أنا يوم ما قال ممنوع منعا باتا تخصيص قاعات لعقد القران وزغاريد الزفاف وفساتين السهرة في المشيخة حفاظا علي هيبة الأزهر ووقاره, وأن شيخ الأزهر مقامه فوق في العلالي وليس مأذونا. وأنه لن يستأثر بإلقاء خطبة الجمعة كما كان يفعل شيخ الأزهر الراحل الذي كان يخطب الجمعة في كل محافظات مصر أثناء احتفال كل محافظة 27محافظة بعيدها القومي قائلا لا فض فوه: هذه ليست من مهام شيخ الأزهر.. يومها استبشرت خيرا بقدوم الصعيدي ابن دشنا قنا الذي جمع بين تعليمه الأزهري في معاهد الأزهر وجامعته, وبين تعليمه في فرنسا وحصوله علي الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس.. الشيخ أحمد محمد أحمد الطيب.. الشافعي المذهب, والمفتي السابق للديار المصرية, والمترجم لمؤلفات محيي الدين بن عربي من الفرنسية للعربية.. استبشرت خيرا بالطيب شيخا للأزهر. ويوم وراء يوم مع توالي إنجازات الإمام للخروج بالأزهر خلال عام من دوائر الإقصاء والظلال للأمام لإرساء دعائم السلام, ورفض كل دعوات التشيع الدخيل في مصر واعتبارها دعوات مرفوضة يقف لها الأزهر بالمرصاد, في وقت أصبح الخوف من الإسلاموفوبيا ظاهرة عالمية يغذيها الإرهابيون المرتدون زي الإسلام زورا, والذين تكمن قوتهم في زرع فكرهم في ألوف من المسلمين المنتشرين في أنحاء الأمة, لاصطياد أية فرصة للقيام بالأعمال التخريبية التي لا ينال العالم الإسلامي منها إلا مزيدا من الانعزال ومزيدا من حصد الكراهية.. يوم وراء يوم تترسخ الثقة في ابن6 يناير1946 القادم من نسل رحم جامع وجامعة أتي اسمها تعظيما وتشريفا لاسم السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول أنجبت من الثمرات مختلفا ألوانها من المصلحين والفقهاء والمحدثين والشعراء والأدباء ومن الصوفية والفلاسفة الأجلاء.. من الشيخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والمراغي ومحمود شلتوت وطه حسين والغزالي ومصطفي عبدالرازق وسعد زغلول وسيد سابق والشكعة وخالد محمد خالد.. و..أحمد الطيب الثامن والأربعين في ترتيب الشيوخ الذين تولوا مشيخة الأزهر الذي لم يجد عبدالناصر مكانا ومكانة روحية أنسب من منبره الشريف ليخطب في المصريين عندما أتت جيوش العدوان الثلاثي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لعقاب مصر لتأميمها القناة داعيا للمقاومة والتصدي.. وانتصرنا.. انتصرنا بهمة الأبطال.. وأنا يوم ما قال بشجاعة يحسد عليها أنه لم يكن في الأزهر إطلاقا مقص للرقيب, وأن ما فهم من ممالأة من الأزهر للسلطة كان تبرعا من الأزهر وليس إملاء اشتغلت مفتيا, ثم رئيسا لجامعة الأزهر, ثم أخيرا شيخا للأزهر, ولله وللتاريخ لم أشعر بلفظة واحدة ولا بخطاب أو مبعوث واحد من داخل مصر أو خارجها يقول نريد هذا ولا نريد هذا, ولو قيل لي هذا قبل أن أتولي المناصب الثلاثة كان من المستحيل أن أصدقه لأن لدي الجماهير ثقافة الرفض, وتحتاج إلي توعية وتعليم كيف تزن الأمور بحقائقها ومفاهيمها لا بعلاقتها بالسلطة.. ونحن وصلنا إلي حد أن كل من يخدم في ظل السلطة متهم, وقد سئلت في التليفزيون عن أيام الشيخ طنطاوي في أنه كان يتصل ويسأل قبل إفتائه بموعد هلال رمضان فقلت إنه كلام عار تماما من الصحة, ومن الضار التعود علي أن كل ما تقوله الحكومة خطأ, وأن كل ما يلتقي رأيه مع رأيها منافق, لأن الأمور هكذا تضطرب بل تضيع الحقائق.. وعندي الشجاعة أن أقول بأن ثمة قصورا وعجزا في المؤسسة الدينية الأزهرية, فقد أصاب الأزهر كل ما أصاب المؤسسات المصرية من قصور وعجز وتراجع وضعف.. يوم ما قال شيخ الجامع الأزهر كل ده وأكثر حطيت في بطني بطيخة صيفي وقلت الحمد لله لقد أعطي الطيب للأزهر قبلة الحياة من بعد وفاته إكلينيكيا. وأنا يوم ما التقيت في كلامه بالنبرة الجديدة التي عبر بها عن تعاطف الإسلام مع كل الديانات, واحترامه لحرية العقيدة وجدته قد عاد بزخم.. الدور التنويري للأزهر.. يقول الطيب في مؤتمر تعارف الحضارات الذي نظمته مكتبة الإسكندرية في مايو الماضي تحت شعار لتعارفوا: إن القرآن يشير في أكثر من موضع إلي ضوابط عامة وأحكام كلية في نصوص صريحة يتبين منها موقفه من سائر الأديان, وهو الموقف ذاته من اليهودية والمسيحية: سماحة واحتراما وشعورا بالأخوة:( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وأوضح من ذلك الآية التي تلزم المسلم بالبر والإحسان في علاقته بغير المسلم, أيا كان دينه, وكيفما كانت عقيدته, مادام هذا الغير ليس محاربا ولا مقاتلا:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين), والأساس الذي ترتكز عليه هذه الرؤية القرآنية الشاملة هو أن القرآن ينظر إلي الناس جميعا نظرة متساوية, وأنهم أبناء أب واحد وأم واحدة, وها هنا وحدة إنسانية لا تفاضل بين أفرادها إلا بالعمل الصالح, ثم إن القرآن يذكر المسلمين بأنه لم تخل أمة من الأمم السابقة إلا وقد أرسل الله لها رسولا أو نبيا, وأن ما قصه الله من سير الأنبياء في القرآن ليس هو كل ما هنالك في تاريخ الإنسانية, وأن المسلمين واليهود والمسيحيين ليسوا وحدهم أبناء ديانات إلهية, بل هناك من الأمم البائدة أو الباقية آثارها كثير مما نعلمه ومما لا نعلمه وكانت لهم كتب مقدسة, ولهم أنبياء ورسل وأديان وعقائد:( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك) و(إن من أمة إلا خلا فيها نذير).. ويحسب للتاريخ الإسلامي انفتاحه علي الأمم والشعوب والثقافات والحضارات, وكيف تمكن المسلمون من خلال هذا الانفتاح من التعامل مع حضارات وثقافات عدة, أخذا وعطاء وتأثرا وتأثيرا, ويغني عن إثبات هذه الحقيقة ترجمة كتب الأديان والتصوف الهندي, والفلسفة اليونانية, والثقافة الفارسية إلي اللغة العربية في وقت مبكر جدا من تاريخ الثقافة الإسلامية مثل كتاب تحقيق ما للهند من مقولة للبيروني, ومثل الأدب الصغير والكبير لابن المقفع, ومثل مؤلفات أفلاطون وأرسطو وأفلوطين, وأن القرآن بتوجيهاته قد مكن للمسلمين أن يحفظوا حضارات كاملة, لولاهم لما استطاعت الحضارات المعاصرة أن تبلغ ما بلغته من نجاح باهر في العلوم التطبيقية ومن رخاء وتطوير لأساليب المعيشة والحياة. وأنا يوم ما قالها صراحة في مسألة الفتنة الطائفية وجدته قد وضع يده علي الجرح مقدما روشتة علاجه إذ قال: المطلوب بيننا كمسلم ومسيحي الاحترام المتبادل وليس الاعتراف المتبادل, لأن الاعتراف بين العقائد هي أن تترك عقيدتك وتعترف بالعقيدة الأخري, وعندما تعترف بي كعقيدة ستضطر للتخلي عن عقيدتك, ومن هنا لا يجيز القرآن الحوار في العقائد لأنه سيكون بغية الاعتراف, وسيصبح صراعا لنفي دين وإثبات دين, ولا نستطيع أن ننصب سوقا متساوية بين العقائد أبدا, ولابد أن نبتعد بالحوار عن مستوي العقائد, وعلينا أن نتحدث في الأشياء المشتركة بيننا وهي99% من الأمور. وأنا يوم ما شرح موقف الإسلام من المسيحية ضاربا الأمثال قلت هكذا العالم وشيخ الجامع الأزهر وأستاذ العقيدة الذي جمد الحوار مع الفاتيكان إلي أجل غير مسمي بسبب ما اعتبره تهجما متكررا من البابا بنديدكت السادس عشر علي الإسلام ومطالبته بحماية المسيحيين في مصر بعد حادث تفجير كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية, حيث اعتبر شيخ الأزهر أن حماية المسيحيين شأن داخلي تتولاه الحكومة باعتبارهم مواطنين مثل غيرهم من الطوائف الأخري.. وهو الذي قال في هذا السياق: التاريخ يشهد أن الأقباط والمسلمين في مصر إخوة والعلاقة قديمة جدا منذ أن كان سن النبي صلي الله عليه وسلم21 سنة وذهب إلي الراهب بحيرة, وبعد الرسالة هاجر المسلمون مرتين إلي دولة مسيحية وهي الحبشة, ولو قرأنا السيرة العطرة فسنعجب, ففيها علي سبيل المثال أن من تزوج بنصرانية عليه أن يرضي بنصرانيتها ولا يجبرها علي ترك دينها.. ولا يفوتني أن ألفت النظر إلي موقف النبي صلي الله عليه وسلم من السيد المسيح وأمه مريم العذراء, عليهما الصلاة والسلام, حين دخل مكة مع المسلمين وحطم الأصنام من حول الكعبة, ووجد صور الأنبياء والملائكة معلقة علي حوائطها, فأمر بإزالة كل الصور, ماعدا صورة واحدة وضع يديه عليها, وما انتهت عملية الإزالة رفع النبي يديه, فإذا الصورة التي خبأها هي صورة عيسي المسيح مع أمه مريم, وكانت هي الصورة الوحيدة التي بقيت مرسومة علي أحد الأعمدة الداخلية للكعبة, وذلك قبل أن يزيلها تجديد الأعمدة الذي حدث بعد ذلك بفترة طويلة, وقد رأي كثير من الصحابة والتابعين هذه الصورة, ومنهم عطاء بن أبي رباح, وقد سئل: هل رأيت صورة مريم وعيسي؟ فقال:( نعم أدركت تمثال مريم مزوقا وفي حجرها عيسي قاعد, وكان في البيت الكعبة ستة أعمدة, وكان تمثال عيسي ومريم في العمود الذي يلي الباب).. وإن لدينا في مناهج الأزهر إذا تزوج مسلم من مسيحية فليذهب معها إلي الكنيسة وينتظرها, ويرضي بها وبطقوسها, ونعني بذلك أن بيته سيكون نصفه أعيادا مسيحية ونصفه أعيادا مسلمة. وأنا يوم ما قالها جهارا نهارا وعلي الملأ عبر الشاشات أن الخطاب الإسلامي قد انهار وأصبح أسير شكليات وتوجهات, قلت عفارم علي الشيخ الصريح إلي أقصي حدود الصراحة في تأصيل التطرف الديني وإرجاعه إلي التيارات الواردة التي تسيء إلي الإسلام ولا تقدمه كما يليق به, والتي كانت بمثابة الهجمة الشرسة ضد الإسلام المعتدل الذي يمثله الأزهر الشريف, حيث تم تسخير الأموال لنشر الفكر المتشدد في مصر ومحو دور الأزهر, راصدة الملايين لظهور نجوم جدد في مجال الدعوة يحملون ذلك الفكر رضاعة الكبير وبول الإبل وينشرونه بين الناس, وبدأت الأموال الخارجية في إنتاج شرائط الكاسيت لمشايخ الفكر الوهابي التي انتشرت علي أرصفة مصر, وشريط الكاسيت الذي يتكلف عادة خمسة جنيهات علي الأقل تباع نسخته الأصلية علي الرصيف بجنيهين.. وإذا ما كانت الأشرطة هي البداية فقد اكتسحت القنوات الفضائية جميع الساحات لتنشر أفكار التشدد والتعصب, وتعصف بالبقية الباقية من الإسلام المصري المتسامح الذي أرسي الأزهر دعائمه, وإذا ما كانت وسائل الأزهر متواضعة في التعبير عن نفسه وأفكاره فإن الوهابية تبتكر كل يوم وسائل جديدة باهظة التكاليف للوصول للناس لنشر أفكارها.. لقد قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بشفافية ومصارحة غير مسبوقة: لقد أصبح لدينا ما يسمي بالكهنوت الإسلامي بحيث لا يستطيع المرء التقدم خطوة دون البحث فيما إذا كانت تلك الخطوة حلالا أم حراما.. إن لدي الشجاعة لأقول إن التعليم الحقيقي انهار, والخطاب الديني انهار أيضا وأصبح أسير شكليات وتوجهات, فلدينا علي سبيل المثال كام قناة تبث الخطاب الإسلامي في العالم العربي كله.. الأزهر ضعف وأريد لمذاهب أخري أن تنتشر, والأموال صبت لهذه المذاهب, فكانت هي الأقوي طبعا والأعلي صوتا, تريد أن تختطف الناس وتقول لهم يتكلموا إزاي ويأكلوا إزاي.. هذا كهنوت وخطاب يقيد أمة في حاجة إلي النهوض أصلا.. ولا يمكن أن تصل الأمة الإسلامية إلي درجة السذاجة والبله الذي نراه الآن, مع العلم أن كل القنوات والشيوخ اللي بيطلعوا علي القنوات لا يتحدثون في قضية محترمة أبدا. وأنا يوم ما وضع فضيلته يده في يد مرشد الإخوان توجست مما قد يلوح في الأفق لكن عادت الأنفاس منتظمة مصدقة علي قوله: هذا لا يعني بأني بايعته ولكنه أمر طبيعي أن أحتفي بشخص يأتيني, وتوجه الأزهر مختلف عن توجه الإخوان, ولكن هذا لا يعني أن أصادر علي الناس توجهاتهم, والأزهر ليس حركة أو جماعة أو تنظيما أو حتي حزبا, ولكنه إماما للمسلمين جميعا.. ولأني لست منفتحا علي مذهب دون آخر فقد استقبلت أحدا من الإخوان, وآخر من السلف, والجماعة الإسلامية, ووفدا من الأقباط, والمفكرين.. وبشكل عام استقبل كل الأطياف المؤثرة أو التي ستؤثر في مصر لنتفق علي إطار موحد وليس خطابا موحدا تتكامل كل خطاباتنا فيه ويصب في مصلحة مصر, وهذه رسالة الأزهر أن يجمع كل الأطياف, ويكون بيننا جميعا سلام, وإذا لم يتواجد فلن نقدر علي النزول إلي الشارع.. ولا وجود لخلاف بين السني والشيعي يخرجه من الإسلام.. ونحن نصلي وراء الشيعة, فلا يوجد عند الشيعة قرآن آخر كما تطلق الشائعات, وإذا قمت بزيارة للعراق فسأزور النجف.. وكل الفروق بيننا وبينهم هي مسألة الإمامة.. وأنا يوم ما هاجم السلفيون الأضرحة سألت عن الأزهر فوجدت شيخه القائل: تجاوز البعض في التيار السلفي وهم يخرجون في ذلك عن معني السلف, وأن ما يقولونه لا يمت للسلف من قريب أو بعيد بصلة خاصة في اهتماماتهم التي ظهرت أخيرا ولم تظهر في التصدي إلي مشكلات الاقتصاد المتردي والتعليم والفقر والمرض مع أن هذه مقاصد عليا في الإسلام يجب التصدي لها, لكنهم للأسف تصدوا للأضرحة وكأنها هي من ستحرر مصر من كل مظاهر التخلف والتراجع, وقلت مسبقا إنهم يقدرون علي الاستمرار في الحديث عن الصلاة في مسجد بضريح أو بغير ضريح واللحية والنقاب, ولكن ليس لديهم الاستعداد لدقيقة واحدة مثلا لدراسة تاريخ بيت المقدس أو مشكلة تهويد إسرائيل لبيت المقدس, ولك أن تتصور مذهبا تدور اهتماماته في هذا المجال الذي يفرق ولا يجمع, ولو بدأ يصرخ في البرية في قضية وحدة فلسطين سيلتف الجميع حوله ورغم أن هناك الكثير منهم واعون لكن للأسف فالذين يملكون الصخب هم الفريق المتشدد.. ولقد تصديت للمذهب السلفي وأنا بجامعة الأزهر فكرا وإعلاما في وقت خشي الجميع ذلك, لأنه سيحرم من ميزات مادية دنيوية كثيرة جدا, وسهل أن أتصدي لهم بعد أن عرفت كيف يتعامل هذا التيار داخل جامعة الأزهر والأموال التي يتعامل بها شهريا لجذب الطلاب. فكان هناك شبه مرتبات شهرية للطلاب الذين أتوا من ماليزيا مثلا, وتأكدت أنهم يمارسون داخل الجامعة دورا يشبه الدور الذي يمارسه التبشير في أفريقيا, ولكني أعود لأؤكد أن الجميع ليسوا هكذا فحين اتصلت بعلمائهم وجدتهم رافضين لهذا, ولكن المشكلة أن الخارجين عليهم ليسوا تحت السيطرة والأموال ليست في أيدي هؤلاء العلماء الأفاضل.. وهذا التيار لا تجدي معه إلا المواجهات الفكرية فقط التي يخشونها ويهربون منها. وأنا يوم وجدته واقعيا احترمت واقعيته التي قد تصدم البعض عندما قال: من الأمور التي تحبطني كثيرا من الذين يأخذون قرارات بعيدة تماما عن الواقع الذي يتحدثون فيه.. بل إن تنفيذها في حكم المستحيل مثل المطالبة بعودة الأوقاف للأزهر ليغدو مستقلا ماليا مثلما عادت أوقاف الكنيسة إليها.. فكيف تعود الأوقاف وكان للأزهر130 ألف فدان أوقاف وزعت علي الإصلاح الزراعي وتفتت, ولو عادت هذه الأرض للأزهر لكفت كل احتياجاته.. والسؤال هل يمكن أن تعود؟! والجواب: هذا غير ممكن.. و..لدي16 ألف وافد ووافدة من102 دولة في جامعة الأزهر, ولدي حوالي15 ألفا آخرين, وهناك طلاب من الكويت والسعودية ومن الدول الخليجية يدرسون مجانا في الأزهر ولا أتلقي مليما من هذه الدول البترولية, وقد يتبرعون للجامعة الأمريكية لكن أبدا لم يتبرعوا للأزهر ولا لمكتبته, وهناك حساب لنا في بنك مصر مفتوح للزكاة وآخر للتبرع.. وأوافق علي انتخاب شيخ الأزهر حينما تضمن لي أن هيئة كبار العلماء التي ستنتخبه لن تتأثر أو تشتري بالأموال, ولم يحدث مسبقا أن انتخب شيخ الأزهر فكان تعيينا وحين يعين لا يعزل, ولكن النظام الجديد أن يكون كل شيء بالانتخاب, وأنا لا أشجع الانتخاب في جو يمكن أن تشتري فيه الأصوات, والثروة تؤثر علي الضمائر والمصالح العليا, فأي شخص لديه قدر من المال ينجح بأن يأتي بشيخ الأزهر.. ولم أقدم استقالتي لكني مرت بي أوقات كانت فيها الأمور غائمة أمامي تماما, وفكرت في ترك المكان لكني تنبهت كيف أن هذه المؤسسة التي يزيد عمرها علي1050 عاما قد وضع الله أمانتها بين يدي, وتأكدت من أن هناك من يتربص بها ويخطط للقفز والاستيلاء عليها فتيقنت من أن استقالتي تعتبر هروبا من الميدان, والقرآن يحرم التولي يوم الزحف, فأخذت علي عاتقي مع إخواني البقاء ما مد الله في أعمارنا إلي أن توضع مشيخة الأزهر علي الطريق الصحيح.. ولو تأسست دولة دينية في مصر فسيكون الأزهر أول من يحاربها.. وكلنا شاركنا وصفقنا للنظام السابق ونتحمل جميعا المسئولية, لكن لم يكن ممكنا أن أعلي صوتي وأقول لا لأن هذا كان سيحدث اضطرابات سأتحمل مسئوليتها.. والجميع كان مع الثورة بقلبه عدا الناس الذين حملوا أرواحهم علي أيديهم ونزلوا إلي ميدان التحرير, وهناك بعض الحركات التي حاولت اختطاف الثورة وهذه المحاولات لاتزال قائمة.. ولا أعتقد أن الدولة تدخلت لتهميش الأزهر لكنه انغمس فيما انغمس فيه الآخرون.. وفي الأزهر أصوات متباينة وليست تيارات, فتيار الوسطية والاعتدال هو السائد والمسيطر.. ودور الأزهر صنعه تاريخه والأصوات الزاعقة في الساحة صنعتها الأموال.. وتعبير الأزهر عن الوسطية أمكن له الاستمرار, ولو تخندق الأزهر حول فكرة بعينها أو تيار مثل السلفية والوهابية لما استمر وتواصل. وأنا يوم ما أعلن فضيلته الذي استطاع خلال عدة أشهر أن يعيد للأزهر توازنه, وهو الجامع الأول بالقاهرة الذي شرع جوهر الصقلي في بنائه يوم السبت لست بقين من جمادي الأولي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ليوضع فيه طلسما فلا يسكنه عصفور ولا تفرخ فيه سائر الطيور وتترك مخلفاتها.. الجامع الذي أبطل قاضي القضاة بن درياس خطبة الجمعة به في عهد صلاح الدين ليبقي معطلا منها مائة عام لحين عودتها مع الملك الظاهر بيبرس.. الجامع الذي أصابته الزلزلة في ديار مصر في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة لتتجدد عمارته في عهد السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ليبقي مؤذنو الأزهر يدعون له بعد صلاة الجمعة حتي زمان المؤرخ المقريزي1356-1423 ه الذي دون تلك المعلومة في مؤلفه المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية.. وها هو الصعيدي ابن الطيب يأتي في عام2011 ليعمل علي عودة الأزهر كمنارة العالم الإسلامي وقبلة العقل المسلم التي حافظت علي الشريعة الإسلامية وعلومها, وعلي اللغة العربية وآدابها, ليجسد نهج الإسلام في التعددية والوسطية الجامعة للحفاظ علي التواصل الحضاري وتربية طلابه علي الاستقلال الفكري بإتاحة حرية اختيار المذهب, والكتاب والتخصص, والأستاذ.. وهو المنهج الذي سبق فيه الأزهر كل جامعات الدنيا....... يوم ما أعلن الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب عن وثيقة الأزهر لمستقبل مصر وجدت فيها مسيرة يسيرة تلتزم بروح الإسلام الصحيح, وتتوافق مع مقتضيات عصرنا الراهن, وتلبي شوقنا إلي الحرية والعدالة والديمقراطية في الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد علي دستور ترتضيه الأمة يضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها علي قدم المساواة.. وجدتها تضمن حقوق المرأة والطفل.. وجدتها تؤكد أن المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع, وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخري الاحتكام إلي شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.. وجدتها تؤكد ضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين, مع اعتبار الحث علي الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن.. وجدت فيها الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون معوقات.. وجدت فيها النظام الديمقراطي القائم علي الانتخاب الحر المباشر وهو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشوري الإسلامية بما يضمنه من تعددية وتداول سلمي للسلطة.. وجدت فيها احتراما تاما لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار.. وجدتها مناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني.. وجدت حرصها التام علي صيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي في إطار منظومة قيمنا الحضارية الثابتة.. وجدتها ترسخ أهمية العلم والبحث العلمي باعتبارهما القاطرة التي تصنع تقدم المجتمع.. وجدت فيها استقلالا للأزهر مرجعا وتراثا واجتهادا وفقها وفكرا حديثا.... وجدتها ضالتي.. حتي ولو ظلت مطروحة علي بساط النقاش العام.. اتفاقا واختلافا.. حتي ولو اعتبرها البعض استرشادية أو صيغة للتوافق أو نقلة نوعية علي المستوي الفكري أو تحركا واعيا لسد الفجوة بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير أو وثيقة أزهرية تؤسس لدولة مدنية أو غير ملزمة أو الفوق دستورية أو وصايا الشيخ الطيب.... حتي لو.. فإنني أجدها بحثا عن خلاص مما نحن فيه الان! المزيد من مقالات سناء البيسى