ما كل هذا الكلام الرائع والكبير عن الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والمواطنة وقبول الآخر والتعايش معه !! ما كل هذا الكلام المنهمر من كل الأفواه عن حرية الرأى وحرية الفكر وحرية الاعتقاد والمتهم برىء حتى تثبت تهمته !! هذا كلام رائع لا يقوله إلا « ملائكة»، ولا يخرج من أفواه بشر عاديين مثلى ومثلك !!
كلهم ارتدوا ثياب الملائكة وانطلقوا يكتبون ويتحدثون ويناقشون ويحلمون بالفضائل ويهاجمون الرزائل، كل أنواع الرزائل!! لكن المثل الشعبى يفضح كل هؤلاء ويمنحهم «صفرا كبيرا» فى امتحان الصدق والشفافية واحترام عقول الناس!! لم تعد خلافات مبادئ، بل أصبحت خناقات على السلطة وذهبها وسيفها، خناقة على من يحكم ويتسلط سواء عبر انتخابات حرة ونزيهة أو بتزوير الانتخابات وتسويد البطاقات وشراء الذمم والضحك على الدقون وغير الدقون!! ما كل هذا الاستعلاء والاستقواء؟! ما كل هذه المنهجية والغرور وهم يتحدثون عن مصر ودستور مصر ورئيس مصر وشعب مصر؟! أين كانت أغلب هذه الأصوات سواء كانوا مئات أو حتى مئات الألوف عندما كان شرفاء الوطن ومناضلوه خلف أسوار السجون والمعتقلات طوال ستين عاما!! أين كانت هذه «النخبة» - التى هى سر نكبتنا وخيبتنا - عندما هللت وصفقت وزغردت لدستور 6591 الذى منح الحاكم والسلطان سلطات بلا حدود!! ∎أين كانت هذه «النخبة» التى هللت ورقصت وأيدت أغرب وأعجب شعار وهو «أهل الثقة لا أهل الخبرة» و«الولاء قبل الكفاءة»!! ارجعوا إلى صحافة مصر طوال ستين عاما، وقلبوا صفحاتها لتعرفوا كيف اخترعنا المستبد وكيف صنعنا الديكتاتور وكيف ساهمنا فى تحويله من « بشر» إلى كائن استثنائى لا يعرف الخطأ !! كانت كل خطبة للحاكم هى «خطاب تاريخى مهم»، وكانت خطبه وتحركاته هى المانشيت الرئيس والخبر الأول، وكان العالم كله ينتظر تلك الخطب التاريخية، لتبشرنا صحافتنا كالعادة بقولها : اهتمام دولى بخطاب الرئيس !! أو « العالم يصفق لخطاب الرئيس» إلى آخر هذا الكلام التافه!! ومن الذى أوحى وأقنع الحاكم بأنه زمن الأحزاب انتهى، وأن هذا هو زمن الحزب الواحد والصوت الواحد والرأى الواحد والفعل الواحد !! من هو ذلك « العفريت النخبوى» الذى أفتى من بيدهم أمور التزوير والتزييف فإن الحاكم لابد وأن يحصل فى أى استفتاء على نسبة 999,99٪ من أصوات الناخبين التى لم تذهب أصلا إلى مقار الاستفتاء !! ومن الذى أوحى للحاكم بشعار « كل الحرية للشعب، ولا حرية لأعداء الشعب»، وكان أبسط تعريف لذلك أن من يختلف مع الحاكم إنما يختلف مع الوطن!! ومن يهاجم الحاكم فهو يهاجم مصر!! الذين سكتوا وصمتوا وخافوا وهادنوا الحاكم وأفتوا بأن الخروج ععليه غير جائز هم أكثر الناس صياحا الآن دفاعا عن الحرية والكرامة ! والذين كانوا فى المعارضة وساهم النظام فى إنجاحهم بالتزوير أو تعيينهم فى المجالس النيابية هم أكثر الناس صراخا الآن وركوبا للموجة الثورية!! يا من تغنون علينا طوال ساعات الليل والنهار، إن أصواتكم رديئة، ولحن وموسيقى الأغنية رديئة، والكلمات التى تغنوها رديئة، فاسكتوا واصمتوا.. كل هذه « النخبة» بتاريخها وشهادتها وثقافتها انكشفت وانفضحت أمام كلمات بسيطة وتلقائية من الفنان الشعبى « سعد الصغير»، وهو ليس محللا استراتيجيا ولا خبيرا دستوريا ولا معلقا سياسيا، عندما نجح فى جمع خمسة وخمسين ألف توكيل تضمن له الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وقال فى حواره مع المذيع اللامع « معتز الدمرداش» : الحكومة استهزأت بالكرسى ده !! والمسئولون استهانوا بالمنصب ولم يضعوا له قواعد صارمة تليق به، مما فتح الباب على مصراعيه أمام كل من هب ودب ليسحب أوراق ترشيحه. وأن الأمر له كله لا يتعدى كونه تهريجا متعمدا للسخرية من هذه المهزلة التى وضعنا فيها المسئولون ! ولم يستنكف « سعد» أن يعترف بصدق أنا دبلوم صنايع، أنا فاشل فى التعليم». شكرا يا « سعد» على درسك لهذه النخبة!