لا أعرف على وجه الدقة كيف ستحتفل «مصر» - الدولة والشعب - بذكرى العيد الستين لثورة 32 يوليو العظيمة التى تأتى بعد عشرين يوما بالضبط من الآن؟! لأول مرة منذ قيام ثورة يوليو يحكم مصر أول رئيس مدنى منتخب يأتى من خارج المؤسسة العسكرية التى قامت بثورة يوليو المجيدة، وهو د. «محمد مرسى»، وتوالى على حكم مصر أربعة من أبناء هذه المؤسسة، وهم على التوالى الرؤساء: محمد نجيب، جمال عبدالناصر. أنور السادات، حسنى مبارك والذى حكم بمفرده حوالى ثلاثين سنة أى مايوازى المدة الزمنية للرؤساء نجيب وعبدالناصر والسادات!!
لست ناصريا، لكن المؤكد أن ثورة يوليو كانت عظيمة المجد وأيضا عظيمة الأخطاء، نعم كان لها ما لها، وعليها ما عليها!! وربما كان أهم ما يأخذه خصوم ثورة يوليو عليها تلك الخصومة الفادحة والمؤلمة التى تعاملت بها مع جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا مع القوى اليسارية والماركسية!!
وتمت عشرات المحاكمات الثورية والاستثنائية لكل هذه القوى والأطياف السياسية، وطالت الأحكام بالسجن والإعدام العشرات من هذه الرموز سواء اتفقت معها أو لم تتفق!! لم يغفر «جمال عبدالناصر» لجماعة الإخوان المسلمين - والذى كان أحد أعضائها قبل الثورة - إنها حاولت اغتياله خريف عام 4591 فى حادث المنشية الشهير!! وبعد أن رحل عبدالناصر فى سبتمبر 0791 وخلفه «أنور السادات» الذى أفرج عن القيادات التاريخية لجماعة الإخوان، لم يخطر ببال «السادات» أن حياته ستنتهى على يد إحدى جماعات الإسلام السياسى - تنظيم الجهاد - فى أكتوبر 1891! وطوال ثلاثين عاما هى مدة رئاسة «مبارك» سمح النظام لجماعة الإخوان المسلمين ببعض التواجد السياسى، بل خوض انتخابات مجلس الشعب حتى وصل عدد نواب الإخوان فى برلمان 5002 إلى 88 نائبا - سواء بصفقة مع الحزب الوطنى أو بغير صفقة - وتخلل ذلك محاكمات وأحكام!! وطوال سنوات حكم «مبارك» لم يبق من ثورة يوليو 2591 إلا الإجازة الرسمية التى يفرح بها العاملون فى الدولة - وياحبذا لو جاءت يوم خميس حتى «نلضم» الخميس مع الجمعة فى إجازة واحدة!! مع خطاب روتينى تماما للرئيس السابق يوجه فيه تحية روتينية بر وعتب للرؤساء نجيب وعبدالناصر والسادات!! أما ثورة يوليو نفسها: العدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص، مجانية التعليم، كرامة المصرى، العزة الوطنية، فكلها ذهبت مع الريح، ريح الخصخصة وبيع أصول الدولة، ووفاة الطبقة المتوسطة، وأخيرا البدء فى تنفيذ مخطط التوريث!! ولكن إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر، وهو ما حدث بالفعل مع ثورة 52 يناير المجيدة، التى أطاحت بنظام مبارك ورؤوسه وأركانه ثم أصابتها لعنة الانقسام والتشرذم والأنانية إلى باقى ما نعرفه وتعرفه!! لقد كان اللافت للانتباه طوال 81 يوما- من 52 يناير وحتى 11 فبراير عندما تنحى مبارك عن الحكم، هو امتلاء ميدان التحرير وغيره من الميادين بصور جمال عبدالناصر، واستعادوا واستعاروا شعاره الخالد «ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستعباد» ليصبح «ارفع رأسك فوق أنت مصرى»! وعادت أغانى «عبدالحليم حافظ» الوطنية التى كان يغنيها فى احتفالات ثورة 32 يوليو لتكون هى المعبرة عن روح ثورة 52 يناير!! ولكن لعلك لاحظت فى المليونيات الأخيرة فى ميدان التحرير - سواء بمناسبة أو بدون مناسبة - اختفاء صور «جمال عبدالناصر»!! هل عندك تفسير لذلك؟! هل صدرت تعليمات للثوار والمتظاهرين بعدم حمل ورفع صور جمال عبدالناصر؟ صدقنى لا أعرف!! بعد عشرين يوما ستتم ثورة 32 يوليو عامها الستين - وهو سن المعاش عند الموظفين - كيف ستحتفل مصر به؟! وهل سيلقى رئيس الجمهورية «د. محمد مرسى» خطابا بهذه المناسبة؟! صدقنى لا أعرف؟! لكنى أعرف وأصدق وأثق فى عبارة د. «مرسى» رئيسنا المنتخب عندما قال: أنا رئيس لكل المصريين. وبدورى أقول إن ثورة يوليو 2591 كانت ثورة كل المصريين!!