتم السعدنى حديثه بأن النهوض بمحصول القطن كفيل بأن يعيد صناعة الزيوت فى مصر إلى الصدارة من جديد وتغطية الاحتياجات المحلية نظرا لأن الإنتاجية الخاصة بالبذور وفيرة ولكن المنافسة العالمية تؤثر دائما على قرار الفلاح باللجوء إلى هذا المحصول الذى كانت مصر رائدة فيه ولا يزال اسم القطن المصرى راسخا فى أذهان دول العالم. • فوضى الاستثمار ويعتبر رضا عيسى الباحث الاقتصادى أن مصر تدفع ثمن الاستثمار العشوائى بعيدا عن التخصصات التى فى حاجة إليها فنشط المحتكرون فى الأسواق المصرية ليس فى مجال الزيوت فقط بل أغلب السلع أو المنتجات الحيوية والحديد والأسمنت وغيرها. وأوضح عيسى أن الدولة لم تكن تعانى فى الماضى من أى أزمات فى الزيوت بسبب استخلاصه من بذرة القطن وكان منتشرا على البطاقات التموينية المنتجات المحلية ولكن مع مرور الوقت جرى تخريب الصناعة الوطنية وتدميرها وباتت القلة القليلة تعمل بالكاد ولا تكفى لتغطية الاحتياجات المحلية. وأضاف عيسى أن القطاع العام فى الماضى كان يغطى احتياجات مصر من الزيوت ولكن بعد الاتجاه إلى الخصخصة وعدم تطويره بالشكل الأمثل كى يواكب المعاصر والمصانع العالمية بات بحاجة إلى الكثير من الأموال لإصلاحه وبدلا من البدء فى اتخاذ خطوات جدية من أجل الإصلاح اتجهنا إلى الاستيراد باعتباره أسهل الطرق. وحذر محمود عسقلانى رئيس جمعية مصريون ضد الغلاء من تنامى الاحتكار فى أغلب السلع الغذائية والمنتجات لاسيما أن خطر الاحتكار لا يقل فى المخاطر الاقتصادية الأخرى فى الوقت الذى ترتفع فيه الأسعار بشكل كبير خاصة فى السنوات الأخيرة التى شهدت قفزة سعرية فى مختلف السلع وليس فى زيت الطعام فقط. وأشار عسقلانى إلى ضرورة العمل على تشجيع الصناعة المحلية فى مختلف المجالات بدلا من الاستيراد من الخارج والضغط على الاحتياطى النقدى. •